الهوية العربية ولعبة الاقتباس الثنائي

فقدان نموذج إصلاحي إيديولوجي خاص عبّد الطريق أمام التحكم في الشرق الأوسط.
هل أفقد الاستقطاب الذات العربية تدريجيا؟
شينخوا (الصين) – تعد المشاكل الإيديولوجية على صلة مباشرة بالاستقرار طويل المدى للدولة، وفي هذا السياق سبق أن قال ماركس “إن النظرية إذا تحكمت في الناس، يمكن أن تتحول إلى قوة مادية”.
لذا فإن الثقة الحضارية في النفس ترتبط بصفة مباشرة بنهوض أو سقوط الدولة وعندما تكون الدولة قوية واقتصادها مزدهر، يكون باستطاعة الجماهير تعزيز ثقتها في طريق التنمية والأفكار السياسية للدولة، في المقابل عندما تتحلى الدولة بثقة إيديولوجية في النفس، يكون باستطاعتها التعلم من إنجازات الثقافات الأخرى، وعدم إضاعة نفسها.
وتعد مسيرة البحث عن الذات في العالم العربي مثالا جيدا في هذا السياق. فقد تمكنت الحضارة العربية الإسلامية من تحقيق إنجازات كبيرة عبر التاريخ، لكنها شهدت انحدارا كبيرا خلال التاريخ الحديث، ما أجبرها على البحث عن طريق جديدة للخلاص. ويمكن القول أن العالم العرب الإسلامي لكي يحقق “المنعرج الحضاري الإبتكاري”، فإنه على الأقل لايمكن الانفصال عن شيئين اثنين. أولا الخصوصية الثقافية، وهي الانتماء العربي والإسلامي، وثانيا التعلم من الإنجازات الثقافات الأخرى.
ولأن العالم العربي لم يعبر بطريقة نظامية مطهرة التيار الكبير للتصنيع، لذا فإن الحضارة الإسلامية الغارقة في النمط الاجتماعي والإنتاجي التقليدي من الصعب أن تقدم دعما إيديولوجيا كافيا لعملية التحديث الاقتصادي، وهذا يستدعي الحاجة إلى الاقتباس من الثقافات الأخرى لتحقيق عملية الإنعاش.
وتضيف صحيفة الشعب اليومية الصينيةفي تقريرها أنّ العالم العربي جرب خلال قرابة المائة عام الأخيرة مختلف الإيديولوجيات، لكن نظرا لأنه كان دائما منسلخا عن المعياريْن سالفي الذكر، فإن هذه الدول لم تتمسك فعليا بخصوصيتها ولم تتعلم جيدا من إنجازات الثقافات الأخرى، وظلت تغرق تدريجيا في الارتباك الإيديولوجي. فقد جربت الإمبراطورية العثمانية في أواخر عهدها العديد من الطرق على غرار العثمنة، والأسلمة والتتريك وغيرها من أشكال الهوية، لكن ذلك لم يمنع انهيار الإمبراطورية في النهاية.
أما الدول العربية التي خرجت عن الإمبراطورية العثمانية فواصلت تلمس مختلف الطرق، حيث حاولت أو جربت الإصلاح الإسلامي، القومية الاشتراكية العربية، الرأسمالية الليبرالية وغيرها من وصفات العلاج، واعتمدت الأنظمة الشمولية، الديمقراطية البرلمانية، والجمع بين الدين والسياسة، والأنظمة الملكية التقليدية وغيرها، لكن جميع هذه الدول لم تعالج إلى الآن مشكلة “رفع أي راية، وسلك أي طريق”.
الجدير بالانتباه أن تعاظم القوة العسكرية والاقتصادية الغربية، جعل الثقافة الغربية أكثر إشعاعا وتأثيرا في العالم، زد على ذلك عزم الدول الغربية على تصدير الإيديولوجية، وهو ما ساهم في تخمر جزء من النخبة العربية بالنظريات والطرق الغربية، والنظر إلى التجربة الغربية على كونها “قيم كونية”، وفقدان الذات تدريجيا. وفي الوجه المقابل لهذا التوجه، يوجد تشكيك كلي أو حتى إنكار كلي للطرق والأنظمة والثقافة المحلية، وهو ما عمق الاستقطاب داخل الدول العربية، وأضعف قدرة الحكومة في السيطرة على الوضع، وضاعف الضغوط على الحاكم، بل فقد جزء من الحكام السلطة على قيادة الإصلاح، الأمر الذي عجل بإنيهار السلطة.
وقد كانت التغيرات الكبيرة التي شهدها العالم العربي في 2011 على صلة بالارتباك الإيديولوجي الذي كانت تعانيه الدول العربية منذ وقت طويل.
وحتى إبان التغيرات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، قبلت الدول ذات الصلة مقولة “الربيع العربي” دون تفكير، وهذا أيضا بسبب ارتباك النظريات وارتباك الطرق، ومواصلة النقل عن النظريات والتجارب الغربية والنظر لـ”الديمقراطية” ببساطة على كونها طريق الخروج من الأزمة. وقد عكست الأوضاع التي مرت بها مصر خلال شهري يوليو وأغسطس عمق أزمة النظريات والطرق التي تعانيها هذه الدول، حيث فقد الاستقطاب الثنائي الحد الأدنى من الصبر تجاه أي تجربة سياسية، واستمر في الانتقال من مأزق لآخر. ونتيجة ذلك في النهاية هو الوضع الأسوأ، وهذا يجعل عملية التغيير والتحكم في الشرق الأوسط أسهل على الدول الغربية.
ميدل ايست أونلاين