التعليم “أونلاين” يعزز مكانة الإسبانية في مقدمة اللغات الأجنبية الأكثر دراسة

هل يمكن تعلم اللغة الإسبانية عن طريق برنامج سكايب للدردشة؟ و قد تبوأت لغة ثربانتيس ? مؤلف رواية دون كيخوتة ? مكانتها الرائدة في الولايات المتحدة بين اللغات التي تحظى بإقبال أكثر على الاكتساب والتعلم بين اللغات الأجنبية الأخرى بفضل عدة عوامل من بينها تقدم طرق التدريس عن بعد واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة. إنه عالم يفتح آفاقا جديدة ولكن الأمر لا يخلو أيضا من منغصات.
تضاعفت منذ العقد الماضي عروض المدرسين الذين استفادوا من مميزات تطبيقات حديثة مثل “سكايب” و”مودل” للترويج لدورات تعليم اللغة، إضافة إلى تحسن خدمات الانترنت التي سمحت باستمرار التواصل بين الطرفين.
ازدهرت هذه الظاهرة مع تفشي الأزمة المالية، والتي دفعت الكثير من الطلاب لإيثار التعليم عن بعد، والذي لا يشترط حضورا لاستكمال الدراسة والحصول على شهادة.
في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية ( د.ب.أ )، تؤكد لاورا راميريز مديرة أكاديمية “لغة حية” أو “Live Lingua” أن “نقدم دورات لتعليم 10 لغات عن بعد، والإسبانية هي اللغة التي تحظى بالإقبال الأكبر سواء من الطلاب الحاليين أو من العملاء المحتملين.
وتوضح مديرة الشركة المتخصصة في تعليم اللغات بكامل تفاصيلها عن بعد “أونلاين” أنه “عاما بعد عام لاحظنا زيادة مطردة تتراوح بين 30% إلى 40% في أعداد الأشخاص الذين يدرسون الإسبانية معنا”.
تقدم الشركة لطلابها خبرة ممارسة كاملة للغة، حيث توضح لاورا أن هذا يتم بفضل تطبيقات “سكايب” المتطورة التي تتيح للمدرسين والطلاب أن يشعروا بأنهم يجلسون فعليا في نفس قاعة الدرس، في أقل من بضعة دقائق. “يمكن للواحد استخدام برنامج الدردشة، فيمكن لكل من الطالب والمدرس تبادل النصوص، كما لو كانا يتبادلان الدفاتر، كما يمكنهم أيضا مشاركة عرض سبورة أو حتى تسجيل الدرس” تستطرد المديرة في شرح مزايا هذه الوسيلة التعليمية المبتكرة.
بالإضافة إلى مميزات التكنولوجيا، تتيح الدروس أونلاين ميزات أخرى عملية، مثل الاستمتاع بالحصص في أي مكان يوجد به وصلة انترنت، سواء في المنزل أو المكتب أو حتى من على البحر في وقت الأجازة.
وأخيرا، فيما يختص بالجانب المادي تقول لاورا “وبما أننا قد وفرنا في الجانب المتعلق بالبنية الأساسية، فيمكننا تقديم حصص تعليم لإسبانية مقابل عشرة دولارات في الساعة، فيما يمكن أن تصل تكلفة دروس تعليم اللغة في نيويورك بحضور الطالب والمدرس إلى 100 دولار في الساعة”.
غالبية المدرسات في الأكاديمية من السيدات، ويعيشون في أمريكا الجنوبية أو المكسيك، ومن ثم يعد مبلغ سبعة دولارات ونصف الذي يحصلون عليه في الساعة دخلا جيدا، مقابل عمل يمكنهن القيام به من المنزل حيث يكون بمقدورهن رعاية أطفالهن في نفس الوقت.
من جانبه تؤكد كارمن بلانكيث، مديرة معهد ثربانتيس في نيويورك (المركز الثقافي الإسباني) أن اللغة الإسبانية تعيش الآن عصرها الذهبي في الولايات المتحدة، فهي تعتبر اللغة الثانية بعد الإنجليزية، كما يبلغ نسبة المتحدثين بها ثلثي الأجانب المقيمين في بلاد العم سام. وجدير بالذكر أن معهد ثربانتيس في نيويورك بدأ نشاطه منذ عام 1994 وأصبح منذ ذلك الحين عزز مكانته كأهم مرجعية ثقافية للإسبانية في الولايات المتحدة.
بعد سنوات طويلة من التطوير، أسس معهد ثربانتيس قاعات متخصصة في برامج التعليم الافتراضي والمعروفة اختصار بـ (AVE) لتقديم دورات دراسية عن بعد لتعليم اللغة الإسبانية للأجانب، ودورات تأهيل للمدرسين أيضا من خلال تطبيقات الانترنت.
يلاقى هذا المنتج إقبالا كبيرا، وخاصة من جانب المهتمين بالتعلم دون اشتراط الحضور، كما بدأت تتزايد بصورة أكبر المدراس التي تتطبق هذه التقنيات، لتحل محل الكتاب والمدرس والفصل والطالب التقليديين، وهو ما تؤكده مديرة ثربانتيس “تتزايد الطلبات التي نتلقاها من الطلاب الذين يعربون عن رغبتهم في حضور دورات الفصول التقليدية لأسباب مختلفة، وإدراجهم في الدورات الافتراضية المستقلة بدون معلم”.
بالرغم من ذلك يواجه ازدهار ظاهرة التعليم عن بعد، انتقادات حادة من جاتب بعض مدرسي الإسبانية، الذين عبروا عن مخاوفهم من إمكانية تراجع جودة التعليم. في هذا الصدد يقول أستاذ علم اللغة الإكوادوري خورخي جاييجو إن “معظم مدرسي الإسبانية في الولايات المتحدة ينحدرون من أصول لاتينية، أو مواطنين إسبان لم يجدوا فرصة عمل أخرى، ويفتقرون لمهارات التدريس”.
من وجهة نظره، يعتبر أن الوضع يزداد سوءا مع طفرة التعليم عن بعد، والتي يؤكد أنها تسببت في “تراجع الأسعار وتراجعت معها بكل أسف الجودة أيضا”، معربا عن قناعته أنه “خلال عامين سيكون مستقبل تعليم لغتنا الذي يشترط حضور الطلاب في الولايات المتحدة سيكون فعليا من الماضي”.
تتفق المديرة الفنية لمعهد ثربانتيس في نيويورك مع مخاوف جاييجو في هذا الاتجاه “يجب الأخذ في الاعتبار وبصفة خاصة في حالة تعليم لغة أجنبية، أهمية العنصر الاجتماعي والثقافي، الذي قد يكون من الصعب اختباره من خلال برامج تعليم تدرس بالكامل عن بعد أو بصورة افتراضية”.
يرى جاييجو، مؤسس أكاديمية “الإسبانية السلسة” الرائدة في مجال التعليم عن بعد، أنه توجد مخاوف من أن يتحول التعليم أونلاين لمجرد وسيلة تبادل بين مواطنين لاتين يفتقرون لمهارات التدريس وطلاب يتطلعون لنوع من التبادل الثقافي ينقلهم إلى بلد بعيد ومثير، كما ينتقد تكدس السوق بمنتجات وتطبيقات أونلاين وبرامج تعليم مشكوك فيها.
يحذر الخبير اللغوي “يجب أن نناضل من أجل ألا تصبح الإسبانية لغة مطبخ”، مؤكدا أنه “أمر رائع أن يهتم الأمريكيون بلغتنا وثقافتنا، ولكننا يمكن أن نقدم شيئا أفضل ونعزز مكانة الإسبانية ليس فقط بوصفها لغة ثقافة بل وكمرجعية سياسية واقتصادية”.
يوضح جاييجو أن المواطن الأمريكي يتعامل مع الإسبانية بمفهوم أنها لغة “درجة ثانية”، يدرسها فقط لكي يتمكن من السفر إلى دول لاتينية، وهذا أمر ينعكس على السعر الذي يدفعه مقابل الدورات التي يحصل عليها، معربا عن أسفه لأن مدرس اللغة الألمانية يكون من حقه في ظل هذه الظروف، طلب ضعف ما يحصل عليه مدرس الإسبانية في الساعة.
في هذا السياق، يقول ” لا يزال هناك جهد كبير لنبذله، فالركلات التي توجه للغة من الإذاعات ومحطات التليفزيون اللاتينية في الولايات المتحدة، تضاعف المأساة، سواء من حيث تراجع جودة اللغة بحجة إرضاء المشاهد، وبالرغم من أن هذا وضع محطة يونيفيزيون (Univisión) في صدارة القنوات الأكثر متابعة في البلاد، إلا أنها أصبحت القناة الأقل جودة بالنسبة للمحتوى المقدم للجمهور”.
هدهد