الغنوشي رائداً في الفكاهة السياسية

عرف الغنوشي كيف يدير اللعبة ويوجهها لصالح مفاهيمه الاصولية، وعرف كيف يدفع المعارضة إلى إعادة حقبة بورقيبة.
بقلم: فاروق يوسف
حسناً فعل سياسيو تونس، راشد الغنوشي ومعارضوه حين وقفوا مترددين وحائرين بين احمد المستيري ومحمد ناصر لاستلام منصب زعامة الحكومة في المرحلة المقبلة. فالرجلان يمثلان خبرة سياسية لا يمكن الاستهانة أو التفريط بها.
وإذا ما كانت المعارضة تميل إلى أن يشغل مرشحها ناصر ذلك المنصب، كونه الأكثر شبابا (79 سنة) فان المستيري وهو مرشح الغنوشي والذي لا يكبر مرشح المعارضة إلا بتسع سنين (88 سنة) ظهر بكامل لياقته البدنية، وهو يرغب فعلا في المنصب من أجل اخراج بلده من المتاهة التي صار يمشي في دروبها أعمى، بعد أن سقطت جمهورية بورقيبة ونهضت على اطلالها جمهورية البوعزيزي.
كان الغنوشي قد مارس دهاءه، حين قدم رجلا طاعنا في السن، مرشحا مستقلا بديلا عن رئيس الوزراء النهضوي. سلوك الغنوشي انطوى على رسالة عميقة المعاني. استلمتها المعارضة وصارت تمشي على هديها حين رشحت رجلا مسنا، ليس بينه وبين حيوية الشباب إلا الذكريات.
لقد اراد الغنوشي أن يقول للتونسيين إن الربيع الذي هبت رياحه من بلادهم لتغزو بلدانا عربية قد انتهى في اللحظة التي سلموا فيها مصيرهم لحركة النهضة التي يتزعمها. وهو ما وافقت عليه المعارضة ضمنيا من خلال مرشحها.
لقد صار مفهوم الربيع العربي عبارة عن اسقاط طبقة سياسية لتحل محلها طبقة سياسية، كانت محرومة من الحكم ومن منافعه.
لم يطرأ اي تغيير على مفهوم الحكم.
هاهما بورقيبيان يتنافسان على منصب رئيس الحكومة. كل واحد منهما يستند إلى قوة تطمح من خلاله إلى الانفراد بالحكم والتمكن من ادارة مصالحها بالطريقة المثلى.لم تبتعد المعارضة كثيرا عن طريقة الغنوشي في النظر إلى تطلعات التونسيين واحلامهم. سيعود الشعب إلى مكانه الأصلي، شاهدا متقطع الأنفاس، مخيبا وتابعا لمن يحكم باسمه.
لقد عرف الغنوشي كيف يدير اللعبة ويوجهها لصالح مفاهيمه الاصولية.
فبالنسبة للغنوشي، كونه زعيما دينيا، لا وجود لسلطة اسمها سلطة الشعب. مفهوم الرعية هو ما يجب أن يسود. اما المواطنة فهي اختراع غربي تتم المتاجرة به حين الانتخابات.
لا أحد يلوم الغنوشي في ما ذهب إليه. فتلك هي فكرته التي لم تكن غامضة يوما ما. ما فعلته حكومته يؤكد مسعى حركته إلى أن تنتقل تونس من اطار الدولة المدنية التي أسسها بورقيبة إلى المنحى الذي يسلمها إلى الاطار الديني.
اللوم كله يقع على المعارضة.
فالمعارضة لم تحسم خيارها جذريا في اتجاه الانحياز الكامل إلى التغيير الجذري. كانت صدمة رحيل بن علي وسقوط النظام القديم كما يبدو أكبر منها.لم تقو المعارضة على ارتجال حلولها المستقبلية، التي يتم من خلالها اقتراح شكل حديث لدولة مدنية، تكون المواطنة أساسا لبنيتها، لا يمكن التراجع عنه.
لقد لجأت المعارضة إلى حل شبيه بالحل الذي لجأ إليه الغنوشي ولسان حالها يقول “ما دمنا قد اختلفنا على مرشحينا لنعد سوية إلى حقبة بورقيبة”.
وفي هذا يكمن حنين طفولي إلى أن يحل الأب الغائب مشكلات الأولاد الذين ضيعوا الطريق في ظل غياب الحكم الشمولي، الذي صارت كل المعطيات الواقعية تشير إلى أنه كان قدرا ضرورياً. وهو أمر مؤسف فعلا.
بين ناصر والمستيري مسافة لا تُرى. ولا يمكن قياسها بتلك السنوات التسع التي تفصل بينهما. كلاهما يمثلان عودة إلى الوراء. بل هي عودة مستحيلة بالنسبة لكل خيال سياسي، كان يراهن على تونس باعتبارها رائدة الربيع العربي.
سيكون علينا أن ننصت إلى ضحكات الغنوشي راشد باعتباره ملكاً لفكاهة سوداء، استطاعت أن تكشف بمكرها هزال المعارضات العربية.
سينظر التاريخ إلى الغنوشي باعتباره رائدا في الفكاهة السياسية.
فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين
هذا المقال عبارة عن محاولة للخوض في امور يجهل الكاتب الكثير من أغوارها (مع الاعتذار عن استخدام المصطلح) اذ يكفي الاطلاع على احد كتابات الشيخ كالحريات العامة في الدولة الاسلامية مثلا ليعلم مدى التجديد الذي انتهجه الشيخ في هذه المقاربة بشكل يكون من التجني نعته يالسلفي او الاصولي.حقا نحن في زمن تطاول الرويبضات على القامات.عدا ذلك لا يستحق المقال عناء التفحص لفقدانه الحيادية والموضوعية.