صلاح كرار في حوار : الحركة الإسلامية فشلت حين أصبحت دولة و«فارقت الدرب»..إنشطارات الحركة الإسلامية ومفاصلتها تحتاج لكونسلت

حوار : إعتماد عوض
جلسنا معه لعدة ساعات فمنذ بداية ظهوره المفاجيء إرتبط في الأذهان بأنه «هرقل» الإنقاذ و«ساحرها» الإقتصادي و«الكجور الكبير» وضارب «دف» سياسة التحرير الإقتصادي و«فكي الهجعة» و «ود المبارك شيخ» ظهرمجلس قيادة ثورة الإنقاذ و«الباتع» الذي أدخل الخوف في سكان عشش فلاتة ب«سحره» «وعروقه»
التي ابطلت بمفعولها عمل عتاة الشيوخ وبذا كشف خداعهم وضعف «خوارقهم» وهاجر أهل عشش فلاتة وتم ترحيلهم إلى الإنقاذ « الحي» ولم يصدق أحد ما حدث لهم .. بل ولا زالوا في حالة إغماء مما تم قسراً وبلا وعي.. والآن تحولت «العشش» الأطلال إلى حي النزهة.. وتندروا حول نجاحهم في سكن مميز وأطلقوا عليه الوزير «دقس».
جلسنا معه منبهرين وغير مصدقين بأنه يجلس بيننا في وداعة وتواضع وهو الذي ملأ بأحاديثه وقراراته الملتهبة كل مكان لإرتباطها بعمليتنا الوطنية التي إفتقدت الدفء بجانب الدولار وترنحت أمام ضرباته القاضية كما يحدث الآن كانت سياسة التحرير أنشودة ملأت الآفاق وحلماً جميلاً إلا أن الواقع أحالها إلى كابوس الحاوي الذي إستضفناه (بالوطن) العميد «م» مهندس بحري صلاح الدين كرار عضو مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الذي يجلس الآن بعيداً عن ظل السلطة وقريباً عن الجهازين التنفيذي والسياسي ، ويتوق الآن لتكوين حزب جديد بعيداً عن جلباب المؤتمر الوطني، تحدث معنا بصراحة عن المستور في مشواره وعن المخبأ وعن الشائعات وعن المسكوت عليه ندعوكم لقراءته سراً وجهراً..
خاض مخاطر كثيرة والإصرار على درب السياسة وسطر إسمه في أروقة التاريخ بماء الذهب الخالص.. ساح معنا في مدارات ومسارات متعددة ومناخات متنوعة.. فماذا قال العميد صلاح الدين كرار؟؟

٭ أهلا وسهلاً بك ضيفاً عزيزاً
أين ولد ونشأ العميد صلاح الدين كرار وما هو تحصيلك الدراسي؟
– أنا مولود بجزيرة مقرات بمحلية أبوحمد عام 1947
مراحل الدراسة ما بين أبوحمد وبورتسودان حاصل على ماجستير الإدارة العامة من جامعة الخرطوم
٭ التفرغ للسياسة؟
– بعد قيام ثورة الانقاذ في 1989 وحتى الآن
٭ الصعوبات في العمل السياسي؟
– العمل السياسي كله صعاب وقد عبر عنه أحد الكتاب المصريين بقوله (من يعطي جزء من حياته للسياسة عليه أن يكون مستعداً ليعطي جزء من سمعته).
٭ هل الحركة الإسلامية ذابت في المؤتمر الوطني؟
– الحركه الإسلامية ومنذ أن عادت إلى الظهور في العام 2004 أرادوا لها أن تكون تحت عباءة المؤتمر الوطني ومستفيدين في ذلك من تجربة صراعهم مع الدكتور حسن الترابي.
٭ الحركة الإسلامية أم القوات المسلحة هي التي أدخلتك مجلس قيادة الثورة؟
ـ للتاريخ كنت عضواً في الحركة الإسلامية منذ العام 1963م وتواصلت المسيرة ولم تنقطع إلى أن أصبحت بفضل الله عضواً في تنظيم الضباط الأحرار داخل القوات المسلحة ومنذ ذلك التحقت بالجيش وتوطدت علاقاتي عن طريق الحركة
الإسلامية وشاركت في إنقلاب الحركة 89 عن قناعة تامة بالرغم من أنه الآن تغيرت قناعاتي خاصة عندما أسترجع الماضي او أجتر الذكريات تهتز تلك القناعة.
٭ كيف تم إبعادك من الحكومة؟
ـ كان يرى عدد من المدنيين الذين كانوا على رأس النظام في السودان آنذاك ضد الهيمنة العسكرية وإلى يومنا هذا يخشون من العسكريين لأسباب كثيرة جداً جداً فدائماً نحن في القوات المسلحة نقول مهما تلون الضابط أو الجندي أو العسكري بلون عرقي أو قبلي أو سياسي؛ فالقوات المسلحة طبيعتها تصهر
الإنسان في القالب الوطني بمعنى أن تغلب المصلحة الوطنية على أي إنتماء آخر.
هذه طبيعة المؤسسة العسكرية ونذكر مثالاً على ذلك عندما جاءت مايو «لونو» نميري وخالد حسن عباس ومجموعتهم بأنهم قوميين عرب واتهموا عدداً منهم بأنهم شيوعيين؛ إلا أن الواقع حتى هذه اللحظة لا يستطيع الإنسان سواء في القوات المسلحة أو خارجها أن يقول لك إن هاشم العطا أو فاروق حمدنا الله أو
بابكر النور رحمه الله كانت لهم انتماءات يسارية وذلك للذين يعرفون القوات المسلحة وإنتمائها القومي فهي بعيدة عن الإنتماءات العرقية والقلبية، والإنتماءات السياسية تأتي في مرحلة متأخرة عن الإنتماء للوطن والإنتماء للمؤسسة العسكرية، دائماً نحن نقول عندما يدخل الطالب الكلية الحربية فإنه لنا مقولة مشهورة وإلى يومنا هذا «إن الكلية الحربية هي البوتقة التي ينصهر فيها اهل السودان ليصبحوا أعضاءً في المؤسسة العسكرية، فلذلك رغم إنتمائي للحركة الإسلامية لكني وإلى يومنا هذا الأولوية عندي للوطن على أي إنتماء آخر.
٭ سياسة التحرير الإقتصادي هل كانت ناجحة هل كانت مهمة وهل كنت انت جزء منها؟
ـ سياسة التحرير الإقتصادي سياسة اقتصادية معروفة ومن أدوات الاصلاح الإقتصادي العالمي، في أي بلد عندما تريد أن تطبق سياسة التحرير الإقتصادي يجب أن يكون من مطلوباته توفير شروط أساسية لتطبيقها«أخونا» عبد الرحيم حمدي هو مهندس سياسة التحرير وكان لنا آراء ولكن هذه الآراء وبمجرد أن يعبر عنها ويصدر القرار كنا ندافع عن هذه السياسة بإعتبارنا جزءاً أصيلاً من هذا النظام وجزءاً من هذه الحكومة وجزءاً من الجهاز التنفيذي لذا دافعنا عنها دفاع المستميت وأعتقد أن سياسة التحرير الإقتصادي ورغم ما صاحبها من تشوهات وصاحبها من آثار اقتصادية سالبة على الطبقات الضعيفة لكن في النهاية آتت أكلها بحلول عام1999م وكان هذا بمثابة نهاية البرنامج الثلاثي المكون من ثلاث مراحل البرنامج الأول، البرنامج الثاني، البرنامج الثالث.
ففي 1999م إنتهى مدى هذا البرنامج وحقق نتائج باهرة جداً وناجحة بداية بإستقرار سعر الصرف، كما زاد الإنتاج وانخفضت معدلات التضخم ـ ثلاثة مؤشرات مهمة جداً يقاس بها الإقتصاد سعر الصرف للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية التي استقرت، انخفض التضخم إلى معدلات غير مسبوقة وزاد الإنتاج في الإقتصاد بسبب السياسات، لكن للأسف الشديد عندما جاءت الطفرة البترولية عام 2000م خاصة عندما تم تصدير أول شحنة كان هنالك إنفصام بين البرنامج ا لثلاثي الذي حقق نجاحات كثيرة وجاءت مرحلة جديدة في ظل الوفرة
الإقتصادية، نذكر مثال على ذلك مؤشرات اقتصادية وأرقام حسابية في العام9991 فعندما انتهى البرنامج الثلاثي للإنقاذ الإقتصادي كان الناتج القومي الإجمالي للسلع والخدمات او ما ينتجه الإقتصاد من سلع وخدمات في القطاع الخاص والعام بلغت 9 مليار دولار.
و في 2009 قبل انفصال الجنوب حيث بلغ الناتج القومي الإجمالي نفس الناتج الإجمالي من سلع وخدمات في القطاع الحكومي والقطاع الخاص بلغت 53 مليار دولار وهذا فرق كبير جداً.
٭ أين ذهبت الـ«53» مليار دولار؟
ـ لوكان هنالك وصل بين البرنامج الثلاثي الذي انتهى في 1999م وفترة الوفرة للعملات الحرة من تصدير البترول في عشر سنوات لأن البرنامج الإقتصادي الاول كان يقوم على تحريك الإقتصاد من الجمود وتوجيهه نحو الإنتاج الزراعي والحيواني وحتى لو لم نركز على أي شىء حتى الصناعة إلا الصناعة التحويلية إذا انتقلنا من البرنامج الثلاثي إلى فترة الوفرة وأستطعنا أن نحول مشروع الجزيرة وهو بمساحته 2،2 مليون فدان تروى رياً انسيابياً من غير إستهلاك طاقة و ركزنا على الثروة الحيوانية، حيث توجد لدينا احصائيات متباينة بين 120
مليون 150 مليون رأس من الثروة الحيوانية هذه النسبة إذا استطعنا أن نصدر منها 5 ملايين رأس في السنة لتحول السودان إلى قوة اقتصادية كبيرة.
السودان لم يهتم بالميزات النسبية مثل كوريا وسنغافورا والصين التي اهتمت بميزاتها الاقتصدية ونهضت بها توجد لدينا ميزة نسبية في الإنتاج الزراعي والحيواني ولا مخرج لنا إلا الإهتمام ودعم الإنتاج الزراعي والحيواني لذلك ركز البرنامج الثلاثي الأول على الزراعة والإنتاج الحيواني فلذلك توجد المشكلة.
و في 9991م إنتهي برنامج لا علاقة له بما تم في العام 0002. حيث تحول الإقتصاد إلى اقتصاد إستهلاكي وحتى البنيات الأساسية لا أسبقية لها على الإنتاج الزراعي وأشياء كثيرة صرفت فيها هذه الأموال.
وعندما انفصل الجنوب وتوقف بترول الجنوب أنا سميتها مرحلة «الذهول» لاننا أصبحنا في حالة ذهول أين ذهبت هذه الأموال «زي الإنسان الغني وفجأة أصبح معدماً» بالتأكيد يصاب بالذهول الأموال لم تستغل في الميزات النسبية التي تميز بها الإقتصاد، وحتى نجني ثمارها في زمن الندرة.
٭ هل اختفيت حقاً من الساحة السياسية وإلى أين إتجه صلاح الدين كرار الآن؟
ـ أنا لم أختف من الساحة السياسية وإنما كنت تعنين الظهور في الساحة السياسية في المواقع أنا خرجت من آخر تشكيل وزاري في مارس 8991م وبعد سبعة أشهر ذهبت سفيراً في البحرين وقضيت ما يقارب خمس سنوات كان ممكن أن أواصل أكثر من هذه الفترة وذلك شأني شأن السفراء الذين تم تعيينهم سياسياً وعندما جاهرت بآرائي في قضايا محددة بعدها فصلت من سفارة البحرين في 2003م.
٭ حدثنا عن فترة السفارة؟
ـ أنا حقيقة كنت معترضاً على ذهابي إلى سفارة يستطيع السفير العادي أن يقوم بهذه المهمة فقد عرض علىّ العمل بعدد من السفارات جلست 7 أشهر إلى أن تقرر أن أخرج في ذلك الوقت وكان ذلك قبل الإنشقاق بين القصر والمنشية ثم قرروا أن أخرج من السودان ، خاصة اني بدأت أجاهر بآرائي وغيرها فطلب مني أن أذهب إلى البحرين وهي الدولة العربية الوحيدة التي لم تكن بها سفارة للسودان وطلب مني تأسيس هذه السفارة وهي سفارة صغيرة في بلد صغير وجلست فيها ما يقارب الخمس سنوات.
في العيد الرابع عشر للإنقاذ في العام 3002م كتبت مقالاً عنوانه «الإنقاذ وهي تبلغ سن الحلم» من المعروف أن سن الحلم 41سنة ومن ضمن ما كتبت انه يفترض في الإنقاذ التي إنفردت بالحكم 31 عاماً أن تتيح المشاركة مع الآخرين بعد 31عاماً من التمكين، حيث ما عادت هنالك خطورة تواجهها لإقتلاعها وبالتالي ليس من مصلحة الإنقاذ أن تنفرد بالحكم وعليها أن تشرك الآخرين وكان لنا رأي في أن اتفاقية السلام التي وقعت في 5002م أن لا تنفرد بها حكومة الانقاذ وأن تشارك الأحزاب الأخرى حتى لا تتحمل وزر هذه الإتفاقية إن «حدث الإنفصال وإن حدثت الوحدة يصيب الإنقاذ محمدتها.
٭ مذكرة الإصلاحيين ما رأيك فيها ؟
ـ مذكرة الإصلاحيين هي ليست المذكرة الأولى لكثير من الناس الذين حاولوا الإصلاح داخل المؤتمر الوطني، وليست هي المرة الأولى التي نحاول أن نصلح حال الإنقاذ التي الآن دخلت في عامها الـ52 يعني ربع قرن فأي انسان عاقل لا يستطيع أن يقول بإن نظام أستمر52 عاماً ليس لديه أخطاء ولا يحتاج إلى مراجعات في مسألة تطبيق الشريعة الإسلامية وباقي مسيرته وحتى قبل هذه المذكرة أو هذه الرسالة نحن نسميها رسالة إلى رئيس الجمهورية بعد احداث 22 من سبتمبر هي رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية ولكن سبقتها مذكرة اصلاحية في اول سبتمبر قبل الأحداث تم تجاهلها بتأثير من أعداء الإصلاح داخل المؤتمر الوطني.
عندما جاءت الأحداث بدأنا نحن كمجموعة من الإصلاحيين وأعضاء في المؤتمر الوطني وأعضاء في الحركة الإسلامية في مواقع متقدمة، منا من هو عضو في المكتب القيادي، وآخرون أعضاء في المجلس الوطني رأينا لابد أن تكون لدينا رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية تتناسب مع الأحداث التي تلت قرارات رفع الدعم على المواد البترولية.
٭ مقاطعة..؟
لماذا رئيس الجمهورية.. أين مؤسسات الحزب
– لأن الأحداث هي محسوبة على رئيس الجمهورية وهو رئيس الجهاز التنفيذي الذي تشارك فيه حكومة الوحدة الوطنية ويشارك فيه الإتحاد الديمقراطي بشقيه ويشارك فيه حزب الأمة.
وخاطبنا رئيس الجمهورية في ظل هذه الأحداث التي سالت فيها دماء الأبرياء، ونحن نتحمل وزر هذه الدماء، ولذلك كانت هي الرسالة المفتوحة للسيد الرئيس، وهذا ما استنكره علينا الناس في المؤتمر الوطني وقالوا الوقت غير مناسباً «يعني الرسالة متفق عليها» ونحن رددنا عليهم بان الوقت تفرضه الأحداث عندما تكون الأحداث كبيرة لابد أن يقال القول في زمنه، وما كنا نستطيع أن نصدر هذه المذكرة بعد أن يقتل الناس وتنتهي الأحداث.

٭ هل يُمكن أن يرجع صلاح الدين كرار مرة أُخرى للمؤتمر الوطني؟
ـ أنا أقول قولة نحن خرجنا إخراجاً من المؤتمر الوطني، وقالوا لنا وهذه هي آية (أنكم شرزمة قليلون وأنكم لنا لغائظون) فهم قالوا في تعبيراتهم أو تعليقاتهم نحن شرزمة قليلة رأينا لا يُؤثر على الحزب فهؤلاء الناس إذا جلسوا في الحزب سيدمرونه تماماً من الداخل، فلذلك أنا بالنسبة لي المؤتمر الوطني أصبح من الماضي، ولن أتحدث عنه كثيراً لأنه أصبح حزباً أنا ليس عضواً فيه بالرغم من أنني لم أُقدم إستقالة وجُمدت في المحاسبة الأخيرة وأنا لم أهتم بالتجميد، ولكن بيني وبين نفسي أصبح لي المؤتمر الوطني شيئاً من الماضي ولا يجوز لي أن أتحدث عنه كثيراً بإعتباري لست عضواً فيه، ولن أتحدث كما كنت أتحدث به في الماضي كنت أريد الإصلاح ولم نستطع الإصلاح فقالوا قولتهم الشهيرة أعلاه.
٭ وجهة نظر ليس إلا
٭ كيف يجب أن يكون الحل لهذه الأزمات الإقتصادية وفق تصورك؟
ـ أنا من أكثر المتفائلين بإصلاح الإقتصاد السوداني لماذا؟
لأن الإقتصاد السوداني يمتلك إمكانيات موجودة في الإقتصاد السوداني غير متوفرة في دول كثيرة ولن ينهار الإقتصاد السوداني في يوم من الأيام، فتوجد لدينا إمكانيات ضخمة جداً «مياه وأرض» وآخرين لا يملكون مثل هذه الإمكانيات على سبيل المثال دولة مثل سنغافورة تستورد مياه الشرب من ماليزيا لأن سنغافورة ركزت على إنسانها فقط وهو موردها الوحيد، وكوريا دولة ركزت على الإنسان ايضاً وأصبحت قاعدة صناعية من غير أي موارد واليابان قبلها بنفس الطريقة. السودان إقتصاده بخير ولكن نحن في الستين سنة الماضية لم نستطع أن نستغل مواردنا بصورة حقيقية يعني كان هنالك تخبط وهنالك عدم ترتيب للأولويات والأسبقيات وإنجاز لنا أن
نستثنى الفترات الأولى بعد الإستقلال وغيرها أنا أفتكر فترة وفرة البترول أكتر فترة يجب أن نقف عندها ونقيمها ونبحث عن الأخطاء التي إرتكبناها حتى نستطيع أن نمضي إلى المستقبل.
ولا شك أن إقتصاد السودان بخير، لكن إدارة الإقتصاد السوداني سيئة جداً في كل هذه العهود.
يعني إدارة الإقتصاد السوداني هي السبب، ودا مجال كبير يضيق المجال أن نتحدث فيه، ولكن إذا أحسنا إدارة الإقتصاد السوداني ستتقدم البلد على سبيل المثال، هنالك أموال ضخمة
ضائعة فيما يسمى «بالتجنيب» خارج الميزانية وتقوم بها وزارات سيادية لا يستطيع وزير المالية أن يصلها ولا يستطيع المراجع العام الذي يراجع كل الحكومة أن يصل هذه الوزارات وهذا أخطر باب أدى إلى فشل الإقتصاد السوداني ، ما أود أن أخلص إليه أن الإقتصاد السوداني بخير ، الإقتصاد السوداني يحتاج فقط إلى إدارة فاعلة ويحتاج إلى ولاية كاملة مائة في المائة لوزارة المالية على المال العام ة في الولايات وفي بعض الوزارات السيادية الخارجة عن طاعة وزير المالية.
٭ أين تتجه العملية السياسية في ظل الخلافات؟
ـ العملية السياسية مطلوبة ولن يستطيع المؤتمر الوطني بعد «52» سنة من الإنفراد بالحكم وحتى الحكومات التي تسمى حكومة وحدة وطنية وائتلافية وكل المسميات الآن هي شكل صوري، مثال لذلك الحزب الاتحاد الديمقراطي المسجل حزب السيد محمد عثمان الميرغني
والذي كان رئيسه السيد محمد عثمان الميرغني رئيساً للتجمع الوطني الديمقراطي في أثيوبيا وأريتريا والذي وقع الإتفاقيات مع الحزب الحاكم عندما كان معارضاً كان يرأس تلك المعارضة بما فيها الحركة الشعبية برئاسة جون قرنق، بعد الإنفصال كل زيارات السيد رئيس الجمهورية ووفود المفاوضات التي تتم بواسطة لجان مع الجنوب في كل القضايا مثل قضايا قسمة السلطة والثروة. وكذلك القضايا المعلقة لا نجد دوراً فيها للحزب الاتحاد الديمقراطي بالرغم من العلاقه الوطيدة للاتحادي الديمقراطي بدولة الجنوب ولكنه لا وجود له في تلك الزيارات وآخرها كان زيارة السيد رئيس الجمهورية الأخيرة للجنوب ، هذا يؤكد أن
حزبنا القديم ينفرد بالسلطة، لكن هذا الإنفراد لا مجال له بعد 52 عاماً لأنه لابد للمؤتمر الوطني إن لم يكن بإختياره سيرغم على أن ينزل إلى الساحة ويلم الشمل السياسي ويتوافق مع الجميع من أجل أن يكون هنالك سودان معافى سياسياً إقتصادياً لأن المخاطر المحيطة بالسودان
الآن أخطر من المخاطر التي كانت تحيط بالسودان قبل 98 ، كان لدينا آنذاك حرب الجنوب على بعد الف كيلو متر من الخرطوم الآن الصراعات التي تحيط بالسودان سواء أكانت بالنيل الأزرق أو جبال النوبة أو كانت في دارفور هي أقرب كثير جداً للخرطوم مما كان عليه وضع الحركة الشعبية وحرب الجنوب قبل 98 وهذا إدعى أن بالمؤتمر الوطني أن ينزل ويشارك الآخرين وهي قوى سياسية فاعلة جداً وقوى لها جماهير في الساحة السياسية.
٭ هل المصالح السياسية تتقدم على المصالح الوطنية؟
– نعم أنا أعتقد وأعني بذلك المؤتمر الوطني يقدم مصالحه الذاتية على المصالح الوطنية بدليل
رفض الآخر الآن المشاركة تتطلب تنازل وتتطلب شفافية في اشراك الآخرين في الدوائر المغلقة للمسائل الأمنية وبعض المسائل السياسية. لذلك أنا أقول نعم المصالح الذاتية للحزب الحاكم تقدم على المصالح الوطنية.
٭ هل تعتقد أن تباين المواقف من مذكرة الإصلاحيين في المؤتمر الوطني تشكل بعض الأزمات ؟
ـ نعم وهو وضح تماماً الطريقة التي تعاملت بها مجموعة محدودة مهيمنة على المؤتمر الوطني وردت الفعل العنيفة التي قامت بها هذه المجموعة تجاه مذكرة لم تحتو إلا على قضايا معلومة حتى هم أنفسهم كانوا يتحدثون عنها ، نريد إصلاحاً نريد تغييراً ، لكن لم يكن في شكل مذكرة
أو برنامج فردت الفعل كانت عنيفة كما ذكرت والدليل على ذلك تشكيل لجنة المحاسبة قبل أن يحقق معنا و إنتقلوا إلى المحاسبة المباشرة لأن الغرض حاسبوهم وأفصلوهم وجمدوهم وأبعدوا هذه الشرزمة التي نعتقد إذا بقيت في الحزب ستشتت هذا الحزب ولذلك نحن نعتقد
أن هنالك تبايناً في الآراء فما زال في المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية كثير من العُقلاء، لكن أصواتهم ونفوذهم ضعيف يعني الأصوات التي علت في الساحة مستنكرين المذكرة ومطالبين بحسم هذه الفئة وبفصلهم كان الأعلى.
٭ هل أن عدم الإتفاق على المعايير الديمقراطية هو الذي يؤدي إلى الإنفراد بالحكم؟
ـ كما ذكرت أن هنالك انفراد بالحكم والمؤتمر الوطني كما ظهر في الإنتخابات الماضية 0102م
واضح فيها أن المؤتمر الوطني كان يسعى للانفراد بالحكم لدرجة انه ذهل أن تكون نتيجة الإنتخابات فوزه بأكثر من 09% يعني كرّس كل المال وكل السلطة وكل الوسائل المشروعة
وغير المشروعة في أن يفوز بالأغلبية وفوجيء بأن الأغلبية وصلت 09% حتى لم تكن 06 % ولم يكن رقماً معقولا لأي إنتخابات شفافة وبالتالي أنا أعتقد إن الإنفراد بالسلطة هي سمة من
سمات المؤتمر الوطني ولا نعتقد في المستقبل أن المؤتمر الوطني سيسمح لآخرين أن يشاركوه ولن يسمح بإنتخابات شفافة ولن يسمح بانتخابات حرة وأن يكون للآخرين دوراًً فيها.
٭ ما مدى تأثير الخلافات داخل المؤتمر الوطني على الأحزاب السياسية؟
ـ أكيد الحزب المهيمن والحزب الذي له الأغلبية هو حزب المؤتمر الوطني تميزه ميزات لا توجد في الأحزاب الأخرى حزب يمتلك المال والمال الوفير فأضخم مال يملكه حزب المؤتمر الوطني ما لا يتوافر لمجموعة الأحزاب وعنده السلطة السياسية وعنده سلطة الإعلام الآن هو يهيمن على كل أجهزة الاعلام .
فكيف تنافس حزب بهذه القوة في انتخابات توصف بالحرة وهي لا يمكن أن تكون كذلك في ظل هذا الواقع.
٭ هل تعتقد أن هذه الخلافات تدفع الوضع إلى انتخابات مبكرة؟
ـ لا أعتقد لأن الانتخابات المبكرة تفرض على المؤتمر الوطني وتربك استعداداته وتعطي الأحزاب السياسية الأخرى في الساحة ميزة نسبية.
أنا أعتقد لن يسعى المؤتمر الوطني إلى انتخابات إلا إذا تأكد أنه سيفوز بأغلبية، لذلك لا أعتقد أن هنالك مجالا لإنتخابات مبكرة بل
نحن في دعوتنا وفي مذكرتنا الأولى طلبنا من السيد رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني بأن يجري إصلاحات فيما تبقى له من فترة رئاسية مثل تكوين حكومة قومية لا علاقة لها بالحزب يصبح هو رئيس الجمهورية وقائد أعلى للجيش ، وبذا نضمن أن الإنتخابات القادمة ستجرى في جو معافى وفي حرية وشفافيه ، إن لم يحدث ذلك لن يصدق الناس لأن المؤتمر الوطني لن يجعل أحداً من الأحزاب أو مجموعة من الأحزاب أن تفوز بالأغلبية هذا
مقترحنا بديلاً للانتخابات المبكرة ومازلنا نقول إن أمام السيد الرئيس فرصة سيحفظها له التاريخ إن أجرى إصلاحاً فيما تبقى من 31 شهراً أو 71 شهراً في الانتخابات القادمة في
5102م ، المطلوب أن يكون حكومة أياً كانت حكومة قومية أو حكومة محايدة حكومة يطمئن لها الناس وبها يدخل الانتخابات القادمة بإعتبارها حكومة محايدة حكومة غير منحازة
توفر الحد الأدنى من الشفافية والحرية وضمان انتخابات يعبر فيها الصوت الذي يدخل الصندوق عن مجموع الشعب السوداني والصوت السوداني
٭ لماذا يصروا على إنتخابات 5102م؟
ـ أصروا لأنهم عايزين الفترة المتبقية يأخذوها على طريقة السودانيين «ليها فرج لحدي 5102م» لكن الحقيقة السياسي الناجح الصادق مع نفسو ومع شعبو هو الذي يغتنم الفرصة التاريخية التي إن شعر بانها فرصة مؤاتية لتحقيق مصلحة قومية وليس مصلحة حزبية يستغل هذه الفرصة فرصة له وللحزب يدخل بها التاريخ ويحفظ له الشعب السوداني هذا الموقف.
٭ لماذ لم تنجح التجربة الاسلامية؟
ـ فشلت الحركة الإسلامية بعد أن أصبحت دولة في 89 «فارقت الدرب» في تقديم النموذج الذي عرفت به أيام كانت دعوة يعني لم تعد الحركة الإسلامية التي تجلت في الأستاذ علي عثمان محمد طه زعيم المعارضة في آخر برلمان الذي كسبت فيه الجبهة الاسلامية القومية قاعدة ضخمة جداً بسبب ما رسخته من قواعد وقيم هي قيم الدين الإسلامي، وهذا ما نسعى له نحن الآن في حزبنا الجديد أن نرسي قيم الدين التي تجعل هنالك وطناً متميزاً يحارب الفساد والتعدي على المال العام الوطن المتميز الذي يجعل قيمة الوقت قيمة أصيلة ويجعل حرمة دم الإنسان قيمة أصيلة وحرية الفرد في التعبير أن يقول مثلما قالت المرأة لسيدنا عمر بن الخطاب كيف تحدد ما أباحه الدين« وأن أعطيت في إحداهن قنطاراً » عندما قال : قد أخطأ عمر وأصابت إمرأة ، هذه قيم التعبير معيار الحرية معيار مطلق في ظل قيم الدين الإسلامي.
نحن لا ننكر تطبيق الحدود بل نحن معها لكن على الدولة الإسلامية مسؤولية كبرى أن لا تجعل الفرد المسلم يقع في الحدود ويكون عُرضة لتطبيق تلك الحدود فهذا الدين الذي نتكلم عنه نحن وهذا الدين الذي جعلنا نشارك في انقلاب03 يوليو 98 وأنا منذ تلك الفترة على قناعة بأن الدين يمكن أن يحكم السودان لكن وفق هذه المعايير.
٭ ما رأيكم في العلاقات الدولية وموقفكم منها؟
ـ السودان جزء من العالم العربي والاسلامي والافريقي والدولي، ولكن في ظل التحديات الداخلية التي تواجهه ينبغي عليه أن يتعامل وفق تقديم أسبقياته الداخلية دون الغياب عن تلك الساحات بموازنة قد تبدو صعبة لكنها ممكنة ولعل الأخطاء التاريخية في موقف السودان من اتفاقية كامبديفد وغزو العراق للكويت وتباين موقف الحزب الاتحادي وحزب الامة من الحرب العراقية الايرانية في الثمانينيات كل ذلك مثال على ضرورة تقديم المصلحة الوطنية في العلاقات الدولية على أي مصلحة أخرى.

الوطن

تعليق واحد

  1. الناظر لاي معارض تجده يجيد السباحه بمهاره . لكن الكل يعلم بتعقيدات مشاكل السودان بعضها داخلي والاخر خارجي فمعلوم اثر المستعمرين علي السودان نهب ثرواته وانهك المجتمع بحملاته العسكريه وورث حكم السودان لبيوتات انقاد لها الشعب الامي مستغله الدين بصوره مشوهه وابغت الشعب بدون تعليم فنهبت هي ايضا ثرواته ثم خلال الفترات التي انتزع العسكر منها السلطه تعود وتتصالح معه للحفاظ علي مصالحها واكبر دليل علي ذلك حديث المرحوم فتحي شيلا عندما كان معارضا هو والسيد محمدعثمان المرغني في القاهره قال كنت منذ مده طويله اسعي للقاء يجمع السيد محمدعثمان المرغني والبشير ولما حضر البشير في زياره للقاهره رتبت اللقاء واستمر الاجتماع اكثر من ساعتين وبعد اللقاء اكتشفت بان محور الحديث كان ينصب حول ارجاع الحكومه ممتلكات المراغنه التي صادرتها الحكومه فما كان ان استقال فتحي شلا من الحزب الاتحادي الدمقراطي والانضمام للمؤتمرالوطني الذي بدوره قدر هذا الصيد الثمين بان كافأه بما يستحق وبؤاه مكانا عليا واجلسه عضوا بالمكتب القيادي . نعود للب الموضوع وهو حلاوة الكلام والتنظير الجميل لان التنظير يتحكم فيه الواقع بمستجداته وتعرجاته . علي العميد صلاح كرار بعد مشاركته في السلطه وهي اربعة عشر عاما ( تسع سنوات وزيرا واربعة سفيرا ) فعلي العميد وجميع اصحاب المذكره مثله نالوا حظوظهم في السلطه عليهم انشأ مراكز بحوث وتقديم محاضرات في الجامعات والمعاهد حتي تستفيد الاجيال القادمه . انظروا الي الدول المتقدمه ما من رئيس او وزير او سفير يتقاعد من منصبه الا ويتجه لعمل فيه نفع للبشريه جمعاء الا نحن كل من جلس في مقعد وزاره لسنوات ثم يحال فما تراه الا ساخطا يسب ويلعن ولاهم له سوي كيف يقتلع من جلس في مكانه ولايسمع ولايري الا اعوجاجا من غيره .

  2. ((كتاب ))

    شرقا عبر الجسر سنوات الهوان والخوف في السودان

    نعود إلى تلك الليلة، من نوفمبر 1989 م .. وبدايتها عصرا في منزل المرحوم ( مجدي محجوب محمد أحمد ). في حوالي الساعة الرابعة والنصف عصراً، وبعد تناوله طعام الغداء مع اسرته، نال قسطاً قليلاً من الراحة، ارتدى ملابس الرياضة، وحمل مضرب الأسكواش، ونزل من غرفته متجهاً إلى حديقة المنزل حيث سيارته .. استعداداً للذهاب إلى النادي العربي الذي يقع على مبعدة من منزلهم بعدة شوارع تجاه طريق المطار .. لحقت به والدته وشقيقته وإحدى القريبات من نساء الأسرة، طالبات منه أن يوصلهن إلى ( عزاء ) ، بمنزل إحدى القريبات بإمتداد العمارات، شارع(21) ، على أن يعود لإرجاعهن عند مغيب الشمس .. امتثل كعادته للأمر من والدته، وقام بإجراء الواجب نحوهن، وسار لمقر النادي لممارسة هوايته المحببه في هذه اللعبة مع بعض الأصدقاء، وهو لا يدري أن شارع منزلهم، ومنزلهم يضاً وحتى خروجه، كان خاضعا لمراقبة مشدده من أجهزة الأمن منذ الصباح الباكر، وأن لعبة ( الروليت ) القاتله التي يديرها النظام وأوكل امرها للعقيد ( صلاح الدين محمد أحمد كرار ) ، عضو مجلس الثورة و بعضاً من مساعديه قد وقع اختيارها عليه .. قضى مجدي فترة العصر لعباً وركضاً في الملعب مع شلة من الأصدقاء، وكان مرحاً كعادته ونشطاً . عند المغيب وقبله بقليل ودمعه اصدقائه بنفس الروح واتجه إلى سيارته ومن ثم إلى منزله ليغتسل من آثار اللعب ويؤدي فريضة المغرب، ويسارع بعدها إلى والدته وقريباته بشارع (21) العمارات لإرجاعهن إلى المنزل كما وعد .سمع، وهو يستعد للخروج من باب المنزل الداخلي إلى الباب الرئيسي – طرقاً ً عنيفا على الباب الداخلي، وصوت أقدام تركض في ممر الحديقة الأمامية، وفجأة فُتح الباب بعنف، وأقتحم المنزل عدد من الشبان يرتدون ملابس إعتيادية، ولكنهم يحملون اسلحة خفيفة في ايديهم !!. صاح أحدهم : “أنت مجدي محجوب؟ ..” فأجابه بهدوء رغم وقع المفاجأة والدهشة : ” نعم “.. فرد نفس الشخص الذي خاطبه أولاً : ” نريد أن نفتش المنزل “!. وقبل أن يفتشوا كان لابد أن يظهروا أمر بالتفتيش من أي سلطة!؟ ولكنهم لم يفعلوا، وبدأوا في التفتيش بطريقتهم المعهودة، بينما أحاط بكتفيه إثنان منهم .
    نعود إلى تلك الليلة، من نوفمبر 1989 م .. وبدايتها عصر في منزل المرحوم ( مجدي محجوب محمد أحمد ). في حوالي الساعة الرابعة والنصف عصراً، وبعد تناوله طعام الغداء مع اسرته، نال قسطاً قليلاً من الراحة، ارتدى ملابس الرياضة، وحمل مضرب الأسكواش، ونزل من غرفته متجهاً إلى حديقة المنزل حيث سيارته .. استعداداً للذهاب إلى النادي العربي الذي يقع على مبعدة من منزلهم بعدة شوارع تجاه طريق المطار .. لحقت به والدته وشقيقته وإحدى القريبات من نساء الأسرة، طالبات منه أن يوصلهن إلى ( عزاء ) ، بمنزل إحدى القريبات بإمتداد العمارات، شارع(21) ، على أن يعود لإرجاعهن عند مغيب الشمس .. امتثل كعادته للأمر من والدته، وقام بإجراء الواجب نحوهن، وسار لمقر النادي لممارسة هوايته المحببه في هذه اللعبة مع بعض الأصدقاء، وهو لا يدري أن شارع منزلهم، ومنزلهم يضاً وحتى خروجه، كان خاضعا لمراقبة مشدده من أجهزة الأمن منذ الصباح الباكر، وأن لعبة ( الروليت ) القاتله التي يديرها النظام وأوكل امرها للعقيد ( صلاح الدين محمد أحمد كرار ) ، عضو مجلس الثورة و بعضاً من مساعديه قد وقع اختيارها عليه .. قضى مجدي فترة العصر لعباً وركضاً في الملعب مع شلة من الأصدقاء، وكان مرحاً كعادته ونشطاً . عند المغيب وقبله بقليل ودمعه اصدقائه بنفس الروح واتجه إلى سيارته ومن ثم إلى منزله ليغتسل من آثار اللعب ويؤدي فريضة المغرب، ويسارع بعدها إلى والدته وقريباته بشارع (21) العمارات لإرجاعهن إلى المنزل كما وعد .سمع، وهو يستعد للخروج من باب المنزل الداخلي إلى الباب الرئيسي – طرقاً ً عنيفا على الباب الداخلي، وصوت أقدام تركض في ممر الحديقة الأمامية، وفجأة فُتح الباب بعنف، وأقتحم المنزل عدد من الشبان يرتدون ملابس إعتيادية، ولكنهم يحملون اسلحة خفيفة في ايديهم !!. صاح أحدهم : “أنت مجدي محجوب؟ ..” فأجابه بهدوء رغم وقع المفاجأة والدهشة : ” نعم “.. فرد نفس الشخص الذي خاطبه أولاً : ” نريد أن نفتش المنزل “!. وقبل أن يفتشوا كان لابد أن يظهروا أمر بالتفتيش من أي سلطة!؟ ولكنهم لم يفعلوا، وبدأوا في التفتيش بطريقتهم المعهودة، بينما أحاط بكتفيه إثنان منهم .
    التفت إلى أقربهم طالباً منه تفسير لما يحدث، فرد عليه قا ئلاً :إن معلوماته تقول أنه تاجر عملة . إبتسم رغم سخافة الموقف . خرج أحدهم من غرفته وهو يحمل مبلغاً من المال ولكنه بالعملة المحلية السودانية واتجه نحوه فارد يده بحزمة المال وقال بغضب – يجيدونه في مثل هذه المواقف ” ده شنو ده ؟ ” و أيضاً رغم سخافة السؤال وسائله .. أجاب بهدوء .. بأنها فلوس، وانها مصاريف المنزل ( كانت حوالى ثمانين ألفاً من الجنيهات السودانية .. وهو مبلغ محترم جد اًفي تلك الأيام ). تطاير الشرر من الأعين، والغيظ المكتوم، وواصلت المجموعة تفتيشها للمنزل بطرقهم المعهودة، التي تجعل الأشياء عاليها سافلها .. بعد فترة ندت صيحة إنتصار من فم أحدهم، وهو ينظر في جدار الصالة الداخلي وكان مصنوعاً من الخشب الجيد مما ينم عن ذوق وثراء أصحاب المنزل. صاح رجل الأمن بعد أن بدت فتحه صغيره، ظنها للوهلة الأولى انها لباب خاص، وبالتدقيق النظري عرف انها فتحه لمساحة صغيرة في أسفل جدار الصالة . عاد مسرعاً لقائد القوة المكلفة بالتفتيش وهمس في أذنه وذهب معه ليريه مكان الفتحة . تبادلا نظرات تنبئ عن قرب إنتصارهم على فريستهم .. تقدم نحو ( مجدي ) وحتى قبل أن يسألوه ( قال ): أن وراء جدار الصالة الخشبي، ولصق الجدار مباشرة توجد الخزانة الخاصة بأوراق وأموال المرحوم والده، وهي لم تفتح منذ وفاة والده قبل ثلاث سنوات، لأن الأموال التي بداخلها هي أموال ورثة، وحتى يعود بقية إخوته من خارج البلاد، ولم يتم حصرها حتى الآن .. فغر قائد القوة المكلفة فمه بعناء وغباء، رغم إقتناعه بحسن المنطق، ولكن تلك النظرات المتبادلة بين أفراده أعادته مرة أخرى إلى منطقه الحقيقي فصاح : ” أين المفتاح؟ “.. رد ( مجدي ):” المفتاح كان مفقودا ” وانا وجدته قبل أسبوع واحد ً تقريبا ” ، وأتجه نحو طاولة في وسط الصالة ليخرجه من أحد الأدراج .. وفجأة كعادة التيار الكهربائي وتذبذبه في تلك الأيام السوداء، إنقطع التيار عن المنزل والمنطقة وإزدادت الحياة لحظتهاً ظلاماً على ( ظلام الظلم ).. وأخذت القوة المكلفة تتصايح طالبة فتح الأبوب والنوافذ، وإحضار شمعة، وإحضار مفتاح الخزانة .. و ( مجدي ) وسطهم بهدوئه المعهود ولانه صاحب المنزل ويعرف أماكن الأشياء بداره، حتى في أحلك ساعات الظلام .
    أحضر مفتاح الخزانة من مكانه، وعدد من الشموع، وعلبة ثقاب صغيرة . أشعل الشموع
    وثبتها على أطراف الصالة، وسرعان ما أضاءت المكان نوعاً ما .. أدخل المفتاح في خزانة والده وبعد عدة محاولات لم تفتح، إذ أن المفتاح علاه الصدأ كل هذه الثلاث سنوات لعدم الإستعمال وكانوا هم شهودًا على ذلك، وطلب من أحدهم أن يحضر ً زيتا من عربته التي بالخارج، وسارع هذا ( الأحدهم ). وأحضر علبة الزيت وصبّ ( مجدي ) قليلاً من الزيت على المفتاح .. وبعد عدة محاولات قليلة فتحت الخزنة، وتطلعوا ينظرون إليها بنهم، وشغف إنتصار، ولحظتها حتى ( مجدي ) لم يكن يعرف ما بداخلها، ولا أخوته ولا حتى والدته لأن الجميع متفقون على عدم فتحها لحين عودة بقية ألأشقاء من الخارج ..
    لكنها فتحت في تلك الليلة الباردة .. والحالكة السواد .
    *****
    مدّّّّ قائد القوة يده داخل الخزانة، بعد أن شددت الرقابة اللصيقة على ( مجدي ) ، أخرج
    أور اقاً بها معاملات تجارية، نظر فيها قليلاً وألقاها بالداخل مسرعاً، وبدأ في إخراج الأموال التي بداخل الخزانة وتكويمها على الأرض . وعلى ضوء الشموع الذي يتراقص ويلقي بظلال كئيبة
    الغنائم :-
    19
    على المكان . بدأ أحد أفراد القوة في حصر
    (115) ألف دولار أمريكي .
    (4) ألف ريال سعودي .
    (2) ألف جنيه مصري .
    (11) ألف بـُر أثيوبي .
    (750)ألف جنيه سوداني .

    أمر قائد القوة بإحضار (جوال ) ، وتم (حشر ) الأموال بداخله .. حمله أحدهم على ظهره، بينما قاد اثنان منهم ( مجدي ) كل من يد . كان القائد في الأمام، وإثنان آخران يسيران في الخلف .. القوة تحمل المال والسلاح، وأما مجدي لا يحمل إلا إيمانه بربه وإستسلامه لقدره ومصيره .. إنطلقت السيارات إلى شارع (1) بحي العمارات . توقف الموكب ( الظافر ) أمام مركز الشرطة بذلك الشارع
    الساعة تقترب من التاسعة مساء و ( مجدي ) لم يحضر !؟ ليست هذه من عاداته ! ، وقلب الأم دليلها .. لابد أن هناك ً شيئاً!! ). همست الأم وأضطرب قلبها، وطلبت من الإبنة وإحدى القريبات ضرورة الرجوع إلى المنزل . ركبن عربة تاكسي من شارع (21)بحي العمارات مكان العزاء إلى منزلهم في ذلك الحي الهادئ شرق منطقة الخرطوم (.2)
    ( كان ) زوج إحدى بناتها وجارهم وصديقهم السيد عبدالغني غندور يقفان أمام باب المنزل الخارجي، يتهامسان . نزلت الأم مسرعة تجاههما .. ماذا هناك !؟ أين مجدي .. ؟ أخبرها أحدهما بألم أن رجال الأمن حضروا وأخذوه معهم، بعد أن فتشوا المنزل ووجدوا عنده دولارات !!. وكانت ليلة لم يطرف فيها جفن ولم تغمض فيها عين، خاصة بعد أن أذاع التليفزيون خبر القبض على ( مجدي ) في نفس الليلة .. حاول البعض تهدئة والدته بأن القضية تتولاها الشرطة في مركزها بشارع (1) ، وإنها إجراءات بسيطة وستظهر براءته(لم يكن الكثيرين يعرفون بعد أن الشرطة أصبحت جزءاً من لعبة الروليت القاتلة ).. ولكن والدته والكثير من المعارف كانوا في منتهى القلق . مّّّّر عليه نهار الجمعة التالي لليلة القبض مباشرة، مرّّّّ عليه بطيئاً، بعد أن أحضر له زوج شقيقته بعض الملابس، ليغير ملابسه . وفي صباح السبت، وحوالي الساعة العاشرة صباحاً، سمحوا له بزيارة منزله تحت حراسة مشددة، ليغسل جسده المنهك ويتناول بعض الطعام ويطمئن والدته وإخوته . وتم إرجاعه بعد ذلك مباشرة وأودع بحراسة مركز الشرطة مره أخرى

    سريعاً جد .. وبعد إجراءات التحري تم تحويله إلى سجن كوبر الشهير . والأم وقلبها، وكأي أم منذ أن خلق الله الرحمة، صارت تتحرك في جميع الإتجاهات، وتطرق جميع الأبواب، حتى المستحيل منها من أجل إنقاذ إبنها ( مجدي ). لذلك تحرك الأخوة والأخوات، والأصدقاء والمعارف . وفي نهاية نفس الأسبوع ..الخميس – الإسبوع الثاني من نوفمبر 1989 م حضرت إلى منزل الأسرة بالخرطوم (2) سيارة بوكس من نوع تويوتا بها بعض رجال الأمن . نزل منها شخص يبدو انه مسئول يتبعه فرد آخر مسلّح وضغط على جرس الباب الداخلي . تجمع أفراد الأسرة حوله بسرعة البرق، لتوتر أعصابهم . وبعد تحية مقتضبة أخبرهم : بأن غد الجمعة، الساعة الثانية عشر ستتم محاكمة (مجدي ) بحديقة السيد علي الميرغني( وهي كائنة بشارع النيل، كانت قد تمت مصادرتها أيام الإنقلاب وهي تخص طائفة الختمية وزعيمها محمد عثمان الميرغني، وكان قد تم تحويل مبانيها إلى قاعات لمحاكم ما يسمى بأمن الثورة . أرجعت حا لياً بعد مصالحة هامشية، ). أخبره أحد افراد الأسرة، وهو يبدي الدهشة، بأن هذا الوقت هو وقت أداء صلاة الجمعة،وكيف سيتم الإتصال بمحامي للدفاع عن ( مجدي ).. وكعادتهم ابتسم هذا الشخص ونظر إليهم هازئاً، وهي نظرات يجيدها هؤلاء القوم وبإبتسامات كأنهم يولدون بها .. الغريب انها واضحة على السحنة وفيها أبلغ الكلام وتغني عن الشرح، وتتلقفها القلوب الواعية سر يعاً وتتفهمها جيداً.
    وبدأت تحركات الأسرة للإتصال بالمحامي الذي سيدافع عنه، شكلاً، إذ أنه في مثل هذا النوع من المحاكم العسكرية ( محاكم أمن الثورة ) ، لا يحق لمحامي مخاطبة المحكمة مباشرة، بل عليه أن يتشاور مع المتهم ويلقنه الإجابات أو الأسئلة .. والمتهم هو الذي يخاطب المحكمة ! ؟ الكل في ذلك المنزل الكائن في الخرطوم (2) صار يركض ويلهث، علهم يجدون مخرجاً .. وينقذون ( مجدي )
    يوم المحاكمة يقترب، والأنفاس لاهثة .. وقبلها بعدة أيام، وعند إنتشار خبر القبض على (مجدي) ،وصلت الأخبار إلى معظم ديار الهجرة والإغتراب، خاصة السودانيين منهم والذين كانوا حريصين على تتبع أخبار ( الحكم )! الجديد في بلادهم وسياسته، رغم أن رائحة إتجاههم السياسي بدأت في الإنتشار، ووصلت إليهم .. وسكنت حتى أعصابهم .. في مدينة ( القاهرة ) ، العاصمة المصرية، كان يعيش ممدوح ،أحد أشقاء ( مجدي ) ، بعد أن نقل بعض اعماله التجارية إليها عقب وفاة والدهم .. وكان يسكن معه في شقته صديقه المقرّّّّب، وصديق الأسرة (عادل ) مقدم أ . ح . بالقوات المسلحة السودانية، تمت إحالته للصالح العام بعد الإنقلاب بعدة أيام، مع الكثيرين غيرة من رفقاء السلاح، لأنه ليس منهم، ولجسارته الشديدة، وشجاعته التي اشتهر بها وسط أبناء دفعته، وتشهد أدغال الجنوب، وصراع الحرب الأهلية بثباته عند أحلك الظروف .. تمت الإحالة، وهي تعبير مخفف للفصل من الخدمة ( بدون إبداء الأسباب ) ، طال هذا الأسلوب الكثيرين في مختلف الدوائر الحكومية، والقوات النظامية، لكي تحل كوادر النظام الجديد مكان هؤلاء، وهي للحقيقة .. أعداد مهولة . إنتهز ( عادل ) الفرصة، وسافر للقاهرة بعد إحالته للصالح العام، للإستجمام والراحة قل يلاً والتفكير بمستقبله الجديد والتفاكر مع صديقه ( ممدوح ).. وفي ليلة القبض على ( مجدي ) ، والذي أذاع خبره التليفزيون الحكومي، أتى إلى الشقة بعض السودانيين الذين سمعوا الأخبار .. في نفس الليلة . تلقاها ( ممدوح ) بصمت وذهول .. سمعها منهم ( عادل ) بألم وامتعاض وسارع إلى التليفون وأتصل بالأسرة في الخرطوم (2) ليطمئن .. ؟ . على الجانب الآخر من الخط كانت ( مديحة ) إحدى الشقيقات ترد عليه، وفي محاولة منها لطمئنتهما اخبرنهما بأنه مريض بعض الشيئ .. ولكن القلق صار ينهش في العقول . تم الإتفاق سر يعاً بضرورة رجوع ( عادل ) فور للخرطوم بصحبة الأخ الآخر ( مندور ) الذي كان يسكن في أحدى ضواحي القاهرة بعد إخباره بما جرى، على أن يبقى ( ممدوح ) بالقاهرة، لأنه كان رجل ( سوق وإقتصاد ).. قوي، ويخشى عليه من لعبة ( روليت ) اللجنة الإقتصادية، والتي يديرها رئيس لجنتها التابعة لمجلس الثورة الجديد ( العقيد أ . ح .) صلاح الدين كرارومساعدوه، وعلى رأسهم رئيس لجنة متابعة قرارات اللجنة الإقتصادية !؟ ( العقيد أ . ح .) سيف الدين ميرغني

    في سباق مع الزمن، فجر السبت كانا وبملابس السفر في نقطة شرطة شارع (1) ، بإمتداد
    العمارات، وذلك بعد هبوط الطائرة القادمة من القاهرة بمطار الخرطوم فجراً . أحترم بعض رجال الشرطة رتبة ومكانة (عادل) العسكرية، بعد أن أبرز لهم بطاقة ضابط قوات مسلحة ( بالمعاش ) ، وأخرجوا لهما ( مجدي ) من زنزانته . قابل صديقه، وأخيه ( مندور ) رابط الجأش كعادته، وبالإستفسار علما منه فحوى القصة بكاملها، وأن إجراءات التحري تقول بأنه متهم بالإتجار بالعملة !.
    طلب ( عادل ) من المتحري أن يسمح لهما بأخذه قليلاً إلى منزله ليطمئن والدته وإخوته وبقية أهله . سُمح لهما بذلك برفقة بعض الحراسة المشددة . أثناء الزيارة للمنزل نزل قليل من الهدوء على أفراد الأسرة جميعاً .. خاصة والدته، ولكن يبدو أنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، .. كما يقولون . بعد عدة أيام، وإجراءات الشرطة تطمئنهم، أن (مجدي) ليس هناك ما يؤخذ عليه، خاصة وأن المبالغ المذكورة وجدت داخل منزله، وفي خزانة المرحوم والده، وهي من ضمن ميراث العائلة .. تم القبض ايضاً، وبمسرحية نقلها التليفزيون الحكومي على الهواء مباشرة وفي مطار الخرطوم الدولي، على ( مساعد طيار ) بالخطوط الجوية السودانية هو (جرجس القس بسطس )بينما كان يحمل في حقيبته السفرية، وفي إحدى رحلات هذه الخطوط المتجهة إلى القاهرة، مبالغ مالية تفاصيلها :
    (222.175)ألف ريال سعودي
    (94.925)ألف دولار أمريكي
    (800)شيك سياحي
    (3.400)ألف جنيه مصري .
    حضر فوراً لمطار الخرطوم الدولي ( العقيد أ . ح .) صلاح الدين كرار، ومساعدوه باللجنة الإقتصادية، التابعة لمجلس الثورة، وظهر على شاشات التليفزيون، يرغي ويزبد ويتوعد، حتى قبل التفكير في أي محاكمة، أو يصرح ولو ً تليفزيونيا بذلك .. بل أن بعض شهود عيان قالوا أنه لطمه على خده، وتم عمل مونتاج للشريط ولم تظهر اللطمة .. وعاد إلى سيارته وهو يفرك يديه مسرور لوقوع مثل هذا الصيد الثمين اً في شراك لعبة (الروليت) الإقتصادية .. السودانية !.. (الضحية) هذه المرة من السودانيين (الأقباط) ، والأموال تخص بعض أهله ، كما اثبتت التحقيقات، وكانوا يستعدون لنقل تجارتهم، أو جزء منها إلى خارج الحدود، خوفاً من حالة الفوضى التي كانت تعم كل أرجاء البلاد، وخوفاً أيضاً من الشعارات التي رُفعت في ذلك الوقت . شعر أفراد الأسرة وصديقهم ( عادل ) بالقلق، بعد أن تم نقل ( مجدي ) بسرعة من مركز شرطة شارع (1) بالعمارات، إلى جهاز الأمن، وبعدها إنضم إليه مساعد الطيار ( جرجس ) ، ونقلا يضاً من هناك إلى سجن كوبر العمومي، الذي كان مشرع الأبواب أيامها (ومايزال)! لتلقف المزيد من السياسيين، والمشتبه فيهم إقتصادياً،حسب قرارات اللجنة الإقتصادية، إضافة للمنتظرين فيه، والمحكومين في جرائم أخرى .
    أصبحت المقابلة بالنسبة ( لمجدي ) صعبة بالنسبة لأفراد الأسرة، ولكن ( عادل ) وبحكم وظيفته السابقة، كان يجد الفرصة .. وبعلاقات خاصة في إيصال بعض الإحتياجات العادية إليه .
    *****
    ” غد الجمعة، الساعة الثانية عشر ظهراً .. ستتم محاكمة ( مجدي ) ، في حديقة السيد علي الميرغني، بشارع النيل !”. عبارة قالها رجل الأمن شفاهة لأفراد الأسرة المجتمعين ، أمام الباب الخارجي لمنزل الأسرة
    بالخرطوم (2) ، وإنصرف ساخراً . ولكنها عبارة ظلت تتردد في آذانهم وقلوبهم وعقولهم طيلة تلك الأيام، اللاحقة والسابقة للأحداث، ويسمعونها حتى في نومهم .. لفظاعتها .. وغد المحكمة !!؟ .
    ومنذ صباحها الباكر، تجمع الأهل، والأصدقاء، والمعارف أمام سور المحكمة بشارع النيل . استطاع البعض الدخول ألى حديقة المكان، وجلسوا تحت اشجارها .. حتى منتصف النهار، لم يحضر ( مجدي ) ، ولا اّّّّياً من حراسته . وانصرف بعض الأخوة، مع بعض الأهل والأقارب لتأدية صلاة (الجمعة) في أحد المساجد المجاورة للمنطقة، وعند عودتهم رأوا .. الرائد ( وقتها ) إبراهيم شمس الدين عضو مجلس الثورة، وأصغر ألأعضاء سناً، وحداثه، .. وحتى رتبة عسكرية، يساعد بعض الجنود في تنظيم كراسي قاعة المحكمة، ويصدر تعليماته بالعدد المسموح له بدخول قاعة المحاكمة .

    حوالي العصر، وقف أمام البوابة الرئيسية للحديقة موكب مكون من ثلاث سيارات، الأولى سيارة من نوع ( لاندكروزر ) ، نزل منها الرائد ميرغني سليمان ، أحد ضباط سلاح الإشارة سابقاً و (ملحوق ) للأمن ( نُقل إلى أديس ابابا عاصمة اثيوبيا في عام 1990 م، بعد المحاكمات، ليعمل قنصلاً في السفارة السودانية !؟ ) ، وكان قائداً لتيم الحراسة المكلف وهم مدججين بالسلاح، والسيارة الثانية نزل منها ( مجدي ) ، ومتهم آخر يدعى علي بشير مريود ، كانا يرتديان الجلابيب السودانية المعروفة ويتبعهما بعض الحرس، أما السيارة الثالثة فكان بها طاقم الحرس . انتظم الموكب داخلاً من بوابة السور الرئيسية، وعبروا الحديقة إلى قاعة المحكمة مباشرة .
    كانت والدة (مجدي) ، وإخوته .. و (عادل) بداخل القاعة التي اكتظت بجمهرة من الناس، رغم أن اليوم عطلة اسبوعية .. أناس حتى الأهل لا يعرفونهم، ولكن كان في نظرات البعض ًتعاطفا لا تخطئه عين .. خاصة نظرات بعض الجنود .. المباني داخل الحديقة مقسمة إلى عدة أجزاء . انعقدت محكمة (مجدي) في جزء منها، وفي الآخر محكمة المتهم (علي بشير المريود) ، والذي وُجد بحوزته، كما قيل ونُشر في صحف تلك الأيام : –
    (37.350)ألف دولار أمريكي .. وألف ومئة دولار أخرى لوحدها .
    محكمة (مجدي) أتخذت إسم المحكمة الخاصة رقم (1) ، و ( المريود ) المحكمة الخاصة رقم (2) ، ولكل قضاتها من العسكريين ، الذين يحاكمون ولأول مرة في تأريخهم العسكري مواطنين مدنيين .
    (مجدي) داخل قاعة (محاكمته) يتبادل إبتسامات مع والدته، وإخوته، والأهل وبعض المعارف .. برغم أن أعصابهم جميعا كانت متوترة ومشدودة .
    قائد المطبعة العسكرية (حالياً لواء بنفس المنطقة) ، والرائد (وقتها) حسن صالح بريمة ل
    بسلاح الطيران (حالياً عقيد أ . ح .) ، أما ثالثهما النقيب مهندس يوسف آدم نورين ل
    دخلت هيئة المحكمة إلى القاعة يتقدمهم : رئيسها المقدم (وقتها) عثمان خليفة
    مهندس من القوات الجوية ( الأخير له قصة لاحقة، إذ تم طرده من القوات الجوية وجُرّد من رتبته العسكرية، وسجن لمدة ثلاث سنوات بسجن منطقة الجريف غرب، بتهمة إستلام المال المسروق، وقبض عليه مرة أخرى بعد إنتهاء محكوميته لإشتراكه في المحاولة الإنقلابية ضد النظام، والتي أدعى النظام قيامها بزعامة شيخهم السابق د . حسن عبدالله الترابي زعيم المؤتمر الشعبي ).
    الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر 1989 م، بدأت إجراءات المحكمة العسكرية الخاصة رقم (1)
    والمتهم ( مجدي محجوب محمد أحمد ).. والتهمة .. الإتجار في العملة الأجنبية (رغم التوضيح السابق عن كيف وجدت هذه العملة لدى الأسرة، ومن أين أخذها رجال الأمن؟ !).
    حُرم محامي ( مجدي ) ، الاستاذ ( عبدالحليم الطاهر ) من مخاطبة المحكمة مباشرة، وهو أمر يتنافي مع طبيعة الأشياء، خصوصاً وأن الإتهام خطير، والعقوبة المتوقعة أخطر -رغم أن المحكمة سمحت في محاكمات سابقة أن يخاطبها المحامون مباشرة – ولكن محامي ( مجدي ) تم منعه، والمحاكمات السابقة هي :
    (1)محاكمة المتهم والوزير السابق ( عثمان عمر )وكان وز ير اً للإسكان قبل للإنقلاب، وحُوكم بتهمة التصرف في أراضي الدولة بالبيع؟ !!!
    (2) محاكمة الدكتور ( مجذوب الخليفة أحمد ) وكان حاكماً للإقليم الشمالي، واتهم ببيع لبن خُصص للإقليم لتوزيعه على المواطنين كإغاثة إبان كوارث السيول والفيضانات .

    بدأت الإجراءات وقدم رجال الأمن قضيتهم ضد المتهم . قال أحدهم ويدعى (حسن حمد) أن
    المعلومات أفادت أن (مجدي) لديه عملة أجنبية، ستتحرك (يتم نقلها) ، وقال آخر يدعى ( أزهري ) أن المعلومات تقول أن المتهم لديه عمله؟ !.. لم يرد في أقوال الإتهام أو في علمهم الشخصي أن المتهم قام أو يقوم، في أي وقت من الأوقات، بأي نوع من أنواع هذا النشاط، ولا حتى في معلوماتهم، بمعنى أنه لم تقل المعلومات صراحة أن المتهم يتاجر في العملة . إذا كان هناك شكّاً في الأقوال والقاعدة القانونية تقول : ( يفسر الشك د ئماً لصالح المتهم .).. وعلى الإتهام إثبات التهمة ببينة أفضل .. بعد مناقشات بين المحامي والمتهم، (كصديق)! ؟، وشهود الإتهام .. والمحكمة .. أتضح أن ( مجدي ) لم يضبط وهو يتاجر في العملة، بل أ ُخذت من منزله ..! ومن داخل خزانة المرحوم والده !!.. وهو لم يجمعها من برندات الأسواق أو المتاجر المختلفة، كما يفعل غيره .. كما لم يسمح له بإستدعاء محامي (التركة ) ، والذي سيشهد بأن الأموال التي والساعة تقترب من الرابعة بعد الظهر (غروب الشمس ). كاد رئيس المحكمة أن يقرأ الحكم الجاهز قبل إعطاء المتهم فرصة هل أن هناك أسباباً تدعو لتخفيف الحكم، وهي الطريقة المتبعة ً قانونا بأن يسأل القاضي المتهم مثل هذا السؤال؟ ! وعندما أحس بهذا الخطأ القانوني، بعد أن همس له أحد الأعضاء بذلك، أمر برفع الجلسة لمدة (5)دقائق .. للتداول في الحكم بين الأعضاء الثلاث؟ !!
    كانت (5) دقائق حاسمة تمثل الفاصل بين العبث والحقيقة .. بين الحق والباطل . مرت
    بطيئة كأنها دهر ، خيّم خلالها الصمت على الرؤوس .. وعادت هيئة المحكمة .. ومباشرة .. وفور جلوسهم قرأ رئيسها الحكم :-
    ” جاء في أسباب إدانة المحكمة للمتهم، أن شهود الإتهام أثبتوا أن المتهم يتاجر في العملة
    الأجنبية، وذلك لما توفر لديهم من معلومات، وأنه تعرف على مفتاح الخزانة .. في الظلام، وبإقراره بحيازة هذا النقد الأجنبي، وبناء عليه حكمت المحكمة بإعدام المتهم مجدي محجوب محمد أحمد، شنقاً حتى الموت، ومصادرة المبالغ موضوع الإتهام، وإعادة مبلغ ال (750)ألف جنيه سوداني لشاهد الدفاع ( عادل أحمد محمد الحاج )..
    ذهول .. وصمت مطبق، خيم على جميع من بالقاعة؟ ! وأنهمرت الدموع .. دموع رجال غالية .. وأم .. بدأ قلبها في التمزق وكبدها في التلاشي .. اخوة ألجمت المفاجأة ألسنتهم، .. و ( عادل ).. أنفعل وقاد قتالاً شرساً (مشادة كلامية) حماية لصديقه .. و (مجدي). المتهم وكعادته كان يهدئ من ثورة الجميع،
    طالباً منهم بحرارة، أن يدعو الله له .. وأن يلزموا الصبر .. ويفوضوأ أمرهم إلى الله .
    في نفس التوقيت .. كانت المحكمة الخاصة رقم (2) قد انتهت من إجراءاتها، وحكمت
    على المتهم (علي بشير المريود).. بالإعدام ً شنقا حتى الموت؟
    خرج الجميع، خارج قاعة المحكمة .. على شارع النيل، وحفيف الأشجاروأوراقها التي تتساقط على الشارع وتحدث صو تا كأنه الدموع .. دموع الطبيعة .. والنيل الأزرق .. هذا العملاق الأبدي يشاهد كل هذه الأحداث .. بصمته الرهيب .. والمحيّر . و ( مجدي ).. هذا الصامد .. في أحلك الظروف .. وبعد ليلة إلقاء القبض عليه بمنزله، تم إلقاء
    القبض على مساعد الطيار، بالخطوط السودانية (جرجس ) ، نقل من مركز شرطة شارع (1) بحي العمارات إلى مبنى جهاز الأمن، وهناك ا ُجريت له تحقيقات من نوع فريد، ليلاً ونهار اً. لم يسمح له بتناول كفايته من الأكل، أو النوم، أو الإستحمام . رُحّل بعدها إلى سجن (كوبر ) قبل المحاكمة بسبعة أيام، حيث أ ُدخل في قسم المعتقلين السياسيين . كان عددهم حوالى (650)معتقلا سياسياً في الأقسام المختلفة .. أصدر مدير السجن بالإنابة، العميد سجون ( موسى الماحي ) أمر بأن يوضع مع مجموعة من المعتقلين السياسيين في القسم (ج ) ، منهم : الصحفي محجوب عثمان الوزير السابق أيام الرئيس نميري، والأمير نقدالله من قيادات حزب الأمة، والمهندس عقيد (م) صلاح إبراهيم أحمد ، والدكتور المرحوم خالد الكِّد ، والأستاذ المحامي مصطفى عبدالقادر ، والقاضي عبد القادر محمد أحمد ، والدكتور سمعان تادرس ،والدكتور سعيد نصر الدين ، والمقدم (م) عمر عبد العزيز وستة أفراد آخرين من الحرس الخاص للسيد الصادق المهدي، رئيس الوزراء السابق قبل الإنقلاب !.. والقسم (ج) هذا .. به غرفتان فقط .
    أتى ( مجدي ) بصحبة حرس من السجون .. إلى هذا القسم، يقوده (وكيل عريف) سجون
    إسمه ( دومينكو ) . كان في حالة ضعف نوعا ما، ولكنه متماسك وواثق من نفسه وسأل مجموعة الحاضرين : (من أنتم؟) ، وطلب منهم أن يستحم ويغسل جسده المنهك .. رحب به الحاضرون،الذين كانت قد وصلتهم أخبار القبض عليه .. وعرّفوه بأنفسهم، وهدأت ثائرته قليلاً بعد أن تعرّف على أحد المعتقلين وهو المهندس عقيد (م) صلاح إبراهيم أحمد وهما من منطقة واحدة في شمال السودان (منطقة حلفا).. نال إستحماما هادئاً، واسترخت عضلاته المتوترة، إلاّ أن وجهه كان ينبئ عن هدوء مثير، ووضاءة لا تخطئها عين .. أحبوه جميعا لدماثة خلقه، ومشاركته لنفير طعامهم الذي كان يؤتى به من منزل أحدهم
    بالتناوب، وكل يوم تعد أسرة أحد المعتقلين بالقسم (ج) وجبة دسمة، بدلاً عن طعام السجن (المعروف)..
    وأخذ سهمه معهم في ذلك، وأحضرها إليهم (عادل) في المداومة اليومية معهم كعادته، صباحا .. ومساءا ًتمت المحاكمة في يوم (الجمعة ) ، كما ذكرنا آنفاً، وأحضروه إليهم هذه المره وهو محكوما عليه بالإعدام .. ووضع في زنزانة أخرى مع المحكومين بهذا الحكم .. كان بها الدكتور (مأمون يوسف)أخصائي أمراض النساء، في قضية (إضراب الأطباء الشهير ) ، وأضيف لهما ( علي بشير المريود ) والذي حوكم في نفس وقت وساعة محاكمة (مجدي ) ، بالمحكمة الخاصة رقم (2) ، ومساعدالطيار (جرجس) ، والطالب (اركانجلو داقاو ) من أبناء الجنوب، والذي تم ضبطه بمطار الخرطوم، وكان يستعد للإلتحاق بجامعة (ماكريري ) بدولة يوغندا، وهو يحمل معه مصاريف دراسته بالعملات الحرة، بعد أن باع جزء من أبقار أهله بالجنوب .. ومتهم آخر يدعى (هانئ وليم شكور )تم إستبدال حكم الإعدام ضده بمبلغ (30) مليون جنيه سوداني، لأن والدته ذكرت أنه وحيدها .. وتم دفع المبلغ .. وأطلق سراحه لاحقاً . وكان يسمح لهم جميعاً بزيارة معتقل السياسيين في قسمهم نهاراً، وتبادل الأحاديث معهم
    الأيام تمر ببطء، والكل في إنتظار نتيجة الإستئناف الذي تقدم به المحامي الأستاذ (عبد الحليم الطاهر ) ، نيابة عن (مجدي).. تم تقديم الإستئناف للسيد رئيس القضاء (وقتها ) والرئيس الحالي !! للمحكمةالدستورية القاضي (جلال علي لطفي )ورغم ذلك كان الكل يركض في جميع الإتجاهات، بحثا عن مخرج أو بصيص أمل .. حتى بعض السفراء الأجانب استغربوا من قسوة هذا الحكم وكان يقود محاولاتهم السفير المرحوم (عبدالله السريّع ) سفير دولة الكويت، وسفير حتى السودانيين داخل بلادهم .. لما امتاز به من حسن الخُلق، وطيب المعشر، وعلاقات شتى مع قطاعات عريضة من مجتمع الخرطوم .
    ما زالت الأيام تمر ببطء .. والدته تحركت مع مجموعة من الشقيقات، ونساء الأهل والمعارف علهن يحلن دون وصول حبل المشنقة إلى رقبة (مجدي). قابلن السيد رئيس القضاء بمنزله، علّه يطلب منهم تقديم إسترحاماً .. أو ينير الطريق أمامهن بصورة قانونية .. ولكن سيادته قال لهن جملة واحدة،أصابت الكثيرات منهم بالإحباط : ” اخوته .. هم الذين تقدموا بالبلاغ ضده “. انتهت المقابلة وطُردن من المنزل .. حاول معه السيد محمد توفيق، والسيد داؤود عبداللطيف رجل الأعمال المعروف .. ولكن !.
    حاولت (الأم ) عدة مرات مقابلة رئيس مجلس قيادة الثورة (الفريق) عمر البشير .. في أحداهاقابلها رجل متوسط العمر، به شبه منه، قال لها إنه إبن عم الرئيس، وطلب منها أن تحضر في صباح الغد مبكرةً، ليدخلها المنزل الرئاسي (الجديد) مع الرجل الذي يأتي باللبن يوم يا .. نفّذت نصيحته .. أتت في الصباح الباكر، وجدت الرجل الذي قال لها إنه أخبر (الرئيس) ، الذي يطلب منها الحضور بعد ستة أيام، لأنه مسافر .. إلى أين لا تدري؟ ولا إجابة للهفتها على إبنها، .. ستة أيام .. كثيرة جد .. خاصة وان حبل المشنقة صار يقترب، ويتأرجح .طرقت أبواب أصدقاء زوجها .. أحمد سليمان المحامي المعروف (أحد مفكري الإسلاميين، بعد أن كان عضو مشهورًا باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، وأحد أعمدته).. عز الدين السيد رجل الإقتصاد المعروف .. عبد اللطيف دهب، سفير السودان الأسبق بالمملكة العربية السعودية .. ولكن لا شيئ !!
    بعضهم حاول .. وبعضهم (غفر الله له)!..الساعات تتناقص وتركض نحو لحظة التنفيذ .. والأم زرعت العاصمة طولاً وعرضاً، تحاول وتحاول ..وتحاول مرة أخرى .. وتتصل .. عسى أن يكون هنالك بصيصاً من الأمل .. وصلتها معلومة مفادها أن (رئيس مجلس الثورة ) سيكون في (استاد الخرطوم) عصر اليوم، ليشهد حفلاً لتخريج دفعة جديدة من ضباط القوات المسلحة .. ذهبت وبناتها وبعض النسوة من الأقارب .. انتظرن أمام بوابة الخروج الرئيسية ..!.. ولكن ، كعادة حكام العالم الثالث، خرج موكب السيد (الرئيس) بسرعة لم تمكنها حتى من رؤيته، فضلاً عن الحديث معه، ولكنهن لحقن به .. وبسرعة يضا إلى (منزله) بالقيادة العامةللقوات المسلحة .. أحد الحرس أمام بوابة المنزل الضخمة .. سمح لها هي فقط بالدخول .. دخلت إلى صالة الإنتظار التي بها عدة كراسي
    للجلوس، تهاوت على أحدها من الألم .. والغبن .. والقهر، ولكنها لم تكن تشعر بالتعب أو الجوع .. كانت زوجة الرئيس (الأولى) ? ( إذ أنه تزوج مرة ثانية .. من زوجة زميله عضو مجلس الثورة العقيد -لاحقاً- إبراهيم شمس الدين، الذي أحترقت به طائرته العسكرية مع بعض قيادات القوات المسلحة .. في جنوب السودان )!..كانت زوجة ( الرئيس ) تتبادل الحديث مع إحدى ضيفاتها، وتصف لها روعة الإحتفال الذي كانت
    قادمة منه مع زوجها .. جاءت والدة (الرئيس) وجلست بالقرب منها .. أخبرتها الأم بقصتها، وانها والدة (مجدي).. أبدتً تعاطفا معها، ونهضت وإتجهت إلى غرفة في نهاية الصالة، تفصلها ستارة من القماش الخفيف لا تمنع الرؤية بعد التدقيق بالنظر بالنسبة للجالسين بالصالة، خلفها كان يقف السيد (الرئيس ) مستعد للخروج .. وشاهدت الأم من مكانها طيف والدة الرئيس .. وهي تخاطب إبنها (الرئيس)..! وقليلاً ً من الوقت عادت لتقول لها : أن (الرئيس) خرج، وهو غير موجود ! ؟ .. نظرت الأم إليها بدهشه، لكنها صمتت ولم ترد عليها إلا بالقيام مسرعة لتواصل محاولاتها .. ولم تستمع الأخرى إليها .. وهي تدعو الله ..دعاء حار من قلب أم .. بدأ فعلاً في الإحتراق .. وكانت حرم (الرئيس) كل ذلك الوقت، تحكي لضيفتها عن ( روعة ) إحتفال، ضباط القوات المسلحة، في ذلك اليوم .الساعات تتراكض نحو النهاية ..و (الأم ) لم تفقد الأمل، هرولت (إن صح التعبير) ، نعم هرولت إلى سجن (كوبر ) لتملئ عينها من (مجدي ) ، وكان قلبها يحدثها – وقلب الأم د ئما دليلها – إن هؤلاء ( الناس ) ينوون شر بإبنها .. وإن الحكم ي سينفّذ !. لم تستطع مقابلته وطلب منها الضابط (المناوب ) بالسجن أن تحاول الإتصال بالسيد (زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر) أحد رجالات (نميري ) الأقوياء، وأحد نجوم مجتمع الخرطوم وقتها .. فعلاً ذهبت هي وإبنتها .. وتعاطف الرجل معها بشدة، هو وزوجته، وركبا معه في سيارته وعند بوابة منزل (الرئيس ) بالقيادة العامة، إعترضهما الحرس .. عرّفهم بنفسه ولكنهم أجابوه بغلظة واضحة : “الرئيس .. غير موجود ” ؟ !. أخبرهم بالقصة .. وأن والدة ( مجدي ) معه بالسيارة، ولم يتبق إلاّ ساعات لتنفيذ حكم الإعدام .. ولكنهم هذه المرة أشهروا مسدساتهم وهم يرددون : ” الرئيس .. غير موجود “!.. لحظتها بكى هذا الرجل .. القوي، من القهر .. وأنسحب . رجعت (الأم ) إلى المنزل ومعها إبنتها، وكل الخرطوم في ذلك الوقت كانت بالمنزل، ولكن ..لعبة ( الروليت ).. كانت قد بدأت في الدوران .
    *****
    ( عادل ).. تحرك في جميع الإتجاهات . لم يترك باباً إلاّ وطرقه آملاً في نجاة صديقه . كان يأتي يومياً .. في تمام الساعة السادسة والنصف صباحاً إلى سجن (كوبر) ، يحمل معه اللبن، والجرائد، والمجلات، وبعض ألعاب الكمبيوتر الصغيرة .. يتبادلان الحديث، والمدهش أن (مجدي ) كان يتصرف، ويتحدث بتلقائيته المعهودة، بينما كان (عادل ) يجاهد ليبدو طبيعياً، وكان صوته يخرج عميقا ومرهقاً، كأنه قادم من أعماق سحيقه داخل نفسه، ويتجنب النظر في عيني صديقه حتى لا يرى ألمه الهائل .. وفي المساء يحضر معه طعاماً، وبعض الملابس ويجلس معه لفترة . أخبره في أحدى هذه الزيارات أن (الوالده ) لها محاولات مع السيد (الرئيس ) حاكم النظام الجديد . أمتعض وطلب منه أن ينقل إليها رفضه لذلك .. والدائرة تدور ..والساعات تتناقص نحو المصير .. المحتوم .
    *****
    كأي يوم سبت عادي، أشرقت شمس ذلك اليوم على الخرطوم، في منتصف ديسمبر 1989م
    ظهرت صحف ( الثورة ) ، كالعادة تُمجِّد رجالها، وتلعن الأحزاب ورجال الحكم السابق، ولكن لفت نظرالناس أن هناك عناويناً بارزة في كل الصحف ذلك الصباح تقول :ً
    ” تم أمس تنفيذ حكم الإعدام على تاجر عملة .. ومخدرات .” الخبر بصورته تلك، كان يُقرأ على أن تاجر العملة هو نفسه تاجر المخدرات .. رغم أن المقصود بتاجر العملة (مجدي)..! أما المخدرات فكانت تخص مو اطناً مصرياً، اُتهم مع بعض السودانيين، ولكن
    الأدلة أثبتت انه صاحبها .. كما يقولون . وكان الخبر أيضا لقراءة رد الفعل لدى الشارع السياسي، وخاصة ً لدى العسكريين منهم، الذين في الخدمة أو الذين تم طردهم منها تحت مُسمى ( الصالح العام ) ، وخاصة رد فعل (خبر ) قتل (مجدي ). أكتمل شروق الشمس، والمعتقلين السياسيين يتجولون في فناء السجن، بحثاً عن الدفء في بداية هذا اليوم البارد، وبالقرب منهم بقية المحكومين، والمنتظرين لأحكام .. و (مجدي) ومجموعة الإعدام .. أي أنه كان حيّاً يرزق . تقاطر أهله أمام بوابة السجن فور قراءتهم لخبر صحف ذلك اليوم . وجاء (عادل )مسرعا .. همس أحد المعتقلين السياسيين لجاره بالأخبار .. لم يصدقها لأنه أشار بيده ناحية (مجدي ) ، الذي كان وقتها يقترب منهم ليبادلهم التحية ويجلس معهم .. ولم يخبروه .مدير السجن العمومي اللواء سجون (حجازي عابدون ) عندما قرأ الخبر هرول إلى بوابة السجن الرئيسية، حيث تجمع أهل (مجدي) تتقدمهم والدته وأخوته، وأخبرهم أن الخبر غير صحيح !.. طلب منهم الدخول فدخلوا إلى مكتبه، حيث أحضر لهم (مجدي ).. ولم تنطق الشفاه .. ولكن الدموع كانت تنساب بحرقة، ملهبة حتى للقلوب .. طمأنهم (مجدي ) أنه بخير وطلب عودتهم للمنزل، كما طلب من صديقه (عادل ) أن يحضر له بعض الأشياء الخاصة عند عودته مساء بطعام (الغداء).. وخرجوا .. لكن نظرات ( الأم ) كانت تقول أن هناك ً شيئا !.
    انتظر (عادل ) قليلاً مع صديقه لحين إكتمال إنصراف أفراد الأسرة للمترل، عندما نهض ليودعه، على أمل اللقاء به في ظهر ذلك اليوم كالعادة، همس له مدير السجن : (بأن يأتي إليه لوحده الساعة الحادية عشر قبل الظهر !) ، حينها كان (مجدي ) متجها بصحبة حرسه إلى زنزانته، بينما كان (عادل )يجاهد الأّ تقع عيناه عليه، واضطرب وجيب قلبه .. ولكنه تماسك .. خارجاً، لايدري إلى أين؟!
    عاد مسرعا إلى مكتب مدير السجن، وطلب منه أن يخبره بالحقيقة مباشرة، وإنه أو (مجدي ) سيتحملان هذه الحقيقة .. مهما كانت النتائج .. كان الحزن يكسو وجه المدير، الذي أخبره بصوت متأثر، بأن الإستئناف المقدم من المحامي تم رفضه، وقرأ عليه قرار رئيس القضاء الذي كان فحواه : ” أن المتهم من الذين يشتغلون بالتهريب، وأنه من أسرة تمتهن التهريب وتخريب الإقتصاد، ويطالب بتوقيع أقسى العقوبة، والتشديد فيها .. وإنه يؤيد .. الإعدام .” وبالقرب من هذا القرار كان هناك توقيع رئيس مجلس الثورة، .. الشهير .. (أوافق)!!.. وأخبره ايضاً، أن تنفيذ الحكم سيتم الليلة، بعد أن أحضر (الملف) إبراهيم شمس الدين، عضو مجلس الثورة .. أحضره بنفسه إلى إدارة السجن، حيث سيتم التنفيذ .. والإعدام .ولأنه مقاتل، وخاض غمار الحروب، خاصة في جنوب البلاد ورأى فيها ما رأى، تلقى (عادل )الأمر بثبات الفرسان عند المحن، وطلب من المدير أن يسمح له بمقابلة ( مجدي ).. أستجاب لطلبه .. أندهش (مجدي) عندمل رأى صديقه بالمكتب وهو لم يفارقه إلاّ منذ قليل، ورأى في نظرات صديقه لمعاناً وبريقاً، يبدو كالضوء الخافت قادماً من على البعد، وبادره قائلاً : ” عادل .. ماذا هناك؟ !!”. لم يتمالك (عادل ) نفسه أخبره بفحوى قرار السيد رئيس القضاء وتأييده من رئيس مجلس الثورة .. وهو الإعدام، وسيتم التنفيذ ..الليلة .
    لم يصدقا نفسيهما عندما رأيا (مجدي ) يبتسم وهو يمازح صديقه قا ئلاً : ” هل تصدق يا عادل انني حلمت بأبي اليوم ..” . وصار يهدئه، مو اصلاً أن الأمر لله وحده .. وأجهش (عادل ) ومدير السجن بالبكاء هذه المرة .. ولكن بصوت مكتوم، كدوي المدافع، ومراجل الصدور عندما يعتريها الغضب والشعور بالغبن والمهانة . أمر المدير بفك قيوده، وأجلسه قرب صديقه، وجلس ليدون على بعض الأوراق إجراءات الإستعداد .. لإعدام (مجدي ).. و (مجدي ) هاد ئاً يوصي صديقه :-
    ” بداية أوصي الجميع بالصبر، لأنها إرادة الله . لا تعملوا لي مأتماً .. ووالدتي بعد الوفاة تذهب إلى القاهرة، تبتعد عن البلد لفترة، لعل الزمن يداوي جراحها . آرجو أن يأتي فوراً محمد ومندور وكذلك الأخ مجدي مأمون حسب الرسول . وحساباتي المالية عندك، أرجو أن تتركها معك، إذا ظهرت لي ديون من أي شخص، أرجو أن تسددها بنفسك لألقى الله بريئا منها، وإذا تبقى منها شيئ وزعه على الفقراء من ( الأهل .. والناس ).. كان هاد ئاً وهو يتكلم ، و (عادل ) في حالة لا يعلمها إلاّ الله ولكنه يحاول التماسك .. في حوالى الساعة الواحدة بعد الظهر تم إجراء الكشف الطبي عليه، وتم أخذ وزنه وطوله .. وهوكان رائعاً كالعهد به، شامخا بتاريخ أسرته .. ووالده .. وفي منتهى الثبات . كان الوحيد الذي تابع معه هذا الإجراءات (عادل ).. هذا الوفيِّ حتى في لحظات الموت الذي يخيم بشبحه الرهيب على المكان .. و يضا كان يراقب الأحداث بصمت، لأن زمن الخوف .. والرهبة أنتهى، وأصبح الأمر و اقعاً .. وهم اولئك الجلادون، حتى غريزة الخوف داخل النفوس ! ، وعندما تموت مثل هذه الغريزة (الإنسانية ) داخل النفوس ! تبدأ لحظات المواجهة مع التحدي، ورغم الألم، ومرارة الإنتظار، لابد أن تشتعل جذوة الأمل في الحق .. والحقيقة .. والإنتصار .
    أنتهت ” مراسم ” الإستعداد، لإعدام ( مجدي ) ، وسار بهدوء يتبعه حرسه، وتشيعه نظرات مدير السجن، (عادل) وبقية الموظفين الذين كانت دموعهم تسبق إجراءاتهم إلى زنزانته، وفي الطريق إليها عبر القسم (ج) ، حيث كانت أنظار كل المعتقلين السياسيين تتابعه، وبعضهم أجهش بالبكاء، وانسابت دموع البعض .. بهدؤ وهم يهدئون زملائهم .. ابتسم لهم (مجدي ) ، وأقترب من أحدهم، وهو (محامي ) مشهور طالباً منه بأدبه الجم ، أن يرسل إليه كو با من الشاي .. أرسله إليه في زنزانته مع حارس عابر في الممر والعبرات تكاد تخنقه من الحزن على هذا الشاب الوضئ .. الخلوق .. المهذب والهادئ حتى في أحلك الظروف .. وفي المساء أ ُضيئت الأنوار الكاشفة، بعد المغرب مباشرة، داخل السجن وخارجه، وانعدم الهمس والكلام بين الناس بداخله، حتى موظفي السجن كانوا يقومون بأعمالهم، وهي أشياء تعودوها بالممارسة ..كانوا يقومون بذلك في صمت، ونظرات زائغة، كأنها شعور بالذنب .. والظلم .
    *****
    إتصل ( عادل ) بممدوح في القاهرة، وأخبره بتسارع الأحداث والمستجدات . هرول الشقيق وسط زحام القاهرة المعروف إلى منزل الرئيس الأسبق ( نميري ) ، طالباً تدخله .. إتصل الأخير بالرئيس المصري ( حسني مبارك ) ، الذي بادر فور تلقيه النبأ بالإتصال بقائد (الثورة) الجديد في السودان، الذي أفاده أن ضرورة إستمرار الثورة تقتضي قرارات حاسمة !.. عادت كل هذه الإتصالات (لممدوح ) بفقدان الأمل وأخبر ( عادل ) في الخرطوم بذلك .. كانت الساعة تقترب من التاسعة مساءً (في ) ذلك اليوم، و (عادل ) مرابط داخل مباني السجن . أتاه ضابط سجون وأخبره أن التنفيذ .. بعد قليل وأنه سيذهب إلى (مجدي ) في زنزانته ليقرأ معه بعض آيات من القرآن الكريم .
    نعم .. لقد أحب هذا الشاب كل من رآه . خرج (عادل) وجهز تصاريح المرور اللازمة لمرور جثمان (مجدي) إلى أهله عبر نقاط التفتيش العسكرية، لوجود حالة الطوارئ وحظر التجوال أيامها .. وفعلاً، جهّز أوراقاً لأكثر من ثلاثين عربة كانت تخص الأهل والأصدقاء والمعارف، المتجمعين خارج أسوار السجن .. ًوعند عودته في منتصف تلك الليلة، قابله (ملازم ) سجون خارجاً من غرفة الإعدام وهو يبكي بألم، وقال : ً” ياسيد (عادل).. أخوكم مات .. راجل؟

    أستلم أحد الأقارب حاجيات (مجدي ): النظارة، وبعض الملابس، بينما تطايرت أوراق تصاريح المرور من يد (عادل ) ، الذي كان مذهولاً وقتها، حتى جمعها أحد الجنود من الأرض ووضعها في يده .أصطفت سيارات الأهل والأصدقاء والمعارف، بعد منتصف الليل بقليل، خارج أسوار السجن، وجاء(عادل ) واشقاء (مجدي ) يحملون جثمانه من الداخل عبر البوابة الرئيسية، ووضعوه في سيارة صديقه (مرتضى حسونه ) ، واتجهت السيارات عبر (جسر ) القوات المسلحة متجهة جنوبا إلى منزل الأسرة بالخرطوم (2) سمحت نقاط التفتيش وقتها بمرورهم السريع، لأن على جانبي الطرق كانت تتحرك
    سيارات أخرى تراقب .. وتتابع هذا الموكب .. بداخلها (الزبير محمد صالح) ، (فيصل أبو صالح ) وكان وز يرا ً للداخلية، و (صلاح الدين كرار ).. و (إبراهيم شمس الدين).. أعضاء مجلس الثورة (الحاكم ) ، ولكن لعبة( الروليت ).. ما زالت مستمرة .. ولابد لها من أهداف أخرى .وصل الموكب إلى المنزل، حيث كانت كل الأنوار مضاءة .. والزحام رهيب، ولا يوجد موضع لقدم أو مكان لسيارة .. كل الأهل هناك في الخرطوم ) ).. 2 وكل أصدقاء الأسرة .. وحتى أ ُناس لا يعرفو??مأتوا .. والأقارب الذين أتوا من (سُُُرّة) وبعض قرى حلفا القديمة، وحلفا الجديدة، وسفراء وقناصل بعض الدول يتقدمهم صديق الأسرة .. وكل السودانيين، سفير دولة الكويت المرحوم (عبدالله السريُع ) ، وبعض
    رجال المال والأعمال والإقتصاد من أصدقاء والده المرحوم (محجوب) ، وبعض الدبلوماسيين من أصدقاء المرحوم (جمال محمد أحمد).. ذلك الدبلوماسي والأديب الرائع الذائع الصيت، في حياته .. وبعد مماته، وكل أبناء وبنات الأهل .. وكل كهولهم .. بإختصار كل من كان يعرف تلك الليلة .. بالخرطوم وما يدور فيها، خاصة سكان الأحياء القريبة من الخرطوم (2) ، والذين تحدُوا حظر التجوال، وهي شهامة عُُرف بها أهل هذا البلد .. وفعلاً، وكما قال الأديب ( الطيب صالح ) ” من أين أتى هؤلاء القوم؟ “.. هل يعرف الحكام الجدد مثل هذه الروح السودانية .. التي أزهقوا واحدة منها هذه الليلة؟ !.. كانت مخابراتهم ورجالها، حركاتهم وتحركاته?م ظاهرة للعيان .. في كل الشوارع المجاورة، وأجهزتهم الصوتية واللاسلكية يتردد صوت وشوشتها أحيانا ً، لأن كل المنطقة في ذلك الوقت .. وكل الناس، كانوا في حالة من الصمت الرهيب لا يسمع خلالها إلأّ بعض هنات وآهات حرُى، يكاد زفيرها يحرق حتى الأشجار المجاورة، لأن القهر يحجر حتى الدموع في العيون ويمنعها من التساقط .. (ولذلك .. ورغم مرور كل هذه السنوات مازال الجرح .. ند يّاً .. طرياً في قلوب الكثيرين .. والكثيرين جدا ..).
    تم إدخال (الجثمان ) إلى غرفته، وحاولت والدته إلقاء نظره أخيره على وجهه هي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..