السودان : البندقية لا تحقق سلاماً!

د. محجوب محمد صالح

أعلن وزير الدفاع السوداني اكتمال تجهيزات القوات المسلحة للهجوم الحاسم لتدمير قوات الجماعات المسلحة والجبهة الثورية وبذلك إنهاء حالة التمرد العسكري في السودان ولو رجع وزير الدفاع للأرشيف لوجد أن مثل هذا التصريح ظل يتردد برتابة مملة في بداية كل صيف منذ أن عرف السودان التمرد والحرب الأهلية دون أن ينتهي ذلك التمرد في ميدان القتال، وليس ذلك بسبب أي ضعف أو إهمال من جانب القوات المسلحة التي أدارت المعارك وقدمت الشهداء ولكن ذلك بسبب طبيعة حرب العصابات التي يصعب على القوات النظامية وضع نهاية لها والحالات الوحيدة التي تحقق فيها سلام في السودان لم يحدث عبر البندقية إنما عبر الحوار وتوقيع اتفاقات السلام سواء في اتفاقية أديس أبابا أو اتفاقية السلام الشامل في نيروبي. غير أن السلام في السودان لا تهدده الآن الحركات المسلحة حاملة السلاح والمتمردة على سلطة الدولة وحدها بل يأتي تهديد السلام من جماعات استوعبتها الحكومة وضمتها لصالحها فتحولت إلى مهدد للأمن ويجيء من صراعات قبلية محتدمة في إطار التنافس المحموم حول موارد طبيعية متناقصة واليوم ضحايا الحرب القبلية وضحايا الانفلات الأمني يفوق أعدادهم أعداد أولئك الذين يقتلون في ساحات المواجهة مع الحركات المتمردة.

إن أسلوب معالجة أزمات السودان السياسية عبر البندقية أثبت عدم جدواه، ومن المؤسف أنه لا يزال هو النهج الذي تعطيه الحكومة الأسبقية في سياستها واستراتيجيتها بل هي تلجأ إليه حتى عندما يكون الحل السياسي السلمي عبر الحوار متاحاً لها وميسراً لكنها ترفضه، وتفضل أن تلجأ للحل عبر البندقية الذي أثبت دائماً فشله المتكرر في معالجة الأزمات السياسية، والمثال الأوضح على هذا النهج الحكومي الملتبس هو وصول الحكومة إلى اتفاق سلام مكتوب وموثق مع الجماعات حاملة السلاح في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان في ما عرف إعلاميا باتفاق (نافع/ عقار) لكن الحكومة التي قبل مفاوضوها ووقعوا على الاتفاقية ركلتها جانباً لصالح الحل العسكري فاحتدمت الحرب الكارثية التي يبشرنا الآن وزير الدفاع بأنه ينوي حسمها خلال هذا الصيف.

الحكومة لا تريد حتى الآن أن تعيد النظر في استراتيجيتها فتقدم على خطوة شجاعة بحثا عن السلام في مائدة التفاوض عبر حوار فيه تنازلات متبادلة رغم أنها قبلت قراراً أصدره مجلس الأمن بالدخول في حوار مع حملة السلاح لتحقيق هذه الغاية ومنذ صدور القرار 2046 وإعلان الحكومة التزامها به لم يحدث أي تقدم في مشروع تحقيق السلام الذي نص القرار على إجرائه على أساس اتفاقية (نافع/ عقار) المؤودة.

الأزمة الآن تجاوزت تمرد الحركات الحاملة للسلاح إلى انفلاتات أمنية متعددة وكلها لها انعكاساتها على السلام والاستقرار، بل وأيضا على أداء القوات المسلحة نفسها كما أوضح وزير الدفاع أمام البرلمان عندما قال: إن تدخل القوات المسلحة لاحتواء الصراعات القبلية جاء خصما على أداء واجباتها القتالية في مواجهة التمرد لأنها اضطرت إلى أن توجه بعض قدراتها البشرية والآلية إلى مكامن القتال القبلي لأن الشرطة لا تملك من الإمكانات ما تستطيع أن تواجه به هذه الصراعات القبلية عالية التسليح بل وتشارك فيه بعض الجماعات المجيشة المستوعبة على هامش القوات النظامية مما يعكس خللاً مؤسسياً تدفع ثمنه القوات المسلحة.

وبالإضافة لكل ذلك فإن حالات الانفلات الأمني الفردية التي تتمثل في قطع الطرق والنهب المسلح واختطاف الأشخاص والعربات والاعتداء على المؤسسات والأفراد داخل المدن وخارجها كلها ممارسات تعكس صورة لوضع أمني متدهور لا يمكن معالجته (بالقطاعي) ولا يمكن تحميل القوات المسلحة مسؤولية الأمن الداخلي في هذا المسرح الكبير، وهو أمر ينبغي على وزير الدفاع إدراكه في المكان الأول؛ لأنه ليس لديه مصلحة في أن يحول القوات المسلحة المناط بها حماية الوطن وسيادته وتأمين حدوده إلى دور الشرطي الذي يواجه مشاكل الأمن الداخلي.

الشيء الغائب في هذه الصورة الشاملة هو الرؤية الاستراتيجية لتحقيق السلام الشامل في السودان من منظور جديد يدرك تماما الأسباب الجذرية وراء كل هذه الأزمات وهو الخلل السياسي والأزمة السياسية المستحكمة التي تؤدي إلى صراع الكل داخل الكل في الوطن الواحد؛ لأن كل الأمور تتركز لدى مجموعة محدودة في غيبة تامة لباقي أهل الوطن ومحاولة فرض تلك السلطة بالقوة. لا بد من مشروع يستمد شرعيته من مشاركة كافة المواطنين ويضع استراتيجيته على أساس تحقيق السلام عبر الحوار الوطني الجماعي والهادف- فالبندقية لن تحل أزمة وطنية والوحدة الوطنية تقوم على رعاية حرمة دماء كافة المواطنين.

د. محجوب محمد صالح
[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. اقتباس-لحكومة لا تريد حتى الآن أن تعيد النظر في استراتيجيتها فتقدم على خطوة شجاعة بحثا عن السلام في مائدة التفاوض عبر حوار فيه تنازلات متبادلة رغم أنها قبلت قراراً أصدره مجلس الأمن بالدخول في حوار مع حملة السلاح لتحقيق هذه الغاية ومنذ صدور القرار 2046 وإعلان الحكومة التزامها به لم يحدث أي تقدم في مشروع تحقيق السلام الذي نص القرار على إجرائه على أساس اتفاقية (نافع/ عقار) المؤودة.-انتهى الاقتباس….

    السبب المباشر للتردي الحاصل لان هو عدم التزام المؤتمر الوطني باتفاقية مالك عقار/نافع علي نافع
    في كل بلاد العالم الاتفاقيات تعرض على البرلمان لاجازتها ثم الى الشعب عبر اجهزة الاعلام حتى يكون واعي بها والشعب مصدر السلطات والحاكمية للشعب ..كما جرى للمبادرة الخليجية لحل ازمة اليمن الاخيرة…ونحن من نيفاشا 2005 و من الاستقلال نفسه الشعب كومبارس يتفرج لا البرلمان له سلطات تشريعية حقيقية ولا اجهزة الاعلام تقدم رؤية او اعلام مفيد ومسؤل وتدار الحياة السياسية في السودان على طريقة “ودا وسواعا ويغوثا ويعوقا ونسرا” في المؤتمر الوطني او في احزاب السودان القديم المعارضة ولا يوجد اي شيء يدل على احترام المواطن والوطن في اداء الحزب الحاكم والمعارضة القديمة…
    ناس الحركة الشعبية بقو جبهة ثورية لان الحزب الحاكم سد الافق السياسي في وجههم رغم جماهريتهم العارمة التي شهدها االقاصي والداني في قيامة الساحة الخضراء وفي الاقاليم وفي انتخابات 2010 رغم الانسحاب..
    ….
    يا ناس المؤتمر الوطني التزمو من الان بتنفيذ مبادرة نافع/ عقار نصا وروحا واطلقو الحريات العامة وكل المعتلقين السياسيين في المركز ستختفي كل البنادق في الهامش..ورؤية السودان الجديد لا تحتاج لبندقية ابدا فقط منابر حرة…وهي مقبولة جماهيريا في كل السودان…واقعدو “مع الناس” مش في “راس الناس”…
    ولدي سؤال مباشر وانتو قلتو المؤتمر الوطني حزب مؤسسات
    من الذى اجهض مبادرة نافع/عقار في حزب المؤتمر الوطني؟ واختار الحل الامني..اذا صاحب الملف الامني نفسه اختار السلام والحوار والتحول الديموقراطي السلس عبر القرار 2046..والمبادرة الموؤدة…
    وهل خضعت المبادرة لتقييم مؤسسي وعلمي واعلامي واكاديمي حقيقي-هل توجد شورى حقيقية داخل الحزب؟-
    ود.نافع علي نافع شخصية كبيرة في الحزب..قادر على فرض رؤيته..لماذا تخلى عن المبادرة؟..

  2. ما اسهل التنبؤ بالاحداث فى السودان الفضل .. ستنهزم جحافل جيوش البشير المستوردة من المرتزقه والمحليه .. وستخسر الحكومة المليارات فى هذه المعارك .. فجنود البشير يقاتلون من اجله وحماية عرشهوومتلكاته .. والثوار يقاتلون من اجل الكرامة والحرية والمساواه فى وطن ظالم اهله ..ستمتلئ جنة هئية علماء السودان الوهميه ب ( الشهداء ) الذين يقاتلون معارك خاسرة وهم يعلمون ..

  3. الأستاذ الجليل/ د. محجوب

    إنها حملة شتوية في نوفمبر وديسمبر(تسمى زوراً صيف الحسم) يقوم بها عبدالرحيم، لتثبيت إستمراره على كُرسي الوزارة، لا اكثر ولا أقل. يبدو أن هذا تحليل ساذج وهو كذلك، لان البلاد بقودها سُذج وهذه طريقة تفكيرهم. ولقد دعم عبدالرحيم مساعيه بالسفر فجأتن (كما يقول جبرا) للجنوب. لكي يقول للجميع أنا هُنا!!.

    كذلك أنظروا إلى غندور الذي يتحدث عن السلام والتفاوض، وهو يعني أن كرتي عليه المُغادرة.

    نعم هؤلاء هُم ساسة السودان الآن، وهذا مسنوى تفكيرهم.

  4. أؤيد الاقتراح أعلاه بالموافقة على مبادرة نافع/عقار وكذلك بسط الحريات بلا حدود وبلا قيود
    وانتم تعلمون عشق السودانيين للحرية ز

    كما اقترح تبني اقتراح السيد الصادق المهدي بأن يكون هنالك مؤتمر دستوري تتمخض عنه رؤية: كيف يحكم السودان تجتمع عليه جميع الوان الطيف السوداني – توكلوا على الله ولاتخشوا غيره فهو المستعان وعليه التكلان.

    تعلمون عشق السودانيين للحرية وصدقوني لن يسىء السودانيون للحرية وسوف يمارسونها بكل المسؤولية لأن من يعشق الشيء يحافظ عليه – توكلوا على الله – واجتمعوا مع مكونات الشعب على كلمة سواء –مؤتمر دستوري او او المهم الاتفاق على رؤية مشتركة نحل بها كل ما نصبو اليه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..