فلقة الشيخ الترابي ونوى الحوار غازي!

تيسير حسن إدريس

(1)

لم استغرب الدعوة “الحاتمية” التي قدمها الشيخ الترابي للمنشق حديثا عن حزب “المؤتمر الوطني” الدكتور غازي حوار الشيخ العاصي، وغازي وما أدراك ما غازي فاصل وناضل من أجل جماعته في ما مضى؛ بل ونشط أكثر من ذلك وسط شيوخ مذكرة العشرة وقاد بنفسه وضع خطط المفاصلة ضد شيخه، وأشرف على تنفيذها، وشنَّ بعد ذلك حربًا إعلامية لا هوادة فيها، وهو متربع على قمة وزارة الثقافة والإعلام، وأطلق من منابرها راجمات القول ووابل التشكيك الذي طال حتى صحة عقيدة شيخه ومعلمه.

(2)

ورغمًا عن عداوة حواره له في السابق فلم يتوان الشيخ الترابي لحظة في إعلان الصفح والعفو؛ بل والطلب من عضوية حزبه قبول القادمين إليهم من المؤتمر الوطني في إشارة واضحة إلى تيار الإصلاح الذي يقوده غازي صلاح الدين، وحثَّ أنصاره على تجاوز الماضي، وعدم صد إخوانهم التائبين؛ بل مضى الشيخ في السماح والعفو شوطًا بعيدًا حين قال ليثبت خلو نفسه من ضغائن الماضي: (لو ذبحونا أو سجنونا وبعدها لاقونا في درب الله سنمشي معهم)!!.

(3)

فإن كنتَ من أصحاب القلوب الرحيمة والمشاعر الرقيقة، ونظرتَ لعبارة الشيخ المفعمة بمشاعر العفو والصفح، تظنُّ بلا شك أن الشيخ يفيض كرمًا وسماحة، ولكن جوهر الأمر وحقيقته ليس كذلك، ويكمن في غير المصرح به دفين الصدور الوعرة، ففي عالم السياسة ود. الترابي أحد أقطابها المعتقين ولاعبيها المخضرمين، لا وجود للعواطف والمشاعر المجانية، فكلُّ موقفٍ في عالمِ سَاسَ يَسُوسُ بثمنٍ، والشيخ والحوار كلٌّ منهما عليمٌ بهذه الحقيقة.

(4)

لا شك أن د. الترابي قد قضى بعد المفاصلة الشهيرة أواخر عام 1999م وقتًا ليس بالقصير يحلم بهذه اللحظة، ولعلها لم تفارق مخيلته وعقله الذي أضناه التفكير في بشاعة ظلم ذوي القربة طوال سنوات الفراق بغير إحسان، وهي لحظة تاريخية بكل ما تحمل الكلمة من معنى في حياة الشيخ، الذي راهن على الزمن وصبر على السجن ومرارة الاعتقال المتكرر ليضحك أخيرا ملء شدقيه بعد أن بهتت لسنين تلك الابتسامة الماكرة التي ترتسم دوما على وجهه وتمييز شخصيته الكاريزمية المثيرة للجدل التي تنزع نحو إخفاء نرجسيتها.

(5)

وها هي اللحظة المرتجاة تقترب، فكيف لا يمهد الشيخ المشوّق طريق اللقيا ويفرشه بالرياحين والورود، وأعز أماني خريف العمر تدنو وتقترب طائعة تجر أذيالها بعد طول تمنع وانتظار؟! فأمنية الشيخ إثبات صحة موقفه المفاصل وخطأ موقف تلاميذه من الذين ساروا في ركاب غريمه الجنرال، ظلت هاجسًا أرق منامه وغض مضجعه، لهذا رأينا مبالغة الرجل في التعبير ومقدار غبطته وحبوره وهو يصرح: “لو ذبحونا أو سجنونا وبعدها لاقونا في درب الله سنمشي معهم” وهو يرى أحد عتاة تلاميذه العصاة على وشك الأوبة من رحلة العقوق التي تطاولت مهيض جناح يتلمس سبل التوبة.

(6)

ما أسعد شيخ الترابي اليوم وهو يرى الأنواء تعصف بمن حاجَّه وشق عصا الطاعة عليه، من تلاميذ الأمس وهم يتلمسون طرق الأوبة على استحياء، فيلتقط الرجل الفرصة بفطنة المفكر وخبث السياسي، متناسيا لحينٍ جرح الكرامة، ويدفع بالتي هي أحسن، باسطا العفو والسماح، في انتظار لحظة الحساب التي لا بد أنها قادمة، رغم مظاهر الغفران التي أبداها وقابل بها التائبين، فطبيعة الشيخ العنيد، وفداحة جرح الكرامة، والخاطر المكسور، كلها ترجح ذلك، وتشي على أن وراء أكمة الاحتفاء الحار بعودة الابن الضال ما وراءها.

(7)

سيستقبل الشيخ الترابي العائدين إن فكروا بالعودة لرحاب المنشية، وعلى وجهه ذات الابتسامة الماكرة، بينما يخفي “الفلقة” خلف ظهره، فمن يعول على معسول تصريح الترابي ويراهن على نسيانه الإساءة والتجريح التي كالها غازي على رأسه ذات يوم، هو واهمٌ ولا يدري كنه طبيعة الشيخ العنيد، وبنظرة سريعة لتاريخ خصومات الترابي الفكرية والسياسية مع شيوخ أجلاء من أمثال الشيخ جعفر شيخ إدريس، والصادق عبد الله عبد الماجد، وأمين بناني وغيرهم، تتضح الرؤية.

(8)

فاجتهاد الترابي في فتح أبواب التوبة والأوبة لمن عصى وشقَّ عليه عصا السمع والطاعة لا علاقة له بفضيلتي التسامح والغفران، بقدر ما هي حسابات سياسة و”فش غباين”، فمن ناحية سياسية فمهم للترابي أن يثبت لتلاميذه العاصين وللعامة صحة موقفه وتقديراته السياسية لحظة المفاصلة ويرد صفعة غريمه الجنرال الذي نازعه الأمر والسلطة ونزعهما معا بصفعة مماثلة ولو بعد حين، أما من ناحية نفسية فيرى الترابي في عودة العاصين من أتباع الأمس على هذا النحو المذل براءة وشفاء له من جرح الكرامة.

(9)

عموما على د. غازي وصحبه أن لا تغرهم رؤية نواجذ الشيخ وطيب حديثه، وفي حال ما قرروا العودة مجددا إلي كنفه أنصحهم بملء جيوب “الجلاليب البيضاء المكوية” بالكثير من “نوى التمر” لزوم العض عليها بالأضراس وهم يتلقون العقاب على “فلقة” الشيخ، فهناك ثمنٌ باهظٌ لابدَّ أن يدفع إن تمت العودة لمنشية الشيخ العنيد ” الحجاج ثقفي النزعة”.

** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.

تيسير حسن إدريس5/11/2013م

تعليق واحد

  1. كانت العصابة و منذ المفاصلة عندما تهب عليها رياح أزمة فان أول اجراء تقوم به هو اعتقال ( الشيخ ) الا هذه المرة !!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..