بعبع الهامش.. ومسار التغيير

بسم الله الرحمن الرحيم
بعبع الهامش.. ومسار التغيير
بقلم/ أحمد عيسى محمود
[email protected]
الهامش ذلك الرقم القياسي المنسي في معادلة الدولة السودانية الحديثة،فما هو الهامش.. ومن أين أتى؟؟ ومن الذي يقف وراءه؟؟ وما هو هدفه ؟؟ وما هو المخرج الحقيقي من هذه الأزمة؟؟؟. وغيرها من الأسئلة المشروعة التي تفرض نفسها في الساحة السياسية السودانية.
والهامش هو حركة احتجاجية على وضعية معينة ظلت طيلة الفترة الماضية موجودة في الساحة السياسية.. فهذا الهامش له عدة أنواع فمنه الجغرافي ومنه الجهوي ومنه القبلي والمهني والقبلي.
ومن غرائب الصدف أن منتكسي الفطرة السليمة يقفون ضد ذلك المد الثوري الذي انتظم معظم البلاد،، وخاصة بعد ظهور المشروع العنصري البغيض.. مشروع الإنقاذ الحضاري.. الذي نعاها لنا أمين حسن عمر قبل أيام قلائل والحمد لله على مصادفة أمين لعقارب ساعة الواقع حيث جاء الاعتراف صريحاً بأن ذلك المشروع ما هو إلا مشروعاً استئصالياً عنصرياً بغيضاً جثم على صدر الهامش ربع قرن من الزمان متلوناً بألف لون متخفياً من نيران الهامش التي أضحت ((لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ)) بعد أن نضجت قضية الهامش على نار هادئة من نيران الظلم والحرمان طيلة فترة الدولة السودانية الحديثة.
وللذين لا يعرفون من أين أتى الهامش نقول لهم: إنه جاء من صلب المعاناة فخرج ((مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ)) للمساكين والفقراء.
فالهامش كان محصوراً ما بين مطرقة ديمقراطية العسكر صاحبت 99.9 % وما بين سندان ديكتاتورية الديمقراطية الكذوبة.. فهاتان المشئومتان لم يتقاطعا إلا في صناعة الهامش.. فالعسكر ((إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ)) فهم مهما تدثروا بثياب الديمقراطية،فهؤلاء القوم يعطون أهل الهامش الوزارات الهامشية مثل الثروة الحيوانية والبيئة والسياحة وغيرها.. والأبغض من ذلك ديكتاتورية الديمقراطية.. وهي التي كانت ((بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ)) حيث كانت تأتي بما يسمى التيس المستعار عندما يحين موسم خريف الانتخابات فتأتي بمرشح من المركز مفروضاً على أهل المنطقة.. وعلى سبيل المثال عندنا في النيل الأبيض منطقة من مناطق كوستي جاء حزب الأمة بمرشح وقد اجتهد أهل المنطقة في تأمين أبسط حاجيات المرشح اليومية فجاءوا بجردل ماء للاستحمام لذلك المرشح ولكن تيسنا المستعار لم يعرف في حياته هذه الوسيلة البدائية. بربكم هل هناك استخفاف أكثر من ذلك بعقول أهلنا البسطاء؟؟ وهل مثل ذلك المرشح قادر على تمثيل أهل الدائرة خير تمثيل؟؟؟ فصراحةً كنا مثل العبوب ((وللذين لا يعرفون العبوب من جيل البعث الحضاري هو أشبه بعجل السامري حيث يموت العجل الصغير فيعمد صاحبه على سلخ جلده وحشوه بالقش من أجل غش البقرة حتى تدر اللبن)). والغريب في الأمر أن تلك التيوس في انتخابات الإنقاذ الأخيرة تم جلبها أيضاً وتساوت في ذلك الإنقاذ وبقية الأحزاب.
أما من يقف وراء ثورة الهامش فهم الغُبش في فيافي دارفور وصحاري كردفان وجبال الشرق ووديان الوسط، وجبال النوبة، ومرتفعات الأنقسنا، وحواري أم بدة، وأزقة الحاج يوسف.. وهدفها هو تحرير السودان من هيمنة المركز ومهما كان الثمن فهم على استعداد على دفع فاتورة النضال. ((فإمَّا حياةٌ تسرُّ الصديق وإمَّا مماتٌ يغيظُ العداء)).. فعلى القوى السياسية السودانية بكل مسمياتها بعد أن اتضحت لها الصورة تماماً من خلال قراءتها للواقع عليها الاعتراف.. ودفن الرؤوس في الرمال ما هو إلا الهروب من استحقاقات الواقع والمستقبل.. فهذا الهامش قد شارك الجميع في صناعته فنقول لهم ((يَدَاكَ أَوْكَتا وفُوكَ نَفَخَ)) فالعاقل من يتعظ بغيره.. فعلى الجميع مراعاة الواقع من جميع جوانبه وإلا ((على نفسها جنت براقش)). ولا يخفى على رجل الشارع العادي أن ثورة الهامش أصبحت أمل السودان للخروج من عمق الزجاجة وجميع أهل السياسة يعلم علم اليقين حقيقة تلك الثورة ولكنهم يعمدون إلى إخفاء الحقيقة في دنيا خيالهم المريض ((وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)).
والمَخرج من الأزمة يكمن في الاعتراف الكامل بتلك المطالب لأهل الهامش فيجب على الأحزاب أولاً إعطاء أولاد الهامش حقهم الطبيعي في إدارة تلك الأحزاب حتى يشعر الناس بأن الديمقراطية في بلادنا صحيحة ومعافاة من أمراض التسلط. أما العسكر فنقول لهم يجب احترام خيار الهامش في إدارة مناطقهم بأنفسهم.. فلا تدفعوا أهل الهامش إلى الانحياز لخيار منطق القوة الذي بدأت بوادره تظهر للعيان وما تحالف كاودا وبندقية دارفور وكردفان والنيل الأزرق وجبال النوبة إلا خير شاهد على ذلك.. فهناك آلاف من أبناء الهامش مازالوا راكبين في سفينة قوة المنطق.. فلا تدفعوا هؤلاء للتحول إلى منطق القوة وحينها يتحول السودان للصومال ونقول للجميع ((يا أبت أدرك فاها لقد غلبني فوها لا طاقة لي بفيها)).