الزواج عبر الإنترنت ظاهرة جديدة تثبت إيجابيتها

لم يكن الزواج يوما قرارا سهلا بالنسبة لكثيرين. فعلى الرغم من أنه يشكّل هدفا تلقائيا للذين تربط بينهم علاقة حبّ، فإنه في غالبية الأحوال يطلق عليه اسم «القفص». وربما هذا ما يثير خوف المقبلين على هذه الخطوة على الرغم من أن كلمة «الذهبي» مرادفة له. الباحثون الاجتماعيون يعيدون سبب الخوف إلى أن كلمة قفص تعني السجن أو القيود التي يقبلون عليها عن سابق تصور وتصميم. الخوف من هذه الخطوة، ودائما حسب رأي العلماء، أمر بديهي لأن الإنسان بشكل عام يصاب بالقلق عندما يقوم بأي تغيير يتعلق بنمط عيشه، فكيف إذا كان هذا التغيير جذريا ويؤدي إلى «انقلاب» في حياته تحت عنوان الشراكة الأبدية؟.

اليوم ومع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، لم تعد لقاءات التعارف بين شخصين تجري بالضرورة في ظروف تقليدية، أي من خلال مناسبة ما أو تدخل أحد من أفراد العائلة أو المعارف. فقد دخلت التكنولوجيا بقوة على الخط لتقلب الكثير من المقاييس المتعارف عليها. فالتعارف عبر الإنترنت ثم الارتباط الجدي المؤدي إلى الزواج تحوّل إلى شبه ظاهرة متبعة من قبل كثيرين. والمثير في الخبر أن هذا النوع من الزيجات يحقق نسبة نجاح أكبر من الزيجات التي تتم بطريقة تقليدية حسب ما تشير إليه دراسات خاصة حول الموضوع.

نذكر منها دراسة أميركية جرت في جامعة شيكاغو وتفيد بأن الأشخاص المتزوجين بعد تعارفهم من خلال الإنترنت أكثر سعادة من غيرهم. كما أن نسبة الطلاق لديهم تبلغ 5.7% مقابل 7.6% بين المتزوجين زواجا بالأسلوب التقليدي.

وقال الباحث المسؤول عن هذه الإحصاءات، جون كاشيوبو، إن هذه النتائج من شأنها أن تطمئن من يخافون من اللقاءات عبر الإنترنت ويعتبرونها غير لائقة لبدء علاقة رومانسية تمتد لمدى العمر.

وشمل الاستطلاع ما يزيد على 19 ألف شخص في الولايات المتحدة تزوجوا بين العامين 2005 و2012. وبسبب أن الزيجات كانت كلها جديدة، فإن معدل الطلاق كان 5% والانفصال 2.5%.. ووجد العلماء أن ما يزيد عن ثلث الذين شملتهم الدراسة التقوا بأزواجهم عبر الإنترنت، وأن 45% منهم التقوا بهم عبر مواقع التعارف الإلكترونية، مقابل 21% التقوا عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك».

أما الذين التقوا خارج عالم الإنترنت فكانت سبل تعارفهم في العمل (22%)، وعبر الأصدقاء (19%)، وفي الجامعة (11%). وتبيّن أن 7.6% منهم تطلقوا، مقابل 5.9% ممن التقوا عبر الشبكة، كما ظهر أن الذين يلتقون عبر الإنترنت عبروا عن سعادة في زيجاتهم تجاوزت بعض الشيء غيرهم.

وإذا كان هذا الحال في الغرب، فما هو الحال في العالم العربي؟. الاختصاصية النفسية د. رندة شليطا تعلق على الموضوع قائلة: «لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي ولّدت حالات اجتماعية مختلفة، لمسنا تأثيرها على جميع الأصعدة وليس فقط على قرارات الزواج. فأي علاقة تولد عبر الإنترنت تتقولب في إطار إنساني جديد يغلب عليه طابعا مريحا، ولعلّ الأشخاص الخجولين هم الأكثر استفادة من المحادثات الإلكترونية». وتتابع: «في حالات الزواج تكون هناك فرصة أكبر للمصارحة والحديث بصدق، خصوصا أن الشخص لا يكون مجبرا على استعمال عبارات تقليدية وما هو متوقع منه. والاهم أن الطرفين لا يشعران بمسؤولية الالتزام بالعلاقة فيما لو فشلت، إذ باستطاعتهما إنهاؤها ساعة يشاءون دون إحساس بالذنب أو تحمّل مسؤولية فشلها». وترى د. شليطا أن «هذه المحادثات الإلكترونية تجري عادة عندما يكون أصحابها في حالة استرخاء وهدوء، في أماكن مألوفة ومريحة في بيتهم وهم يتناولون فنجان قهوة أو شاي. كل هذا يأخذ العلاقة إلى منحى أكثر إيجابية خالية من أي ضغوطات أو قلق. وجميع هذه العناصر من شأنها أن تولّد فرص زواج أنجح من غيرها، لا سيما إذا ما تجاوزت مدة التعارف الأسبوعين وما فوق، لأن الأحاديث تكون طويلة وغزيرة تعطينا فكرة واضحة وبصورة أسرع عن شريكنا».

وبشهادة الكثير ممن تزوجوا بهذه الطريقة، فإنهم يوافقون أن هذه الدراسة صحيحة وبأن الزواج بعد التعارف على الإنترنت كان إيجابيا إلى حد كبيرة. من هذه الشهادات، نذكر تجربة د. إيفون صيداوي، وهي طبيبة أسنان لبنانية، تزوّجت منذ فترة بشاب يعمل في مجال إدارة الأعمال، تعرّفت عليه على موقع «فيس بوك». تصف تجربتها بأنها سعيدة جدا. وتقول: «لقد مررنا بعدة مشكلات لكننا تغلبنا عليها سويا عبر التحادث الإلكتروني، الأمر الذي نلجأ إليه حتى اليوم أحيانا عندما ينزوي كل منا بغرفة منفصلة تعبيرا عن استيائنا من بعضنا البعض».

أما رلى فريحة التي تعرّفت على زوجها البريطاني الجنسية، أيضا عبر الإنترنت فتقول: «أعتقد أن اتخاذ القرار بالزواج أمر صعب في جميع الحالات، ولكن السهل في موضوع التعارف بين اثنين عبر مواقع التواصل الإلكترونية يكمن في اختصار المسافات والوقت معا». وتتابع: «برأيي أن هناك تفاصيل صغيرة لا يمكننا التطرّق إليها وجها لوجه بسبب الخجل مثلا، لكننا نستطيع التحدث فيها من خلال (فيس بوك) أو أي وسيلة إلكترونية أخرى. نقوم بذلك بشكل عام لأننا نشعر بحرّية أكبر في التعبير مما ينعكس إيجابا على العلاقة ككل». وتضيف رلى: «عندما يحصل الزواج بهذه الطريقة، تكون الكثير من الأشياء المتعلقة بشخصيتنا واضحة عموما، وفي وقت وجيز، بينما يتطلب التعرّف إلى الشخص الآخر بالطرق التقليدية وقتا أطول. فما قد نعرفه عن الشريك عبر الإنترنت في سنة، مثلا، قد لا نعرفه عن الشخص الذي نقابله ونتحدث إليه وجها لوجه لعدة سنوات».

الشرق الاوسط

تعليق واحد

  1. بقلم الكاتبة وسام الشناوى

    عن مُعاذ بن جبلٍ رضى الله عنه، عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” لا تُؤذى امرأةٌ زَوجَها فى الدُّنيا إلا قالت زوجتُهُ مِنَ الحُورِ العِـيْن: لا تٌؤْذيهِ قاتَلَكِ اللهُ، فإنَّما هوَ عندَكِ دَخِيْلٌ يُوشِكُ أنْ يُفارِقَكِ ٌإلَيْـنَا ” رواهُ الترمذى وقال حديثٌ حَسَن.

    ♥ كيف تُؤذى الزوجُ زوجَها؟ الإيذاء ليس بالضرورةِ هو الإيذاء البدنى. حيثُ يقولُ الله تعالى فيمن كانوا يستمتعون بصحبة النبىِّ صلى الله غليه وسلَم ويطيلون السَّهَرَ عندَهُ ” إن ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْيِى مِنْكُمْ وَ اللهُ لا يَسْتَحْيِى مِنَ الحَقِّ ” (الأحزاب 53). فمُجرَّد الإطالةِ فى السَّهر عند مُضيفِكَ يعدُّها الإسلامُ من قَبيلِ الأذى. وهكذا فالأذى يشمل كلَّ مُعاناةٍ نفسيَّةٍ تعَرِّض لها واحِدا منَ الناسِ دونَ مُبـَرِّرٍ مَقبول، كأن يكونَ إمتِحاناً أو تدْريباً عسكرِيَّا أو ما شابهَ ذلك، أو قصاصاً أو عِقاباً لمصلحةِ الفردِ أو جماعةِ المُسلِمين. ولا تشتمل مُعامَلَةُ الزوجِ لزوجِها على شىءٍ من ذلك.

    ♥ فالزوجُ قد تُؤذى زوجَها بما لا يَرضَى منَ القولِ، أو بالضجَرِ والتأَفـُّفِ، أو عدَمِ الرِّضا بالمَعيشةِ، والتمَـرُّدِ على ضيقِ الحالِ، والتلفُظِ بما قد يُعتَبرُه الزوجُ من قبيل الإهانة. فذلك أذىً قد يدفعُه إلى الدُّعاءِ عليها، فيحِلُّ عليها غضبٌ منَ الله. ومنَ الأذى أن تُعَجِّل الزوجُ لزوجِها بالأخبارِ السَيِّئَةِ دون حاجَةٍ إلى ذلك، وتؤَخِّر عنهُ ما قد يسُرُّهُ من الأخبار دون مانعٍ من ذلك. بل إنَّه من قبيل الأذى أن تتفكَّه الزوجُ بما يسىءُ إلى زوجها، أو أن تبادرَهُ بالغثِّ من القولِ كنوعٍ من الهِزار فيلقى الشيطانُ فى صدرِه ما يشاءُ أن يُلقى، فتتغيرَ نفسُ الزَّوجِ، وربما وتَرتْه الكلماتُ فيثورَ أو يبغِض. وفى هذا يقولٌ مُقَلِّبَ القُلوبِ سُبحانهُ وتعالى مُخاطِباً نبيه، وواعظا المؤمنين : ” قُلْ لِلَّذينَ آمَنُوا يَقُولُوا الَّتى هِىَ أَحسَن، إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ، إن الشيطانَ كانَ للإنسانِ عدُوَّاً مُبِيْناً” (الإسراء 53).

    ♥ وإنَّ من أدب الزوجِ المُسلمةِ مع زوجِها: ألا تسبقهُ فى حديثِهِ، وألا تقاطِعْهُ، وألا ترُدَ عليهِ الكلمَةَ بالكلِمةِ، وأنْ تُقَدِّمَهُ فى كُلِّ شىءٍ، إحتراماً وتقديراً لما يبذُلُ من جُهدٍ للسعى عليها وعلى عيالِها. وأن تَدعُوَ لهُ اللهَ على مسمعٍ منهُ، فإنَّ ذلك يسُرُّهُ ويَزيدُ فى حُبِّهِ لها. وإن الرجُلَ إذا عاد إلى بيتِه متعَباً فلا يجوزُ أن تُبادِرهُ زوجُهُ بما يزيدُ فى تَعَبِهِ، وإنَّما تُسَرِّى عنهُ وتُخَفِّفُ من تَعَبِهِ ما استطاعت، وإلا تركَتْهٌ ليستريح. ثم تعِدُّ له بعدَ ذلكَ ما يُرَفِّهُ عنهُ ويعيدُ إليهِ بشاشتِه. ولا بأسَ أن تحتالَ إلى ذلكَ ما لا يكونُ خُروجاً عنِ المألوفِ أو لا يٌحبِّذهُ الشَّرعُ، وإلا انقلبت العصا على الساحرِ وأدى الأمرُ إلى نقيضِه. فكلُّ ما يخالف الشرع هو خارجٌ عن “روشتة” الصحة التي وصفها الشرع للحياة السليمة، ولابد أن يؤدي إلى مضاعفات في العلاقة وآثارٍ سلبية يكون البيت المسلم في منأى عنه، وفي معية الله سبحانه وتعالى وطاعته، وليس فوق ذلك من فضل.

    ♥ كُلُّ إنسانٍ مهما تقدَّمَ به السِّنُّ يحملُ فى داخلهِ طفلاً صغِيراً، وربما أنَّه يحِنُّ إلى طفولتِه. والرجل على خشونتهِ مقارنةً بالمرأةِ، يجرى عليه نفسُ الأمر. ويقولون أن داخِلَ كُلِّ رجُلٍ طفلاً صغيراً. والمرأةُ هى أكفاُ المخلوقاتِ وأكثرها دِرايَةً بالطفل. ولا يعنى ذلك أن الزوجَ سوف تُعامِل زوجَها معاملَةَ الطِّفلِ، ولكنَّ ما يجبُ عليها هو أن تتحمَّل الطِّفل الذى فى داخلِهِ حين يَتَمَرَّد، وأن تتذَكَّرَ مفعولَ أمومَتِها على طفلها. فتلاطِفُهُ وتَتَودَّدُ إلَيهِ، وتُمازِحَهُ بحُلوِ الحَديثِ، حتَّى تستقِرَّ نفسُهُ، ويَستَعيدَ اتِسامَتَه، أو يزول كدره. وإنَّه ليحفظُ ذلكَ لها فى نفسِهِ، ويزداد بها شَغفاً ومنها قٌرباً ومودَّةً. وإنَّه لمِن أقسى الأمورِ على الزوجِ، أن تُسَفِّه الزوجُ أحلامَهُ، أوتسخرَ من احتياجاتِه وتصرُّفاتِهِ حينَ يُلِحُّ عليهِ إحساسُ الطِّفلِ الكامنِ بداخِلِه. وتكون ردَّة فعلِهِ عنيفةً وقاسيةً إذا ما هاجمت الزوجُ طفوليتهُ واستهجنتها، أو سخرت منها وسفَّهَت أحلامَه. فهو آنذاك يشرعُ فى الإنتقامِ لرجولتِه، والذود عن كيانِه وهَيبَتِهِ، مما يُنذرُ بعواقِبَ غيرِ حميدة.

    ♥ وهناك من الآداب الإسلامية، أدبُ الخلاف. وليس من المتوقع أن يمر العمر دون أن يَعرُض للزوجين أمرٌ يكون فيه خلافٌ بينهما. ووجود الخلاف فى حدِّ ذاتِهِ ليس عيباً فى العلاقةِ الزوجِيَّة، وإن كانت أسباب الخلاف تزولُ بالتدريج مع تنامى خبرة كل طرفٍ بالآخر. ودورٌ الزوج المسلمة فى إدارة الخلاف دقيقٌ وحَذِر. وعليها أن تكون مستعدَّةً للتنازل عن رأيها أحياناً وإن كانت تظنٌّه الصحيح، ما لم يكن الأمرُ شرعِيَّا، والحكمُ فيه واضِحٌ وقطعِىّ. والزوجُ المسلمةٌ قد وقَّعَت لزوجها عقد الوِلاية حين دخلت فى ذِمَّته، ولهُ عليها حقُّ الطاعة: ” وأطيعوا اللهَ وأطيعوا الرَّسولَ وأولى الأمرِ مِنْكُمْ “. والزَّوجُ مسئولٌ عن قراره، وهو الأكثرُ دِرايةً بملابسات الأمور، لخروجه وتعرُّفِهِ على أشياء لا يتاح للزوج أن تعرِفَها وهى مقيمةٌ فى بيتِها. وليس لها غير النُّصحِ لزوجِها بالحُسنَى، وإلا فلتصبِر، على أنَّهُ لا طاعة لمخلوقٍ فى معصِيَةِ الخالق. فإن أصاب الخلافُ أمراً ينتج عن رأى الزوجِ فيه معصيةٌ لله عزَّ وجلَّ، جاز للزوج المسلمةِ ألا تتابعَ زوجَها على ذلك. وأن تلتزم آداب النُّصحِ والتذكير ما استطاعت، وأن تدعُو له بالهدايةِ والرَّشاد. وليس للزوج أن تتشبَّث رأيِها فى الأمور العادِيَّة، حيث يترتَّبُ على ذلك ضررٌ قد يكونُ أكبر من الضررِ الناتج عن عدم توفيق الزوج فى قراره.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..