حينما كفرت بالأحزاب السياسية

حينما كفرت بالأحزاب السياسية

منى بكري ابوعاقلة
[email protected]

لقد نشأت وترعرعت في وسط الحركة الاسلامية، وكانت تدفعني معاني نبيلة تتوق لنهل مباديء الاسلام التي تصون الحقوق الانسانية وتحفز على مدنية المجتمع والذي في إطاره تنشط الحركات الفكرية والسياسية والثقافية. وأشد ما كان يجذبني هو المدارسات الفكرية والنهل المعرفي والثقافي، حيث كانت لنا في إطار ضيق (مدرسة ثقافية اجتهادية) حاولنا عبرها تجاوز العديد من الأفكار التقليدية والسلفية، وتقديم نماذج حديثة، بالإضافة إلى محاولة تجسيد وترسيم إطار نقدي ذاتي بناء، على مستوى الفكر والممارسة. ودارت الكثير من الحوارات والنقاشات، وقتها، حيث كان وما زال للفكر السلفي الذي يعبد النصوص، مكانه المتفرد بالحركة.
أول صدمة تلقيتها، حين تفأجات بالانقلاب العسكري في 1989م، وكنت أعتقد أن لو صبروا لأتوا عبر صناديق الاقتراع. وحينها فشلت كل الأيدلوجيا التي تم تقديمها كمبررات زائفة لتبرير ما حدث. أحسست أنه، في كل يوم تزداد خيبات أملي، فحتى على مستوى الفكر والتنظير، يمكنني القول أن التنظير كان إطاره قانوني بحت يتعلق بالدولة فقط، وحتى عندما استلمت الحركة مقاليد الحكم في البلاد، جاءت الممارسات على نقيض الكثير من هذه الأطروحات النظرية نفسها التي فشلت في أن تجد سبيلها إلى الواقع.
لم تحاول الحركة الاسلامية، تصحيح الأخطاء التي ارتكبتها بمجيئها الي الحكم عبر فوهة البندقية، ولم تقم بالدعوة لانتخابات مبكرة تتشارك فيها على قدم المساواة مع بقية الاحزاب، كما لم تدعو بقية الاحزاب لتشكيل حكومة وحدة انتقالية، حيث كان باستطاعة الاحزاب أن تتشارك إذا أتيحت لها الفرصة لذلك. ولكن، انفردت الحركة بالحكم، وانصرفت كل الهموم إلى شخصية ومصلحية بحتة، حتى أصبحت مواجهة الآن باتهامات تتعلق بالفساد والممارسات اللااخلاقية.
فشلت الحركة، في أن تقدم تنظير لتغيير اجتماعي في اتجاه المجتمع المدني والدولة المدنية، وذلك لأن، الحركة الثقافية كانت حركة ضعيفة، وليس من الغريب أن تفشل في تقديم نموذج للتغير الاجتماعي، لأن طبعية النشاط السري والاجهزة السرية المتوجسة دائماً من كل تحد لو عابر، أضفت طابعاً طائفياً يرفض كل شئ مقدماً. ونجح هؤلاء الذين عرفوا وقتها بأهل -العمل الخاص- نجاحاً باهراً في إضعاف كل الحركات الفكرية والثقافية والسياسية التي وجدت على الساحة السودانية، ونتج عن ذلك الضعف والفتور الذي أصاب كل الحركات السياسية والثقافية -دون استثناء- إلى يومنا هذا.
ونتيجة لكل هذه التراكمات، والانحرافات السافرة عن المسار، وجدت أنني لم أكفر وحدي بالحركة الاسلامية، فمعي الكثيرون الذين سبقوني إلى ذلك، حيث تأرجحنا بين صواب الفكرة وأخطاء التطبيق، وخاصة، كنا نسمع بالمؤسسية والشورى والحرية والديمقراطية وحكم الشعب، وألقينا إليها بالاً، إلا أن سقطت كل الاطروحات مع مجيء الانقلاب العسكري، ولم تعد هنالك حركة اسلامية بل أشخاص ينفردون بالقرار وفقما اتفق مع أهواءهم حيث انصرفوا إلى توطيد المصالح الضيقة كل المباديء والشعارات النبيلة.
كنت اعتقد أنه قد يكون هنالك تطبيق للشريعة الاسلامية، إذا تم اتفاق حوله وذلك بالإقناع وليس بالجبر، وما إذا تهيأت الأطر الصحيحة والضوابط الديمقراطية، لذلك، أما تطبيق الحركة الاسلامية (الكيان الخاص) للشريعة الاسلامية، فحدث ولا حرج عن ممارسات ناقصة ومشوهة، أفلحت في كسب عداء الكثيرون للاسلام وذلك بالمثال العملي الذي أفرز عن نقص في الفهم والوعي لأبسط المباديء الاسلامية. حيث تجسد الفهم السلفي والنصي الحرفي وحتى ذلك لم يتوفقوا فيه.
السودان الآن يواجه أزمة سياسية وأخلاقية وأقتصادية كبرى، وتتحمل الانقاذ والكيان الخاص مسئولية كل الأخطاء التي حدثت من انقسام للجنوب ومن اشتعال الحرب في دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان، وكل الأزمات الاقتصادية الخانقة وكل الظلامات التي حدثت للمواطنين السودانيين من قتل وتعذيب واغتصاب واعتقال الخ، والتي ما زالت تحدث كل يوم، وذلك لأنها حادت عن الطريق وأصبحت عبارة عن حركة يسيرها أشخاص وفق أهواءهم وأدوءاهم المريضة، ولا مخرج من هذه الأزمات إلا بإسقاط هذا النظام.
أصبحت، أكثر ايماناً ، الآن، بدولة مدنية ديمقراطية ليبرالية تعددية تحافظ على كل المجتمع بغض النظر عن الجنس واللغة والدين والمعتقد. وتصون كرامة المواطن وقناعاته في ممارسة معتقداته وأفكاره بالشكل الذي يؤمن بها، فهي تضمن حقوق وحريات جميع المواطنين وتقوم على قاعدة ديمقراطية هي المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات. ولا تتأسس بخلط الدين لتوظيفه مع السياسة، ضمن مزيج لاتفريق فيه بينهما بل تصدمك خبائث وقبح الافعال التي تختبى خلف مزيج حرصت عليه لبلوغ اغراض خاصة لا علاقة لها لا بالدين والمدنية ولا غيرهما. كما أن الدولة المدنية لاتعادي الدين أو ترفضه حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية أوغيرها ، فذلك يتنافى مع مبدأ التعددية الذي تقوم عليه الدولة المدنية.
ولنا حديث أخر حول هذا الموضوع،

تعليق واحد

  1. منى بكرى ابو عاقلة الرجوع للحق و قول كلمة الحق هو نوع من الفضيلة و الشجاعة و التى هى اشجع من شجاعة حملة الكلاش و صدق الرسول الكريم (ص) عندما قال بان كلمة الحق عند سلطان جائر هى افضل من الجهاد بالسيف اى انسان عرضة للخطا و لكن البيرجع من الخطا و يعود للحق و الحكمة فهذا هو اشجع الشجعان!! و ازيدك من الشعر بيت ان الاسلام و الاخلاق و الفضيلة لتنتشر فى ظل الدولة المدنية الليبرالية التعددية و الحرية الفردية و حرية الفكر و الاعتقاد عكس ما حاصل الآن فى ظل الدولة او الحزب الذى يدعى الملكية لفردية للاسلام و ان من يخالفه كمن خالف الاسلام و اعملى احصائية و شوفى الناس التركوا الحركة الاسلامية او الكانوا متعاطفين معها!! ما عندك ياسين عمر الامام الذى قال انه يستحى ان يدعوا احد احفاده للحركة الاسلامية!! تانى فى كلام؟؟؟!!!

  2. اول مرة قرأت لكى استاذة منى ابوعاقلة ايام اعتقال الاستاذ ابوذر على الامين … وقد احترمت واكبرت فيك نضالك وشجاعتك تجاه زوجك اولاً وحرية الكلمة ثانياً …. والآن ازذاذ احترامى لكى باعترافك بكل هذه الاخطاء من تنظيم كنتى جزءاً منه وكان يمكن ان تكونى كالكثير من رفيقاتك وربما كنتى وزيرة الآن فى هذا النظام الفاسد ولكنك اخترتى كلمة الحق واخترتى مبادئك على الرغم من ما يمكن ان يجره عليك او الذى جرّه عليك اصلاً هذه الموقف من ويلات من رفاق الامس … وثبات المبدأ على الحق هذا قد زادنا احتراماً لكى ….. فى انتظار المزيد العميق …

  3. أجمل ما قرأته، نعرف صدقك وشجاعتك منذ عرفناك وحتى قبل ان تتعرضي لما تعرضتي له مع زوجك البطل المناضل أبوذر. وللذين لا يعرفونك، فقد قلتي كلمة الحق وجاهرتي برأيك منذ زمن بعيد ولم تأتي الآن. وكذلك زوجك، وصبرتم طويلا ولم تتراجعوا عن مواقفكم. أشهد بأنكم صادقون ومثابرون ومدافعون عن كلمة الحق في السر والعلن. أعرف أن هذا موقفك من بعيد الزمان وهو لم يعجب الكثيرون، لذا لم يملكوا سوى محاربتكم وسجنكم واعتقالكم. ربنا يتقبل منكم، فأنتم فئة صابرة ومحتسبة

  4. مع أننى قد أكبرت فيك شجاعتك وعودتك للحق، ولكن أحترت للعنوان فالأحرى أن يكون (كفرت بالحركة الإسلامية).

    الأحزاب الأخرى الوطنية لها أخطائها وليس موبقات كالإنقاذ والحركة الإسلامية فمن الظلم وضعهم مع الحركة الإسلامية في مركب واحد. ولعل هذه محاولات يمارسها أبناء الحركة الإٍسلامية فهم لا يعترفون بخطأ ما قاموا به وإنما يضيفون دائما بأن بقية الأحزاب تشاركهم في الخطأ وهو حديث غير صحيح، وأتمنى أن أكون مخطئا في ظنك تجاهك وأكرر إعجابى وإكبارى لما كتبتيه هنا.

  5. الاستاذه/منى:لك التحيه والتجله واتمنى من الله ان يفرج كربك وكرب زوجك الخلوق المهذب الامين الصادق وحقيقة رغم اختلافى معكم فى الفكر والمنهج الا اننى تعاطفت معكما فى محنتكما من رفقا دربكما ..وعلى وجه العموم انى سعيد جدا لرجوعك للصواب بعد ان تلقيتى درسا فى الحركه الاسلاميه وكنا حينها نقول الاسلام حركته ذاتيه لا يحتاج لبشر ان يحركه لانه دين الفطرة وكنا نؤمن بذلك ما زلنا نؤمن بهذا النهج والحمدلله فقد فشلت الحركه وفضح الله نهجها الانتهاذى وزيف اسلاميتها وهى قد حكمت على نفسها بالاعدام منذ فجر 30/يونيو/1989وهى ذاهبه دون رجعه باذن الله ونامل ان تشربى ابنائك رؤى وعلى واحمد نهجك الجديد لانهم جيل المستقبل انشاءالله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..