أطفال “المايقوما” أزمة مجتمع مكتومة

الخرطوم- حيدر عبد الحفيظ
على ورق (الكرتون( أو على طبقات الأسفلت أو قارعات الطرق أو أسرة مشافي التوليد يصرخون صخرة الميلاد الأولى؛ يولدون ولدور الإيواء يُرحَّلون لا أحد يعرف أب يكبر في آذان الطفل مجهول الأبوين فرحاً بمقدمه ولا أم ترضعه من ثديها حنانا قبل أن تسكب على شفتيه وجوفه الخالي من الماء والطعام شيئاً من لبنها.. الأطفال أو “مجهولو الأبوين” كما يحلو لدور الإيواء تسميتهم واقع لا يمكن إنكاره، وقضية تؤرق المجتمع وصناع القرار.
الإحصائيات الموجودة حسب وزارة التوجيه والتنمية الاجتماعية، تشير إلى أن دور الرعاية في ولاية الخرطوم تحوي في جوفها قرابة الـ(700) طفل سنوياً من أطفال لا يعرف لهم والد ولا أسرة.. (اليوم التالي) تقصت عن هذه الظاهرة المؤرقة التي يتعامل معها المجتمع بشيء من التخفي والتستر و(دسدسة الأمور).
(يا أطفال يا حلوين اشربوا الحليب.. للصحة.. والقوة.. اسألوا الطبيب).. كلمات أنشودة الأطفال تنبعث من تلفاز مثبت على إحدى حجرات الصغار بدار المايقوما للأطفال مجهولي الأبوين؛ أول ما خالطت آذاننا ونحن نتجول في غرف الأطفال في الدار العتيقة التي تسع لنحو (250) طفلاً من مجهولي الأبوين من جملة من يصله عدد الأطفال مجهولي النسب الـ(700) سنوياً حسب إحصائيات الوزارة الولاية المختصة بالشأن الاجتماعي. الأطفال بالكاد ما يركزون على محتوى الأنشودة وإن كانوا يتمايلون طرباً مع ايقاعها وموسيقاها؛ ولكن في الوقت ذات يشرئبون ويتطلعون للتشبث بكل قادم وزائر ويتلهفون لمناداته بعبارات ونداءات حزينة.. دامعة.. دامية لك من يسمعها “بابا.. بابا.. أو ماما.. ماما.. أنا ماش معاكم البيت”.. ومن الأسرة وبزات اللبن (البديلة للأم) دونت أسماءهم: (شفيق، تفاؤل، ملهم، شروق، نورهان، كفاح، سمر، عزت.. الخ)، إدارة دار الأيتام بالمايقوما لا تترك للأطفال أصحاب تلك الأسماء التي لا فرق بينها وبين أسماء مقرونة بآباء حقيقيين بأن يرهقهم التفكير وعناء البحث عن الحقيقة، الإجابة على تساؤل كبير وخطير ومفصلي لا يؤخر أو يرجى، فعند بلوغ الـ(5) سنوات يصارح الصغير بأن قدره – وكونه مجهول الأبوين – ليس وحده وإنما هناك المئات والعشرات الذي تمتلئ بهم دور الإيواء وحتى الشوارع، ولكن ينبغي أن لا يشغل نفسه بهذه الحقيقة، وأن يركز في تطبيق ما يتعلمه وما يكتسبه من مهارات حتى يندمج مع المجتمع ويباشر حياته كما الآخرين.
في قارعة الطريق ومكب النفايات
محنة الطفل مجهول الأبوين تكمن في أنه قدم لهذه الحياة نتيجة قرار من طرفين لم يكن له يد أو خيار فيه، هكذا ساقه القدر لهذا الواقع، بعض الأطفال اللقطاء ربما لم تتاح لهم الظروف ليجدو طريقاً ومسلك لدور الإيواء، بعد أن القي بهم في قارعة الطريق أو مكبات النفايات أو (المراحيض) أو يقذف بهم في مياه الأنهار والآبار ليتخلص منهم، بجانب الإجهاض الذي يقضي على جنين الخطيئة قبل أن يتخلق في بطن أمه، مؤخراً بات من يبتلين بجنين (لقيط) من الفتيات يلقين به في أسرة المشافي بعد ان يضعن عليه قطع قماش حمراء لتميزه عن غيره نظراً لأن زاحم المستشفيات ووجود عدد من النساء اللائي ولدن حديثاً في تزايد يسهل من مهمة وضع الجنين في أحد الأسرة والانصراف من غير أن يلقي أحد بالاً للطفل، وحينما يفطن من بداخل العنبر بالطفل المجهول فإن إبلاغ الشرطة كفيل بالإسراع بالطفل مجهول الأبوين لدور الإيواء.
إجراء قانوني
يخضع الأطفال مجهولو الأبوين حالة دخولهم لدور الإيواء لإجراء قانون متبع يقوم به مكتب مختص من قبل شرطة حماية الأسرة والطفل الذي يوجد عادة في مراكز الإيواء ويعمل بنظام الـ(24) ساعة بالمناوبة للتعرف على حالات الأطفال اللقطاء واستقبالهم وعمل الإجراء القانوني، وفتح بلاغ بالحالة للطفل القادم للدار، وفي حالة مقدم الطفل من قبل مواطن أو رجل شرطة فإنه يتم تقييد بلاغ تحت المادة (76) من القانون الجنائي في حالة عدم معرفة والدته، ويحلف الشخص الذي أحضره للدار بالقسم، أما في حالة إحضاره لدور الإيواء من قبل والدته فإنه يقيد له بلاغ في تحت المادة (144) من القانون الجنائي، وفي كل الحالات يفتح للطفل ملف وسجل مدني برقم وطني يعرف فيه بمكان الميلاد وتاريخه والمكان الذي وجد فيه.
للكارثة سبب
عالية محمد عوض الكريم الاختصاصي الاجتماعي بوزارة التوجيه والتنمية الاجتماعية ولاية الخرطوم وتعمل بدار المايقوما، طرحنا عليها سؤالاً عن الأسباب الاجتماعية التي لها دور في بروز طفل مجهول الأبوين: فابتدرت حديثها لـ(اليوم التالي) بملاحظة مفادها فإن أغلب البنات التي يحملن سفاحاً هن من الفئة العمرية التي بين (12 -14) سنة وهن (قليلات تجربة بالحياة عموماً فضلاً عن غياب الثقافة الدينة لديهن)، فألقت محدثتنا باللائمة على الأسر والأمهات اللاتي يفوت عليهن غرس القيم الاجتماعية والدينية والايمانية التي تحول بين بناتهن للوقوع في الرذيلة و(الزنا) ومن ثم الحمل بالحرام.
عالية أشارت إلى وجود تساهل من الأسر في اختلاط الجنسين مما خلق نوعاً من حماية بنتاهن تجاه مثل هذه الممارسات ووقعوهن ضحايا نتيجة هذا التساهل، وذكرت عالية أسباب أخرى لحمل البنات سفاحاً، من شاكلة قلة التعليم وتفكك الأسر وعدم المراقبة والغزو الثقافي للقنوات ومواصل التواصل الاجتماعي وتمليك الفتاة هاتفاً جوالاً تستخدمه لساعات طويلة بالليل والنهار دون أن يراقبها أو يزجرها أحد من الأسرة.
إحصائيات وأرقام
ويشير تقرير السودان الثالث والرابع المقدم للجنة الدولية لحقوق الطفل، إلى دور ولاية الخرطوم الإيوائية تستقبل سنويا (700) طفل أما دور الإيواء ولايات (الجزيرة، نهر النيل، البحر الأحمر، وجنوب دارفور) بها (130) طفلاً، وفي ولاية النيل الأبيض بها أسرتان تكفل كل الأطفال وولاية كسلا يتم تستلمهم من المستشفى.
وفي إحصاء لوزارة التوجيه والتنمية الاجتماعية ولاية الخرطوم للعام (2004) فإن احصائيات استلام الأطفال مجهولي الأبوين بلغ حوالي (695) تم إلحاق (37) منهم ببرنامج الدمج الأسري و(50) للوقاية من الانفصال وإلحاق (96) للحضانة الموقتة، أما في العام (2005) كان إحصاء الأطفال المستلمين حوالي (651) تمت كفالة (296) طفلاً منهم ودمج (58) طفلاً وتم إلحاق(65) طفلاً ببرنامج الوقاية من الانفصال في ما تم إلحاق (362) ببرنامج الحضانة المؤقتة.
تشوهات نفسية وخلقية
أكثر ما يواجه به جنين الخطيئة هو المشكلات النفسية التي تلازمه طيلة حياته، مع أن برامج دور الإيواء والأسر البديلة تخفف بعض من التبعات، كونه طفلاً جاء للدنيا من غير رغبة والديه وحرمانه من حنان الوالدين مما يجعله يعيش أسير هذه العقدة.
الطبيبة زبيدة محمد عمر اختصاصية أطفال بدار المايقوما قالت لـ(اليوم التالي) إن العيادة تستقبل يومياً (14 طفلاً للعلاج، ونوهت إلى ضعف المناعة لمترددي الدار لكون الطفل ينشأ في ظروف صحية ونفسية باعتبار أنه (حمل غير مرغوب فيه)، وهذا يؤثر على النمو بعكس لو كانت العلاقة بين الشركين شرعية فإن النمو الجسد والنفسي يكون طبيعياً.
ويجابه الأطفال مجهولو الأبوين بتشوهات خلقية عديدة نتيجة لإلقائهم في ظروف طبيعية صعبة مثل أيام البرد الشديد أو ارتفاع درجة الحرارة أو في العراء أو في قارعة الطريق بُغية أن تدهسه المركبات للقضاء عليه أو تناول أماتهم “للصبغة” رغبة في التخلص منهم بالإجهاض، وفي حالة بقائهم قيد الحياة تلازمهم العلات الجسدية.
من داخل الدار
زينب أبو جودة مدير دار المايقوما للأطفال مجهولي الأبوين، أكدت لـ(اليوم التالي) أن ميزانية تسيير الدار (80 %) من الدولة و(20%) من الخيرين، وأن تكلفة متطلبات الأطفال البامبرز في اليوم الواحد تصل لـ(5) ملايين جنيه. وعن سعة الدار، قالت إنها تسع 250 طفلاً وعدد الغرف حوالي (20) غرفة وما تستقبله الدار في الشهر (22) طفلاً وتكلفة ما يصرف على الطفل حوالي (1300) شهر ويمكث الطفل في الدار حتى يبلغ عمره (6) سنوات وبعدها يرحل إلى بيت الأولاد أو البنات ليرعى ويكمل تعليمه بمتابعة من الدولة التي ترعاه حتى يصير راشداً.
وأبانت أن وزارة التوجيه والتنمية الاجتماعية الولائية طرحت برنامج للأسر البديلة وحثت المجتمع على رعاية الأطفال فاقدي السند لكون الرسول صلى الله عليه وسلم، شجع عن هذا المسلك بقوله “أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة”، وأشار باصبعيه السبابة والوسطى.
ويوجد في دار المايقوما (250) أم بديلة وهنالك حوالي (200) أسرة بديلة تقوم برعاية الأطفال عبر نظام الكفالة

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. العدد قليل بالنسبة لما اعلمه عن قرب من تللك الدار…..الاسبوع الماضي استضافة قناة امدرمان مدير مشرحة مستشفى ام درمان والذي ذكر ان عام 2013 وصلت جثة 1333 طفل متوفي من المجهولين الولادة او مجهولي الابوين وهذا في ام درمان فقط …اي بعدل 4-5اطفال في اليوم……فكيف بالعاصمةالمثلثة…..

  2. المرحلة القادمة بالنسبة للسودان وحتى العالم أجمع حتصير مسألة فحص الدي إن ايه مسألة عادية جداً وسيكون بالإمكان معرفة والدي اي من اطفال المايقوما تلك وعلى الأقل يمكن ان يتعرف الشخص على والديه حتى لو لم يتصل بهما وعليه المفروض الطلبة تخصص الإجتماع عمل دراسات لوضع حلول لمثل هذه المشاكل والتي أؤكد انها ستستفحل مستقبلاً ( وناس البشير قالوا المشروع الحضاري قال )

  3. أنا لدي فراسة في فرز النسل

    بنظرة لاي طفل ممكن احدد من أبوه هناك صفات لاي شخص تحمل الانتماء والتشابه والدم لا غبار عليها أنا ممكن أميز اذا كان الابويين سمر اللون والابن أبيض احدد بان الابن يتبع لهم والعكس كذلك
    هناك بالدار عندما تعرض علينا بالتلفاز اطفال من أول وهله تقول هذا الطفل أبوه فلان إبن فلان وكمان أبائهم في أشخاص في سدة الحكم
    الاعراب تعرف الفراسة منذ القدم والان جاء علم ال dna فالامور أصبحت سهلة لحل عقد وألغاز كثيرة

  4. لاحول ولا قوة الا بالله العلى العظيم …الحاجة المحيرانى شديد الواحدة بعد ما تضعه ترميه لخوف الفضيحة طيب أثناء حملها التسعة شهور دى على الأقل ناس بيتها وجيرانها وأهلها ما بشوفوا التغييرات البتحصل عليها بسبب الحمل ؟؟ واذا عرفوا بسكتوا الى أن تضع وحتى يخافوا من الفضيحة ؟؟ طيب الحمل دا ما باين على المرأة ولا يمكن اخفاؤه لماذا لم تخف البنت وأهلها من الفضيحة أثناء مرحلة الحمل ؟؟ أشياء مستغربة لها جدا … الله يهدى ويحمى الجميع …

  5. اهات يا اخوانا اتقوا اللة فى اعراضكم ولا خلاص النخوة والرجولة مااااااااااااااااااااتت امس ذهبت مع بعض الاقارب الى بعض مراكز التسوق فى دبى واذ بفتاتين (وللاسف سودانيات) ومعهم ما هو جالبهم من السودان لل…………. فى منظر يرثى لهن لبس بنطلون وفاضح وشعر منكوش كأنهن (جانى) ويلتطقن بعض الصور يعنى ياقوم هذه ليس مشكلة حكومة ازالها اللة بس اخلاق مجتمع رايح الى الهاوية النجاة النجاة متى نتحرك يا من نشانا فى الزمن الجميل ونعيد ما يمكن اعادتة ولا لا حياة لمن تنادى وين الاب الام الاخ ابن الجن اااا وحشمة حواء السودان انتهت الا ما رحم ربى ياقوم اتعظوا بغيركم والا الهلاك ااات لا محالة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..