كيف يفهم هؤلاء ؟!ا

كيف يفهم هؤلاء ؟!

عبد اللطيف عوض الضو

لعل الامر الذي استدعاني كمحرك ودافع اساسي لكتابة هذه الاسطر هو ما يرشح من تصريحات وتعليقات منسوبة الى رموز السلطة فيما يخص تقديم التبريرات الواهية والمتعلقة بقصورهم الكاشف عن مكامن الخلل لممارستهم السياسية (الخرقاء) ، ولعل ما هو جدير بالملاحظة ايضا أن ما يطلقونه أي منتسبي السلطة من تبريرات تفتقر الى السند المنطقي وتبين بجلاء حالة التشتت وغياب الوحدة السياسية والفكرية البائنة على تفوهاتهم المتضاربة والتي ينسف بعضها الآخر ، مما يدلل على حالة التوهان السلطوي وفقدان البوصلة السياسية جراء الإنهيار الكامل في مختلف البنيات المشكلة للدولة ، وفي هذه المساحة يمكن الأخذ بنماذج لتصريحات من رموز السلطة ، والتي تكشف عن ان ممارستهم للسياسة هي ? قاعٌ بلا قرار ? مثل ? الحزب الشيوعي يعتبر ان السياسة هي قفة ملاح ? التظاهرات التي خرجت في بري مولها شيوعي ثري ? غلاء المعيشة سببه الازمة المالية العالمية ? المقاطعة هي انجع وسيلة لمجابهة ارتفاع الاسعار ? ما يدعون للتظاهر والخروج الى الشارع هم اعداء للاسلام !! .

عليه نوجه اليهم الرسالة التالية : بدءًا نود أن نحيطهم علماً ومعرفة بأن دراسة ومعالجة المشاكل الاقتصادية لأي بلد تتم على الجانب السياسي ومن خلال التغيير عن طريق الثورة ، بمعنى أن الفعل السياسي ومن خلال تشكيل البنيات الاقتصادية والاجتماعية وفي ظل الانظمة الشمولية والديكتاتورية يقود الى تأثيرات هدامة تؤدي الى تعميق الانسدادات والاختناقات الكبيرة في النظام الاجتماعي ، كما تقود الى إنكماش موارده وزيادة أعبائه وحرمان الناس جميعاً ، وبالتالي فان معالجة ذلك تتأتي وتتحقق من خلال جدلية الاقتصاد والسياسة ، إذن فإن السبب الاساسي للأزمة الخانقة التي تحيط بالبلد يرجع الى فقدان الاقتصاد السياسي لفاعليته ،حيث صار قلباً محركاً لخطاب سياسي يشيع أجواء مثل استهداف العقيدة وبتوهمات الصهيونية والغرب ، وغيره من الغلواء ، ولذلك فإن ما يمر بالوطن من ازمة كالحة يجب البحث عنها في علم الاقتصاد السياسي الذي يتطلب ادراكاً مسبقاً لحقيقة النشاط الاقتصادي ، لأن النشاط الاقتصادي هو العمل الإرادي الذي يمارسه الانسان من أجل تأمين حاجاته ، وهذا يعني ان النشاط الاقتصادي يرتبط وثيقاً بوجود وديمومة الانسان وبمستوى معيشته ، وهو ذو طبيعة عامة متعلقة بكل البشرية بغض النظر عن اشكال المجتمعات وتراتبية الناس ، ولذلك فإن اهمية النشاط الاقتصادي تنبع من النتائج التي يحققها وتؤمن للإنسان الرفاهية والاستمرارية ، ولأن الانسان بمفرده يعجز عن تأمين مختلف حاجاته مما فرض عليه أن يتعاون مع أقرانه في المجتمع ، وبالتالي فإن موضوع الاقتصاد هو تأمين الحاجات المادية للجماعة وفقاً للشروط السياسية والاجتماعية والفكرية .

إذن وفي سبيل معالجة الوضع الاقتصادي القائم لابد من دراسة العلاقة بين اقتصاد الحاجات واقتصاد الكماليات ، وهذا يقتضي الخروج من الاشكالية الاقتصادية الى الاشكالية الاجتماعية السياسية . لأن الازمة الاقتصادية التي يمر بها البلد الآن هي ليست أزمة ميزان االمدفوعات أو الميزان التجاري إلا شكلياً ، ولن تستطيع القروض الاجنبية أو الهبات الكريمة لدول النفط أن تحلها ، فالاقتصاد السوداني وفي ظل الشروط السياسية والفكرية الراهنة ، أي في ظل ظروف سيطرة الفئات والطبقات (الطفيلية) والتي قادت الى ازمة أعمق وهي عجز الاقتصاد كجملة من علاقات الانتاج التقنية ، وهذا ما يتضح من خلال العلاقات الاجتماعية كتنظيم وإدارة وتوزيع للإستثمارات والمداخيل والخيارات المختلفة والتسيير والخطط التنموية ? إلخ ، عن سد الحاجات الضرورية للمجتمع .

إذن فإن الأزمة التي يمر بها البلد هي في الاساس ليست أزمة اقتصادية وإنما أزمة إجتماعية تتمظهر بصورة جلية في تكوينات الفئات المسيطرة وفي النظام السياسي القائم الذي يتحكم في توزيع الفائض الاجتماعي ، فالتوزيع الراهن يفسره السيطرة القهرية المطلقة للفئات المسيطرة والاستبعاد الكامل للمنتجين من الساحة السياسية ، ولذلك لا يمكن لهذا النمط أن يستمر ويحافظ على بقائه إلا بتشديد وتصعيد القمع والقهر . إذن ليس هنالك مأزق اقتصادي عميق إنما هنالك دائماً إمكانية لتطوير قطاعات أكثر انتاجية (الزراعي) ، لكن ما هو حاصل وواقع فعلي أن هنالك مأزقاً اجتماعياً يتمثل في التفاوت المتزايد في مستويات الدخول والحياة ، والموضوع يتوقف على ما إذا كان من الممكن ضبط الجماهير الشعبية وقهرها حتى النهاية أم لا ، فالتطور الاقتصادي لهذا البلد ممكن جداً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الذي يتدهور هو اقتصاد الحاجات ، أي انتاج الحاجات المادية الخاصة بالاغلبية الشعبية ، يقابله نموذج إستهلاك متطور للأقلية مقارنة مع المستوى الاجتماعي العام ، وكل ذلك يتم على حساب دم الشعب السوداني والتدهور المتعاظم ، ولابد أن يقود هذا النمط الى مآزق جديدة أشد مرارة من المآزق السابقة طالما أنه سيبقى عاجزاً عن تأمين شروط الانطلاق الاقتصادي الذاتي والمستقل وما أزمة إنخفاض مستوى المعيشة وبدرجة كبيرة وتفاقم التفاوت الطبقي في المداخيل وتدهور الشروط الصحية والاجتماعية وإنتشار المجاعات وإشتعال نيران الحروبات والمواجهات العسكرية إلا دليل دامغ على ذلك . إذن إن نوعية الفئات والطبقات التي تستغل وتسيطر على سيرورة الانتاج والاقتصاد هي أس البلاء ، وهي التي يجب الكشف عنها ، والطبقة هي تكوين اقتصادي تحدده علاقات سياسية وأيدولوجية تبين علاقة هذا التكوين الاقتصادي بوسائل الانتاج الاجتماعية وبالطبقات وأنماط الاستهلاك السائدة ، أي في كيف تتصرف الفئات المسيطرة على الفائض الاجتماعي ، وهنا تلعب الشروط والظروف السياسية والفكرية الدور الحاسم في تحديد مسار الصراع الاجتماعي السياسي وفقاً لحركة التاريخ . وسوف تكون الانتفاضة الاجتماعية الشعبية هي المعيار والمقياس الحقيقي في بلورة الامل بالخلاص المرسوم في أفق الممارسة السياسية الثورية ..

الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..