مؤسسية تراكم رأس المال في السودان ,والتنمية الاقتصادية

إدارة الاقتصاد و المال… أُس الأزمة !
(The Institutionalization of Capital Accumulation And Economic Development in The Sudan)
دراسة نُشرت ضمن السلسلة التي أصدرها مركز دراسات و بحوث التنمية بجامعة الخرطوم ? تحمل الرقم 38 قام باعدادها د.مدني محمد أحمد في عام 1991م.ومع إعتماد الباحث علي بيانات منتصف القرن الماضي ،إلا أن النتائج التي توصل إليها ما زالت صحيحة و سارية ? كأنما الزمن يراوح مكانه!
تجئ هذه المراجعة في أعقاب تصريحات وزير الماليه السابق و الحالي و ما أثارته من ضجة وصلت مرحلة السخط و الغضب !
لأي عِلةٍ سبقت كلمة مؤسسية كلمة تراكم في العنوان الذي إختاره الباحث لدراسته تلك ؟ هل أراد كلمة بناء أو تأسيس أم قصد مؤسسية وفق ما أخترت كمقابل للكلمة الانجليزية ؟ ليصبح الشأن الاقتصادي و المالي في البلاد عملاً له مؤسسات تسعي لتحقيق أهدافه و سياسات توضع لضمان توجيهه و نجاحه، مع موارد بشرية أو عقول تنهض بذلك العمل!
لعله أراد ذلك حين بدأ بتعريف بروفسير/فيكتور ليبت بتعريفه التنمية الاقتصادية ” بأنها العملية التي يحدث فيها تراكم المدخرات و الاستثمار و التغيير التكنولوجي لتضحي مؤسسية “. وهو ما يقود إلي التنمية بتوجيه جزء من الفوائض المالية إلي تراكم رأس المال ، مما يعني بأن الدخل القومي يزداد بصورة تلقائية!
كذلك يذهب الكاتب إلي أن الدور الأساسي للقدرات الداخلية ?لتطوير صناعات رأس مالية تُساعد بدورها في تراكم رأس المال و من ثم التنمية الاقتصادية.يُركز هذا المفهوم علي الدور المحوري للطبقات و المؤسسات في تحقيق التنمية الاقتصادية في العالم الثالث . و لننظر في هذين العنصرين 1- الطبقات و 2- المؤسسات ، حتي ندرك أسباب الوضع الراهن .
عنيت الدراسة بالطبقة الثرية ? أصحاب المال و التجار و لكنها أغفلت العقول المعنية بادارة الاقتصاد في الدولة و إتخاذ القرارات، كما أغفلت دور رواد الأعمال في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، لعل ذلك المفهوم لم يكن سائداً وقتها!
حتي ندرك التدني الذي حدث في أمر الموارد البشرية علينا بمتابعة من يُفتي في شؤون الاقتصاد و المال الآن ? من يتم الرجوع إليه أو من يُستفتي في أُمور الاقتصاد ؟ و من يتولي الأمر ؟ لقد اختفي اقتصاديون من أمثال الباحث الذي أعد هذه الدراسة و من العلماء أمثال د. علي عبد القادر …لن تجد من يعكف بحثاً و تنقيباً في البيانات ليصل إلي نتائج مقبولة و مقنعة- لا أن يعزي الفشل إلي كسل الشعب و تبطله ! لم نعد نجد رجالاً في إستقامة بروفسير /محمد هاشم عوض! لتخرج أسرته من بيت الحكومة إلي الشارع ! بينما من يدير الاقتصاد الآن نجده منشغلاً بأذناب البقر ! أو بالتجارة و لا يتورع من التفاخر بذلك ! وهو للأسف ما تقوم به طبقة الرأسمالية والتي كان عليها استخدام ما يتراكم لديها من مال في الأعمال الرأسمالية- مثل الصناعات الرأسمالية أو المشاريع االكبيرة. لقد أورد الكاتب أرقاماً مذهلة :حوالي 96% من هؤلاء أصحاب عقارات و 43% منهم يملكون ما بين 4 إلي 10 بيوت !و 29% منهم يملكون بين 11 إلي 20 منزلاً و 20% بين 21 و 30 بيتاً و 4% يملكون أكثر من 30 منزلاً بينما 1% منهم يملكون منزلاً واحداً! أما عدد غرف منازلهم فتتراوح بين 5 إلي 15 غرفة. بينما أوضاع هؤلاء حالياً فهي أسوأ- حيث ذهبت أموال التجار و البيروقراطيين إلي أماكن لم يسمع بها من سبقهم- لندن و كوالا لامبور و دبي و القاهرة و غيرها.
تؤكد الدراسة علي أن 80% من رجال الأعمال و التجار يستخدمون فوائض أموالهم في إستيراد السلع و البضائع الكمالية و الرفاه ! تشهد أسواق العاصمة و مولاتها علي ما يفعله أقرانهم في الوقت الحالي! بل هم أضل سبيلاً ! وإلي ذلك أشار العلامة إبن خلدون حين ذكر بأن الحاكم إذا إشتغل بالتجارة ،فسدت التجارة و فشل الحكم ! من لا يعمل بالتجارة الآن من المسئولين؟ قد يكون من الأوفق إلزام كبار المسؤلين بالتفرغ الكامل لعمل الدولة ! أعني الدولة و ليس الحكومة ? إذ الأخيرة أجلها قصير ، مهما طال !
عدد الكاتب خمس أسباب نظرية تحد من تراكم رأس المال في الدول النامية :
1- إنخفاض مستوي الدخل القومي، مما يحد من الادخار و يمنع تكوين رأس المال.
2- عدم قدرة الحكومة علي إنشاء مشاريع إستثمارية كبيرة.
3- ندرة البنيات الأساسية- طرق و مطارات و سكة حديد
4- العقبات التي تواجه إقتصاديات الدول النامية في إجتذاب رؤوس أموال أجنبية كبيرة و
5- قيود علي البنوك و المؤسسات المالية بتقديم قروض للمستثمرين في تلك الدول.
أسباب نجدها متضامنة في تكبيل الاقتصاد- بل يصحبها إنعدام للقيم النبيلة مثل التجرد و الكرم مع الاخلاص وحب العمل و لا أقول الابداع في العمل ! أما المؤسسات فحالها ليس بالأفضل- يكفي التدليل علي الضعف عدم وجود معهد أو مركز للتخطيط القومي عِوضاً عن وزارة ! كانت هنالك وزارة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي للتخطيط الاقتصادي! أما البنوك فهي عاجزة و غير راغبة في أي أعمال حقيقية في التنمية أو في جذب الأموال إلي خزائنها ! ينقصها الابداع و الابتكار !بل أفلس بعضها!! مع وجود الحلقة المفرغة- تضخم يحد من وضع الأموال كودائع مع سعر فائدة عالٍ و تلاعب باسم الاسلام !حيث بلغت أربح البنوك في بداية عهد الانقاذ حوالي 80% مع إلزام العميل بتقديم مبلغ إبداء الجدية قد يصل إلي 40% من حجم المبلغ المطلوب.
أما السياسة الاقتصادية و المالية فهي غير معروفة و ما يُعرف منها متغير !كما أن البيانات المهمة في الانفاق غير معروفة ? الدفاع او الأمن الداخلي …
بلغ الحجم الكلي لتراكم رأس المال بين 6.4% إلي 13.5% خلال الفترة من عام 1960 إلي عام 1978م- الآن لا أحد يعلم !!كما لا توجد بيانات حول مؤشرات الاقتصاد و المال مثل نسبة البطالة بينما نسمع كثيراً عن الحكومة الالكترونية ! و الحكم الرشيد ! نسبة التضخم و الادخار و غير ذلك من المؤشرات المتعارف عليها في الاقتصاد و التنمية!
أما المؤسسات المالية فتتمثل في عدد كبير من البنوك الضعيفة و عدد منه فشل و أفلس …! بل تم القضاء علي واحدة من أهم المؤسسات المالية و التي لا يوجد مثيل لها ! وهي مؤسسة التنمية السودانية ! زادت البنوك بنكاً فاشلاً و فقدنا مؤسسة جيدة !
تناولت الدراسة أوضاع الصناعة و بعضها كان في عهد حداثته و مع ذلك لم تعمل بكامل كفاءتها التصميمية ! من الأمثلة التي أوردها مصانع النسيج حيث تراوحت نسبة إنتاجها بين 2% لمصنع نيالا إلي 37% لمصنع الحصاحيصا !لموسم 86/87- و من المفارقات التي كانت تحدث في هذا المجال و التي لم يوردها الكاتب ? لم تكن هذه المصانع تحصل علي القطن إلا بعد ذهابه إلي بورتسودان ! و يا لها من إدارة للاقتصاد مبدعة ! الآن جُل هذه المصانع متوقف.
أشار الباحث إلي الحوافز التي تقدم لرجال الأعمال و كرمها- مثل الإعفاءات الضرائبية و الجمركية و الحماية و غيرها و بالرغم من ذلك لم تساهم في زيادة رأس المال لخدمة التنمية و لكتهم وجهوا أموالهم إلي العقارات و الاراضي و إلي البضائع الاستهلاكية و الكمالية .
كما أكد الباحث بأن الخصخصة التي بدأت في أوائل السبعينيات من القرن الماضي لم تكن موفقة و لم تؤدي إلي ما هدفت إليه ! وهي في تقديري ما كان لها أن تحدث لو أُخضعت للدراسة الجيدة ! إن فشلنا في الاقتصاد إنعكاس لفشل كبير في كافة أوجه الحياة- في التعليم و في العلاج و في البحث العلمي مع فشل عظيم في السياسات العامة و إنعدام الابداع و الابتكار !
هنالك ضرورة لمعرفة أثر الخصخصة ! كم كسبنا؟ و كم خسرنا؟ خاصة في قطاع الاتصالات و البريد ! و أعباء تحويل أرباحها لخارج البلاد ! أو لم يكن من الأوفق منح تلك المؤسسات الصلاحيات لتعمل و تنهض ؟ حتي لو تم تمليكها للعاملين !
وقد يكون أجدي لو نصت سياسات الخصخصة علي توجيه الأموال المتحصلة إلي مشاريع إنتاجية في ذات النشاط أو في نشاط مُكمل له !مثلاً إذا تم بيع نصيب الدولة في سكر كنانة يتم إستثمار المال في صناعات متعلقة بالسكر و مخلفاته ? عسل ، كرتون ، أعلاف …إلخ. و ذلك تعظيماً للفائدة و إستخدام المفاهيم المتطورة في الصناعة- الإسناد الأمامي و الإسناد الخلفي !
الصحيح مأسسة تراكم رأس المال. و ليس مؤسسية.