المؤتمر الوطني … فصل الحزب عن الدولة

المؤتمر الوطني … فصل الحزب عن الدولة

الصَّالح مُحمَّد الصَّالح
[email protected]

منذ أن كانت الحركة الإسلامية تعتمد على نظام الأمانة العامة التي أستحدثها “عراب” الإنقاذ “الأول” د.حسن الترابي عبر تغييرات هيكلية استمدها من التجربة الحزبية في الغرب والأحزاب الاشتراكية ، عمد من خلالها الترابي لاتخاذ شكل تنظيمي خاص يخرج به عن شكل التنظيمات التقليدية والطرق الصوفية, كانت في المقابل “الأمانة العامة” ذاتها تتمتع بصلاحيات واسعة وجدت انتقادات واسعة من قبل مجموعات من الإسلاميين أنفسهم قبل أن تؤدي تلك التجربة فيما بعد لمفاصلة الإسلاميين الشهيرة التي أعقبت “مذكرة العشرة” التي شكلت نواة الإنقسام بعد أن تمايزت الخطوط وتباعدت بين الحزب والدولة ,ليتجه الأخير نحوعودتها مرة أخرى – ربما تمهيدا ? لترشيح خليفة للبشير في الإنتخابات القادمة ?حال عدم ترشحه- وسط تساؤلات حول من سيشغل المنصب حال عودته ومن سيكون الخليفة !!

حوار عميق
ورغم أن لجان قطاع التنظيم في شورى الوطني السابق كانت قد شهدت حواراً عميقاً بين الداعين بشدة لعودة منصب (الامانة العامة) والمطالبين بالاحتفاظ بالشكل الحالي لهيكل الحزب على اعتبار أنه يجعل من المهام متقاربة بشكل يؤدي لقيادة جماعية متناسقة في الوقت الذي احيل فيه الأمر من الشورى للجنة تضم نحو خمسة وثلاثين قيادياً من المركز والولايات بغرض الوصول لواحد من الخيارين , يبدو أن الأول كان الأقرب إليهما حسب التسريبات.
حيث أنه ومن خلال المؤتمرات التنشيطية التي انتظمت صفوف الحزب بالمركز والولايات واتجاه الوطني لبدء صفحة جديدة يواكب بها المرحلة القادمة التي اختار لها اسم “الجمهورية الثانية” من جانب الدولة يبدو ان نصيب الحزب منها كان جمهورية ثانية أيضاً تقوم على الإصلاح والتغيير والتجديد في العناصر والمكونات من أدنى الهرم وحتى أعلاه توجها نحو العودة للمربع الأول الذي غادرته الحركة الإسلامية منذ “مذكرة العشرة” الشهيرة والتي انقسم بعدها الإسلاميون لقسمين لم تجد لهما الأيام من بعدها تلاقيا.
حيث انتظم الحزب في مؤتمرات تنشيطية ناقشت العديد من القضايا الأساسية ونادت بتغييرات يرى البعض أن أولها سيكون عودة منصب الأمين العام من جديد ,إضافة لفصل الحزب عن الدولة بصورة تجعل ممن يقع عليه الإختيار في شغل منصب تنفيذي بالدولة لا يجوز بالتالي له أن يحظى بمنصب أو تكليف في الحزب.

نهج إقصائي
ورغم أن العديد – من المتابعين- لا يرون في مؤتمرات الوطني التي يجريها أية بوادر للتغيير أو الإصلاح – استناداً لما وصفوه – بالنهج الإقصائي المستديم الذي ظل الوطني ينهجه في الحكم طوال فترة العقديين الماضيين ,يشكل إعلان الوطني من قبل عن تغييرات كبيرة وجوهرية تصدرعبر قرارات قريباً ستحدث تغييراً كبيراً في شكل الدولة والحكم بالبلاد كما جاء علي لسان رئيس القطاع السياسي في الحزب د.قطبي المهدي دفعاً قوياً في الإتجاه ذاته فتلك القرارات المرتقبة من المتوقع – حسب الوطني – أن تعبر عن شكل جديد للحكم وبطبيعة الحال فإن تلك التغييرات لن تقتصر على هيكل الدولة فحسب بل ستمتد بشكل كبير على جسد الحزب الحاكم.
وفي الوقت ذاته يبرز حديث رئيس المؤتمر الوطني رئيس الجمهورية المشير البشير عن عدم ترشحه في الإنتخابات القادمة الأمر الذي يجعل من عودة الأمانة العامة تمهيداً لفرض قبضة تنظيمية على قواعد الحزب لتوجيهها نحومرشحه للمرحلة المقبلة دون حدوث أي تصدعات أو انشقاقات في بنية الحزب وصفوفه.

فصل الصلاحيات
وفي الجانب الآخر يبرز الأمر باعتبار اتجاه الوطني في المرحلة المقبلة لإتخاذ سياسات جديدة تقشفية في الدولة وبالتالي في الحزب نفسه بأنيفصل بموجبها الحزب عن الدولة ? كونها احدى توصيات المؤتمرين ? ويصبح مرشح الحزب لأي منصب في الدولة مجرد عضوٍ في الحزب ولا يكون له منصب تنفيذي به.
من جانبه المحلل السياسي استاذ العلوم السياسية الدكتور محمد المهدي يرى أن عودة الأمانة العامة – حال إعادتها- لن تكون كما كانت ولن تشهد تكريساً للصلاحيات من وجهة نظره نسبة لأن قيادات الصف الأول بالحزب ? حسب رأيه ? يجمعون على خلافة إما طه أو د.نافع وأن ترفيع طه لمنصب النائب الأول يشكل تمهيداً لإستخلافه في الدولة الأمر الذي بدوره يدعو لتمكين د.نافع من ملفات الحزب وخيوطه للحفاظ على تماسك الحزب والدولة على التوازي دون اختلاط.
ويضيف المهدي أن عودة الأمانة العامة للوطني لا تعني بالضرورة غياب منصب رئيس الحزب بل هو يرى أن المنصبين سيكونان مع موجودين بعضهما البعض بحيث يكون رئيس الحزب هو مرشحه للدولة ? حسب ما أعلن البشير نفسه ? وبالتالي ليكون الأمين العام هو مسؤول الحزب والممسك بملفاته وشؤونه , وبالتالي ليحقق الحزب وعده باصلاح الحزب وليتمكن في الوقت نفسه الرئيس منة إدارة الدولة بعيداً عن إرهاصات إدارة الحزب والدولة في وقت واحد.
وبارهاصات عودة منصب الأمانة العامة وفصل الحزب عن الدولة يبرز التساؤل الذي يفرض نفسه وهو هل استفاد الإسلاميون بالفعل من تجربتهم الأولى واستوعبوا الدرس مثل ما تمكنت من ذلك الحركة الإسلامية عندما حسمت أمرها وأكدت في مؤتمرها الأخير إن الوطني هو الواجهة السياسية للحركة الإسلامية، وأن:(كل حركة إسلامية مؤتمر وطني، وليس كل وطني حركة إسلامية) , ليصبح هذا الحديث نفسه متجدداً بأن يقول الوطني في ختام مؤتمراته التنشيطية بالتالي:( إن كل تنفيذي هو مؤتمر وطني , وليس كل مؤتمر وطني تنفيذي).
منشور بصحيفة الحرة بتاريخ 16-10-2011م

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..