هيكل من رحاب العروبة إلى داعية للقبول بالاستعمار!

مراقبون: ماذا دهى الصحفي العربي البارز ليحضّ الإمارات على عدم مطالبة إيران بجزرها الثلاث المحتلة، لأنها جار يصلح لتوازن القوى؟
القاهرة ـ بعد مسيرة إعلامية وفكرية حافلة جلبت له احتراما كبيرا حتى من أولائك الذين يختلفون مع أطروحاته وتحليلاته للواقع العربي، انتهى الكاتب والصحفي المصري محمد حسنين هيكل إلى “داعية للقبول بالاستعمار فقط لأنه قادم من ايران قوة التوازن التي تحتاجها المنطقة ضد قوى أخرى”.
ويطرح موقف هيكل الذي اعتبر فيه أن مطالبة الإمارات ومن ورائها الدول العربية الأخرى باستعادة جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التي تحتلها إيران غير قائم على أساس وأن الدافع وراءه سياسي، كثيرا من الاسئلة عن الذي حصل في ذهنه ليرى في رغبة ايران محمومة للهيمنة على المنطقة عامل توازن لدولها، وليس خطرا محدقا بها كما يتفق على ذلك أكثر من راي.
ونسبت صحيفة “جمهوري إسلامي” إلى هيكل قوله في حوار مع شبكة “سي بي سي” المصرية إنه كان حاضرا إبان عهد نظام الرئيس المصري جمال عبد الناصر (خلال ستينات القرن العشرين) في المفاوضات بشأن الجزر العربية المتنازع عليها مع إيران، بينما كانت فيه دول الخليج العربي تتأهب لنيل استقلالها، وإنه بذلك يشهد على أن “العرب فرطوا حينها في الجزر لإيران”.
وللتذكير، فقد تجرأ الكاتب المصري على تأكيد أن الجزر الإماراتية المحتلة طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى الواقعة في الخليج العربي تابعة لإيران و”أن خلاف الإمارات العربية المتحدة بشأن سيادة إيران على الجزر غير قائم على أساس والدافع وراءه سياسي”.
وأضاف هيكل أن العاهل السعودي الراحل الملك فيصل كان يقود هذه المفاوضات وأن الدول العربية قبلت بأن تكون البحرين دولة عربية رغم أن أغلبية 70 في المائة من سكانها شيعية، مقابل مبادلتها بالجزر الإماراتية الثلاثة، على حدّ تعبيره.
وأضاف “إنهم أضفوا (الحكام العرب) الشرعية على حكم الأقلية السنية لأغلبية شيعية في البحرين للاعتراف بها كدولة عربية وأنه بدلا من الإصرار على فكرة أن جزر طمب الكبرى وطمب الصغرى وابو موسى تنتمي للإمارات يجب أن نقبل بتوازن القوى في المنطقة”.
وقال هيكل الذي تربى في أحضان نظام عبد الناصر والذي كان يتبنى الوحدة العربية هدفا لمشروعه السياسي، إنه “لا يمكن أن نقول لإيران اخرجي من الخليج كله”، في إشارة منه إلى أنه لا يمكن مطالبتها بتسليم الجزر الإماراتية الثلاث، وذلك من أجل ما أسماه بـ”ضرورة التحسب للتوازنات الإقليمية في المنطقة”، رغم أن هذه التوازنات الإقليمية قد أخلت بها طهران وضد مصالح العرب اساسا، وبشكل كبير وجلي خاصة في العراق والبحرين ولبنان واليمن وغيرها من الساخنة التي تمتد إليها ايادي العبث الإيراني.
وتشكك الإمارات في سيادة إيران على أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. وتقول ابوظبي إن استعادة هذه الجزر المحتلة تحتل أولوية مطلقة لدى حكومة وشعب الإمارات.
وأقدمت إيران في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1971 على احتلال الجزر الإماراتية الثلاث. وتقدر إيران أن احتلال الجزر الثلاث التي تقع في مدخل الخليج العربي قد يمكنها من السيطرة على مضيق هرمز ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى.
وسعت دولة الإمارات لحلّ هذه القضية بكل الطرق السياسية والدبلوماسية السلمية، كما أنها حاولت إقناع إيران بإنهاء هذا الاحتلال والتفاوض حول الجزر أو عرضها على التحكيم الدولي، بيد أن إيران لم تستجب حتى الآن لهذه الدعوات الصادقة لإنهاء هذا النزاع الحدودي الذي يتسبب في عدم استقرار منطقة الخليج العربي، ويعكر صفاء العلاقات بين إيران وبقية الدول الخليجية والعربية.
ودعا الكاتب المصري دول الخليج إلى التفرقة بين المهم الرئيسي وبين الفرعي في أولوياتهم بالنسبة لعلاقاتهم بإيران. وأشار إلى أن ماهو مهم رئيسي هو حفظ التوازنات الكبرى في المنطقة.
ويتساءل مراقبون أن كيف يمكن لهيكل الذي يواكب يوميا الهجمة الإيرانية الشرسة على المنطقة ببعديها الديني والعسكري وإن في أغلب الحالات عبر المليشيات الحليفة، أن يستمر في الاعتقاد بان إيران ما تزال “قوة خير” وإن التحالف معها يمكن أن يحصن الخليج العربي من أي قوة استعمارية أخرى طامعة في مقدراته وثرواته؟
وقال هيكل “لا بد لدول الخليج أن تقيس ماهو موجود حول المنطقة (الخليج وما جاوره) بمقياس المصالح وبمقياس الأمن أي بمقياس ما يمكن أن يؤدي إلى التوافق بينها وبين القوى المؤثرة، في إشارة إلى ايران.
ووفقا لما نقلته الصحيفة الإيرانية فقد اختتم هيكل تصريحاته بشأن هذه القضية بالتساؤول “لماذا لم تجرؤ الدول العربية على إثارة موضوع الجزر الثلاث في عهد الشاه ولم تبدأ في إلقاء الضوء عليه إلا بعد ثورة 1979 وتستمر في نشر بذور الخلاف”، رغم تلميحه إلى أن بعض العرب لهم الحق في المطالبة ببعض هذه الجزر.
ويقول مراقبون إن الغرابة من موقف هيكل حول قضية الجزر تزيد أكثر لما يكون معلوما أن الصحفي المصري زار الإمارات وتحديدا إمارة دبي قبل أقل من شهر من تصريحاته المثيرة لـ”سي بي سي”، وقال كلاما آخر مختلفا تماما عن الإمارات وأهلها.
وفي أواسط نوفمبر/تشرين الثاني 2013، زار محمد حسنين هيكل الإمارات بعد انقطاع دام حوالي 38 عاما، وحل ضيفا على الشيخ محمد بن راشد المكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي رحّب به بحرارة واكرم وفادته، مؤكدا له تقديره لمكانته ومسيرته المهنية الرفيعة التي حاور خلالها أهم القادة والزعماء وصناع القرار.
وتطرق اللقاء إلى مجمل الأوضاع الإقليمية وما تحتشد به الساحة العربية من متغيرات متلاحقة، وما تفرضه تلك التحولات من تحديات على المنطقة، لاسيما في الدول التي تشهد حاليا أوضاعا سياسية وأمنية غير مستقرة، وعلاقة ذلك بالمحيط العالمي الأوسع وتأثيراته على ملامح مستقبل هذا الجزء من العالم، وما يمكن أن يتحقق من فرص واعدة لشعوب المنطقة إذا ما تمكنت من التغلب على ما تواجهه من مشكلات.
ولم يلمح الصحفي المصري لا من قريب ولا من بعيد إلى موضوع الجزر ولم تكن له الجرأة حينها ليصارح الإماراتيين بموقفه من هذا الملف ما دام يرى فيه “معقولية ومصلحة ومنفعة للإمارات” كما زعم لاحقا.
ميدل ايست أونلاين