السيسي الرئيس.. انتهى!

اختار المصريون ترشيح عبدالفتاح السيسي رئيساً للجمهورية.. رفعت الأقلام وجفت الصحف. إليكم الأسباب.

بقلم: محمد علي إبراهيم

نهوى نحن المصريين الكلام.. ونحب أكثر الشائعات. فبمجرد أن انتهى اللغط حول الدستور ومزاياه وعيوبه حتى وجدنا ضالتنا في شخص الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع.. وامتلأت الفضائيات بحوارات مع شخصيات تزعم أنها على صلة وثيقة به وأنه أبلغهم بنيته في الترشح.. في الوقت ذاته نشاهد آخرين يعددون مساوئ ترشحه للرئاسة الأمر الذي سيؤدي إلى انقسام المجتمع وترسيخ فكرة أنه قام بإنقلاب. ويقول آخرون- من الذين في قلوبهم مرض ? أننا نريده وزيراً للدفاع في هذه المرحلة الحساسة بتحدياتها الجسيمة.

ثم خرجت بوابة “الوفد” الالكترونية بخبر مفاده أن المجلس العسكري قرر إعفاء السيسي من منصبه وتعيين الفريق صدقي صبحي وزيراً للدفاع بدلاً منه وأنهم اخطروا الرئيس المؤقت بذلك! طبعاً فرح مصريون بالملايين واكتئب آخرون وانتظروا التعليمات بالتحرك في مظاهرات لرفض ترشيحه.. وسارعت القوات المسلحة إلى الرد مؤكدة أنه لا يمكن أن تنسب أخبار القوات المسلحة إلى مصادر مجهولة أو عليمة ببواطن الأمور.. خاصة وأن قادتها ومسئوليها حريصون على اطلاع الإعلام والرأي العام بكل المستجدات بصراحة، ونوهت إلى أن الأولوية أمام الجيش الآن هو تنفيذ خريطة الطريق واستكمال الاستفتاء على الدستور والقضاء على الإرهاب ومواجهة العنف وتحقيق الاستقرار والأمن للمواطنين. وأضاف المتحدث الرسمي للجيش أن مسألة السبق الصحفي لا تصلح مع أخبار القوات المسلحة لأنها تحدث بلبلة وسط الظروف التي تمر بها البلاد.

وهكذا ظهرت حقائق كثيرة من بيان الجيش.

أولاً: لم ينف المتحدث مسألة ترشح السيسي للرئاسة ولكنه أشار إلى أن القوات المسلحة أو الفريق هما اللذان سيعلنان ذلك في التوقيت المناسب.

ثانياً: هذا التوقيت سيكون بعد انتهاء الاستفتاء على الدستور ولا يمكن استباق ذلك أو تجاوزه وإلا يكون السيسي قد حطم “خريطة الطريق” التي توافقت عليها كل القوى السياسية كاساس للدولة المدنية الديموقراطية.

ثالثاً: اتضح أن الصحافة في مصر تعيش في غيبوبة فالمجلس العسكري لا يستطيع اعفاء قائده وتعيين وزير جديد، لأن هذا من عمل الرئيس، كما لا يمكن أن يرسل المجلس العسكري اسم وزير الدفاع الجديد إلى الرئاسة، بدون أن يطلب الرئيس.

الصحفيون في مصر لم يقرأوا الدستور الذي ينص على أن للرئيس فقط حق عزل وزير الدفاع إلا أن تعيين الوزير الجديد يكون من خلال المجلس العسكري الذي يرسل اسم الوزير المقترح، فإذا وافق الرئيس يتم تنصيبه وإذا لم يوافق يتم تقديم اسم جديد.

المهم أن الخبر ? في حقيقته ? صحيح، وصار أمراً مفروغاً منه، لكن الصياغة التي تم تقديمه بها كانت خاطئة ومتعجلة.

الفطرة الوطنية

في مصطلحات العسكرية المصرية يكون الأمر بالقيام بشيء ما مصحوباً بـ”انتهى”. ويبدو أن المصريين قد اطمأنوا إلى أن رغبتهم حسمت وأن الفريق السيسي لن يخذلهم أو يتركهم لذئاب تتهاوى إلى قصعتنا تأكل من لحمنا وتدهس عظامنا. الناس تطلق على السيسي الآن لقب الرئيس.. من ثم لم يتبق سوى استكمال مسوغات تعيينه ورقياً وإجرائياً في انتخابات الرئاسة القادمة التى ستجري قبل الانتخابات البرلمانية.

الحقيقة أن الجماهير في مصر ليست غائبة أو مغيبة لتندفع مهرولة في إتجاه بعينه وفقاً “لتضليلات” عاطفية أو شخصية، إنما هي تسير إلى هدف بالذات طبقاً لاعتبارات منطقية وموضوعية وأيضاً فطرية.

وبناء على تلك الفطرة الوطنية لدى المصريين راحت مشاعرهم تتدفق نحو السيسي فينادونه: “المشير” ثم يعتبرونه “الرئيس”، لا بل ويستبقون قراره الشخصي بالترشح من عدمه بفرمان شعبي عنوانه: “سنضغط لإرغامك على دخول معترك انتخابات الرئاسة”.. هكذا!

وبالطبع رافق ذلك محاولات شديدة الالتواء والانحطاط من بعض أفراد النخب في مصر تتحدث عن كونهم “يريدون الحفاظ على السيسي من أخطار رئاسة الجمهورية” أو “أن وزارة الدفاع تحتاج إليه أكثر من رئاسة الجمهورية” أو “أننا لا نريد إعطاء فرصة للغرب ليصف 30 يونيو بالانقلاب إذا صار السيسي رئيساً للجمهورية” فضلاً عن محاولات خائبة لبعض نجوم المرحلة من السياسيين لطرح أسمائهم كمرشحين أو “كمرشحين إلا قليلاً”، أو بعض من العسكريين السابقين المغامرين الذين يقومون بتسويق أنفسهم لدى عصابة التنظيم الدولي للإخوان باعتبارهم “الكوكتيل” المطلوب من العسكرية والمدنية، أو الدينية والعلمانية!.. أو بعض الانتهازيين المقرفين الذين يطرحون أسماءهم لانتخابات الرئاسة منتظرين أن يتصل بهم أحد ليثنيهم عن الترشيح في مقابل الحصول على منصب أو موقع أو مركز في مصر ? المستقبل التي توشك على الانطلاق.

كل تلك الأشكال التي تعج بها الساحة لا تتمتع عند الناس بمثقال ذرة من المحبة والثقة، وإنما اختار الناس عبدالفتاح السيسي لأسباب لا تدخل في باب “عبادة الفرد” كما يحب بعض العملاء والخونة القول، وإنما لأسباب تتعلق بـ”تقديس الوطن” إذا جاز التعبير.

الناس مالوا إلى الحس الشعبي عنده، والذي يعرفون ? الآن ? منابعه في حي الجمالية الشعبي بالقاهرة، وتوحدوا مع خطابه الذي يمزج بين العاطفة والحزم والتدين العاقل.

ثم إنه أول زعيم لهذه الأمة الموغلة في القدم يتاح للشعب أن يجربه ويختبره قبل أن يحكم.. يعني الناس نادوا عليه أن ينقذهم من براثن إرهاب الإخوان وعصر تلعيب الأصابع، وعصير ليمون الانتهازية، ولغة العصر الحجري التي اعتادها الرئيس السابق مرسي مثل “الباطل لج لج”، وبيع تراب الوطن، وقتل وتعذيب الناس والاستيلاء على موارد الدولة، والتخابر ضد البلد مع قوى إقليمية ودولية متآمرة. وقبل أن يرتد الصدى للصوت، أجاب السيسي واستجاب.. ثم إنه أظهر غير ذلك الموقف (وبما يتصل به) طرائق في التفكير والسلوك السياسي الوطني راكمت المزيد من محبة الناس وثقتهم، وبالذات فيما يخص العدل الاجتماعي ? الذي أعتبره عقدة السلطة والحكم في مصر. فرأيناه يطرح للدراسة حجم وتعداد أطفال الشوارع في مصر، وإمكانية استيعابهم في المدارس الفنية العسكرية، وهو ما أجزم بأنه لو تم فسوف يصبح مشروع القرن في هذا البلد. كما رأينا القوات المسلحة ? بتوجيهاته وأوامره المباشرة ? توزع على الفقراء بطاطين وأغذية وملابس مدارس لصغار التلاميذ وتستعدل جسم ترعة المريوطية إذا توعك وفاضت فيه المياه على منازل الفلاحين من حوله، وتستنقذ المواطنين من بين أنياب القطارات والباصات التي تدهس أجسادهم بتحريض من عوامل الإهمال والتخلف التقني، وعدم الجاهزية، وتبني الكباري وتشق الطرق.. كل ذلك في وقت الركود الاقتصادي المخيف الذي أفضت إليه كوارث التآمر في يناير 2011.

الاستقلال الوطني

السيسي ? كذلك ? وضمن ما جربناه خلال الفترة الانتقالية كان قائداً قادراً على استعادة واسترجاع صور الاستقلال الوطني في أكثر أشكالها بريقاً، وهو ما استبدت بالمواطنين أشواقهم إليه عبر عقود وعهود، فكان الرجل الذي رفض الرد على مهاتفة أوباما ورده إلى الطريق الوحيد الذي يستطيع به الاتصال بمصر وهو أن يتحدث إلى نظيره الرئيس المؤقت عدلي منصور، ثم إنه ? وبرباطة جأش وثبات مدهشين ? راح يوسع دائرة تنويع مصادر التسليح المصري، ويعقد الاتفاقات على مزيد من المعدات الروسية، ويقابل قاذورات التعليق الأميركي للمعونة العسكرية إلى مصر بمنتهى الثقة بالنفس مؤكداً: “إن ذلك قرار أميركي” حارماً أوباما من لذة تصور أن مصر ستركع طالبة العفو الأميركي عن خطيئة قيامها بثورة ضد حكم طغمة الإخوان المجرمة.

السيسي ? فضلاً عن كل ذلك ? هو قائد عسكري عصري، على معرفة مؤكدة بأحدث مناهج التدريب والتسليح، وهو لائق بدنياً على نحو لم يدركه المصريون في وزراء دفاعهم أو من حملوا رتبة المشير منذ فترة طويلة، وما زالت صورته بملابس الصاعقة يقود ضباطه وجنوده في سباق الضاحية هي الأكثر شعبية في ذلك السياق. ثم إن الرجل ? فوق لياقته البدنية ? لائق معلوماتياً، لأن قيادته للمخابرات الحربية لسنوات (انتهت منذ فترة وجيزة بتوليه منصب وزير الدفاع) أمدته بزخم هائل من المعلومات في مروحة واسعة من المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية، ومن ثم فنحن أمام قائد مثقف معلوماتياً بشكل مطمئن جداً، وقادر على بناء المواقف وتقديرها على أسس معلوماتية.

ثورة أسطورية

وضمن اختبار الشعب للرجل قبل أن يعتبره رئيساً، فإن السيسي ? وسوف يتوقف التاريخ طويلاً أمام هذه النقطة ? نقى العلاقة بين الجيش والشرطة من كل تراث المشاعر السلبية التي كانت تسودها لزمن طويل، ونسمع الآن في كل مكان عبارات الولاء لعبدالفتاح السيسي من كل قادة وضباط وجنود الشرطة، حتى إن عبارة “نفديه بأرواحنا” وردت على لسان وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم في حوار تليفزيوني حين تطرق للحديث عن الفريق أول القائد العام للقوات المسلحة.

وأخيراً فإن اختبار الناس لهذا القائد (الذي وضع حداً للمفاجآت التي تواجهنا حين نكتشف كوارث حقيقية بعد أن يقبض حكامنا على سدة القيادة وصولجاناتها) اتسع ليشمل نجاح الرجل في النأي بالجيش ? حتى الآن ? عن ألعاب السياسة، إذ نصبت النخب ورموز الأحزاب العاجزة ورهط الجواسيس والعملاء، والقوى المتآمرة في الخارج فخاخها التقليدية للجيش والسيسي دافعة إلى تورطه في أوحال السياسة ومناوراتها ومؤامراتها حتى تستطيع الإلقاء بمسئولية الأوضاع الكارثية التي أفضت إليها مؤامرة يناير 2011 فوق أكتاف من اعتبره الناس بطلاً شعبياً، فضلاً عن استدراج القوات المسلحة لأن تبيت طرفاً في حرب شوارع يهندسها ويدفع إليها كل المتآمرين على بلدنا. السيسي أراد تعليم من شاء التعلم أن ثورة 30 يونيو الأسطورية اندلعت حتى تصبح مصر دولة ديمقراطية عصرية، وحدد تأثير الجيش في معادلة الحكم بمقدار وبميزان حساس ليس فيه إسراف أو مبالغة.

دولة “حكمها مدني” وهي أيضا في كل تعريفاتها وفقاً للدستور الجديد “دولة وطنية” لا يحكمها رعاع وسفلة التمويل الأجنبي، والتخابر مع الخارج الإقليمي والدولي، وعملاء المخططات العنكبوتية السوداء التي أمعنت دول ومنظمات إجرامية تصميمها لسنين طويلة.

لكل تلك الحزمة من الأسباب تشكلت الفطرة الوطنية على محبة ذلك القائد الذي جاء به القدر، وانعقدت على الثقة فيه إلى حد ترشيحه رئيساً قبل أن يوافق على تقديم أوراق ترشحه، ومناداته “المشير” من دون أن يتحصل الرتبة ويعلقها على كتفيه.

اختار المصريون ترشيح عبدالفتاح السيسي رئيساً للجمهورية.. رفعت الأقلام وجفت الصحف.

محمد علي إبراهيم

رئيس تحرير صحيفة الجمهورية سابقا – مصر
ميدل ايست أونلاين

تعليق واحد

  1. يارب السيسي يفعصكم ويعدمكم النفس البيدخل رئتكم والحبش يأدبوكم أدب المدايح وسينا تولع واسرائيل ترسل بناتا الحلوين يملوكم إيدز وتحرم اى شرطي معفن منكم يهوب جمب حدودهاوالقاهرة تبقى مرتع ارهاب وتنسوا السياحة والدولارات ايام زمان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..