مقالات سياسية

من الذي أوحى لأسد الكدادة الذي يرقص على مقربة من أشلاء مواطنيه بركوب تيتل الأجواء الغربية

صلاح شعيب

لا بد أن بعضنا احتار جدا إزاء مغزى إثارة النظام القائم موضوع سفر رئيسه إلى الولايات المتحدة. فالمرء تصور كل النجاحات السياسية المتوقعة التي يمكن أن يجنيها النظام من حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو تلبية نداء أوباسانجو للتداول حول الشؤون الأفريقية هناك. وبحثنا في إمكانية تحقيق نصر سياسي في حال سفر البشير إلى نيويروك ما يعني بالنسبة له كأنه تحد للإرادة الدولية، أو إحراج أمريكا، أو مجمل الغرب. ولكن لم نجد أي دلائل تفيد في إيجابية الخطوة السودانية.

على النقيض، كان موضوع المحكمة قد أثير آخر مرة أثناء زيارة البشير إلى نيجيريا، ثم جاءت أحداث وغطت على هذا الموضوع، وبالتالي غابت صورة النظام السلبية في الإعلام الغربي لبرهة. وبعد الخطوة النيجيرية ـ التي لم تكتمل ـ نحو القبض على البشير هدأ العالم إلى أن جاء عزم بنك المؤتمر الوطني على إبعاث رئيس مجلس إداراته إلى عاصمة المال، نيويورك. حينئذ تمهد المجال لمنظمات حقوقية دولية، ومحلية، للنيل من البشير، والتذكير بجرمه الذي لم تثبته المحكمة التي طالبته فقط بالمثول للرد، مثلما فعل وزير الصحة في حكومته.

أمام تلك الحيرة بدا الأمر لنا وكأنما أن هناك من العملاء، بالمعنى المصرفي، داخل النظام من يريدون الاستفادة من تجربة السلطان كسافرو للتخلص من رئيس مجلس الإدارة. وسنعود لهذا السلطان في عجز المقال.
لقد “طبز” النظام عينه حين أعاد موضوع تسليم البشير للمحكمة مجددا إلى سطح الأحداث، والأزمات. فهو قد وفر مناخا لأعدائه ليستغلوا الصحافة العالمية، والمحلية، بموضوع الرئيس المطلوب قضائيا. إذن لم يكسب النظام شيئا في هذا الموضوع حتى الآن، خصوصا في ظل التحولات الجيوسياسية، والتي حتما ليست في صالحه. خذ في الاعتبار إعادة طائرة البشير دون المرور بالسماء السعودية. والموقف الخليجي الجديد من تنظيم الإخوان المسلمين ما يعني أن السودان لن يجد الدعم السابق بشأن موقفه من المحكمة. ولا تنسى عدم قدرته للسفر إلى ليبيا التي غير نظامها، وكذلك تشاد. مثلما أن النظام المصري الذي كان يوفر غطاء للبشير ما عاد موجودا، وحل محله نظام بينه وبين الإسلاميين ما صنع الحداد. أما على المستوى الداخلي فالأزمات السودانية وصلت مداها، مع تجدد الكوارث التي تهبط السماء وتنبثق من الأرض معا. والواقع أنه مهما قيل عن إثارة موضوع السفر لأمريكا بأنه محاولة لإلهاء الناس عن موضوع رفع الدعم عن المحروقات فإن ذلك الحساب السياسي خاطئ إن لم نقل إنه غبي، أو بالقليل إنه غير مدروس.

أغلب الظن أن هناك من يريدون التخلص من البشير بـ”شحن” ذاكرته بأنه “أسد الكدادة” الذي لا يقل شجاعة عن “كسار قلم مكمايل”. ربما أرادوا التضحية به. كما تمت التضحية بكسافرو. ولكن يبقى السؤال: هل أراد أهل المؤتمر الوطني أن يركبوا رئيسهم التيتل كحل أخير كما فعلت العجوز التي أوتيت الحكمة للتخلص من سلطان الداجو القاسي الذي ورث البشير فظاظته.

الشاهد أن هذا السلطان كان قاسيا بما لا يقارن مع معاصريه عند تعامله مع مواطنيه في مملكة الداجو التي سبقت مملكة الفور تاريخا. إنه طغى وتكبر، وكاد أن يقول أنا ربكم الأعلى. وهكذا أصدر أمرا على المواطنين بتحويل جبل يدعى أم كردوس إلى جبل آخر يبعد عنه بمسافة.
بدأ العمال، وهم غالب المدنيين المساكين، يحفرون حول الجبل لتحويله فينهار جانب منه عليهم فيصيبهم الموت بالجملة. يأتي آخرون ليحاولوا تنفيذ الأمر السلطاني، ولكن حظهم لا يكون بأفضل من سابقيهم. واستمر الأمر على هذا المنوال بينما تملك الغضب السلطان تجاه فشل رعيته. وضاق ذرعا بالمواطنين مثلما ضاقوا بصلفه، وتجبره، ونرجسيته. إنها حالة أشبه بما يعانيه المواطنون الآن مع البشير. إنه يضغط على الشعب في كل مرة، وتأتيه الهمسات بعدم الرضا ولكنه يبني كل عام طابقا جديدا من الحزن والأسى فوق صدر شعبه. حتى أن تعالت الأصوات برفض صلفه خرج عليهم بقصة “الهوت دوك”، والذي يحذر علماء كثر من أكله. وهناك آخرون مثل وزير ماليته يسيرون في ذات المنوال فيستفزون الشعب الذي أنجبهم بلا حياء.

كسافرو، والذي هو مثل البشير، أضاع خيرة أبناء مملكته في حفر الوهم بحماس، وضيم، وغلب. فرعية كسافرو كانوا يحفرون سنينا في الجبل دون أن ينجحوا في نقله إلى جوار جبل آخر تلبية لرغبة جهنمية. وحفر الناس صبرا على مشروع البشير الحضاري رغم منتهى المعاناة، فأنهكهم المسير، والحفاظ على التجانس.

لما تمادى كسافارو حتى ظن أن لا أحدا يشل رغبته في تحويل الجبل تداعى حكماء المدينة في صمت. من بين المتداعين كانت هناك إمرأة عجوز. لم تكن شمطاء. ولكنها إمرأة نخلة أرادت أن تخلص أبنائها وأحفادها من هذا الجحيم. حاولت أن تحل المعضلة بطول شوفها في المأساة التي خلقها السلطان تاج الدين كسافرو. ولقد سعت بمشقة حتى وصلت إلى مجلس السلطان والذي استقبلها بمظنة أنها تريد منه أن يقضي لها شيئا. طمأنته بأنها لا تريد مثقال ذرة من خيره المبذول لدائرته الانتهازية. دنت منه وهمست في أذنه: وجدتها وجدتها. وأمام حلمها النبيل لتبليغ الوصية وسط مستشاري السلطان الذين وجموا رضخ لطلبها وقال: ما بك يا “إية” من حاجة:

**
سلطان إنتي وليد مرة دي ياتو يكون زيك.
فرد السلطان: ولاي كان وليد مرة بقى زي دي إلا يشيفي..هاي أني ود راجل.. أنكو سيدي..أني ود مرين.. ولا زي عيال البقز أكالين الجيفة، شرابين البقنية..
فردت العجوز:
نعم سلطان إنتي زيك مافي دي..لكن مافي بهيمة ما ركبتي..كان حصان مافي زول ركبا زيك..وكان حمار..وكان جمل..وكان بغل كلو ركبتي.
فرد السلطان:
آي ولاي إية كلامك كلو حكم..كلام حلو زي دي عيال المرة دي التشيفين قدامك كلو ولا بقولو لي..لعنة الله تجيكم..
تقاطعه:
ولكن سلطان إنتي تيتل ود كلب الماركبا زول دي إلا إنتي تقدر لي..وهات أبوي عبداللايتين إلا إنتي دي بس الزول البقدر بركبا..وعيال مرة ديل إلا يتفرجو فرجة ساكت عليك وإنتي بس وليدي تركب وتهز وتبشر..وتنزل بعد داك من تيتلك دي وكلي بنيات صغار صغار دي يجو يقولوا يعرسوك..وحاة نبينا محمد البجيك في نومك طوالي..ويشكريك ويقول عدل سلطان..سلطان داجو وليدي إلا كريم بس.. لا زول ظلما..ولا زول أهانا..ولا عيال أوين كريمين زيو.

**
تهللت أسارير السلطان أمام هذا المديح، وأخذه الحماس بتنفيذ فكرة العجوز الذي ترجته على ركوب التيتل حتى يحظى بعدها بالصغيرات..وانتشر الخبر في المدينة كالنار فوق الهشيم. وقرر السلطان أن يقيم احتفالا كبيرا بهذه المناسبة، حتى أنه أمر صانعات المريسة بأن يحذقن في الصنعة.
تداعى الناس من كل صوب وحدب، وأصدر السلطان قرارا بإيقاف مسعى تحويل الجبل، ريثما. وفرح العمال الذين أنهكم الحفر غير النبيل. وأتوا إلى حلبة الاحتفال ليروا كيف أن السلطان كاسفارو “يقدل” بالتيتل بينما الزغاريد تتعالى.
حضرت العجوز إلى مراسم الاحتفال، وأجلسها السلطان بجواره، تكريما لها. وأتوا بالتيتل مزركشا ومزخرفا، ولم يتجل من جسمه غير المجمل إلا رأسه. ركب السلطان التيتل الذي كان يمسك بلجامه بعض حاشيته، وأصرت العجوز على أن يربط السلطان بشكل مكين حتى يكون الركوب مشهديا، والقدلة في عرصات الحلبة أروع. وافقها السلطان. وأتوا بجلد الماعز المضفور، وربطوا السلطان بشدة، وهو فرح متبختر. ولما تيقن من رضا العجوز بالرباط الذي لم يترك موضعا في جسمه دون أن يلتحم بجسد الحيوان القلق أمر حاشيته بترك التيتل.

وما لحظات إلا وقفز الحيوان في الهواء بينما عمال الجبل يتضاحكون، وأمراء السلطان وحاشيته مصابون بالوجوم، والمحنة. وهكذا يطير التيتل بالسلطان في الهواء فيفقد تارة يده اليسرى التي تطير في الهواء، وتارة أخرى يفقد رجله اليمين. وأخيرا هرب التيتل في الخلاء تاركا الحلبة تمور بالضجيج والانشغال بدهشة تطاير أعضاء السلطان في الهواء.. وقليلون هناك يهتمون بلملمة شعث جسده المتناثر لحما، وعظما، ودماء.
ولما انتهت مهمة بحث اعضاء السلطان وجدوا أن التيتل قد نثر رأسه في مكان هناك في البرية. وبقايا من جسمه في أمكنة متعددة. وهكذا نجا الناس من الطاغية بينما صارت العجوز رمزا من رموز المجتمع المدني بمقاييس هذا الزمان. مثلها مثل مايا أنجلو.
**
إذا صدق البشير أنه فعلا أسد الكدادة الذي يرقص على مقربة من أشلاء مواطنيه، وأنه يستطيع أن يركب الأجواء العربية، والأفريقية، فمن الذي أوحى إليه بركوب تيتل الأجواء الغربية حتى يهزم عيال المرة الغربيين هناك كما قد يفكر بعقله الخرب. من يا رب من؟

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. والله انك بتحب البشير والا ما كتبت هذا المقال لكي يتعظ هو وربما اتعظ لو قرا له احد منافقيه من امثال ولد الانقاذ المدلل او حمادة الانقاذ .

  2. غالبا تكون دي فكرة المكار المخادع ودابليس تلميذ المخادع الكذاب (عيال جبهه دى جنهم كضب وخيانه ) بكره التشيفي فيهم يحيرك بمهل ولايهمل

  3. ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
    لله درك لقد اضحكتني حد الثمالة حقاً انه كسافارو القرن الحادي والعشرين ..واذا كان كسافارو قد امر شعبه بتحويل الجبل فإن البشير أمرنا ب……النملة.

  4. و الله بالغت يا صلاح شعيب, ليه نبهت أسد أفريقيا و كشفت ليو الخطة السرية؟ دي خيانة وطنية منك يا صلاح شعيب بالله أنحن الوقت كلو بندعوا ليو يسافر و نشجعو نقول ليو سافر نويورك يالأسد النتر و لا يهمك تجي تفشش الاسرار و تكشف الخطة. في واحد صاحبي بعد ما قرا خيانتك في كشف الخطة قال غايتو أسد أفريقيا لسع بإمكانه يركب (التيتل) الفي شعار الخطوط القطرية .. هههههههها

  5. بكل صراحة الواحد يقرأ تحليلات هولاء الكتاب يشعر بالاحباط من ضعف المعلومات وضحالة الفكر وغياب الروية العميقة لمشكلة السودان وعدم الالمام بافكار وسياسة المؤتمر الوطني، واتمنى من كاتب المقال ان يكتب في جرايد الرياضة والفن في السودان مثل الدار وغيرها بدلا من محاولة الكتابة في السياسةوايراد مثل قصص مملكة الداجو، البعيدة كل البعد عن مغزى واثارة قضية سفر الرئيس، يا اخ بالله عليك رئيس ما قادر يجتاز اجواء السعودية اقرب الدول الى السودان فكيف يفكر في اجتياز الاطلنطي؟ حبيبي الانقاذ ليست بهذا الغباء ولو انهم مع خبثهم يحملون منه الكثير، فالقضية باختصار هم لا يريدون ذهاب الرئيس الى امريكا/ فقط يريدون اثارة الموضوع لاغراض كثيرة وقد نجحوا في ذلك ويدل على ذلك تحليلك الفطير ياكاتب المقال. بالله عليك حاول كتابة مثل قصصك في الدار او مثيلاتها وستنال راتب مجز.

  6. ياجماعه ناس الانقاذ يضحكوا علينا بانهم ادخلوا الاتصالات للسودان وادخلوا الهوت دوق وادخلوا البيتزا …الخ لدي زميل صومالي قال بأنه ليس لديهم حكومة منذ عام 1990 والبلد في حرب أهليه لكن البلد شركات الاتصالات والجوالات دخلت وشغاله فيها تش ومحلات الهوت دوق دخلت ومفتوحة ومحلات البيتزا الوطنية ومحلات باسم ماكدونالدز لكن تقليد وكنتاكي ولكن تقليد … لأن هذه الأشياء دخلت معظم الدول كنتاج طبيعي لإنفتاح العالم وتحوله لقرية صغيرة….الخ ياجماعه اذا كان هؤلاء عندهم كل هذه الاشياء بدون حكومة يعني لو كان عندهم حكومة (لمدة 25 سنة) مفروض كان بقو من الدول العظمي قياسا على اجتهادات ريسنا

    المهم خلونا في الاكتشاف الجديد اقصد نظرية (((الهوت دوق)))

    الهوت دوق خرب مشروع الجزيرة والهوت دوق فصل الجنوب والهوت دق دمر التعليم والهوت دوق اشعل الحرب في دارفور والهوت دوق دمر السكه حديد والهوت دوق دمر الخطوط البحرية والهوت دوق دمر الخطوط السودانية والهوت دوق باع خط هيثرو والهوت دوق دمر الاقتصاد السوداني والهوت دوق نشر الفساد في البلد ,,,,,,الخ

    وبما انه يتم تسميت كثير من الاكتشافات المفيدة للانسانية بأسم مكتشفهاتخليدا لذكراه كمرض البلهاريسيا (مكتشفها تيودور بلهارسيا) ومرض باركنسون ( مكتشفه جيمس باركنسون) فإني إقترح تسمية رئيسنا ((بالهوت دوق))لانه هو من اكتشفه واستجلبه للسودان وكان الهوت دوق سبب دمار كثير من الاشياء في السودان (وسبق ان اطلقنا على الحاج آدم الحاج ساطور)

  7. يا صلاح ده كلام انت ماقدرو!!!! خليك مع الbag room والعتالة بتاعتك دي. آه يا أمة ضحكت من جهلها و جبنها الأمم…!!!

  8. استهوتني قصة هذا السلطان وكنت اعتبرها اسطورة دارفورية الي ان قدر لي سفرة الي نيالا ورايت جبل ام كردوس واثار الخندق الدالة علي العمل الجاد في مشروع السلطان وهو كان ينوي تعديل رصة الجبال ال99 التي شذ عنها جبل ام كردوس اذ تحكر بعيدا عن صف الجبال الاخري المتوجة بجبل مرة في الشمال وهي قصة تاريخية لا تقل تشويقا كما اري عن اصرار الفراعنة الي بناء الاهرامات وعلي اية حال يقولون ان الداجو كانوا سلاطين غرب السودان وانا رايتهم في ابيي وناما كما يقال ان العرب المسيرية تغلبوا علي الداجو بعد تحالفهم مع الدينكا ونري ان منطقة الداجو التاريخية بما فيها ابيي يتصارع عليها الان المسيرية والدينكا..هذا تاريخ يحتاج للبحث والتنقيب والتاريخ للاعتبار

  9. (حكمة بالغة وما تغني النذر)
    طيب يا صلاح على ماذا يراهن اهل النظام في مرحلة ما بعد ركوب التيتل؟؟!!
    هل الجرائم الانقاذية1989-2013 جرائم -نظام-ام افراد؟
    وهناك طريقين للخروج من السلطة..لانهم وصلو الاكسبايري ديت ولايريدهم احد..وسقط هبل في ميدان رابعة العدوية والمزايدة بالدين والهوت دوغ لم تعد تجدي…النظام معزول شعبيا ودوليا..
    1-طريق امن على طريقة جنوب افريقيا التصالح مع النفس والشعب والانتخابات
    2- الاستمرار في نفس الاشخاص ونفس السياسات ومواجهة الفصل السابع بسبب “ابيي” والاقتلاع من الجذور عبر الكفاح المسلح؟؟

  10. ولكن سلطان إنتي تيتل ود كلب الماركبا زول دي إلا إنتي تقدر لي……

    الترجمة

    ياالبشير امريكا بت الكلب دى مافى زول بقدر عليها غيرك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..