رسالة إلى أحفادنا (1/2) اا

زاوية حادة
رسالة إلى أحفادنا (1/2)
جعفر عباس
وأبادر فأقول إنني لم أوجه هذه الرسالة إلى أولادنا وبناتنا، لأنني منهم «مكسوف»، لأن حالنا أمامهم مكشوف، وعلى ذمة الشاعر محمد المكي ابراهيم «التقى جيل البطولات بجيل التضحيات» في الستينات، ثم جئنا نحن جيل الخيبات المتلتلات، ولهذا فجوهر هذه الرسالة هو الاعتذار لجيل الأحفاد، وقد اعترف جيلنا بغير وعي منه بذلك عندما كان يردد «تعال غنينا يا دوبا يا الخربت الدنيا خراب سوبا»، ومن يغني للتي خربت الدنيا لاشك يعاني من خراب الفهم .. قال جيل البطولات إنه قدم لنا استقلالا ليس فيه شق او طق، ولكن واقع الأمر أنه كان استقلالا كثير الشروخ والجروح المتقرحة، فهم الذين اختزلوا السودان في الخرطوم، ولكن نستطيع ان نجد لهم العذر فذلك زمان لم يكن هناك فيه فاكس أو بوينغ ولا انترنت ولا موبايل وكانت التلفونات الموجودة تشتغل بـ»المنفلة» وهي أداة لا يعرفها جيل الشباب وكانت عصا حديدية يتم حشرها في مقدمة محرك السيارة ثم تدويرها بقوة كي يدور المحرك.. أقصد ان التواصل السريع بين المركز والأطراف لم يكن متاحا، ولم تكن موضة طواف الزعماء في الأقاليم لبيع الكلام المجاني معروفة لجيل الاستقلال، وكان نظام المديريات التسع أكثر كفاءة من النظام الفيدرالي المفترض الحالي لأن مدير المديرية كان يحظى بصلاحيات الحاكم المحلي الفعلية، وكان ضباط الحكومات المحلية يضبطون إيقاع العمل والخدمات في كل البقاع يساعدهم في ذلك العمد والشيوخ ونظار الخطوط.
عندما كنا صغارا في جزيرة بدين كان الناس يؤرخون للأحداث بـ»سنة مجيء البوليس»، ففي ذات عام جاءت قوة صغيرة من الشرطة الى الجزيرة للتحري في قضية ما وكانت تلك أول مرة يرى فيها أهل بدين الحكومة بالعين المجردة، فقبلها وبعدها كانت كل المنازعات تحسم وتفض من قبل العمدة محجوب والعمدة حمد الله، وإذا اتسع الفتق على الراتقين جاء محمد حمد الملك عمدة العمد او الزبير ناظر الخط، وكانت المنازعات في معظمها حول قسمة الأراضي، فيقوم العمدة بالسيطرة على الوضع ويأتي فريق من المساحين ينصب خيمة ضخمة ويقيم طويلا لترسيم الحدود ووضع «النواطير» التي تمثل الفاصل الاسمنتي بين الملكيات، ولم تكن بنا حاجة للحكومة ولم تكن الحكومة تسعى لإثبات وجودها لنا
الأهم من كل ذلك أن حكام ووزراء ما بعد الاستقلال مباشرة كانوا دراويش وعلى نياتهم، فعاش معظمهم ومات وليس لديه في الدنيا كشك.. يحيى الفضلي (دينمو الحزب الوطني الاتحادي) عاش ومات في بيت مستأجر من الأوقاف، وصديقه محمد نور الدين ترك عياله في الصقيعة ثم أسعدهم الحظ بالفوز ببيت في حي «المساكن الشعبية» في بحري في عهد الفريق عبود، وعندما وصل نميري الى الحكم جرجر بعض قيادات حزب الأمة والحزب الاتحادي في المحاكم بتهمة الفساد ولكنه لم يستطع ان يثبت أن أحدهم فاز بشيء من السلطة غير راتبه الشهري.. وحتى قبل انقلاب نميري قامت قيامة البعض لأن الزعيم الازهري ابتنى لنفسه بيتا من طابقين في ام درمان وتعالت صيحات «من اين لك هذا؟» وكان سؤالا في محله لأن راتبه كرئيس وزراء كان( 90) جنيها فقط، وكان تجار الحزب الاتحادي قد «تخاتتوا» ليشيدوا للرجل بيتا يليق بمركزه ونضاله، وما زال ذلك البيت قائما في الخط الفاصل بين حيي الشهداء وبيت المال، وفي زمن تطاول فيه الحفاة العراة في البنيان صار بيت الأزهري «أشنى» بيت في المنطقة.
وتسلم الفريق عبود الحكم مرغما، وكان حاله كما جاء على لسان أبي العتاهية في مدح الخليفة المهدي: أتته الخلافة منقادة/ إليه تجرجر أذيالها!! ونالت حكومة عبود لقب أول ديكتاتورية عسكرية في تاريخ السودان المستقل، وأسقطها الشعب في ملحمة بطولية، ويشهد الله أنني لم أؤيد تلك الحكومة ولكنني أشهد بأنني لم أقرأ أو أسمع أن أيا من أركانها لوث يده بمال حرام بل ان وزير الداخلية في تلك الحكومة اللواء احمد مجذوب البحاري عاش بقية سنوات عمره بنظام رزق اليوم باليوم ومات وهو عدمان المليم، وكان أقوى رجالها – اللواء طلعت فريد – يأتي الى جامعة الخرطوم يوميا بسيارة كركوبة لتوصيل ابنتيه سميرة ومديحة.
معليش فالتاجر المفلس يراجع دفاتره القديمة!!! وستعرفون لماذا أعتذر عند تكملة الرسالة هذه.
الراي العام
ابو الجعافر اسعدالله اوقاتك سعدت جدا بموضوعك وخاصة ذكرك لنظافة يد من حكموا السودان بعد الاستقلال وايام النغفور لهم ازهرى وعبود ونميرى عليهم الرحمه اجمعين ووزرائهم فكلهم كانوا مخلصين لبلدهم وشعبهم ولم يتكسبوا من مناصبهم ولم يتطاولوا فى البنيان لانهم لايملكون الاراضى والمزارع وقيمة مواد البناء – على سبيل الذكر قطب الوطنى الاتحادى نصر الدين السيد وقد كان وزيرا فى عدة وزارات وكان قبل الوزاره ريئسل لمجلس بلدية بحرى وككان يعيش فى بيت بالائجار فى شارع شمبات قبل الصبابى وقد عرفته من خلال ابنه زميلا فى مدارس الشعب فى نهاية الستينات وبداية السبعينات)رجلا متواضعا وكا فى امكانه ان يكون من اثرياء البلاد فى ذلك الزمان الجميل ولكنه كان يعلم بان الوظيفه امانه وانه مسئول امام الله – ليتهم عاشوا ليروا مايفعل وزرار ونواب ووزراء ومستشاروا هذا الزمان من تطاول فى االبنيان وثراء لا تعرف مصادره لو عاشوا وراوا مارينا لماتوا مرة اخرى لما ال له حال البلاد اليوم نسال الله لهم الرحمه والمغفره فقد مات النميرى ولا يملك بيتا ومات عبود وهو راس الدوله يقف مع كبار الموظفين للقرعه عندما قسمت الدرجه الاولى فى الخرطوم وازهرى ياقولك اشنى بيت فى المنطقه بعد ان تطاوال حفاة وعراة الامس فى البنيان لهم الرحمه ونساله حسن الخاتمه
ابو الجعافر اسعد الله ايامك
جل ما ذكرته صحيحا فرجال النميري وعبود خرجوا من الدنيا حتي بدون حفي حنين ولكنهم تركوا فيها بذرة فاسدة قيحة اسمها الدكتاتورية العسكرية والتي ينهل من فيضها أهل الأنقاذ الأن.لو تركوا الأمر للشعب السوداني نخطي ونتعلم لكان لنا الأن ديمقراطية ذات أساس ثابت . وعلية سيدي الذي لا تبوس ولا تنباس – أو كما قال المرحوم غازي القصيبي ، فإن سيئات من مدحتهم ووصفتهم بنظافة اليد تفوق في تاثيرها حسناتهم وإلا فمن الجائز في هذا السياق أن نهلل ونكبر عند ذكر الزبير محمد صالح فهو كما يزعم البعض كان راجل ونظيف ولم تنتكس الانقاذ وتخرج عن الخط إلا بعد وفاته وهذا قول أخرق مبني علي غير أساس.
ما أريد قوله يا استاذ جعفر أن الأخلاق وحدة واحدة متكامله لا تقبل التجزئة فمن تأمر بليل علي خراب البلاد لا يمكن أن يوصف بأنه خرج بدون ان يلوث يدية بمال حرام فلو واتتهم الفرصة لما توانوا عن ذلك ( تاسيسا علي أن الأخلاق وحدة واحدة ) ولكن ذلك الوقت كانت الموارد اولا شحيحة في الاساس هذا بالاضافة الي ان الخدمة المدنية كانت لا تزال بخير والناس قليلون ويتعارفوا مما ستظهر معه اي بادرة نعمة مستجدة .