رحيلهما… والاتفاق

صباح محمد الحسن

غريبة هي الأيام التي تكون أنانية حتى في الفخر بالموت… وعميق هو الجرح إن حكى عن قصتين.. الألم جزء من القاع والأعماق التي يسكن فيها الأعزاء.. وليس نحن كفء في التعبير عن المشاعر الحزينة المشتركة… ونعتذر دوما.. إن كان الحديث عن ألمين… الأول قديم يتجدد والثاني جديد متجذر… في غاية النجاح أن نعبّر جيدا عن لحظة حزن واحدة لكننا نفشل أكيد إن كانت ثنائية التعبير تحتاج إلى وحدة …فلا الدواخل حمل حزن مركب.. ولا الألسنة تجيد لغتين في وقت واحد.. إذن الأشياء عظيمة المعاني عندنا هي التي ننهزم تعبيرا وتصريحا أمامها.. كل ما سهل التعبير عن شيء تأكد أنه رخيص… وكل ما ضاعت الكلمة وتلاشت أمام شخوص تأكد أن معادنهم ووزنهم أثقل بكثير.

ويوم غد الجمعة يصادف يوم الرحيل للفنان مصطفى سيد أحمد ويوم الرحيل للفنان محمود عبد العزيز وكلاهما فقدُ يتوسد فينا ببقاء السنين والأيام فتصبح الذكرى أعمق حديث والرحيل إن كان يعني الموت فهذا ما يجعلك أمام امتحان مدة الزمن فيه إلى الأبد… ورقته تحمل سؤالا واحدا (هل يمكن أن تتجاوز الذاكرة واحدا منهما؟).. الإجابة.. رغم الزمن الكافي نجد أنها تحتاج إلى وقت أطول إلى ما بعد أن ينقضي لف ودوران عقارب الساعة ليس لأن الإجابة تقليدية سهلة عادية تعني (لا) لكن لأن الذي يملأ الفكر تساؤل كيف اتفقت وتوافقت الأقدار والآجال على الجمع بين حدثين أولهما عميق المعنى جرحا.. والثاني جرحا بمعنى العمق وحجمه عندما يكون غائرا.

كيف تشابهت الأحاسيس والشجون والأنين والحنين وكل الأشياء المتناقضة والمتلاقية والمختلفة والمتفقة وكلاهما أصل الإبداع والآخر يرفض أن يكون صورة… دخلا دون استئذان قلوب الملايين واستطاعا أن يجعلا من أسلوب (التمكين) مصطلحا فنيا يعمل على قبضة النجاح القوية لشيء اسمه الإبداع.

والوقت ليس مجرد يوم عادي جمعة تكون فيها الدعوات أقرب إلى الاستجابة إن سخرنا أكف الملايين للدعاء لروحيهما… وفي الوقت نفسه وفي ذات الجمعة الحدث يعني أن النحت على أوراق التأريخ ليس سهلا وليس مجرد خربشات وشخبطات فنية يمكن لأي فنان أن يعبث بها.. التأريخ يمجد الأماجد.. ويعظم العظماء.. والبقاء إبداعا له ذاكرته الخاصة التي يحتفظ بالأشياء الخالدة فيها.. وربما يسخر كثيرا من عقول البشر التي ربما تخونها الذاكرة لأنها قد تسقط منها بعض الأصول والأصالة.. لكن لا يمكن أن يضحك القدر ساخرا عليه إن هو نسي أو تناسى.

أبو السيد ومحمود لكما الرحمة والمغفرة في هذا الشهر المبارك شهر مولد الذي هو أعظم.. لكنه تحت التراب.

طيف أخير
الحزن النبيل… على رجلين… بعد الغياب.

تعليق واحد

  1. الاثنين يجمعهما حب الجمهور قاما بضخ العبقرية فى جسد الفن الغنائى ..اللهم ارحمهما بقدر ما اسعدا كثير من الناس .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..