أوراق من كتاب الليل والنهار

الإنسان مع صفاته النبيلة يحمل في إطاره الجسدي طبعاً لا يمُحى من أصله الوضيع

– تشارلز دارون –

عالم احياء

نموذج :

.. كان تافهاً جداً، وساذجاً جداً، وخارج اطار اهتمام الناس، وخارج دائرة الفعل، وكانت ميزته الوحيدة هي: تتبع عيوب الآخرين، أو البحث عن عيوب غير موجودة، وإلصاقها بهم، وأكثر ما كان يفرحه، ويمنحه السعادة، ان تحدث مصيبة، أو كارثة لشخص ما، حينها تتنبه كل حواسه، فيبدأ جولاته على البيوت، لنقل تفاصيل (المصيبة)، واضافة تفاصيل أخرى، وتحليلات جديدة، تناسب هواه!!.
– وعلى يديه، وبفضل أخباره، وأشاعاته، تحولت بنات برئيات، ونساء غافلات، إلي (مضغة) في (الأفوه)!!
كان له بطولات هائلة، لا يعرفها غيره، وليست موجودة إلاّ في خياله، فهو الذي جعل (فلاناً) يوافق على تزويج (ابنته) من فلان، ولو لاه لما تم (توظيف) ابن علان.. وهو الذي شارك في (فتوحات) (السند والهند) وبلاد (الهمجستان)!!.
– المفارقة: أن الناس كانوا يدركون، تفاهته، وضآلته، وأغراقه في الخيال المريض، لتغطية احساس حاد بالأهمال، والعجز عن الفعل!! لكنهم – مع ذلك – ما كانوا يترددون في قبول إشاعاته!! بل – وأعادة انتاجها- كحقيقة.. يتم تداولها.. وليذهب (الأبرياء) إلي (الجحيم)!!.
تطوع :
قال لهم أنه يحب العمل التطوعي.. ويعشقه لأنه جزء من ذاته وحينما انتخبوه رئيسا ً للجمعية حضر اجتماعين من أصل عشرة اجتماعات، وطبع بطاقات تحمل أسمه وكنيته وأسم الجمعية التي يرأسها ووزعها على الأصدقاء والمعارف.. وهو حالياً يحفظ أكثر من مائة شعار ومقولة عن ظهر قلب تتعلق بالعمل التطوعي وضرورة توسيع قاعة المستفيدين (خاصة من أفراد اسرته وأقاربه).
معاش :
استقبله بالأحضان.. وبالقبل وبالاسئلة المتلاحقة عن صحته واحوال الأسرة (والمدام) وامتحانات الأولاد واشاد بالنقلة النوعية التي حصلت للمؤسسة في عهده ولما عرف انه احيل على المعاش قبل يومين فقد نظر إلي ساعته وادرك في الحال أنه تآخر عن الموعد الذي حدده مع احد الأصدقاء.. وفي الطريق قال لي ان هذا هو اسوأ مسؤول عرفته.. وان زوجته ثقيلة دم واولاده ينجحون بالواسطة وأنه (يصبغ) شعره وشاربيه منذ عشر سنوات.
اتيكيت :
يؤمن (بالاتيكيت).. ويتقن فن المجاملة.. ولا سيما مع الجنس اللطيف.. يتحدث بأسلوب ناعم رقيق ويمتلك مقومات الكلام وبراعته.. حاذق في اسداء النصائح للاخرين وهو يقدس أراء المسؤولين عنه ويحترم أفكارهم وتوجهات كل من هو فوقه.. ولكنه لا يأبه بمشاعر من هم تحته.. يعتقد أعتقاداً جازماً بأهمية نقل الحديث وتوصيله إلي المعنيين به.. ويزيد عليه ويزينه بالتوابل والبهارات، ولانه يجيد هندسة المواقف وتنظيم المرور وقطع الإشارات الضوئية في غياب رقباء السير فانه يصل سريعاً.. لكون الغشاوة التي على عينيه لا تجعله يرى الآخرين.. وهم يحدقون فيه ضاربين كفاً بكف وهو يجلس على الكرسي الدوار الذي كان يجلس عليه احد المدراء السابقين.
خطيئة :
(من لم يكن منكم ذا خطيئة فليرمها بحجر) هذه الجملة العظيمة التي أنطلقت من قلب عظيم تجمدت في فمي عندما أسمع كثيرين أوقفوا أنفسهم على تعداد سوءات بعضهن وتعداد انتصارات فارغة مليئة بالجهل والغباء. يا الله كم نحن نعيش بشخصيات متعددة في اليوم الواحد، فان جلسنا إلي فتاة لأول مرة أنقلبنا إلي أشد دعاة التحرر والمساواة وان نحن اختلينا بأحداهن أنقلبنا إلي مجرد ماكينات للجنس الوحشي وان فرغنا من أنهاء شبقنا تحولنا إلي كتلة ادمية بلا ضمير نعلن على الملأ انتصاراتنا الوهمية، معتقدين ان السرير ساحة قتال بين أثنين. بالأمس تحدثت إلي صديق أسر لي ببعض من مغامراته معتقداً بان رجولته أكتملت حين استطاع (اغواء) احداهن وشرع في سرد تفاصيل المعركة التي تكللت على ما يبدو بانتصارات ذكورية مظفرة. تركته يسرد بطولاته البلهاء وشردت بعيداً إلي حيث خيباتي المتتالية وتساءلت ترى كم يحتاج المرء من جهد لكي يعلن لحبيبته ان التقاء الروح بالروح ربما أجمل بكثير من اشتعال جسدين في وهج الرغبة؟ كم احتاج من أعصاب لكي أوصل ما لا يوصله الكلام؟، هل نحن أبناء جيلين مختلفين فاختلفت اللغة بيننا ؟!
هل هي مشكلة فرد أم هي مشكلة مجتمع؟ لست أدري.
للتأمل :
إذا كنت تعيش في وسط زئبقي فمن الأفضل أن تحمي قلبك داخل صخرة صلدة !

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..