إلى السيسي قبل أن يترشح

عادل الجوهري
من واجبي كمواطن حريص على بلاده، أن أتوجه إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسي ببعض ما يختلج في نفسي. فقبل أن تعلن ترشحك لرئاسة وطني الذي أعشقه مصر، وقبل أن أختارك بملء إرادتي ورغبتي لتقود سفينة الوطن ما أمد الله في عمري، أوجه لك هذه الكلمات، ولن أتطرق خلالها لاعتبارات الأمن القومي، أو العلاقات الدولية والإقليمية، فإنك أخبر مني بها، وأقدر على معرفة دهاليزها، والأجدر على فك طلاسمها، بحكم المواقع الحساسة التي كنت وما زلت تشغلها، والتي أهلتك بلا جدال لأن تكون للرئاسة أنسب الرجال. فلا أحد يضاهيك خبرة وحنكة في هذا الجانب الأهم للبلاد، خصوصاً في هذه اللحظات بالغة السوء، وربما الأسوأ في تاريخ مصر الحديث، فهي لا تمثل خللاً اقتصادياً فحسب، إنما تُشكل برزخاً شديد الضيق، ينتظر فيه الشعب بين الأمل والرجاء، لحظة الانبعاث والانتشار، فماذا بعد أن ثار؟ هل هي الجنة أم النار؟
إن مصر يا عزيزي كما يقول بعض الآثاريين هي البلد الذي يتجلى الله في سمائها ويسكن، ولذلك فهي المحروسة أبداً بإذنه تعالى، ولم يأت ذكرها في القرآن الكريم عشرات المرات من فراغ، ولم تخل كتب الأديان السماوية من الإشارة إليها في مواضع مختلفة إلا لمنزلتها الربانية، فتلك البركة الإلهية هي السر وراء حفظ هذا البلد بين العالمين، ورباط أهله إلى يوم الدين، فالفخر كل الفخر لمن يحكمه، والعزة له والرفعة إن كان حكيماً حين يدبر، عادلاً حين يُقرر، مُقلاً حين يقول، بسيطاً حين يجول.
ولكن الناس يتساءلون: إذا كان لمصر عند الله هذه المنزلة العالية، فلماذا يعيش أهلها في هذا الضيق الذي لا يرون له انفراجاً، وتحاصرهم الهموم فرادى وأزواجاً، وتتنافس الأمراض على أجسادهم، وتتمكن الأمية من عقول بعضهم، ويزاحم فيها الأحياء الأموات قبورهم؟
في اعتقادي أن الإجابة تجسدها كلمة واحدة قاطعة، هي: الإدارة!
فعلى الرغم من أن مصر تمتلك خزائن الأرض من الخيرات كما جاء في كتاب الله العزيز، وقد كانت تفوق اليابان قبل انطلاقتها، إلا أن إدارتها كانت ولم تزل تدور في نفس حلقة الفشل بأبديتها. ففي مصر يسيطر المغرضون، ويتمكن الفاسدون، ويحتكر الطامعون، ويستأثر بوظائفها الأقربون، أما القانون فما أدراك ما القانون أسد هصور على الصغار، نعامة خجول مع الكبار إن مسهم لا يُعاقبون، ويتناوب على حكمها رؤساء يتألهون إلى أن تجيئهم الساعة، وآخرهم الرئيس ذو الجماعة، الذي كان يدين لمرشده بالسمع والطاعة.
إن الشعب لا يمكن أن يحتمل رئيساً آخر يسير على نفس المنوال، وأظنك عزيزي لست بغريبٍ عن سوء الأحوال، فالحكم بذات الأساليب القديمة أصبح شيء من المحال، فهو لا يتماشى مطلقاً مع تطلعات الناس، ولن يلبي ما تختزنه صدورهم من الآمال، فلم يعد مقبولاً بعد ثورتين عظيمتين، أن نظل نختار السيد تلو الآخر ليسكن قصراً من الرخام وتبقى قصورنا من الرمال، فالشعب الذي خرج في 25 يناير و30 يونيو ما زال حياً لن يموت ومن يتصور غير ذلك يُراهن على الخيال.
فإذا ما استخرت ربك، وعقدت عزمك، فاعلم أنه ليس بالحب وحده تُبنى الأوطان، ولا بالكلام المعسول يحيا الإنسان، فالبطون الخاوية تحتاج إلى من يحرص علي إشباعها كالأم الرءوم، فلا تعتمد على المشاعر فإنها لا تدوم، ولا تستعين بالوجوه البائدة فقد خبرناها تطفو فوق جثثنا بدلاً من أن تعوم، ولا تظن أننا لسنا بحاجة إلى الديمقراطية، أو أننا في غنى عن الحرية، أو أن الدولة ستكون أقوى إذا تحولت إلى بوليسية، فلا تُكرر أخطاء من سبقوك، ولا تستمع إلى من يتغنون باسمك فهم ينافقوك، ولا تعطهم الفرصة إن أرادوا أن يؤلهوك، فقد كفر الشعب بآلهة البشر وتعلقت أنظاره واثقاً بتدابير القدر.
لقد دققت عباراتي ما استطعت، واخترت كلماتي كيفما تمكنت، وأشرت إلى المثالب فأوجزت، وبقي أن أنتظر كغيري أن نرى برنامجك للمنصب الجديد، الذي أرجو أن يشتمل على مشروعات بقدر مصر وحجمها، فلا تُركز على المشاكل الروتينية اليومية فعلى الحكومة يقع عبئها، وكُن كبيراً فيما تطرح، واضحاً حين تشرح، ولا تنسَ أن للمصريين عيوناً وآذان، ويعلمون أن الخطاب يكشفه العنوان.
عادل الجوهري
[email][email protected][/email] ميدل ايست أونلاين