احنا مرقنا …. مرقنا …. مرقنا….

اماني ابوسليم

عندما يهزمنا الحال و يشتد البأس و يكثر الاحباط من حولنا، قد ننسحب، نهرب، نجر انفسنا الي اماكن اكثر امنا، علي الاقل في ظننا. و لكن لا بدَ ان نعود بعد شئ من الاستراحة و لملمة الانفاس و التفكير في الحال. عندها ربما نجد ان الامن ليس في الانسحاب او الهروب و لكن في مواجهة ما يحبطنا، في ازالة الشدة نفسها، فلا يهزمنا الحال.

بعض الناس في بحثها عن الاماكن الاكثر امنا، و في هروبهم من النزال، و بذل الجهد للتغيير، يركنون الي انهم قد طلقوا الدنيا و انهم مقبلون علي الدين، فينقطعون عمَا حولهم، لا يؤمنون بالمصلحة العامة، و لا ان العمل في الدنيا بما يرضي الله هو الدين. فعمر بن الخطاب عمل للدنيا بتنظيمها من المدينة و الي كل ما فتح من بلاد الله. وضع اسسا دنيوية قد نعمل ببعضها حتي الاَن، و كان ذلك العمل دينا في اصله، و به نفع الدنيا و حياة الناس فيها و هو يقصد ربه و دينه، فما انقصت هذي من تلك و لا تعارضت معها. لا تتعارض الدنيا مع الدين الاَ اذا هربنا من بذل الجهد لتحسين حياتنا و انزوينا بالأوهام عن العمل. من قال ان الدين عمل فردي، و ان العمل للجماعة و المجتمع و البلد يصب في ملاهي الدنيا لا في صميم التوجه الي الله بالاعمال بما يثقل الموازين. و لأنه هروب من المواجهة و بذل الجهد للتغيير، اختاروا طريقا في الدين ايضا لا جهد فيه، يسمعون بعض كلام من هنا و هناك عن فضل كذا … و ثواب كذا … دون تحقق، و يقضون نهارهم منشغلين به، يكثرون في عدده علي انه الذكر المطلوب، المنجي من الشرور، الواعد بالمفازة. يقبضون دون جهد في القشور، التي ان حكوها بطرف اصبعهم انفصلت عنهم و طارت ادراج اضعف الرياح. تجدهم يملأوون (الفيس بوك) و( الواتس اب) و ما شابه بالاعجاب (اللايكات) لتلك القشور، و ارسالها للعشرات لكسب مئات الحسنات، في ظاهره عمل خير و يعطي صاحبه شعورا انه اثبت انه في الطريق الصحيح (لمن اثبت؟) و هو في باطنه اختياره ألا يبذل جهدا، هروب و انسحاب. ميزان الحسنات مضبوط علي الضمير، فما ظل يطقطق في الفم باللسان او تقع عليه العين و لم يقع في صحن الضمير، لا يزن.

هؤلاء الهاربين لا من الدنيا الي الدين كما يقولون و لكن من بذل الجهد، هم في تزايد شديد، كلما اشتد البأس في البلد، و زادت المحبطات، و زاد الظلم و الفساد، فقدوا الثقة بانفسهم و انزوا بضعفهم، فلا قوي الظلم لأنه قويَ، و لا اشتد البأس لأنه شديد و لا كبر الاحباط لأنه كبير، و لكن لأن ضعفهم اكبر و خوفهم اعظم و انزواءهم اشد. هم اَثروا تلك الحال ليس ايمانا بألا فائدة في الدنيا، و لكن لأنهم حين نازلوها جاءوها بضعفهم وهوانهم علي انفسهم، غلبتهم و خضعوا للهزيمة، و ما بحثوا في انفسهم عن طاقة تخرجهم مما هم فيه .اَثروا الهرب، استسهلوا الانزواء، تمسكوا بمضرب الأنانية، فضربوا بمجتمعهم و ما حولهم عرض الحائط، فلا هم متفاعلون مع ما حولهم، و لا هم منشغلون به و لا هم يفكرون في خيره و صلاحه، و يعللون انها دنيا زائلة و انهم سيعملون لدينهم فقط.

تجد الواحد منهم يغالط اختياره في ترك شؤؤن (الدنيا)، يقلب قنوات (الدنيا)، منتظرا من الاَخرين ان يصلحوا الحال العام، فهو يدخر جهده لدينه فقط، وعلي من احبوا الدنيا اصلاحها( له)، يقلبها ناسيا انه هو الاناني، هو الذي لا يفكر في الاَخرين، هو الهارب الذي اَثر الاختفاء، يقلبها و يقول، السودان دا بلد، دا شعب دا، الرجالة انتهت ياخ، اول ما ضربوهم جروا بيوتهم، جبانين، ما بعرفوا يصمدوا، و الله الحكومة دي لو كانت في اي بلد تانية سنة واحدة ما تقعد، هنا تقعد خمسة و عشرين سنة لو ما الشعب جبان !!! هم فروا من العسكر و الرصاص بعد ان جربوا المواجهة، منهم من بذل روحه فداء وطنه و فداء ان يأتي الخير اهله من بعده، هو ماذا فعل؟ هرب قبل ان ينازل الصعاب البسيطة التي يواجهها كل مواطن في حياته. هرب و قال انا لي بالدين. هم فروا لأنهم تفاجأوا، لأنهم ظنوا ان الجميع معهم لأن الشر قد عمَ الجميع ، ما كانو يعرفون انه متواكل عليهم لا متكل علي الله، و انه بدلا من ان يكون اضافة كان خصما علي المجموعة. ربما هناك اسباب تمنعه الخروج و لكن ماذا عن اضعف الايمان، ان يمسك يده و لسانه و يبقي علي قلبه ، علي الأقل كان عليه ان يكون ايجابيا يبث فيما حوله شيئا منها فيردونها له بمثل ما بث و احسن. العسكر ما كانوا اقوياء و لكن ضعفت المجموعة حين غاب هو حتي باضعف الايمان.

كيف نغيَر اوضاعنا للاحسن، و كيف نُحكم بما نرضي، كيف نزيح الظلم، و كيف لا ننقص و لا نضعف، و كيف نذهب وضعا لا نرضاه بقي معنا خمسة و عشرين عاما، و هناك اعداد مقدرة منَا تنسحب كل يوم للخيار الأقل جهدا. هذا نزف من المجتمع، من العمل العام، لكشف الهم العام.

هل تراهم يصدقون انفسهم، ام من كثرة ما اختفوا اصبحوا انفسهم لا يعرفون، لا يحاورون، لا يقلبونها فيحرثون، و يزرعون، و عندما يأتي اوان الحصاد لا يقبضون حتي الريح لأنها تكون قد سافرت بقشورهم التي استهلكوا ايامهم يجمعون فيها، فلا وقعت في صحن الضمير فحدثتهم انفسهم بها و لا هي نفعتهم حين حصد الاَخرون. و بالمناسبة من كان هجره الدنيا الي الدين صدقا فثوابه الي ذلك و من كان هروبه من دنيا لم يصبها، فهروبه الي ذلك.

احنا مرقنا … مرقنا … مرقنا، لا ضد من بعثروا ثرواتنا و نهبوها، فقبلهم لا بدَ ان نمرق ضد الهروب، ضد النزف، ضد الخوف من بذل الجهد، ان نمرق لا للهجوم و لكن للانتظار، انتظار من انسحبوا من المجموعة ان يعودوا اليها، لأنها بهم تقوي، فهم بها و لها. حينها سنحرس ما بقي من ثرواتنا، سنغيَر من حالنا الذي لا يسر، و نحسَن من عالمنا و بلدنا.

تعليق واحد

  1. ياسلام مقال راقي وعميق ومسئول لابد من مراجعة النفس ومحاسبتها لابد من التعاضدد والوقوف خلف القضيه بوعيي وشهامه

    بارك الله لكي اختي في قلمك وزادك وعيا سوف نقف من اليوم سندا للوطن بارجاع من دخلوا في كهوف الواتساب الي الفيسبوك والي الشارع لا لا لحكم العسكر لالا لحكم المؤتمر الوطني الفاشل الفاسد نعم لوطن يسع الجميع

  2. المقال ليس به جديد فهو محض انشاء اللهم الا محياك الجميل الذي يبعث في النفس بعض الراحة في هذا الزمن الاصطناعي الاجوف

  3. هذه مقالة بمثابة خطبة و هى فى مضمونها أهم و أعظم من خطبة ( لى حلم ) التى ألقاها مارتن لوثر كنج قبل خمسون عاما و صارت أيقونة الحرية – أنت عظيمة يا أستاذة و يجدر بنا أن نرفع لك القبعة تحية و تقديرا و أحتراما.

  4. احي فيك روح الجماعة اختي اماني و انا اول المحبطين و الهاربين من ضعف الحيلة و مقالك الرائع حرك جواي روح الانتصار باذن الله تعالي علي عصابة المؤتمر الوطني و لامس فيني اوتار النضال فانا اهب نفسي رخيصة فداء للوطن فدليني الي جماعة صالحة لاعمل معها علي اسقاط النظام فانا علي حيرة من امري اريد ان اكون ثوري ولا ادري ماذا اعمل اكثر من ان احث القليل من المواطنين السودانيين علي التمرد علي الحكومة و اخيرا مقالك روعة.

  5. ياسلام يااماني اصبت كبد الحقيقة الركون الي مايعتقد انه درب السلامة هو مااضاع كل شئ هذه السلبية المجتمعية هي التي اطالت ليل الظلم … الله يحفظك فانت تعيدي الامل لنا جميعا لان هذه البلاد قيها ناس لهم المقدرة التحليلية العميقةوانت احدهم .

  6. مقال في قمة الروعة…لكن للاسف سيذهب ادراج الرياح ..فلا حياة لمن تنادي ..والله المستعان…@

  7. اماني لك التحية والتجلة
    انا مارق مارق (ليس عن الجماعة) بل مع الجماعة احسبي واحد وخلينا ننسق لخطوات جادة
    كفانا جبن كفانا خوف ( سني على النضال ايدي … سوكي بالهتاف فمي )

  8. في الصميم يا بت ابو سلم المقال رائع مثل المقالين السابقين ، نفض المجتمع و الغربلة طريق الخلاص الحقيقي و طريق الرفعة ايضا

  9. اكثر من 35 سنة خدمة وترحال ماشفته واحده مثقفة ومنطقية وجميلة اكثر منك ان شاء الله روح الشعب تطلع لانه جيعان وسجمان ورمدان وجبان

  10. نعم الكلام ما قلت وأفصحت استاذة أماني ،،،لم تعد القضية في إسقاط النظام الآن ،،القضية الآن أن نعلن التمرد على هذا الخوف والإنكسار الذي عشعش في قلوب السودانيين .

    سلمت يمناك أيتها الأميرة الكوشية …

  11. لقد اصيت كبد الحقيقة اختى امانى …وللاسف فان ماغرسته الانفاذ تجنى ثماره الآن ..فما قامت به من تفكيك للشخصية السودانية وتحطيم لذات المواطن بمختلف التسميات التى ساقتها لتبرير ما سمته بالمشروع الحضارى …فنحن اليوم لسنا بنحن قيل ربع قرن بالتاكيد ..فانهيار القيم السودانية الاصيلة هو ما سعت اليه الانقاذ وتحقق لها وبالتالى هذا ما وصلنا اليه

  12. الاستاذة الكاتبة اماني

    انت تملكين قدرة جيدة على التعبير وتأتين بأفكار تستحق أن تقرأ وأن تناقش ولكن تكنيك الكتابة لديك يحتاج لمراجعة عاجلة. ضعي نفسك في مكان القارئ وسوف تكتشفين ما أنت بحاجةإليه. الانسياب وتوظيف أدوات وعلامات الكتابة شيئان مهمان.

    في انتظار الجديد.

  13. الاخت اماني لك التحيه.مقال جميل ناقش موضع الداء والناحيه النفسيه والاجماعيه المسببه للاحباط.نعم نحن محتاجون لزرع الروح وبناء جسم قومي وطني يتجاوز النادي الطائفي القديم والكهنوتيه المتواجده الان في الحكم . معركة الشعب السوداني اصبحت معركه مزدوجه وهي اقتلاع الكهنوت وقبر ارباب الاستعمار المتمثل في المهدي والميرغني.

  14. كلنا ركنا الااننا لا يهمنا من يحكمنا وانه لا علاقة لنا بالسياسة حتى اتت السياسة زاحفة كالافعى داخل حياتنا ولاكل عيشنا وارزاقنا (اي والله ) فقد اتت عصابة في شركة النيل للبترول وعملت بكل جهدها وبكل مالديها من سلطات ونفوذ لاقتلاع محطة خدمة البترول التي انشاءناها من مالنا الخاص ليحاولوا ان يتبعوهالاحدي النقابات العمالية لتبادل المنفعة وهل كان ممكن ان يحدث هذا لولا ان هذه الحكومة سمحت لدعاة التمكين ولمصلحة الحزب الحاكم ن يحدث فالفساد استشرى في كل المؤسسات والله المعين فلذلك لابد من الجميع ان يكون ايجابيا تجاه حياته السياسية حتى لايطرق الظلم بابه…

  15. ذكرى سبتمبر القادمة كفيلة بتجسيد مقالك هذا على أرض الواقع خصوصا ما أتيت به في آخر ثلاثة أسطر من مقالك،هذا ان لم نسبق الذكرى ونمحوا هؤلاء..
    لا تنسواء شهداء سبتمبر،ومن ماتو جوعا وخوفا وبالرصاص من دون أي ذنب بدارفور وكردفان،ومن شردوا وعذبوا،ومن اغتيلوا،ومن ضاعت حقوقهم فقط لأن القانون لم ينصفهم،وما اقترفناه نحن على ديننا الحنيف بجعل هؤلاء يتاجرون به كيفما شاؤوا..دين في رقبة كل سوداني حر شريف.

  16. فعلا انه لطرح جميل ولقد لمست فيه الابنة أماني كبد الحقيقة … وحتى لا نجحف حق البعض ممن طالهم هذا المقال برشاش : ألا تظنون أننا نفتقر الى التنظيمات والقيادات المتحدة الدافعة لعجلة التنوير والارشاد؟ لقد كان الخوف عاما في فترة من الفترات … ولما انكسر حاجزه وضحى الكثيرون بدمائهم وأنفسهم ماذا فعلنا لطمأنة من لم تطمئن قلوبهم ولاذوا بضعفهم وصمتهم وخنوعهم؟؟؟ ماذا فعلنا على الساحة الميدانية لرفع سقف الاحتجاجات ؟ لابد لنا من دعم و تخطيط وتنظيم وقيادات تعين الشعب في وثبته… لأن هذا الشعب لم يسبق له الانخراط في ميدان النضال لأنه جيل الانقاذ الذي شب وترعرع في ظل حكومة دكتاتورية فرضت عليه تربية بلا وطنية ودثرته بمنهج مجرد من الأخلاق والعرف والدين … اننا لا نساعدهم على الخنوع والسلبية ولكننا نأمل في مد يد العون لهم لأننا نشعر بأنهم شباب ضحية … وكان الله في عون جميع الأمة السودانية …

  17. مقال فريد في نوعه واسلوبه مميز جدا في مفرداته ومضمون محتواه وارتباطه بالواقع لوضعنا الذي لا يختلف فيه فيه اثنان بحيث تنعدم فيه روح الجماعه تماما ولو كنا جماعه لاحدثنا المفاجاءات بدل من ننتظرها من احد يمن بها علينا اي استسلام وانهزام عليكم بالله عيب علينا يا افراد وجماعات وفرق وطوائف الي متي هذا الهوان والذل اذا كان نحن امه باكملها تنتظر وتاخذ لا تقدم ولا تعطي ماذا نكون علي العالم .لكم الاجابه…؟

  18. اول شي الناس تمرق ضد الناس الانسحبو من الحكومة ودايرين يفلتو من العقاب وعلى راسهم شيخ علي ونافع وقوش وكل رموز المؤتمر الوطني وايقاع اشد العقوبات بهم .لازم يبقو عبرة لمن لايعتبر . مش كل واحد يجي يعزب الشعب السوداني يفلت من العقوبة لابد من عقوبات واضحة ننتقم فيها لبيوت الاشباح والقتل والسحن والاغتصاب وسرقة اموال السودان وشرف السودانيين ومكانتهم وترجع للازهان قوة وعزيمة وضراوة الرجل والمراءة السودانيين.
    الترابي اولهم صاحب الفتنة الكبرى في السودان ومهندسها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..