بعد سقوط المشروع الاخواني في مصر

ما تكشّف في نهاية المطاف أن مصر فاجأت الذين كانوا يدعمون هذا المشروع الاخواني بالمال والسلاح وعن طريق رجال دين نذروا حياتهم في خدمة التخلّف بكلّ انواعه.
بقلم: خيرالله خيرالله
اذا أخذنا في الاعتبار ما تعرّضت له مصر خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا في ظلّ حكم الاخوان وما فعلوه بالمؤسسات، يمكن القول أن اعجوبة حصلت فعلا. فعلى الرغم من كلّ الجهود التي بذلت من أجل تعطيل الحياة في مصر، وضرب الاجهزة الامنية خصوصا، كي يصبح البلد مباحا، بقيت مصر صامدة. أكثر من ذلك، سيكون لديها رئيس منتخب قريبا. هذا لا يعني رفض الاعتراف بأنّ مصر ما زالت تتعرّض الى اللحظة لهجمة كبيرة شملت، بين ما شملت، اغتيال شحصيات أمنية معيّنة وسلسلة من التفجيرات استهدفت مواقع حسّاسة ومواجهات مع قوّات الامن… وصولا الى خطف ديبلوماسيين لها في ليبيا.
كيف يمكن تفسير الحجم الضخم للهجمة على مصر؟ الجواب بكلّ بساطة أن المشروع الاخواني سقط في مصر. كان سقوط هذا المشروع فيها مؤشرا الى سقوطه في كلّ المنطقة. ولذلك نشهد حاليا هذا التركيز الاخواني على مصر وعلى شعبها وعلى كلّ مدينة مصرية…
ستزداد الحملة على مصر. انّها حملة الاخوان ومن يقفون خلفهم من عرب وغير عرب في الوقت ذاته.
هناك من خطف “ثورة الخامس والعشرين من يناير”. معروف من خطف الثورة ومن يحاول اعادة خطفها في ذكراها الثالثة. من خطف الثورة ومن يحاول اعادة خطفها هم الاخوان المسلمون الذين يسعون الى تسويق نفسهم على طريقة النظام السوري. فالنظام السوري الذي يدّعي علمانيته في سوريا ويدعم ميليشيا مذهبية في لبنان، هو نفسه الذي يدعم “داعش”، اي “القاعدة”. هذا النظام يخلق “ارهابيين” من أجل الظهور، أمام العالم، في مظهر من يحارب الارهاب والتطرف في المنطقة وداخل سوريا نفسها.
في مصر يتعمّد الاخوان اختلاق اسماء لمنظمات، مثل ” جماعة أنصار بيت المقدس” ثمّ يدّعون ان لا علاقة لهم بها، فيما تعلن هذه المنظمات مسؤوليتها عن التفجيرات وعن مهاجمة رجال الامن. هذه لعبة قديمة عفا عنها الزمن لم تعد تمرّ على المصريين، بل قد تمرّ على بعض من في ادارة اوباما، من الذين لا يعرفون شيئا عن حقيقة الاخوان، ولا يريدون أن يعرفوا شيئا عنهم.
ليس صدفة أن تدّعي تلك المنظمات، التي هي جزء لا يتجزّا من تنظيم الاخوان، مسؤوليتها عن هذا العمل الارهابي أو ذاك. كلّ ما هو مطلوب يتمثّل في تقديم الاخوان نفسهم بأنّهم يمثلون الاسلام المعتدل، في حين أن كلّ تطرف ولد من رحم هذا التنظيم. من أين بدأ أسامة بن لادن…ألم يبدأ من مدرسة الاخوان كاشفا في نهاية المطاف طبيعة هذه المدرسة وما تؤمن به حقيقة؟
فوجئ الاخوان بوعي الشعب المصري الذي نزل الى الشارع بالملايين في الثلاثين من حزيران- يونيو 2013 واسقط محمّد مرسي. فوجئوا أيضا بأن المؤسسة العسكرية كانت لهم بالمرصاد وأنه لا يمكن أن تتهاون مع خطف الثورة التي يتبيّن كلّ يوم انها كانت نتيجة صيغة تفاهم أمكن التوصل اليها يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني- يناير 2011 لتفادي ازهاق الدمّ.
حصل تفاهم على تنحي حسني مبارك عن الرئاسة بضغط من العسكر في مقابل اقامة حكم مدني فيه تعددية حزبية حقيقية وليس حكما يمكّن الاخوان من السيطرة على مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى.
اعتقد الاخوان أن في استطاعتهم التذاكي على المؤسسة العسكرية والتحايل عليها وعلى الشعب المصري الذي وقف خلف هذه المؤسسة بعدما تبيّن له ان هناك خطة مدروسة لنشر الفوضى في كلّ الاراضي المصرية. كانت العمليات الارهابية في سيناء جانبا من هذه الخطّة التي استهدفت، من بين ما استهدفت، الهاء الجيش المصري وجعله يخوض معارك مع مجموعات مسلّحة في سيناء تدعمها مباشرة “حماس” التي أقامت “أمارة اسلامية” على الطريقة الطالبانية في قطاع غزّة.
تعطي احداث الايام القليلة الماضية في مصر، خصوصا استهداف المراكز الامنية في القاهرة والمدن الكبيرة الاخرى، فكرة عن المدى الذي يمكن أن يذهب اليه الاخوان في مجال زعزعة الامن والاستقرار. أكثر من ذلك، تعطي طبيعة هذه الاعتداءات فكرة عن حجم التحديات التي تواجه مصر فضلا عن العداء الذي يكنّه لها أولئك الذين يعتبرون انفسهم متضررين من سقوط المشروع الاخواني من المحيط الى الخليج.
ما سقط في مصر لم يكن سقوطا للمشروع الاخواني فيها فقط. سقط أيضا المشروع الاخواني في تونس وليبيا واليمن وفي كلّ بقعة عربية أخرى، بما في ذلك الاردن حيث ملك شجاع اسمه عبدالله الثاني رفض، منذ البداية، ابتزاز الاخوان. سقط حتى في قطاع غزة حيث لا أفق سياسيا من أي نوع لحكم الاخوان عن طريق فرعهم الفلسطيني المسمّى “حماس”. هذا الفرع موجود في السلطة حاليا لأنّ اسرائيل تريد ذلك. فاسرائيل تعرف مدى الضرر الذي تلحقه “حماس” بالقضية الفلسطينية، كما انها على علم تام بالدور الذي تلعبه في مجال ايذاء المؤسسة العسكرية المصرية التي تحوّلت الى ضامن لوحدة مصر والمحافظة على تماسك المجتمع فيها.
ما تكشّف في نهاية المطاف أن مصر فاجأت الذين كانوا يدعمون هذا المشروع الاخواني بالمال والسلاح وعن طريق رجال دين نذروا حياتهم في خدمة التخلّف بكلّ انواعه. رجال الدين هؤلاء لا يجرأون حتى النظر الى المرآة خشية أن يروا بشاعتهم التي تحوّلت عقدة العقد بالنسبة الى كلّ منهم…
تبيّن في الوقت ذاته أنّ كلّ عربي دعم مصر في محنتها انّما هو رجل صادق مع نفسه ويدافع عن نفسه قبل كلّ شيء آخر. كذلك، هو يدافع عن امكان ايجاد فسحة أمل لمصر. فسحة الامل هذه يمكن أن تتيح للدولة العربية الاهمّ استعادة دورها على الصعيد الاقليمي، خصوصا في السودان وليبيا وفي دول المشرق، على رأسها سوريا ولبنان، حيث الغياب المصري، وحتى العربي، أكثر من واضح منذ فترة طويلة.
فوق ذلك كلّه، تبدو مصر التي حاولت ايران استمالتها واختراقها عبر الاخوان، المشروع العربي شبه الوحيد الذي يمكن الرهان عليه. يمكن الرهان عليه، لا لشيء سوى لأنّ مصر المعافاة تستطيع التأثير ايجابيا في كلّ بلد عربي.
ما تمرّ به مصر يعطي فكرة عن المخاض الذي تمرّ به المنطقة كلّها. فانقاذ مصر انقاذ للمنطقة، خصوصا أنّ أكثر ما يعاني منه العرب في هذه المرحلة هو الفراغ… في فترة لا تتحمّل الفراغ!
خيرالله خيرالله
ميدل ايست أونلاين
تسلم ياخير الله كل كلمه صح 100%