هل كانت أكتوبر ثورة أم حدث عابر ؟ا

هل كانت أكتوبر ثورة أم حدث عابر ؟

رشيد خالد إدريس موسي
[email protected]

أفاد الأستاذ / محمد حسنين هيكل, أن ما يجري في المنطقة العربية, ليس ربيعاً عربياً , و إنما هو ( سايكس ? بيكو ) علي نحو آخر, إذ أعدت السيناريوهات لتقسيم العالم العربي علي نحو جديد, من قبل القوي الغربية و ذلك بهدف وضع اليد علي ثروات هذه المنطقة و علي رأسها البترول . و رغم صحة قوله هذا من بعض الوجوه , إلا أن ما يحدث في المنطقة, هو ربيع عربي و فجر جديد, في حياة هذه الأمة التي عاشت في ظل الكبت و الطغيان لسنين عديدة, حيث إنعدمت الحرية و عشعش الفساد. في الربيع تصحو السماء و تتفتح الأزاهير و ينمو الحب بين الناس. و بإسقاط هذا المعني علي حياتنا السياسية, فإن هذه الصحوة ستعمل دون شك علي تبديد الغيوم التي تلبد سماءنا و ستنقشع هذه الغيوم السود و يتنفس الناس الصعداء و يتنسمون عبير الحرية و يبتسمون إبتسامة الرضا , رغم ما حدث من قتل و تخريب. هذا ثمن الحرية.
و في بلادنا عشنا هذه التجربة لأول مرة في أكتوبر عام 1964م, حين هب الشعب السوداني و إقتلع النظام العسكري الديكتاتوري من جذوره و تنفس الشعب الصعداء. لم تسيل الدماء و يحدث الخراب, مثلما نراه حولنا من أحداث, يندي لها الجبين, ذلك أن السودانيين بطبعهم مسالمين وواعين. اللهم إلا من نفر عزيزين, كان قدرهم أن يكونوا مهراً لهذه الثورة. كان علي رأسهم الشهيد/ أحمد القرشي, و نحسبهم عند الله شهداء.
كنت صغيراً في السادسة حين قامت أكتوبر 21, أي لم أدري شيئاً عن هذا الحدث وقتها. لكني أذكر حديث الناس و تعليقهم علي هذا الحدث و ما كان يعتمل في نفوسهم من فرح لهذا النصر الذي كان.
و بمناسبة ذكري أكتوبر 21, يثور السؤال : هل كانت أكتوبر ثورة أم حدث عابر ؟
تعني الثورة الإنقلاب علي الوضع القائم و إنشاء وضع جديد, تتحقق فيه الشعارات التي رفعتها الجماهير و طالبت بالإصلاح ؟ لكن هل تحقق شئي من الشعارات التي رفعتها الجماهير في أكتوبر ؟ لم يحدث شئي من هذا للأسف و الشئي الوحيد الذي أنجز , هو تطهير الخدمة المدنية ممن عدوهم فاسدين و عملاء للحكم العسكري الذي كان قائماً, قبل إكتوبر. كان يعني شعار التطهير , الذي طبق في أكتوبر, أن هناك فساد حدث في البلد , لابد من إجتثاثه. لكن تم تطبيق التطهير علي نحو خاطئي و ظالم, إذ أفرغت الخدمة المدنية من العناصر ذات الكفاءة و كان الدافع الشخصي بادياً. لقد أرسي ما حدث في أكتوبر من تطهير, أرسي لسياسة القمع الإداري, و هو ما سموه تلطفاً بعد حين بالصالح العام. و هو شعار في ظاهره الرحمة لكن في باطنه العذاب, إذ تم إستغلال هذه السياسة إستغلالاً خاطئاً بهدف الكيد الشخصي و الإنتقام و أصبح شعار الصالح العام وسيلة لتصفية الحسابات بين الخصوم. بذا أفرغ هذا الشعار من محتواه و أضيف إلي العلل التي تعاني منها العملية السياسية في بلادنا. لقد شرب الذين مارسوا التطهير في أكتوبر 21, من نفس الكأس التي سقوها للآخرين, إذ حدث ما حدث من طرد و إحلال, بإسم التمكين في عهد الإنقاذ الحالي. و هذا من الأخطاء و هو ما تحصد البلد نتيجته الآن.
لا يصح أن نمارس التعتيم و نلوي عنق الحقيقة و نتجادل طوال هذه السنين, و نتساءل , هل كانت أكتوبر ثورة أم لا, و لا يصح أن نتجادل حول من مارس التطهير و من أجهض أكتوبر, لتدور عقارب الساعة إلي الوراء و نظل ندور في حلقة مفرغة.
كانت أكتوبر ثورة شعبية و أعقبتها في أبريل 1985م, إنتفاضة شعبية, أطاحتا بحكمين عسكريين. لكنا لم نستفد من الدرس و من التجربة و لم نمشي في طريق الثورة إلي نهايته , فالثورة عملية ممتدة في الزمن. ما السبب؟
علينا أن نعمل علي البحث عن السبب أو الأسباب التي عملت علي إجهاض هذه التجربة , و ذلك من أجل تأسيس حكم راشد, قوامه الطهر و العدل. دون هذا , سيسطو أصحاب المصالح غداً علي الحكم و يديرون البلد لمصلحتهم و كأنها ضيعة خاصة بهم.
واجبنا أن نتوفر علي البحث العلمي الجاد, لنعرف أين تكمن العلة. هذه مهمة المثقف الحقيقي , أو المثقف العضوي كما سماه المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي. و المثقف العضوي هو من يمارس البراكسية Praxis , كما أشار غرامشي. و تعني ممارسة الثقافة نقداً و فعلاً, بدل من هذه الحكاوي المكرورة, التي يرددها البعض كلما حلت مناسبة وطنية. لن ينتج عن هذه الحكاوي شئي مفيد.

تعليق واحد

  1. ما يحدث في الوطن العربي ليس بثورات كما ذكر حسنين هيكل , وانما تحريك للخلايا النائمة ( أخوان مسلمون وتنظيم القاعدة ) لتدمير الوطن العربي …..وما تصدقوا قناة الجزيرة التافهة ….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..