جنوب السودان والفوضى

محمد خليفة

دعا رؤساء الهيئة العامة للتنمية في شرق إفريقيا (الإيقاد) خلال اجتماع طارئ، يوم السبت الماضي، إلى نشر مراقبين لتنفيذ وقف الأعمال العدائية بين القوات الحكومية في جنوب السودان والمسلحين الذين يقاتلونها بقيادة رياك مشار نائب الرئيس السابق . وكان مجلس الأمن قد أشاد باتفاق وقف النار مع حكومة السودان . وجاء هذا الاتفاق بعد أن وقعت الواقعة في دولة جنوب السودان واقتتل الأخوة الأعداء الذين اجتمعوا في الماضي ضد حكومة الخرطوم، واتضح أن هذه الدولة لن تعبر بسلام إلى شاطئ الأمن والاستقرار، لأنها دولة ولدت من رحم حرب أهلية دامت أكثر من أربعين عاماً، كان لما يسمى “الحركة الشعبية” مركز الصدارة فيها، لكن شعب الجنوب ليس على قلب رجل واحد، ولا تجمعهم هموم واحدة، فالانقسامات هائلة بينهم، سواء أكانت انقسامات دينية أم عرقية، أم قبلية . فنحو 40 في المئة من سكان الجنوب من الوثنيين الطوطميين، ونحو 35 في المئة منهم من المسيحيين الإنجيليين، والباقي من العرب والمسلمين، وإضافة إلى ذلك هناك قبائل ذات خلفيات إثنية متعددة أهمها “الدينكا”، التي ينتمي إليها الرئيس سيلفا كير ميارديت، والنوير التي ينتمي إليها خصمه رياك مشار، والشلك التي ينتمي إليها لام أكول .

ومنذ استقلال الجنوب عن الوطن الأم السودان، تولت الحركة الشعبية السلطة في الجنوب، وحاولت أن تحكم بقبضة حديدية، فاعتمدت العقل الاستخباراتي في قمع الخصوم والمخالفين، وأهملت موضوع التنمية، وفي ظل هذه الأجواء يجد الفاسدون والمرتشون مرتعاً خصباً للفساد والإفساد . وبالتالي فوجئ الطامحون والآملون في مستقبل مشرق لبلادهم، وخاصة بعد اكتشاف النفط في الجنوب، بأن حلم الاستقلال قد تحول إلى كابوس، يقض مضاجع معظم الجنوبيين .

وكان رياك مشار ومعاونه لام أكول، وهو أحد زعماء قبيلة “الشلك” قد انشقا عن الحركة الشعبية عام ،1992 بسبب السيطرة المطلقة لزعيم الحركة السابق جون قرنق وفريقه، لكن الرجلين لم ينسحبا من الحياة السياسية، بل ظلا ينشطان في الساحة الجنوبية . وعندما تحقق الاستقلال وتولى حزب الحركة الشعبية السلطة، وأصبح للدينكا الكلمة العليا في دولة الجنوب، تحركت العواطف الإثنية والدينية لترسم مصير هذا الوليد الجديد، فقد بدأ رياك مشار يجهز نفسه للانقضاض على الحكم، خاصة أن السلاح متوافر بكثرة في أيدي الجنوبيين منذ الحرب مع الشمال . وفجأة بدأ الهجوم وتمت السيطرة على مدينتي “بور” و”أكوبو”، الأمر الذي دفع الحكومة الأوغندية إلى إرسال جيشها إلى العاصمة جوبا، لمنع سقوطها بيد مشار، لكن الحرب، وقد وقعت، وهي ستمضي في مسارها، حيث من المتوقع أن ينفجر الوضع في الجنوب بشكل كامل، لتصطدم القبائل، والمجموعات الدينية، والعرقية ببعضها بعضاً، خاصة أن اللاعبين في الجنوب منذ الحرب مع الشمال، وبعد تقرير المصير، لا يزالون يرسمون الخطط، ويحيكون المؤامرات، لتفتيت السودان ككل، شماله وجنوبه .

إن الخطيئة الكبرى كانت في إعطاء الجنوبيين استقلالهم، وبغض النظر عن صواب أو عدم صواب الرؤية السودانية تجاه مشكلة الجنوب، فإنه كان ينبغي الدفاع عن أراضي السودان الموحد حتى آخر رمق، وعدم السماح بتقسيمه إلى دولتين، ومهما كانت الضغوط الغربية والدولية التي مورست . لأن الخاسر الأكبر من التقسيم هم العرب عموماً، والعرب في مصر والسودان خصوصاً . لأننا إذا أمعنا النظر سنجد أن منابع النيل الرئيسية تمر عبر أراضي الجنوب باتجاه مصر إلى الشمال، وبالتالى فإنّ المتضرر الأكبر من انفصال الجنوب السودان، لن يكون الشمال وحده، بل ستتضرر مصر كذلك بشكل كبير، فالأمن المائي هو قضية محورية بالنسبة للشعب المصري، ولولا نهر النيل لما قامت في مصر حضارة عبر التاريخ، ولما أطلق هيردوت المؤرخ الشهير قولته “مصر هبة النيل” .

أما وقد سبق السيف العزل، فإن على العرب عموماً، وعلى أشقائنا في مصر خصوصاً أن يدركوا ما قد يترتب على تقسيم الجنوب من مخاطر، وألا يلدغوا من الجحر نفسه مرتين . خاصة أن قيام دولة الجنوب كان حلقة ضمن مخطط يهدف إلى تقويض العروبة والإسلام في إفريقيا، وخلق إطار واسع من القوميات المتنازعة وبما يخدم المشاريع الغربية و”الإسرائيلية” في المنطقة . ولعل هنا تكمن الخطورة، وللأسف، فإن الجامعة العربية غائبة تماماً عما حدث ويحدث في السودان وكأن الأمر لا يعني العرب .

ويبدو من الواضح أن جنوب السودان المستقل قد دخل ضمن عمليات إعادة الفك والتركيب الجيوستراتيجي التي لا تزال تتعرض لها منطقة شرق إفريقيا في مرحلة ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر، حيث تشمل إقامة نظم ذات توجهات علمانية غير عروبية، موالية للغرب . وفي الوقت نفسه تدعيم وتقوية تحالفات هذه الدول الاستراتيجية ب”إسرائيل” . على أن تظل القيادة غير عربية وغير إسلامية، حيث يتم إعطاؤها لإثيوبيا -التي لعبت دوراً كبيراً، خاصة كنيستها، في دعم استقلال الجنوب- والتي ينظر إليها الغربيون على أنها جزيرة مسيحية وسط بحر إسلامي في المنطقة .
وإذا أخذنا في الاعتبار، كذلك، أن الدول العربية في الشمال الإفريقي هي جزء أصيل من مشروع الشرق الأوسط الكبير، وفقاً للرؤية الأمريكية، لاتضحت لنا أبعاد عملية إعادة صياغة المنطقة أمريكياً وغربياً . فهل ينتبه العرب لما يحاك لهم في الخفاء؟

الخليج

تعليق واحد

  1. بارك الله فيك وليت متخذي القرار يدركون ابعاد هذه القضية التي تناولتها بتحليل مهني و علمى صادق

  2. الكاتب الكريم
    الحرية التي نالها شعبنا في الجنوب لم تكن هبة من السودان او العرب ، إنما نتيجة نضال طويل لأكثر من 5 عقود فيها دفع الشعب الجنوبي البطل ملايين الأنفس .
    ما يحدث اليوم و رغم الحزن الكبير قد حدث للكثير من الامم و الشعوب من قبل

    غداً سيتصالح الشعب الجنوبي و قادة الجنوب لفتح صفحة جديدة في هذه الحياة

    لا خطر يأتي على العرب من دولة جنوب السودان ، على الأخوة العرب ان يبحثوا عن أعداءهم في ايران او اسرائيل او غيرهما

    السلام و التنمية في طريقهما الي دولة جنوب السودان، فقط نناشد إخوتنا العرب ان يساهموا في مشاريع البنية التحية و في الزراعة ، و ذلك لأجل غد افضل للجميع .

    دولة جنوب السودان و منذ اليوم الاول لميلادها أعلنت حيادها تجاه النزاع العربي الاسرائيلي لكنها أكدت حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة و التي تعيش في سلام مع الدولة العبرية .
    و كان لتصويت دولة جنوب السودان لصالح الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة اكبر دليل على أخلاقية موقف الشعب الجنوبي تجاه القضية الفلسطينية .

    كانت حكومة الجنوب تدرك حجم المكاسب التي قد تتلقى اذا ما صوتت ضد القرار الأممي او حتى امتنعت لكن الأخلاق وحدها جعلت دولة الجنوب تصوت لصالح الفلسطينيين .

    لن يضحي الشعب الجنوبي بأكثر من عشرين دولة حيوية من اجل دولة واحدة ، لذا التزام الحياد الإيجابي .

    لن تكون دولة جنوب السودان مصدر تهديد لأي كيان عربي او غير عربي.

    السلام في طريقه الي الشعب الجنوبي

  3. استقلال شعب جنوب السودان جاء بعد حرب ضروس وسنين طويلة من النضال والكفاح في احراش وادغال الجنوب وقيادات صامدة وصلبة بقيادة المفكر والزعيم الراحل جون قرنق ديمبيور ومن معه من القيادات الصلبة منهم من استشهد ومنهم من باقي في الحركة الشعبية يواصل العطاء بتجرد …. ولكن هناك من الانتهازيين والمخربيين الذين ليس لهم تاريخ نضالي يحاولون شق الصف وابعاد المؤسسين للحركة بمعاونة كوادر انتهازية داخل الحركة ….. اننا نناشد الرئيس سلفاكير و المجتمع الدولي الى التدخل لوقف معانات شعب الجنوب من ويلات الحروب واطلاق سراح المعتقلين وعلى راسهم الامين العام للحركة الشعبية المناضل باقان اموم .. وتبني سياسة المصالحة العامة واالدخول في اصلاح سياسي حقيقي بمشاركة القيادات الفعلية والامين العام للحركة الشعبية حتى ينعم شعب الجنوب بالامن والسلام والاتجاه بالاهتمام بالتنمية والموارد الحقيقية وتنشيط الطاقات البشرية لتنمية الدولة

  4. امثال عمر البشير و عبدالرحيم العوير لا يستطيعون حماية حدود العرب و لا يمكنهم ان يقدموا للاسلام و المسلمين الا الموت و الدمار كما حدث في دارفور و ما ادراكما دارفور _____ اكثر من يحفظون القران في السودان و من يتلونه في مساجد السودان و غيره هم من دارفور و لم يستطيع عمر البشير و زمرته الا ان يمطروهم بالنار و الرصاص و يهدموا المسجد فوق رؤوسهم ____ فانفصال الجنوب تم لعدم وجود الحكمة و الشجاعة ____ و سوف تنفصل دارفور و غيرها بأذن الله اذا استمرت هذه العصابة في الحكم.

  5. بارك الله فيك وليت متخذي القرار يدركون ابعاد هذه القضية التي تناولتها بتحليل مهني و علمى صادق

  6. الكاتب الكريم
    الحرية التي نالها شعبنا في الجنوب لم تكن هبة من السودان او العرب ، إنما نتيجة نضال طويل لأكثر من 5 عقود فيها دفع الشعب الجنوبي البطل ملايين الأنفس .
    ما يحدث اليوم و رغم الحزن الكبير قد حدث للكثير من الامم و الشعوب من قبل

    غداً سيتصالح الشعب الجنوبي و قادة الجنوب لفتح صفحة جديدة في هذه الحياة

    لا خطر يأتي على العرب من دولة جنوب السودان ، على الأخوة العرب ان يبحثوا عن أعداءهم في ايران او اسرائيل او غيرهما

    السلام و التنمية في طريقهما الي دولة جنوب السودان، فقط نناشد إخوتنا العرب ان يساهموا في مشاريع البنية التحية و في الزراعة ، و ذلك لأجل غد افضل للجميع .

    دولة جنوب السودان و منذ اليوم الاول لميلادها أعلنت حيادها تجاه النزاع العربي الاسرائيلي لكنها أكدت حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة و التي تعيش في سلام مع الدولة العبرية .
    و كان لتصويت دولة جنوب السودان لصالح الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة اكبر دليل على أخلاقية موقف الشعب الجنوبي تجاه القضية الفلسطينية .

    كانت حكومة الجنوب تدرك حجم المكاسب التي قد تتلقى اذا ما صوتت ضد القرار الأممي او حتى امتنعت لكن الأخلاق وحدها جعلت دولة الجنوب تصوت لصالح الفلسطينيين .

    لن يضحي الشعب الجنوبي بأكثر من عشرين دولة حيوية من اجل دولة واحدة ، لذا التزام الحياد الإيجابي .

    لن تكون دولة جنوب السودان مصدر تهديد لأي كيان عربي او غير عربي.

    السلام في طريقه الي الشعب الجنوبي

  7. استقلال شعب جنوب السودان جاء بعد حرب ضروس وسنين طويلة من النضال والكفاح في احراش وادغال الجنوب وقيادات صامدة وصلبة بقيادة المفكر والزعيم الراحل جون قرنق ديمبيور ومن معه من القيادات الصلبة منهم من استشهد ومنهم من باقي في الحركة الشعبية يواصل العطاء بتجرد …. ولكن هناك من الانتهازيين والمخربيين الذين ليس لهم تاريخ نضالي يحاولون شق الصف وابعاد المؤسسين للحركة بمعاونة كوادر انتهازية داخل الحركة ….. اننا نناشد الرئيس سلفاكير و المجتمع الدولي الى التدخل لوقف معانات شعب الجنوب من ويلات الحروب واطلاق سراح المعتقلين وعلى راسهم الامين العام للحركة الشعبية المناضل باقان اموم .. وتبني سياسة المصالحة العامة واالدخول في اصلاح سياسي حقيقي بمشاركة القيادات الفعلية والامين العام للحركة الشعبية حتى ينعم شعب الجنوب بالامن والسلام والاتجاه بالاهتمام بالتنمية والموارد الحقيقية وتنشيط الطاقات البشرية لتنمية الدولة

  8. امثال عمر البشير و عبدالرحيم العوير لا يستطيعون حماية حدود العرب و لا يمكنهم ان يقدموا للاسلام و المسلمين الا الموت و الدمار كما حدث في دارفور و ما ادراكما دارفور _____ اكثر من يحفظون القران في السودان و من يتلونه في مساجد السودان و غيره هم من دارفور و لم يستطيع عمر البشير و زمرته الا ان يمطروهم بالنار و الرصاص و يهدموا المسجد فوق رؤوسهم ____ فانفصال الجنوب تم لعدم وجود الحكمة و الشجاعة ____ و سوف تنفصل دارفور و غيرها بأذن الله اذا استمرت هذه العصابة في الحكم.

  9. مشكلة العرب الكبري هي إستعراض جهلهم بالكتابة عما لا يفقهون فيه مثقال ذرة. يا أخي محمد الجنوب ناضل قرابة ال 50 عاما ولم يأتي إستقلاله كهبة من أحد.

    “خاصة أن قيام دولة الجنوب كان حلقة ضمن مخطط يهدف إلى تقويض العروبة والإسلام في إفريقيا”. جملتك هذه ترددها كالببغاء دون أن تقدم الأدلة الكافية، فلا السودان مهبط الإسلام ولا مواطنو جنوب السودان قريشا حتي يعيقوا تقدم الإسلام. ما تجهله أنت هو أن الذي أعاق تقدم الإسلام في جنوب السودان (دعك من أفريقيا) هم مدّعي العروبة والإسلام في السودان تارة بالجهاد ضد الجنوبيين وتارة أخري بإستخدام الإغاثة لأسلمة المعوزين الذين سكنوا في أطراف الخرطوم. 90% ممن أسلم من السودانيين الجنوبيين إبّان نزوحهم في الشمال قد عادوا إلي ديانتهم السابقة وذلك لأنهم نطقوا بالشهادتين تحت الحاجة.

    أرجو أن تطلع علي كثير من الحقائق قبل أن تقفز إلي تسطيح ما هو معقد.

  10. يا (محمد خليفة) كراني… هذا نامونا شكل آخر..إنت ما في معلوم رفيق..خليك في مكان مال إنت معلوم…

  11. يا ايها الكاتب انت تومن بنظرية المؤامرة وتنتقص الاخرين ان ينعموا بحقوقهم دون العرب فى السودان
    كفاية الفينا ما تتحشر
    عرب افارقا وغيرهما سوان وطنهم86

  12. القارئ للصحافة الغربية يﻻحظ الاتفاق حول مستقبل الجنوب السياسي والاقتصادي والاجتماعي. حيث توافقوا في تحليﻻتهم الى النهية المظلمة للدولة الوليدة والتي يمثل فيها الانتماء الى القبيلة العامل الرئيس.لقد تحمل شمال السودان هذا العبئ لنصف قرن عاى حساب تنميته وتقدمه.والسﻻم في الجنوب قد ﻻيخدم غرض ايجابي للشمال. وقد رأينا كيف انه في فترات الاستقرار في الجنوب يتم استغﻻلها لزعزعة استقرار الشمال. ﻻ اتوقع نهاية الاحزان قريبا على شعب الجنوب في ظل المعطيات السياسية الراهنة .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..