بنطون سنجة.. عقود من مرافقة الحيتان ونقل الإنسان

سنجة ? محمد عبد الباقي
تصوير- مبارك حتة
الصداقة وحدها هي التي جعلت (عباس الأمين) الطالب الجامعي والمولود في دولة عربية جارة، يشد الرحال مع صديقه (منتصر التوم) لزيارة قريته التي ترقد على الضفة الشرقية للنيل الأزرق بولاية سنار، ليجد نفسه وجهاً لوجه مع بنطون سنجة الشهير.
و(عباس الأمين) الذي كان يظن أن الكباري التي كثر الحديث عنها مؤخراً وزعت بالتساوي على امتداد مجري النيل، اعتقد عندما ركب البنطون لأول مرة أن صديقه أراد أن يأخذه فى رحلة نيلية قبل الذهاب للقرية، لكن دهشته بلغت مداها عندما علم أن هذه هي وسيلة النقل الوحيدة التي تتحدى عنفوان النيل الأزرق وتعبر على كبريائه لتربط شرق الولاية بغربها منذ عقود وما زالت.
*صدمة مباغتة
رغم أن (عباس الأمين) حاول إخفاء صدمته من منظر النساء والأطفال والرجال على حداً سواء، وهم يهمون بركوب البنطون الذي ظل جاثماً على صدر النيل منذ أكثر من خمسة عقود، وهو يمخر عبابه شرقاً وغرباً دون اكتراث لغضبه المشهود خلال أشهر الخريف، ولكن دهشة (عباس) بلغت حداً كادت مقلتاه تخرج عن مآقيهما حين أخبره صديقه (منتصر) أن سكان عشرات القرى الواقعة شرق النيل الأزرق بمحليتي شرق سنار والسوكي يستخدمون البنطون في الولاية التي شيدت على أنقاض مملكة مشهودة امتد عمرها لمئات السنين، وتوسعت حتى حدود السودان الشمالية، وعاصرت ممالك مشهودة حينها وبعد سقوطها قامت عشرات الأحلاف التي كانت بين ملوك وسلاطين حكموا تلك البقاع لسنوات تطاول أمدها.
تضاعفت دهشة (عباس) عندما علم أن هناك حوادث مميتة حدثت خلال الأعوام الماضية، راح ضحيتها نساء وأطفال وشيوخ وكان المتهم الرئيس فيها هذا البنطون على سلامة مقصده.
وبهذا تحمل الضحايا على كثرتهم مسؤولية موتهم غرقاً لأن المتهم ? البنطون- كان حسن النية والسريرة، ولم يكن يعمد إلى إيذاء الناس ولكن الأمواج العاتية والطبيعية القاسية كانت تجبره على ارتكاب الفظائع.
*مهمة إشباع شبق المدينة وتجويعها
وبنطون سنجة الذي نال شهرته باعتباره ثالث ثلاثة أولهم بنطون الدويم بالنيل الأبيض وثانيهم بنطون كريمة بالشمالية، ظل يعمل بين ضفتي النيل الأزرق منذ تاريخ لم يستطع (مليح عبدالله) وهو أطول ركاب البنطون عمراً أن يتذكر تاريخ ظهوره على ضفاف النيل، ولكنه توقع أن يكون عمره أكثر من ستين عاماً، لأنه بحسب وصفه أنه ومنذ أن رأت عيناه النور وجده يفرغ أحشاء المدينة في عشرات القرى بالضفة الشرقية في تفانٍ وإخلاص دون أن يركن يوماً أو يتمرد، ومن ثم يملأ أمعاءها مجدداً من ذات القرى بالناس والمحاصيل والفاكهة، ويمخر عباب النيل عائداً لمدينة سنجة التي يمثل حلقة الوصل بينها وقرى مينا، ووحلة، ود فور، وود سعيد، والقوز وأكثر من مئة قرية أخرى.
أمنيات بتقاعد ومنح الوسام
(أيمن مستور) من سكان إحدى قرى محلية السوكي، تمنى لو أن الجهات المختصة بالولاية منحت البنطون بعد هذا العمر الطويل وسام الخدمة الممتازة وأحالته للتقاعد عاجلاً بعد أن ظل يقدم خدمة جليلة لشرق ولاية سنار وباعتباره يمثل المنفذ الوحيد الذي يربط بين سنار وسنجة، وبقية المناطق الشرقية من السوكي وحتى محمية الدندر، لكن بعد افتتاح الكبرى الذي يربط بين سنجة ومدينة الدندر فى عام 1990م خف الضغط على البنطون، فأصبح عدد السكان الذين يستخدمون البنطون هم فقط سكان محليتين.
وأضاف “أيمن مستور” أن الكثيرين ينظرون إلى البنطون باعتباره من مخلفات العصور الماضية التي صارت مثل الوشم في وجه القرن الواحد والعشرين، إلا إننا في ولاية سنار لدينا إحساس بالدور المتعاظم الذي قام به طيلة فترة خدمته لسكان الولاية وزوارها، ولذا ننظر إليه كواحد من معالمنا التي يجب أن نحافظ عليها.
الفلكات رفيق وقت الشدة
نحو ثلاث فلكات تقريباً تعمل بجانب البنطون منذ عشرات السنين تتقاسم معه الفضل وتقف بشدة بجانبه، لتعينه على نقل عشرات الأنفس بين القرى والمدينة التي تعد عاصمة الولاية رغم أنها تفتقر لكل شيء في وقتها الراهن..

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. سنار وسنجه هما من اعرق المدن السودانيه .. وبهما جمال لايضاهى وبشاشه الاهل والطيبه والتقابه ف مسيد الاشراف ف مدينه كركوج الشريف محمد الامين . ودونتاي تلكم القريه الجميييله جدا والتي تقع ع ضفه النيل الازرق … ربي احفظ هذا البلدامنا رخيا يارب العالمين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..