مقالات سياسية

انهيار دولة الأُسطَوات !!

* مع الانهيار العام فى البلاد، انهارت دولة الصنايعية التى تأسست على يديها الماهرتين البنية التحتية المتينة للسودان الحديث تحت اشراف الانجليز، كما اسهمت بشكل كبير فى بناء وتطور دول الخليج، وكان صنايعية السودان، خريجو المدرسة الانجليزية والذين تعلموا على ايدى الانجليز ثم علموا اجيالا بعدهم ونقلوا اليها خبراتهم ومهاراتهم ودقتهم وجديتهم وصرامتهم مفخرة حقيقية للسودان وتاج مرصع بالنجوم على رؤوس كل السودانيين .. !!

* لم يكن هنالك صنايعى واحد إلا ما ندر، لا يتقن صنعته، أو لا يحترم مواعيده .. الترزى ترزى بجد، النجار نجار بحق وحقيقة، والميكانيكى يُوزن عقله ويداه بميزان الذهب، والكهربائى والسباك والبنّا ..إلخ، كلهم كانوا أُسطوَات، عندما كان لكلمة الاسطى ألف حساب وألف احترام !!

* وكنا رغم نكسات الحكم والسياسة والانقلابات العسكرية التى أفسدت بلادنا المنكوبة والمنكوسة بساستها وعساكرها المغامرين، ما زلنا نأمل ونحلم ببناء السودان الحديث المتطور، فلدينا من يقود عملية التطوير جنبا الى جنب مع الخبراء والمهنيين والمتخصصين، وهم الأسطوات، حيث لا نمو ولا تطور ولا تقدم بدون أسطوات أو (عمال مهرة) يقودون العمل بكفاءة واقتدار ويصنعون المعجزات بأياديهم الماهرة، وأمخاخهم النظيفة التى تحرك الايدى باتساق واتزان فى المكان المناسب والوقت المناسب لتحوّل قطعة الخشب أو الحديد أو الطين الميتة الى كائن يضج بالحياة، أو هكذا يراه الناظر فيصيح من الاعجاب، أو تعيد الروح الى ما بلىً ومات !!
* كان الأمل حيا عندما كانت دولة الأسطوات راسخة ومتجددة، ومترابطة الأجيال، وكانت المصانع والورش مدورة، وكانت الدولة ترعى التعليم الفنى فى كافة مراحله وتقدم له التشجيع والدعم، وكانت المدارس والمعاهد الفنية ترفد سوق العمل بالفنيين الذين سريعا ما يكتسبون الخبرة والمهارة وأسس العمل الجماعى والقيادة، فتتصل المسيرة وتمضى الى الأمام !!

* ثم بدأ كل شئ يتغير مع ألاعيب الساسة وحلفائهم من العسكريين المغامرين، خاصة فى حقبة (الانقاذ) التى كانت وبالا على البلد والشعب، وكان أول ما فعلته أن ألغت بجرة قلم فاسد معظم المواقع التى كانت تضم العمال المهرة والاسطوات، مثل مصلحة النقل الميكانيكى ووزارة الاشغال ومصلحة المخازن والمهمات ومصلحة النقل النهرى، ودمرت السكة حديد وهيئة الخطوط البحرية ومشروع الجزيرة ..إلخ، وشردت الكفاءات من العمال العاملين، وعبثت بالاقتصاد الوطنى فانهارت الصناعة والزراعة وأغلقت الكثير من المصانع والورش والمزارع أبوابها وتشرد العمال المهرة وانقطع تواصل الأجيال، وكانت القشة التى قصمت ظهر البعير الاهمال والتحقير المتعمد للتعليم الفنى، فانهارت أو اندثرت معظم المدارس والمعاهد الفنية، ولم يعد أحد يرغب فى الإلتحاق بما بقى منها على قيد الحياة، وهاجر من هاجر وتقاعد من تقاعد ومات من مات من أصحاب المهارة والخبرة، وشيئا فشيئا انهارت دولة الإسطوات !!

* الآن صار من المستحيل أن تعثر على (أسطى) أو صنايعى ماهر، وإن وُجد اليوم فهو غدا داخل طائرة تطير به الى الخليج أو فوق سطح مركب تعبر به البحر المتوسط الى اوروبا أو تُلقى به فى قاع البحر لتأكله أسماك القرش هربا من السودان وذل السودان .. فكيف سنبنى السودان ؟!

الجريدة

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. في خزان خشم القربه كان يوجد كهربائي عمل مع الطليان الذين بنو الخزان وبعد ذلك عمل في الخزان وكان يعرف شبكة الكهرباء الداخله والخارجه من الخزان شبراً شبراً بمعرفة دقيقة لمن تكن تتوفر لكبار مهندسي الكهرباء. وكان كلما حدث عطل يتصدى له كمال ميرغني وكان هذا أسمه حتى تعود الشبكة للعمل. بعد نزوله للمعاش حدثت كثير من الأعطال التي حيرت كل المهندسين فما كان منهم إلا الذهاب “للمهندس” كمال إلي قريته فرس في حلفا الجديدة وإحضاره من وسط حواشته ليقوم في سويعات بإصلاح ما حاوله المهندسون لأيام دون جدوى. لا أعرف أين هي تلك العبقرية الآن.

  2. عزيزي د/ زهير السراج اطلب منك صادقا كتحليل اولا عن محنة النقابات في السودان ويدها في عدم الاستقرار وثانيا ارجو منك صادقا ان تهمس في اذن احد المحررين ان يعمل تحقيق وزيارة لمعهد ود المقبول للحفريات الذي مات من دونه الشهيد شريف وكان يرعاه بعيونه واذكر في قمة ازمة الفيز في الخليج جاءني مهندس عربي يطلب مني ان اعطيه اسماء 13 مهندس من خريجي ود المقبول وانه علي استعداد لاستخراج الفيز في غضون يومين وانه سيعطيهم مكانة كبيرة وحواز وتسهيلات لاغرائهم قائلا (لقد اثبتوا كفاءة منقطعة النظير وانه لا يعلي عليهم في اي تخصص كانوا سواء في الحفريات او المياة او الهندسة عموما واننا ساويناهم بخريجي الجامعات ) واقولك موقعه في بحري في الكدرو وكبير الظن ان ارضه صادروها واصبحي ملك لاحد التماسيح ارجو عاجلا عمل تحقيق هناك !!!

  3. لقد ركزت الدولة على التعليم الجامعي و افتتحت عشرات الجامعات ما بين حكومية او خاصة لا تملك اي مؤهلات من اساتذة او معامل او مكتبات ادت لتخرج الاف الطلاب وهم لا يدركون شيئاً عما درسوه سوى القلة اليسيرة وادى الحاقهم بالعمل الحكومي الى تدهور الخدمة المدنية و اوضح مثال على ذلك المهندسين العاملين بولاية الخرطوم وغيرها وقد قالها المتعافي صراحة عندما كان والياًان اغلب مهندسي الولاية تنقصهم الكفاءة ويتضح ذلك في الحالة العامة للطرق و الجسور و المجاري
    الحل الوحيد للحكومة هو ان تتجه للتعليم الفني وذلك بانشاء معاهد فنية بكل ولاية فخريجو هذه المعاهد اذا لم يلتحقوا بالحكومة فهم في امكانهم الالتحاق بالعمل الخاص او انشاء ورش خاصة بهم.

  4. كلمة اسطى كان لها بريق و اي بريق. غضب اسماعيل الراعي عندما ناداه اخي باسماعيل راعي الغنم و قال له قول اسماعيل اسطى الغنم.

  5. حقاً الأيادي الماهرة يا زهير السراج
    هي الأرضية الصلبة التي تقوم على
    أكتافها الدولة المدنية
    هذا النظام أضاع كل شئ ؛؛؛؛؛
    البنية التحتية والمؤسسات و المصالح
    الحكومية ، بل بددوا المورد البشري
    و شرده بين أصقاع المعمورة
    ماذا تبقى من الوطن و شعبه !؟!؟…
    أثمة مخرج ؟…
    هل عجزنا عن أشعال فتيل الثورة ؟.
    و نحن من أشعل ثورتين شعبيتين ؟!؟!.

  6. يا سلام كلام صحيح
    كيف نتقدم بعد اهيار السكة الحديد و النقل الميكانيكي
    ومدرسة جبيت الصناعية السكة حديد
    والمدارس الصناعية؟؟
    و اهمال التعليم المهني والصناعي وحتي الزراعي في البلاد
    وهجرة كل الاحياء من الاسطوات والمهنيين الي خارج السودان؟؟
    وعدم تواصل الاجيال؟؟؟؟؟؟؟

  7. والله كلام يوزن دهب ، عندى جناينى ولا يحمل أية مؤهلات غير الخبرة التى اكتسبها من العمل بأحد، الشركات المؤهلة والمشهود لها ، حضر الى وابلغنى بمغادرته للعمل بالخليج مع شريك خليجى. تصوروا تسرب حتى اللذين لا يحملون شهادت ، لهذا الحد وصلت بلادنا، لا حول ولا قوة الا بالله.

  8. ودمرت “البوستة” السودانية وجعلتها شركة من شركاتهم،البريد في كل بلاد العالم لا زال يعمل وحتي في أمريكا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..