أحزاب من أجل المستقبل

أحزاب من أجل المستقبل

رشا عوض

إن أخطر إشكالية في الأزمة السياسية الراهنة في السودان هي (وضعية تفكك البلاد إلى عواملها الأولية من قبليات وعشائريات وجهويات تتصارع بالحديد والنار)، وهذه الوضعية الخطيرة التي تنذر بتمزق ما تبقى من البلاد تستوجب العمل الجاد على استعادة الثقة في الأحزاب السياسية وعودتها إلى صدارة العمل السياسي كضرورة لحفظ الكيان الوطني من التفكك والانهيار الكلي، وكضرورة للتغيير السياسي الذي تحتاجه البلاد كدواء منقذ لحياتها!

ومن هنا تبرز أهمية الإصلاح الحزبي كأولوية قصوى وكقضية محورية يتوقف عليها نجاح التغيير السياسي الشامل في البلاد بل يتوقف عليها إقناع المواطن السوداني ابتداء بجدوى العمل السياسي وجدوى الانخراط في الأحزاب السياسية، إذ أن هذه الأحزاب تعرضت طيلة سنوات الحكم الشمولي للقمع والمصادرات والإفقار المنظم إضافة إلى الحملات الإعلامية الهجومية المكثفة من أبواق الحزب الحاكم لتي كانت ومازالت تهدف لاغتيال الأحزاب السياسية معنويا لكي تجعل الرأي العام يخلص إلى أن كل الأحزاب عديمة الجدوى، ومن ثم يصبح الشعب زاهدا في التغيير السياسي بقدر زهده في الأحزاب، ولكن ثورات ربيع العرب أثبتت أن التغيير لا يحتاج إلى أحزاب، وأن تراكم المظالم والقهر والمعاناة وانسداد آفاق الإصلاح حتما سيولد في الشعوب دينامية ذاتية للتحرك ويولد طاقة جبارة للتغيير وعزيمة لا تقبل بأقل من الإطاحة بالنظام! فبعد ان تخرج الجماهير وتملأ الشوارع سيكون أوان الحديث عن الإصلاح والتغيير المتدرج قد فات تماما! ولكن إمكانية حدوث التغيير بدون وجود أحزاب قوية ومنظمة لا يعني أن الحياة السياسية يمكن أن تستقيم دون وجود هذه الأحزاب! لأن المرحلة التي تعقب الإطاحة بالنظام القديم تحتاج تكوينات سياسية توفر للمجتمع بديلا ناضجا يعصمها عن انتماءات ما قبل الدولة الوطنية الحديثة من قبائل وطوائف وإثنيات، وبالتالي فإن إصلاح الأحزاب القائمة أو تأسيس أحزاب جديدة قوية هو ضرورة لإنقاذ المستقبل السياسي! ولن تنجح الأحزاب السودانية في(رد الاعتبار للحزبية) ما لم تحاكم تجاربها الذاتية في الحكم والمعارضة بعقلية نقدية جريئة تبرز الإخفاقات وأسبابها ومن ثم تبلور منهجا واضحا للعمل الحزبي الرشيد في المستقبل يتجاوز سلبيات الماضي وذلك في إطار رؤية استراتيجيه للعمل الحزبي، و المشكلة الكبرى في هذا السياق هي أن الإصلاح الحزبي ذاته أضحى عبارة مستهلكة وشعارا يتم التلويح به لكسب المعارك الصغيرة في الصراعات الداخلية للأحزاب دونما التزام مبدئي بمقتضياته ودونما تحديد لمنهجيته ومعاييره، ونظرا لأن المرحلة التاريخية الحرجة التي تجتازها البلاد الآن تتطلب اختراقات نوعية في العمل السياسي وطرائق تفكير جديدة في إدارة الشأن العام فلا بد من أن تخاطب عمليات الإصلاح الحزبي جذور المشاكل لا أعراضها وظواهرها، وأن تستهدف بالمعالجة النواقص والعيوب البنيوية والاختلالات الهيكلية في الأحزاب، وتوطين المناهج العلمية الحديثة في إدارة عمل الحزب وتصميم برامجه وفي وضع معايير الرقابة على الأداء الحزبي ومن ثم التقييم والمساءلة والمحاسبة، أي الانتقال بالممارسة السياسية من العشوائية والعفوية إلى التخطيط العلمي والمهارة الاحترافية والكفاءة المقاسة بمعايير ضبط الجودة!! وفي هذا الصدد فإن الأحزاب السودانية لن تعيد اختراع العجلة، بل عليها أن تقارب آليات عملها بما هو معهود في التجارب الحزبية الناضجة والناجحة على مستوى العالم مع أخذ خصوصيات الواقع السوداني في الحسبان، وانطلاقا من ذلك يجب أن تركز مجهودات الإصلاح الحزبي على تأسيس بنية تحتية صلبة للعمل الحزبي قوامها الكادر النوعي المؤهل والتنظيم المحكم والموارد المالية الدائمة، وبهذا فقط يستطيع الحزب الوفاء بالعهود التي يبذلها لجماهيره ويستطيع الالتزام ببرامجه التي تجيزها مؤتمراته العامة.

تعليق واحد

  1. الاستازه رشا صاحبت القلم الواعى والناضج

    لو حاولنا ان نحصى ما افسدته الانقاذ فى السودان لن نحصيه

    لكن لناخز هزه الجزئيه

    فالانقاذ لم تترك حزبا ولا نقابات

    وبالتالى افرغت السودان تماما من كل الاوعيه التى تحقق تماسك الوطن

    فماذا تركت

    لم تترك الا القبليه

    دعونا نراهن على ما تبقى من وعى لدى الجماهير قد يسمح لها

    على الحفاظ على السودان موحدا

  2. عذرا استاذة رشا
    دعينى اقول شباب من اجل المستقبل وليس احزابا من اجل المستقبل
    لماذا اقول شبابا وليس احزابا
    الجواب ما رأيناه وما زلنا نراه من مسميات ظنناها احزاب لم ولن تكون احزابا ابدا
    ارجوا ان يفيدنى ذو علم باننا فى السودان لدينا حزبا ذو فكر واضح وايدولوجية مؤسسة واطروحات مستقبلية يمكنها ان تبنى هذا الشعب وهذا الوطن
    انها لم تكن احزابا بدليل انها لم تصمد فى وجه التخريب للحظة بل تشتت اشلاء اشلاء
    وهذا لانها لم تكن مؤسسه لم تكن تملك فكرا واضحا لم تستند على قاعدة جماهيرية واعية تحميها
    انها احزاب مبنية على التعاطف
    مبنية على الاسماء
    مبنية على المصالح
    وكل هذه من الاشياء التى لا تدوم على حال واحد
    الشباب اليوم نراهم ينظرون الى مستقبل واعد مشرق وهذه تعنى الرغبة فى البناء والبناء يحتاج الى التوحد وهذه اطروحة مهمة جدا تحتاج الى اعمال الفكر ووضع السياسات والخطط اللازمة والمدروسةوالمستقبلية
    ما يريده الشباب وما سيفعله هو ما يسمى فى الديمقراطيات القائمة حاليا بالاحزاب او التحزب
    الاحزاب الوطنية تعنى ان القواعد ثابتة والاهداف مشتركة ولكن يمكن ان يكون الاختلاف فى كيفية التنفيذ
    اين مانسميها احزابا من ذلك

  3. انك تتمنين رؤية الغول العنقاء والخل الوفي!!! وهؤلاء اسهل تمنيهم!!!طالما المصالالفردية الانية تطغي علي المصلحة الوطنية!!! لاامل الا في تغيير يحدث نقلة في الون لتنمو في جنباته احزاب غير التي نري ونعرف!!!معليش المكسر مابتكسر!! والمفتت ما بتفتت!! واحزاب عند اللزوم !! لايمكنها وغير قابلة للتغيير!! لانها فقاعات تم تسميتها بلاحزاب تجنيا!! وتغليفا للمسخ بلبوس الكهنة وهم كهنوت!! التغيير يحتاج للقضاء علي الامية والقبيلية والجهوية والغيبية والاتكالية واليقين المضل!! خطوات تحتج الي اعمار ونيات لاتتوفر في قاد الايام في بلادي وقعا وظرفا!! في ظل انغماس المعلمين والمثقفيين وانخراطهم في الدائره الشرشرةبحثا عن مطامح ومثالب لاتتاتئ الا بالانصياع والتلبس بلبوس الطائفية والتوغل في التجهييل!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..