موجة الأفلام الجديدة تخرج من «ثيمة» الحرب الأهلية بعد 30 سنة

كيف سيكون حال المجتمع اللبناني لو أمسكت النساء بالسلطة وأقصي الرجال إلى الصفوف الخلفية؟ فيلم «نسوان… ليش لأ»، الذي بدأ عرضه في الصالات اللبنانية، يجعلنا نعيش هذه الفرضية بتفاصيلها اليومية، بحيث يدخل الجد بالمزاح، والضحك بالتراجيديا والرومانسية بالقسوة.

ففي الوقت الذي تعلو فيه صيحات مطالبة بتحسين وضع المرأة القانوني في لبنان، سواء بسن قوانين لحماية النساء المعنفات، أو لجعل المرأة قادرة على منح جنسيتها لزوجها وأولادها، أو حتى المطالبة بإنزال أقصى العقوبات في حق رجال يقدمون على قتل زوجاتهم، وهو ما بات يتكرر بشكل كارثي، يخرج فيلم «نسوان… ليش لأ»، ذاهبا في الخيال إلى أقصاه. صابر (إلياس زايك) الذي يعمل لحاما، يمثل نموذجا للرجل المتعصب، المتطرف، الذي لا يطيق مزاج النساء، ولا أسلوب حياتهن، ولحظة يجره القدر إلى حادث سير مع امرأة لا يتوانى عن الهجوم عليها وتهديدها بالقتل، مما يذهب به إلى السجن.

بخروج صابر، تكون الدنيا قد تغيرت رأسا على عقب، ففي غيابه نجحت النساء في انقلاب وصلن بعده إلى السلطة ووضعن الرجال جانبا. في الفيلم حالة من التشفي برجال مارسوا الطغيان والديكتاتورية، طوال عهود، ونساء جاء دورهن لينتقمن، ويحكمن بالحديد والنار. قلب الأدوار على هذا النحو، الذي يشمل مختلف نواحي الحياة، هو الذي يصنع الفكرة المبتكرة للفيلم، حيث الرجال يطهون، يمسحون، يكنسون، يزغردون، يرقصون، ويتلقون التعليمات من زوجاتهم ويطلبون إذنهن عند الخروج، ويحظر عليهم البقاء لوقت متأخر خارج البيت أو الجلوس في بعض الأماكن العامة. على صابر الخارج من السجن كارها للنساء، أصلا، أن يحتمل ما لم يكن يتصور أن يحدث يوما. على صابر أيضا أن يتلقى المخالفة تلو الأخرى، مما يهدد بعودته إلى السجن، لأنه لا يستوعب أن القوانين قد تغيرت، والحال قد تبدلت، وأن ما دخل من أجله إلى القفص تفاقم وتضخم.

يلعب كاتب الفيلم يوسف سليمان على هذه التناقضات، ليأتي بنص فيه من النكتة والطرافة ما يجعل المتفرج غير مدرك، بشكل كامل، لما يرى، وهل هو أمام حالة ممكنة أم خيال تجاوز قدرة المتفرج على الاستيعاب.

النساء إذن يحطن ببطل الفيلم صابر من كل جانب، عاملة الفندق الذي يسكن فيه بعد خروجه من السجن، فرح (زينة مكي) التي تلتقيه في الحافلة وتربطه بها بعد ذلك علاقة حب، قمر (ندى أبو فرحات) مسؤولة المخابرات التي تحاول تجنيده، في محاولة مضنية من الحكومة النسائية القائمة، لكشف تحركات «جمعية الدفاع عن حقوق الرجال» الإرهابية.

فيلم خفيف، وكوميديا سوداء تعتمد على الظرف والتسلية، دون أن تقحم المتفرج في تعقيدات، أو فلسفات، يبدو أنه لم يعد يحتملها. باتت الأفلام اللبنانية المتلاحقة تفضل أن تقدم وجبة سهلة الهضم، وهو تحديدا ما يطلبه الجمهور، وما سيعود بالفائدة على الشركتين المنتجتين «غارودي ميديا»، و«آي شوت بروداكشن».

ميزة الأفلام اللبنانية الوليدة، و«نسوان» من بينها، أنها عرفت أخيرا كيف تطرح مواضيع جديدة، قصصا من صلب المعاناة الحياتية. فقد قُدم، سابقا، فيلم عن الإعاقة وحمل اسم «بي بي»، وآخر عن تفشي الأمراض النفسية وهو «طالع نازل»، إلى مشكلات اللقطاء في «حبة لولو»، وها نحن نصل إلى حقوق المرأة. المخرجون الجدد، وسام أندراوس مخرج «نسوان» أحدهم، خرجوا من تيمة الحرب التي استهلكت السينما اللبنانية ما يقارب ثلاثة عقود، وتحرروا من براثن العنف الحربي، ليلتفتوا إلى عنف من نوع آخر، أكثر صمتا، لكنه أكثر فتكا، يستهلك الطاقات، ويشوه السوية الاجتماعية.

لا يأتي الطرح هادفا للمعالجة بقدر ما يحاول أن يشير إلى العلة، يدل عليها بصوت عالٍ، أعلى مما يحدث في اليوميات العادية. للأسف، لا يخرج المتفرج من فيلم «نسوان» أكثر حساسية لحقوق المرأة بقدر ما تأخذه الطرافة، قبل أن يدركه الجانب الوعظي، الذي لم يكن له من لزوم، في نهاية الفيلم. المفاجأة تبقى حتى المشهد الأخير. وهو ما يسجل للكاتب، لكن التذكير المباشر، بأن السجن في لبنان لا يؤهل ولا يعلم، وأن للمرأة الحق في إعطاء جنسيتها لعائلتها، لا يضيف بقدر ما يضعف ويزعج.

من مواطن ضعف «نسوان» أيضا بعض المشاهد التي تبدو مجرد حشو، ما كان ليتغير أي شيء لو أنها حذفت. بعض الأمور لا تبدو منطقية، مثل ركاب الحافلة الذين يصعدون وينزلون منه دون تذكرة أو دفع أي مبلغ من المال، أو اعتبار أن حيلة يمكن أن تحاك من أصدقاء صابر بحجم الفيلم كله تبقى صامدة وصالحة لخداعه. لكن كما يبتلع المشاهد مبالغات بعض الأفلام الأميركية غير المنطقية، لا بد يجد أن بمقدوره البقاء على اندماجه في فيلم يعتمد أساسا على التخييل وبناء عالم افتراضي بعيد عن الواقع المعيش.

كان لافتا أداء بطل الفيلم إلياس الزايك أو صابر الذي يمثل للمرة الأولى وكذلك فرح أو زينة مكي التي تلعب دورا للمرة الثانية فقط، فقد أديا دوريهما الرئيسين ببراعة إلى جانب أسماء معروفة بموهبتها مثل ندى أبو فرحات، ليليان نمري، وميشال سليمان، وكذلك أنطوانيت عقيقي.

يحاول الفيلم رغم طابعه الصارم أحيانا أن يبقى يتظلل بشيء من الرومانسية، ففرح تحن إلى أيام زمان، إلى عهد كان فيه للرجل دور والمرأة لها نصيب من الدلال، وأغنية «ليش لأ» التي كتبها يوسف سليمان، ولحنتها كما غنتها الفنانة اللبنانية كارينا عيد، بكلماتها وموسيقاها الهادئة، والمقاطع التصويرية الدافئة التي ترافقها رقصا لبطلي الفيلم، تترك أثرا مرطبا ولطيفا، لدى جمهور يحاول أن يسبق الأحداث، ليفهم تفاصيل تبدو وكأنها تفلت منه.
الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..