كَزال إبراهيم .. حين تتحرر اللغة من إجراءاتها الردعيّة

الشاعرة العراقية أحاطت بعناصرها الفكرية والخيالية والعاطفية وبقوة الإيحاء والتعبير استطاعت التوقف امام صورها المفيدة.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: قيس مجيد المولى

قلبُكَ برعم زهرة جذلى

تشير حركية النصوص لدى الشاعرة كزال إبراهيم حَدو من أن الأشياء المؤهلة للبقاء والتي تعمل دورا هاما في تحريك المؤثرات النفسية لا يمكن الوصول اليها إلا عن طريق العاطفة العميقة لتهيئ الشاعرة لنفسها المديات المطلوبة وخلق المحيط الملائم كي تأخذ الموجودات مجالها الحيوي والذي يمنح جملها الشعرية قوة في التماسك وتناغم في الصور والذي يشير أيضا إلى أن المخيّلة في تداعٍ مستمر لإنتاج شراكة حقيقية ما بين وفرة الموجودات والأنا الشاعرة من جهة وما بين النص والمتلقي من جهة أخرى وبذلك يصبح الشعر كما عرّفهُ كولردج (إثارة العاطفة للوصول الى السرور من خلال وسيط الجمال).

إن ما تم الإعداد للتأسيس عليه أن هناك مساحة إفتراضية تسمح بالتأمل العميق لتحفيز العلاقات التكنيكية ما بين اللغة التي مَكَنّت الشاعرة من ترتيب متطلبات النص، هذه المتطلبات التي تُبرز بها الغرض الرئيس وما بين التنوع في إرسال رسائل تارة للمجهول وتارة للطبيعة وسط سيطرة واضحة على فن اللغة التفصيلية فاللغة في جوهرها وسيلة للتعبير عن حقيقة جاهزة، ولكي لا يكون سلوك اللغة هكذا في النصوص الشعرية لجأت الشاعرة إلى تعزيز المناخات الفردية وخلقت تماسكا في إلفة الدفقات العاطفية كما يقول باشلار فاستطاعت تجنب الظهور والأشياء المتعددة الظهور وكذا الفصل ما بين التوظيف والحاجة:

في بعض الأحيان

أبات وحيداَ

وكأنني الى حَد

أوراق خريفٍ في مهب زوبعة هائجة،

في بعض الأحيان

أبات وحيداً

الى حد

كأني دماء شهيدٍ مجهول

في بعض الأحيان

أمتلئ بك

الى حد

وكأننا طيران امتزجا قامتهما في ليلة مُثلجة.

تتوالى بعد ذلك نزعات النصوص للإفادة من لغتها التي اتحدت مع مخيلتها وتحررت من الإجراءات الردعية فليس هناك نهايات سائبة ولا تحشيد غير مدرك في الألفاظ والصور وليس هناك من معان قابلة للتلف أو النسيان كون تعدد هذه النزعات شكلت إرضاء لحاجات في اللاشعور وتم التعبير عنها بشيء من مخاوف العاطفة وقلقها ولاشك ان هناك شيئا ما يهيئ الفرصةَ، شيء من مصادر التأثير الجمالي قد هيأ الفرصة للولوج الى مصدر من مصادر ذلك التأثير وهذا الذي حدث في تلك النصوص بعد أن أمسكت الشاعرة كزال إبراهيم بخفايا التركيب الدقيق للغة الشعرية لتكون في بؤرة التجربة الإنسانية التي تحفل كما ذكرنا بكم هائل من النزعات التي لا تحفل بتخيل التفاصيل بل بإدرك الإستفزاز الكامن المنبعث من النغمة اللغوية والطاقة اللونية والصدى الصوتي:

أتفتحُ أنا أيضاً

لأن الأرضَ

تُحبُ قَلبَها،

فتضحكُ خجلى قبلةُ شفتيك

وقلبُكَ برعم زهرة جذلى

طريُ أنتَ

مثل زهرة الرمان

مثل دقات قلب يدي

وهنا وهناك وفي كل شيء وتحت أي مؤثر لأي عنوان تنسجم المشاعر بعضها مع البعض في مستويات متقاربة في دلالاتها الواقعية فالبعض من النصوص لا بد أن يقترن بمسمى مكانياً لتسطيع الشاعرة التجوال بين هذه الأماكن لبعث دلالاتها الرمزية وهذه المسميات ثابتة المكانية لكنها متحركة المعنى ووقائعها تتجدد ضمن الأزمنة الثلاث كونها ضرورات لنتاجات روحية ضمن طبيعة أشكال الصراعات والأزمات عبر تاريخ رقعة جغرافية معينة وشعب مُعين وكأن تلك النصوص الشعرية قد أنجزتها الوقائع والزمان والطبيعة الجغرافية وجاءت مخيلة الشاعرة كمصدر جمالي آخر لتتمّم البنائيين السمعي والمرئي لتأمين الوجود في متاهات اللاوعي لذلك نجد ان طبيعة الوجدان العاطفي مخبوء في إيما مفردة أرادت الشاعرة استخدامها لتحقيق غاياتها الأبدية:

إن لم أكن موجودا في مدينتي

إبحثوا عني

في أرجوان أشجار (سيوان)

في موسم نفض الأوراق

قد تعثر عليّ فوق قبور الشهداء

فأن لم تجدني

قد أكون

في زقاق منهار بقلعة (دزة).

يبدو لي أن الشاعرة كُزال إبراهيم قد أحاطت بعناصرها (الفكرية ? الخيالية ? العاطفية) وبقوة الإيحاء والتعبير استطاعت التوقف امام صورها المفيدة وهو ما يدلل أيضا على كفاءة القوى المنتجة للنص والذي من نتاجه تجانس العلاقات القيمية للموجودات.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..