في مثل هذا اليوم..وفاة الروائي السوداني الطيب صالح في 18 فبراير 2009

كتب: ماهر حسن
ولد الروائي السوداني الكبير، الطيب صالح، صاحب الرواية الأشهر «موسم الهجرة إلى الشمال» في 1929، السودان، وقضى طفولته بين أقاليم السودان، وفي شبابه انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم وسافر لإنجلترا لمواصلة دراسته، وهناك غيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية السياسية.
تنقل بين عدة مواقع مهنية كما عمل لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما، وبعد استقالته منها عاد للسودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية، ثم هاجر لقطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلا ومشرفا على أجهزتها ثم مديرا إقليميا بمنظمة اليونيسكو في باريس، وممثلاً للمنظمة في الخليج العربي.
وتخيم روح السياسة والأعراف الموروثة علي أعماله كما نجد العلاقة الإشكالية بين الشرق والغرب وبخاصة في موسم الهجرة إلي الشمال حيث الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية وقد ترجمت رواياته إلى أكثر من ثلاثين لغة ومنها « موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى».
وتعتبر روايته «موسم الهجرة إلى الشمال» واحدة من أفضل مائة رواية في العالم وقد حصلت على العديد من الجوائز وكان الطيب صالح يكتب عمودًا أسبوعيا في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم «المجلة» خلال عمله في هيئة الإذاعة البريطانية إلي أن توفي «زي النهارده» في 18 فبراير 2009 وشيع جثمانه الجمعة 20 فبراير في السودان، حيث حضر مراسم العزاء عدد كبير من الشخصيات البارزة والكتاب العرب، والرئيس السوداني، عمر البشير، والصادق المهدي، ورئيس الوزراء السابق.
المصري اليوم
******** رحم الله صاحب مقولة ” من اين اتي هؤلاء ” *********
رحمك الله أيها المتواضع البسيط وجزاك الله على أعظم وثيقة سودانية لتوعية الاجيال:
من أين جاء هؤلاء ،،،
هل السماء ما تزال صافية فوق أرض السودان أم أنّهم حجبوها بالأكاذيب ؟
هل مطار الخرطوم ما يزال يمتلئ بالنّازحين ؟
يريدون الهرب الى أيّ مكان ، فذلك البلد الواسع لم يعد يتّسع لهم . كأنّي بهم ينتظرون منذ تركتهم في ذلك اليوم عام ثمانية وثمانين .
يُعلَن عن قيام الطائرات ولا تقوم . لا أحد يكلّمهم .
لا أحد يهمّه أمرهم .
هل ما زالوا يتحدّثون عن الرخاء والناس جوعى ؟ وعن الأمن والناس في ذُعر ؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب ؟
الخرطوم الجميلة مثل طفلة يُنِيمونها عُنوةً ويغلقون عليها الباب ، تنام منذ العاشرة ، تنام باكية في ثيابها البالية ، لا حركة في الطرقات . لا أضواء من نوافذ البيوت . لا فرحٌ في القلوب . لا ضحك في الحناجر . لا ماء ، لا خُبز ، لاسُكّر ، لا بنزين ، لا دواء . الأمن مستتب كما يهدأ الموتى .
نهر النيل الصبور يسير سيره الحكيم ، ويعزف لحنه القديم ” السادة ” الجدد لايسمعون ولا يفهمون .
يظنّون أنّهم وجدوا مفاتيح المستقبل . يعرفون الحلول . موقنون من كل شيئ .
يزحمون شاشات التلفزيون ومكرفونات الإذاعة .
يقولون كلاماً ميِّتاً في بلدٍ حيٍّ في حقيقته ولكنّهم يريدون قتله حتى يستتب الأم
مِن أين جاء هؤلاء النّاس ؟ أما أرضعتهم الأمّهات والعمّات والخالات ؟
أما أصغوا للرياح تهبُّ من الشمال والجنوب ؟
أما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط ؟
أما شافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟
أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد ، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي و المصطفى ؟
أما قرأوا شعر العباس والمجذوب ؟
أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسُّوا الأشواق القديمة ، ألا يحبّون الوطن كما نحبّه ؟
إذاً لماذا يحبّونه وكأنّهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنّهم مسخّرون لخرابه ؟
أجلس هنا بين قوم أحرار في بلد حرٍّ ، أحسّ البرد في عظامي واليوم ليس بارداً . أنتمي الى أمّة مقهورة ودولة تافهة . أنظر إليهم يكرِّمون رجالهم ونساءهم وهم أحياء ، ولو كان أمثال هؤلاء عندنا لقتلوهم أو سجنوهم أو شرّدوهم في الآفاق .
من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات ، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات ؟
هل حرائر النساء من ” سودري ” و ” حمرة الوز ” و ” حمرة الشيخ ” ما زلن يتسولنّ في شوارع الخرطوم ؟
هل ما زال أهل الجنوب ينزحون الى الشمال وأهل الشمال يهربون الى أي بلد يقبلهم ؟
هل أسعار الدولار ما تزال في صعود وأقدار الناس في هبوط ؟ أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جثّة السودان المسكين خلافة إسلامية سودانية يبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب ؟
من أين جاء هؤلاء الناس ؟ بل – مَن هؤلاء الناس ؟