عازة خليل فرح ليست موجهة لزوجة البطل علي عبد اللطيف!.

حسن الجزولي
إنتشرت في الفترة الماضية بمواقع التواصل الاجتماعية التقنية، معلومات مفادها أن أغنية خليل فرح الشهيرة بعنوان ?عازة في هواك? صاغها شاعرها للمناضلة العازة محمد عبد الله زوجة البطل علي عبد اللطيف!.
أن التوثيق عن طريق إثبات المراجع والمصادر في المتن له أهميته الأكاديمية لاعانة القارئ أو المتلقي للمعلومة حتى يعود للأصل مقتفياً أثر المعلومة دراسة أو معرفة أو تحقيقاً، وقد أوضح أستاذنا د. عبد الله علي إبراهيم فروقات بخصوص مصطلحين في ثقافة التوثيق والكتابة التاريخية، 1) التقاليد الشفاهية:- يعني أن الراوي مجرد حلقة في السند. 2) التاريخ الشفاهي:- يعني أن الراوي يحكي كشاهد عيان أو مشارك في الخبر التاريخي.
وعليه فلم تشر أي من تلك الكتابات إلى أي مصادر تعزز فرضية أن الشاعر الوطني خليل فرح قد عنى السيدة العازة محمد عبد الله زوجة البطل علي عبد اللطيف بأغنيته الخالدة ? عازة في هواك ?! ، وبما أن التحقيق في مجريات التاريخ يفترض الاشارة لمصدر أو مرجع يعتد به للأخذ بصحة المعلومة من ناحية التوثيق، فكان الأفيد للذين يتبنون هذه الفرضية غير الصحيحة الاشارة على الأقل ولو لمصدر واحد يرتفع بالمعلومة المشار إليها إلى مصاف الحقيقة التي لا تأتيها الظنون والشكوك!، وهو أمر من الأهمية بمكان، خاصة أن أجيال السودان تجهل كثيراً من التفاصيل المتعلقة بماضي البلاد من كافة النواحي الاجتماعية والسياسية والفكرية للأسف الشديد، ويدرج ضمن هذه المأساة حتى التاريخ المعاصر للسودان، دعك عن سلفه!، وما هو مؤسف حقاً أن بعض هؤلاء الذين ينتمون للجيل الحالي، قد عبروا في مداخلاتهم حول الموضوع أنهم لا يلمون بمعرفة كاملة عن شخصية العازة محمد عبد الله زوجة البطل التاريخي، ومن تكون، دعك من معرفة ما إن كانت أغنية الخليل موجهة لها أم لغيرها!.
نعم ، نشير في المبتدأ أن من افترضوا صحة هذه المعلومة، قد فارقوا الحقيقة، وإنهم إن تريثوا قليلاً لأمكن لهم تبين ألا علاقة بين متن القصيدة نفسها وبين السيدة العازة محمد عبد الله، كما أنهم لو عادوا لمراجعة كثير من المعلومات من مصادرها الأساسية لكانوا قد وقفوا عند الحقائق التي لا تدعم حجتهم!.
نعم،، خليل فرح في أغنيتة ? عازة ? لم يقصد زوجة علي عبد اللطيف، كما جرت الاشارة إليه، إنما رمز للوطن باسم ? عازة ?، وهو إسم يبدو أنه اتخذ سمة الرمز للوطن في أوساط مجتمعات السودانيين في سنوات العشرينات والثلاثينات، خاصة بالنسبة للمثقفين والأدباء ،، حيث أن كثيراً من الشعراء تغنوا بإسم عازة وأوردوه في أشعارهم ( يا عازة الفراق بي طال) (عازة وصالك) ( عازة قومي كفاك نومك) وغيرها!، فيبقى أن هؤلاء لم يقصدوا السيدة العازة زوجة علي عبد اللطيف بالطبع، وبالنسبة لإسم ?عازة? فإن كثيراً من الأسر التي ترتبط بالوطنية والنضال وحب السودان وأهله، أصبحت تطلق على بناتها إسم (عازة) كرمز وطني، وهذه المسألة ما تزال موجودة حتى يوم الليلة ، وهي أشبه بإسم (مهيرة ) أو (نبتة) أو (ماريل) حديثاً مثلاً! ،، وحتى بالنسبة للعازة محمد عبد الله فلأنها تربت وترعرعت في أجواء أسرة مناضلة، لذلك فقد لقبت هي نفسها كريمتها الثانية ?ستنا? التي وضعتها عندما كان زوجها علي عبد اللطيف مسجوناً بإسم (سجون)!.
وأما بخصوص قصيدة عازة في هواك، فهي قصيدة بالفعل وطنية رمزية وتشير للسودان، وخليل فرح صاغ كلماتها عندما أحس بدنو أجله بسبب الداء العضال الذي تمكن منه وهو بمستشفى العباسية بمصر التي سافر إليها يلتمس علاجاً، وهناك قام بتأليف نص القصيدة، وهو إنما كان ينعي نفسه في واقع الأمر! ،، وهذه المسألة واضحة جداً في نهاية مقاطع الأغنية عن طريق ترديده للأهات الشهيرة ( أنا آه آه ،، أنا آه آه أنا آه)!. وقد لحنها الخليل مستخدماً مارش عسكري شهير إستلفه وأدخله في مقدمة أغنية عازة إسمه (مارش ود الشريفي)، وقيل أنه كان قد اتفق مع المطرب سرور الذي كان يتواجد وقتها بصر أيضاً لآداء الأغنية، ولكن لظروف مبهمة تغيب سرور عن موعد التسجيل بالاستديو الذي حجزه خليل، مما اضطره التعجيل بآداء الأغنية بنفسه رغم الوهن والمرض الذي هو فيه، وفي هذا تأكيد بأن الخليل إنما كان يعجل في حقيقة الأمر بإنجاز تسجيل الأغنية لقناعته بأن أجله قد دنى وليس هناك فسحة من الوقت، وهو ما حدث بالفعل حيث ما أن عاد الخليل للسودان حتى إضطر لدخول مستشفى النهر للمرة الآخيرة ليستوي على سرير المرض ويرحل بعد أيام قلائل في الثلاثين من يونيو عام 1931!.
وأما أقوى الحجج حول أن أغنية خليل لا علاقة لها بالعازة زوجة علي عبد اللطيف هو ما أشارت إليه المطربة نانسي عجاج في معرض مداخلتها القيمة في الجدل الذي احتدم بالشبكة العنكبوتية ? وهي الدارسة للتاريخ ? عندما أشارت لمقاطع شعرية معينة شرح فيها خليل فرح معنى كلمة (عازة) بقصيدته الشهيرة ، ويبدو أن خليل أورد التصحيح، لما يبدو أن إشاعة ما في زمنه انتشرت عن
الميدان
” هو ما أشارت إليه المطربة نانسي عجاج في معرض مداخلتها القيمة ”
الظاهر ناس الميدان مكسرين في نانسي عجاج …
قبل ثلاثة عقود تطرق المرحوم بروفيسور على المك لهذا الموضوع في برنامج تلفزيوني، وقد أكد ذلك من بيوت شعر للراحل خليل فرح:
” هو ما تايه ومن يومه ضال وعزة يا فاو هي الوطن “
نعم ان عزة رمز وعندالخليل وغيره هو كذلك وهذا واضح في الكلمات والمعاني،لكن ذلك لايمنع ان يستلهم الرمز من داخل هذه الأسرة التي قادت النضال حينها،وكان بيتها مكان تجمع المناضلين،ولم يكن ممكنا الشعر الصريح لذلك كانت الحاجة للرمز.وكانت هي اقرب للقلوب بنضالها وإيوائها للمناضلين.فلا نستبعد هذه الفرضية
خليل لم يؤلف أغنية عازة على فراش المرض بالقاهرة.
بل ألفها خلال اغترابه في اثيوبيا.
كما أن اللحن منقول من أغنية اثيوبية قديمة.