مقالات سياسية

مدرسة كتشنر الطبية بالخرطوم-

مدرسة كتشنر الطبية بالخرطوم- السودان
The Kitchener School of Medicine at Khartoum, Sudan
E. N. Corbynاي ان كوربن
ترجمة واختصار: بدر الدين حامد الهاشمي
[email][email protected][/email] ==
هذه ترجمة مختصرة لما حرره السيد/اي. ان. كوربن مدير مديرية الخرطوم في عشرينيات القرن الماضي عن تاريخ إنشاء مدرسة كتشنر الطبية، وذلك في مجلة التاريخ الأفريقي الملكية، والتي تصدرها “الجمعية الأفريقية الملكية” عن دار نشر جامعة أكسفورد، في عددها رقم 43 الصادر في أبريل من عام 1944م.
ويشير المقال أيضا إلى تطور التعليم في السودان بصورة عامة في تلك السنوات.
وهو هنا يقدم بالطبع صورة آحادية (وزاهية) لتاريخ ذلك التعليم تختلف كليا أو جزئيا عن آراء من يرون للاستعمار مآرب (وأي مآرب!) في إنشائه وتطويره للتعليم الغربي بالبلاد.
وهنالك مصادر عديدة لآراء تختلف جذريا عن آراء ومرامي هذا الكاتب الإنجليزي مثل كتاب How Colonialism Preempted Modernity in Africa لمؤلفه اوليفميتايوو OlufemiTaiwo
وكتابHow Europe Underdeveloped Africa لمؤلفه دبليو رودنيW. Rodney وغيرها كثير.المترجم
**************
عندما آب اللورد كتشنر الحاكم العام الجديد للسودان لموطنه في إنجلترا في عام 1898م ظافرا بعد معركة أمدرمان، كانت أول مهمة يضعها على كاهله هي مناشدة جمهور الشعب البريطاني للتبرع لإنشاء كلية غردون التذكارية في الخرطوم وذلك من أجل تعليم السودانيين.
كانت فلسفته تقوم على أنه لا يجب أن يغلق أمام السودانيين باب أي مصدر من مصادر المعرفة يمكن لحكومتهم المتمدنة الحديثة أن تقدمه لهم، بل إنه من واجب هذه الحكومة أن تعمل على تدريب السودانيين في مختلف ضروب المهن والحرف عن طريق التوسع في التعليم.
غادر اللورد كتشنر السودان متوجها إلى جنوب أفريقيا في نهاية عام 1899م وخلفه السير ريجنالد وينجت كحاكم عام جديد للسودان، والذي ظل وفيا لتلك الفلسفة، ووضعها نصب عينيه هدفا ساميا وسياسية ثابتة مستقرة.
والآن، وبعد مرور ست وأربعين عاما نجد أن السودان قد اجتاز تلك المراحل الأولى من التعليم، وأقيمت عدد من المدارس فوق- الثانوية تقوم بتدريب أعداد من السودانيين في مختلف المهن، ومن ذلك مثلا مدرسة الآداب (والتي تشمل مدرسة الإدارة) وكلية القانون، ومدرسة لمن سيتخرجون ويعملون في مصلحة التعليم، ومدرسة للعلوم (والتي تدرب الطلاب للعمل مدرسين لمادة العلوم) ومدرسة المهندسين ومدرسة الزراعة، ومدرسة الخرطوم البيطرية ومدرسة كتشنر الطبية.
ويقف نجاح تلك المدارس العليا شاهدا ودليلا أمام العالم كله على أن السودانيين قد نالوا حقهم في التعليم كاملا غير منقوص على يد البريطانيين، والذين وهبوا زهرة شبابهم من أجل خدمة مصالح السودان وتطويره. وفي عام 1944م ستجمع تلك المدارس تحت اسم مكرم واحد هو كلية غردون التذكارية، تحت نظام أساس توطئة لقيام أول جامعة في السودان.
كانت إحدى أنجح مدارس السودان المهنية العليا هي مدرسة كتشنر الطبية، والتي سميت بهذا الاسم تكريما لذكرى لورد كتشنر. وكما ذكرنا فإن إنشاء كلية غردون التذكارية قد تم بفضل مناشدة كتشنر للبريطانيين بالتبرع، بينما قام السودانيون أنفسهم في عام 1924م بالتبرع لإنشاء مدرسة كتشنر الطبية لتعليم ابنائهم، وكان تمويل تسيير تلك المدرسة يأتي من الأموال التي وقفها بعض المحسنين (منهم الرجل العراقي أحمد محمد هاشم بغدادي. المترجم) إضافة لمبلغ ألف جنيه من “صندوق لورد كتشنر التذكاري الوطني” في لندن، ومبالغ إضافية من الإيرادات العامة للحكومة.
وظل اللورد كتشنر حتى وفاته في عام 1916م يؤكد للناس على أهمية تلك المؤسسة للبلاد، وكانت أهداف المدرسة شاهدة على حكمته وبعد نظره.
وقد تلخصت تلك الأهداف في التالي:
1. بناء كادر طبي سوداني مؤهل للعمل على مكافحة الأمراض الوبائية والمتوطنة بالبلاد، والتي أضرت بصحة ورفاه المواطنين وأضعفت النمو السكاني وأقعدت البلاد عن التقدم والنماء.
2. منح المتعلمين من الأهالي في السودان الفرصة كاملة ليلعبوا أدوارا مهمة في تنمية وتطوير بلادهم.
3. تقديم منح لمن أكمل الدراسة والتدريب في السودان لعمل دراسات عليا وأبحاث.
تكونت الدفعة الأولى من سبعة طلاب الدراسة في عام 1924م، وتخرجوا بنجاح في عام 1928م. ومنذ ذلك التاريخ وحتى عام 1943م التحق بالمدرسة 138 طالبا نجح منهم 82 طالبا، وهم الآن يمارسون مهنة الطب في بلادهم كأطباء عاملين في مصلحة الخدمات الصحية.
وقد تألف منهاج الدراسة من مقررات عام ونصف يقضيها الطالب في مدرسة العلوم، ويقضي بعد نجاحه في الامتحان النهائي أربعة أعوام ونصف في مدرسة كتشنر الطبية، مما يعني أن الطالب يقضي على الأقل ست أعوام في الدراسة الجامعية.
وكان من حسن حظ مدرسة كتشنر الطبية أن وجدت الرعاية اللصيقة والمساندة الدائمة من كليتي الطب والجراحة الملكيتين في إنجلترا، واللتان كانتا تبعثان سنويا بممتحنين خارجيين للمدرسة في الخرطوم من أجل التثبت من مستويات الطلاب وملائمة الامتحانات وغير ذلك. وقامت الكليتان بمنح اعتماد/ اعتراف جزئي بالدبلومات التي كانت المدرسة تمنحها لطلابها.
وجاء في شروط منح ذلك الاعتماد/ الاعتراف ما نصه:
“لقد وافقت الكليات الملكية على اعتماد كامل الفترة التي يقضيها الطالب في كلية الطب، والتي تؤدي عند نجاحه إلى منحه دبلوما مشتركا (conjoined Diploma) في إنجلترا شريطة ان يكون الطالب قد حصل على معدلات عالية في الامتحانات التي تسبق دخول كلية الطب مباشرة، وأن تجرى تلك الامتحانات تحت إشراف استاذ زائر من قبلهم. ويغدو الطالب الذي يصل إلى المعيار الأكاديمي المطلوب ويتحصل على دبلوم مدرسة كتشنر الطبية مؤهلا للجلوس للامتحان النهائي الذي يقوم بوضعه مجلس مشترك بعد أن يقوم الطالب بالدراسة لمدة عام إضافي في مستشفى جامعي معترف به في بريطانيا العظمى حتى تتوافق المدة التي يقضيها الطالب في دراسة الطب مع المتطلبات البريطانية في ما يتعلق بطول مدة دراسة منهج الطب، والذي يزيد على ما يدرس في مدرسة كتشنر الطبية بعام كامل”.
لقد أتاحت تلك الدرجة من الاعتماد/الاعتراف، وعلى الفور، ضمانا لمستوى مهني عال للدبلوما السودانية، وسمحت للأطباء السودانيين بالحصول على تأهيل بريطاني إضافة لما حصلوا عليه من مدرسة كتشنر الطبية وذلك بعد قضاء فترة دراسية وتدريبية قصيرة في بريطانيا العظمى.
ويلاحظ المرء مبنيين بارزين ومتشابهين أمام محطة السكة حديد بالخرطوم، ويقعان على الجانبين الأيسر والأيمن على الشارع المؤدي للقصر وضفة النيل الأزرق. وهذان المبنيان هما لمدرسة كتشنر الطبية ومعامل استاك التذكارية لأبحاث علم الأمراض. ويتم تدريب طلاب المدرسة الطبية في مستشفيين كبيرين بالعاصمة أحدهما في الخرطوم والآخر في أمدرمان.
ترقى للمناصب العليا من خريجي تلك المدرسة حتى عام 1944م خمسة عشر طبيبا من جملة اثنين وثمانين طبيبا يعملون في مصلحة الخدمات الصحية.
ولولا وجود تلك المدرسة لشغل تلك الوظائف أطباء أوربيون، ولما انتشر في أرجاء المليون ميلا مربعا أطباء سودانيون في درجات صغرى وعليا يعملون على الحفاظ على صحة مواطنيهم.

تعليق واحد

  1. شكرا لك علي هذا المقال الذي يوضح بصوره بسيطه تحسن مستوي التعليم في السودان والنقله الرائعه التي صنعها الانجليز في تطور فكر الشعب السوداني كثيرا ما تساءلت هل لو كانت هذه الارض تستطيع الكلام ثم خيرت هل كانت تختارنا نحن ام الانجليز الذين شقوا ترعها وحرثوا ارضها وبنوا معالمها فبالكاد ما اجد مشروع وطني واحد بني بعد خروجهم واﻻن اكثر من خمسين عاما من التراجع للوراء اي عدنا لزمن المهديه نفسه فلذلك نطلب من السيد المحترم ديفيد كاميرون لتجهيز حمله ﻻعاده فتح السودان وتخليص ارضه واعاده اعمارها وتعليم اهلها السياسه لكي يعرفوا كيف يحكموا انفسهم

  2. اقترح التنسيق مع الحكومة البريطانية للاشراف علي التعليم في السودان بوضع المناهج و الامتحانات و مراقبتها.. حتي نتمكن من اعادة التعليم الثانوي و العالي باللغة الانجليزية.. و اقترح كذلك اعادة كلية غردون التذكارية الي اسمها القديم و الطلب من الحكومة البريطانية ادراتها كبادرة حسن نية.. و انشاء جامعة اخري باسم جامعة الخرطوم
    اقتراح ثالث هو الاستعانة بخبراء من مختلف الدول خاصة اليابان و المانيا لدعم و ترقية جميع الوزارات و القطاعات الخدمية و الصناعية في السودان
    يمكن نلحق بركب الدول المتعلمة و المتطورة بعد ان انهار كل شئ في بلدنا حتي الاخلاق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..