أخبار السودان

السودان يتوحد في استاد الخرطوم

عادل إبراهيم حمد

أصبحت دولة جنوب السودان عضواً في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم, وبذلك أصبحت مؤهلة للمشاركة في المنافسات التي ينظمها الاتحاد، مثل فريق (الملكية) الدولة الوليدة في بطولة الاتحاد للأندية, لكن الاتحاد الإفريقي اعتبر ملاعب دولة الجنوب غير مؤهلة لاستضافة المباريات الإفريقية وطلب من اتحاد كرة القدم الجنوبي اختيار دولة بديلة تلعب فيها المباراة فاختار الجنوبيون بلا تردد السودان. ورحبت مختلف الدوائر الرسمية والشعبية في السودان بفريق الملكية, بل إن نادي المريخ قد تكفل بنفقات الإقامة. ولم يخذل الجمهور السوداني فريق الملكية فشجع بحرارة ودوت الهتافات من حناجر السودانيين مختلطة بأصوات أبناء الجالية الجنوبية في الخرطوم في مشهد وكأن السودان قد توحد من جديد في استاد الخرطوم.. وذرف رئيس بعثة الفريق الجنوبي الدمع وهو يتحدث في إحدى حفلات التكريم معبراً عن الامتنان ومؤكداً على عمق العلاقة بين الشعبين.

مثال الملكية لا يلغي واقعاً معاشاً بأن الانفصال قد وقع, وأنه تم بقرار تسنده أغلبية ساحقة من أبناء الجنوب, لكن هذه الوقائع تعني أيضاً -ـوبلا شك- أن بين السودان وجنوب السودان من الوشائج القوية ما يجعل للعلاقة بينهما خصوصية، لكنها خصوصية أخضعت لاختبارين قاسيين هما الوحدة والانفصال, فلم يكن اختبار العلاقة بسقف الوحدة العالي موفقاً لتسقط العلاقة الخاصة في الاختبار الصعب, كما أن إنزال العلاقة إلي الدرجة الأدنى -أي الانفصال-ـ قد ألغى حقائق خصوصية العلاقة؛ لكن (الانفصال) هو الحالة التي يمكن أن تعالج بعدها العلاقة بالتحسين شيئاً فشيئاً, وهو ما لا يتاح لخيار الوحدة الذي يصعد بالعلاقة بلا تدرج إلى قمة شاهقة.

العلاقة عند درجة الانفصال الأدنى, يمكن اختبارها درجة درجة حتى تضبط عند مستوى متماسك, بلا عاطفة زائدة وأحاديث عن الألفة والمحبة والمصاهرة, وبلا مقررات سياسية جافة, تجرم التفكير في فصل الوطن الواحد الذي ورثناه عن الأجداد موحداً.
ما كانت بعثة الملكية لترى هذه الخصوصية التي تستدر الدمع لولا أن العلاقة وضعت عند مستوى الانفصال، حيث تزول كل الاتهامات السابقة للشمال, وتبرز مزايا ما كان لها أن تظهر مع اتهامات بالقهر والاستعلاء كانت توجه للشمال وسقطت بمجرد نيل الجنوب استقلاله، الانفصال مرحلة ضرورية يختبر فيها القوميون الجنوبيون بدقة دور الشمال في الوضع الذي كان عليه الجنوب أيام الوحدة, وهو تقييم متعاف من حالة التهويل التي كانت تصاحب الاتهامات الموجهة للشمال؛ كما أن الاستقلال يضع أبناء الجنوب لأول مرة في مواجهة بناء الدولة وتلبية الاحتياجات اليومية للمواطن الجنوبي, وهي مهمة عسيرة ينفضح عندها الضعف الجنوبي في إدارة الدولة خاصة بعد سقوط الذريعة الشمالية التي كان يبرر بها الجنوبيون تخلف وطنهم المحتل من الشمال المستعمر. ثم ظهر التناحر على السلطة لدرجة كادت أن تهوي بالبلاد إلى درك الحرب الأهلية, الشيء الذي أبان بوضوح أن المجازر والإبادة ليست سلوكاً شمالياً خالصاً كما كان يزعم الجنوبيون أيام الحرب بين الشمال والجنوب, بل إن مجازر ملكال الأخيرة كشفت درجة من الكراهية والبغضاء تفوق بكثير ما كان يلصق بالشماليين. هذه الحرب بين أبناء الجنوب برأت الشمال لحد ما, وجعلته بما يحمل من ميزة الحياد وسيطاً مناسباً في حرب صراعات الجنوب القبلية التي لا يثق أي من أطرافها في وسيط جنوبي.

بعد أن زالت المبالغات والتهويل الذي كان يصحب وصف هذه العلاقة هنا وهناك, أي عند الشماليين والجنوبيين, سوف توضع العلاقة في مسارها الصحيح, توجهها مصالح ومنافع وجوار وعاطفة أيضاً. وما دام الحديث قد بدأ بكرة القدم فقد يكون لدولة الجنوب اتحاد مستقل مثل إتحاد كرة القدم الاسكتلندي المستقل عن الاتحاد الإنجليزي, وقد تتطور العلاقة السياسية فتصبح علاقة الجنوب بالسودان كعلاقة اسكتلندا وإنجلترا وويلز وأيرلندا تجمعهم علاقة اتحادية؛ فهل يعد هذا التصور ضرباً من الخيال, أم أنه تصور واقعي بعد أن تنضج العلاقة بين البلدين بعيداً عن مشاعر التشفي, قريباً من الموضوعية والتعقل؟

العرب
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال ممتاز,, ارجو ان تداوم علي كتابة مثل هذه المقالات التي تهتم بالشاْن السوداني

    والله يرحم والديك ابعدنا من حكاية مصر وتوطين المصريين في الولايه الشماليه ,,واتمني ان تكون استوعبت الدرس الروسي لاوكرانيا ولكل دول العالم بغزوها جزيرة القرم بحجة ان بها جالية روسيه ضخمه وبالتالي فان ارض القرم روسيه

    وسيحدث نفس هذا السناريو مستقبلا اذا لاسمح الله فتح السودان ابوابه للطوفان البشري المصري وتسهيل استيطانهم في الولايه الشماليه

    حل مشكلة الانفجار السكاني في مصر هي تحديد النسل والابتعاد عن الحشيش والمنشطات الجنسيه وليس التوسع في السودان

  2. والله وانا اقرا هذا المقال انهمرت الدموع بغزارة من عيني وخنقتني العبرة حسرتا وندامة علي هذا الانفصال البغيض الذي فرضته علينا قوي الشر والطفيلية المتاسلمة ممثلة في موتمرها اللاوطني وتذكرت الراحل المقيم الرجل العظيم الدكتور الانسان جون قرنق وشريط طويل مع الذكريات بين فيما اصبحوا شعبين الان لكننا شعب واحد طال الزمن اوقصر

  3. و الله فتحت المقال عشان انتقد الكاتب انو السودان في برازيليا ما بيتوحد و كنت فاكرها مباراة للهلال مع فريق افريقي. لكن و الله من قريت الجملة الاولى دموعي نزلت بدون ما اشعر. يا ريت لو نرجع تاني و يرجعو تاني..
    شكرا كتير لي كاتب المقال

  4. غريب هؤلا الجنوبيون تذكرون كيف طردو اطفالنا من واو ابان الدورة المدرسية وبتلك الطريقة المهنة
    اطفال ابرياء تذكرون نسبة تصويتهم وتصريحات مسؤوليهم (ارتحنا من وسخ الخرطوم )لماذا لم يختارو
    يوغندا او كينيا التي كانت تدعمهم.

  5. بعد ذهاب الانقاذ وقيادات الامة والاتحادي الديمقراطي والمؤتمر الشعبي وغيرهم من القيادات الابديةالبالية ، حتما” سيرجع الجنوب لحضن الوطن..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..