هناك تجربة متكاملة كان يمكن أن تشكل مادة نموذجية للنقد وآلياته..المفارقة أن رموز الإسلام السياسي لا يرون في الثمار المسمومة للتجربة السودانية شرا يذكر.

محمد جميل أحمد
شهدت الندوات الثقافية على هامش المهرجان الوطني للتراث والثقافة بالسعودية لهذا العام (الجنادرية 29) اهتماما مكثفا بموضوعة الإسلام السياسي. تحدث فيها بعض الكتاب والمفكرين المهمين وغير المهمين؛ حتى بدا واضحا أن تداعيات أوضاع الإسلام السياسي وتجاربه في السلطة التي شكلت المشهد الأبرز في أعقاب ثورات الربيع العربي، أصبحت موضع اهتمام كثير من الأنظمة والمحاور الإقليمية والمراقبين لصيرورة ومآل حركة الربيع العربي في المنطقة.
بيد أن الإسلام السياسي ــ في ظل هذه التجربة العنيفة والعاصفة ــ خضع لتأويلات كثيرة، وتصنيفات جعلت منه مادة شهية للتنظير والقراءة والتحليل ــ بمناسبة وبغير مناسبة ــ وتمت استعادات متأخرة للعديد من كبار مفكري الإسلام السياسي من أمثال (سيد قطب) أهم مفكر لجماعة الإخوان المسلمين بعد حسن البنا و(أبو الأعلى المودودي) مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان والمتوفى في العام 1979م.
وإذا كان مفهوما (الجاهلية) و(الحاكمية) يشكلان الجذر التأويلي الأعمق لفهم حراك الإسلام السياسي فإن كلا من (سيد قطب) و(المودودي) هما من أسسا فكريا ونظريا لذينك المفهومين.
والمفارقة هنا أن أغلب النقد الذي تم تعويمه ضد الإسلام السياسي عبر نقد هاتين الفكرتين تجلى في بعض أطروحات المتحدثين من خلال قراءات أهملت السياقات الآيدلوجية والتاريخية التي أنتجت ذينك المفهومين دون أن ينتبهوا أن مثل ذلك النقد لن يؤدي بالضرورة إلى نتائج موضوعية في تحليلاته، أوإلى صورة معرفية أقرب للواقع منها إلى الوهم حيال أطروحة الإسلام السياسي في المنطقة.
بالطبع لا تخلوا مثل هذه الندوات من استجابة ما لمناخ عام وضع الإسلام السياسي في زاوية ضيقة، كانت في الأساس نتيجة للممارسات الفجة، والرؤى القاصرة التي قدمتها تجربة أحزاب الإسلام السياسي في الحكم؛ مثل حكومة الإخوان المسلمين التي حكمت مصر تحت قيادة الرئيس المعزول (محمد مرسي) والتي تم القضاء على تجريبها السياسوي عبر انقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري في أعقاب ثورة 30 يونيو؛ فيما تم تفكيك قبضة حكومة النهضة في تونس عبر إجماع وطني دستوري؛ كان أقرب إلى التصالح الوطني منه إلى الصراع الذي كان في مصر.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم : ماهي الخانة التي يجب أن يتم فيها موضعة الإسلام السياسي في مستقبل المنطقة العربية ؟
وبالرغم من صعوبة الإجابة على سؤال كهذا إلا أنه كان بالإمكان الخروج برؤية واضحة لتناقضات الإسلام السياسي ومأزقه الأصلي إذا ما تم منح أحزابه دورة انتخابية كاملة في السلطة، كانت ستفضي بالضرورة إلى خروج تلك الأحزاب الإسلاموية من المنافسة الانتخابية في أقرب انتخابات جديدة.
كان ذلك ممكنا بالطبع، لكن من ناحية ثانية كان ممكنا أيضاً ــ لو قبلت حكومة الإخوان المسلمين بقيادة مرسي الاستجابة لانتخابات مبكرة ــ أن تتفادى مصر مثل تلك الأحوال الأمنية والسياسية المتردية التي آلت إليها الأوضاع اليوم.
بناء على هذه التحولات السائلة في المنطقة العربية، ربما كان الأجدى اللجوء إلى مقاربة ظاهرة الإسلام السياسي ومحاكمتها عبر منطقها البنيوي المغلق. والحال أن ما حدث في كل من مصر وتونس، رغم اختلاف السياق، أفضى في النهاية إلى كسر هيمنة هذا التيار نتيجة لتناقضاته البنيوية . لكن الحال التونسية كانت هي التي ينبغي أن تكون موضوع الدرس والنقد لتجربة الإسلام السياسي؛ فهي حالة تسمح بالتعمق في القراءة، والهدوء في ممارسة النقد الفكري للظاهرة. ربما كانت تونس، لبعدها من ناحية، ولمكانتها الأقل تأثيرا، قياسا بمصر من ناحية ثانية، أقل حضورا في سجالات الإسلامي السياسي التي تشهد تسخينا على وقع تحولات الوضع في مصر.
لكن غاب عن المراقبين والمتحدثين والمنظمين في مهرجان الجنادرية، أن هناك تجربة متكاملة كان يمكن أن تشكل مادة نموذجية للنقد وآلياته بما توفرت عليه تلك التجربة من زمن كاف وتجريب صاف لسلطة الإسلام السياسي كشف عن أهم خاصية له أي : البنية الآيدلوجية الانشقاقية التي تشتغل بكفاءة في تدمير النسيج الوطني.لكن للأسف لم يحدث ذلك؛ نقصد بتلك التجربة : واقع ومآل الإسلام السياسي في السودان (التي وان اختلف شكل وصولها للحكم إلا أنها مارست نفس طرائق السلطة الآيدلوجية للإسلام السياسي ومفاهيمه على مدى ربع قرن ) وأنتجت انقساما وحروباً أهلية، وفسادا، وتدميرا للهوية الوطنية. ولا تزال قابلة لإنتاج المزيد من تلك الكوارث في مستقبل هذا البلد.
والمفارقة أيضا أن رموز الإسلام السياسي ــ مثل الشيخ يوسف القرضاوي ــ لا يرون في الثمار المسمومة للتجربة السودانية شرا يذكر، بحسب تصريحاتهم المتوفرة والموثقة في العديد من الصحف ووسائل الإعلام ؟!
ومن لم ير في حال السودان شرا يذكر، لن يرى شرا فحين يحكم بلدانا أخرى مثله.
[email][email protected][/email]
ايلاف
انقلاب السيسى !!!!!
طالما توصف ما حدث فى مصر بعد ثورة 30 يونيو يالانقلاب فلا يرتجى شىء فى مقالك
وانت جزء من الحركه التزيفيه وايه اسلام سياسى هذا خبل موجود فى العقول ومرض
يستوجب الدخول فورا لاقرب مستشفى امراض عقليه ومن يحمل هذا المرض هو خطر على البنى ادمين وعلى جميع مخلوقات الله اين ما كانو
الإسلاميون يحتاجون إلى إعادة تربية. الروح الاستعلاءية التي ترفض النقد وان سمعته لا يتبع أحسنه. الإسلامي باختصار نفخة كاذبة. الإسلامي إنسان موهوم يجب ان يعرض نفسه إلى اقرب اختصاصي أمراض نفسية. فأقل ما يعاني منه هو مرض انفصام الشخصية وذلك عندما يكون في أحسن حالاته. أما لماذا يدمن الكذب و يتحرق شوقا لقتل النفس وتعذيبها ويجد متسعا من الوقت لممارسة هوايته المفضلة في إغواء الحسان فهذا يحتاج تحويلة إلى زميلي د . علي بلدو
ان تجربة حكم الاسلام السياسى فى السودان لايجب تعويمه هكذا لانها تجربة توصف نفسها بحاكمية الله فى الارض وسبحانه وتعالي عالى المقام بان تسمي حاكمية ارض بصفاته المولى عز وجل لان له ملك السموات والارض وهو العزيز الحكيم .
ان الذين يحكمون الآن فى السودان لاتربطهم شيء بالأسلام الذى نعرفه من روابط المحبة والتسامح الدين الابدى الذى اوحى لنبينا محمد (صلعم) وهنالك امثلة كتيرة تتنافى مع قيم الاسلام السمحة فمثلا :
– ان قتل النفس بغير حق هو دين الذين يتحكمون فى بلادنا الطاهرة
-ان اغتصاب النساء والاطفال وحتى الرجال هو ما ينادى به متأسلمو السودان كقوم لوط الذى ورد ذكرهم فى القرآن الكريم وقد عفى البشير امير المؤمنين فى السودان شيخا ( فقيه) ادين باغتصاب طالبة وحكمت عليه محكمة اقطابها من لدن هذا انظام بالسجن وكان الاجدر بهم ان يعدموه لانه اولا رجل دين والفتاة المغتصبة صبية فى عمر احفاد هذا الشيخ
– ان الأسلاموويين الذين يحكمون باسم الاسلام فى السودان يسرقون من قوت الناس ليكتنزوه ذهبا وفضةويتطاولون فى البنيان بدون وجل او خوف من احد ولاحتى من المولى عز وجل يوم الحساب العظيم فأذن اين هم من عفة النفس واليد الذى علمنا به المصطفى (صلعم)
– يشنون حروب جائرة مرة باسم الجهاد على اخوة التراب فى جنوبه ومرات عديدة على اخوتهم المسلمين ليتمكنوا فى مقدراتهم من ثروات فى اقاليمهم
– لقد افسدوا الزرع والضرع وعاثوا فسادا وافسادا لقيم الاسلام السمحة ، افقروا الناس وجوعوهم وافشوا الفساد بدلا من افشاء السلام
– ضاعت الامانة بينهم فيفعلون نقيضها
– عم ارهاب الناس بقطع اسباب ارزاقهم ففصلوا مئات الكوادر من اجهزة الدولة ليأتو بمحاسيبهم ايتمكنو من مفاصل الدولة
– بعد اغتصاب الدولة هاجر ربع سكانها الى بلاد الله الواسعة طلبا للرزق والامان
– اما فقهاء وعلماء السلطان الجائر امير المؤمنين فى السودان فحدث ولاحرج ابيحت الربا بفقة يسمونه ” فقة الضرورة” ويكتمون عن المفسدين وسارقى قوت الناس ” بفقه السترة” ونسو او تناسوا ان نبينا محمد قد اقسم بان ” فاطمة بنت محمد لو سرقت لقطع يدها”
هذه تجربة الاسلام السياسى فى السودان بشواهد حية وبتاريخ نعاصرة وليس منقول الينا من الماضى عن طريق ” سدنة هياكل الوهم” الذين يغيبون العقل ونسو او تناسو ان الله عز وجل قد كرم بنى ادم وخصه بالعقل عن سائر مخلوقاته
” بالطبع لا تخلوا مثل هذه الندوات من استجابة ما لمناخ عام وضع الإسلام السياسي في زاوية ضيقة، كانت في الأساس نتيجة للممارسات الفجة، والرؤى القاصرة التي قدمتها تجربة أحزاب الإسلام السياسي في الحكم؛ مثل حكومة الإخوان المسلمين التي حكمت مصر تحت قيادة الرئيس المعزول (محمد مرسي) والتي تم القضاء على تجريبها السياسوي عبر انقلاب الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع المصري في أعقاب ثورة 30 يونيو؛ فيما تم تفكيك قبضة حكومة النهضة في تونس عبر إجماع وطني دستوري؛ كان أقرب إلى التصالح الوطني منه إلى الصراع الذي كان في مصر
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم : ماهي الخانة التي يجب أن يتم فيها موضعة الإسلام السياسي في مستقبل المنطقة العربية ؟
وبالرغم من صعوبة الإجابة على سؤال كهذا إلا أنه كان بالإمكان الخروج برؤية واضحة لتناقضات الإسلام السياسي ومأزقه الأصلي إذا ما تم منح أحزابه دورة انتخابية كاملة في السلطة، كانت ستفضي بالضرورة إلى خروج تلك الأحزاب الإسلاموية من المنافسة الانتخابية في أقرب انتخابات جديدة.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو أنك لا تعرف الأخوان المسلمين على حقيقتهم فهم أصلاً لا يؤمنون بمبدأ الديمقراطية للتداول السلمي للسلطة فسياسيتهم تعتمد على تمسكن حتى تتمكن.
فهم الآن قد تمكنوا بالفعل من حكم السودان عبر صناديق الاقتراح فلم يتمكنوا من تحقيق أغلبية ولو بسيطة ،كما هو الحال في مصر لأن الشعب المصري لم يسبق له خوض انتخابات ديمقراطيةبمعناها الحقيقي إلا مؤخراً ، لذا فقد تمكن الأخوا المسلمون بدعم خارجي من تحقيق فوز في الانتخابات بما فيها الانتخابات الرئاسية.
و لكنهم فور وصلوهم للسلطة عملوا على مبدأ التمكين للجماعة وإقصاء الآخرين حتى تصبح مؤسسات الدولة كلها رهن إشارتها إما بخلق مؤسسات خاصة بهم تقوم على انقاض مؤسسات الدولة أو بجعل مؤسسات الحزب أقوى شأناً من مؤسسات الدولة.
و هذا الأمر قد أدركه مجموعة طيبة من الشاب الواعيين الذين وقفوا في وجه الرئيس المعزول مرسي و عملوا على سحب الثقة منهم بالنزل في الميادين ، لكنهم هددوا و توعدوا كل من ينزل إلى ساحات الميادين بالتقتيل والإبادة.
فهنا تصدى لهم الفريق عبد الفتاح السيسي الذي كانوا يحسبونه معهم أو محايداً لكنه خذلهم ووقف مع مصلحة الشعب و سمح لهم بالخروج للتعبير عن رفضهم دون خوف من بطش الجماعة.
مما أدى إلى نجاح ثورة يونيو.
و عليه فلا يستقيم أن تصف ما قام به الفريق عبد الفتاح السيسي بالانقلاب و في الوقت الذي تصف فيه ما حدث في 30 يونيو بأنه ثورة.
لأن عبد الفتاح السيسي هو الذي حقق للثورة نجاحها بعد فضل الله.
فلا غرو إن كانت الغالبية العظمى من الشعب المصري قد أحبته بجنون و طالبته بأن يكمل جميله.
فالمشير السيسي يعتبر في نظر الشعب المصري بطلاً قومياً.
و حق لهم ذلك لأن التنظيم العالمي للأخوان المسلمين لا يؤمن بالوطن ذات الحدود الجغرافية كما لا يؤمن بالديمراطية وهو تنظيم بيرغماتي يخدم أهداف الغرب و يشكل خطراً على استقرار الدول.
لقد أدرك معظم المصريين إن منح الأخوان دورة انتخابية كاملة مدتها أربعة سنوات تعني القضاء على مؤسسات الدولة و التمكين التام.
و هذا يعني عدم مقدرة الأحزاب الأخرى المنافسة بعد التمكين و السيطرة على مفاصل الدولة من إعلام و شرطة و جيش و قضاء و نيابة عامة..الخ
شكرا أستاذ جميل لهذا الطرح ..فلطالما تفحصنا مآلات الإسلام السياسي ووعوده ورهاناته ..وتجذرت نقاشاتنا ونحن طلاب في نهاية الثمانينات على ضرورة اختبار شعارات الإسلام السياسي وآلته الدعائية وأدبياته بما تنطوي عليه من تأثير واضح في واقع اجتماعي واقتصادي بالغ التعقيد، وكنا نعول دوما على قدرة هذا الواقع على فضح البروباغندا الحالمة لجماعة الاسلام السياسي التي ظلت تتوسل أجندات ضبابية ذات أهداف محددة في جميع طروحاتها ومواقفها ، تنظيمٌ فشل عرابه حسن الترابي على وضع تفاصيل محددة لبرنامجه السياسي والاقتصادي في ندوة جمعته مع محمد ابراهيم نقد والصادق المهدي، حيث بدا على الرجل الارتباك والمذيع يطلب منه ان يحدد مساراته الاقتصادية ضمن برنامج حزبه الانتخابي بُعيد انتفاضة مارس ابريل المجيدة فدخل في تهويمات غيبية وتلعثم لفظي مغلف بضحكات ماكرة .
إن التجربة المشوهة لقانون العقوبات الذي صاغه المستشار الترابي في كنف سلطة جعفر نميري التي اطلقت العنان لمحاكمات سبتمبر الجائرة التي استندت في جل بنودها لميراث الدولة الأمنية العقيمة التي دشنتها الحقبة المايوية بامتياز بُعيد التئامها مع جماعة الاخوان المسلمين وما نتج عنها من ممارسات مؤلمة وملاحقات عصيبة للمناوئين السياسيين وحتى الدينيين ومحاكمات متعجلة أوصلت المفكرين الى المشانق وتواضع الترابي وجماعته على تسميتها بقوانين الشريعة ستعكس دوماً حقبة من الذكريات المؤلمة في تاريخ الشعب السوداني وفي نفسية من طالتهم تلكم الأحكام المتعسفة.. لقد عجزت الشعارات البراقة للإخوان المسلمين أن تدشن واقعاً لطالما بشروا به..فكانت التشريعات المصاغة على عجل توطئة لما تم ويتم حالياً .. وتحليلي المبسط ان الإخوان المسلمين ظلت وستظل ظاهرة شعائرية وشعاراتية بامتياز .. لا جديد على مستوى البرامج والسياسات والطروحات الخاوية أصلاً فكانت البدائل ممارسات مريرة وذات نتائج كارثية وهي مجموعة العلل التي تناولها كاتب المقال..
نموذج الممارسة السياسية والاجتماعية والاخلاقية التي طرحها الأخوان المسلمون طوال ربع قرن بالسودان وما ترافق معها من تراجيديا مفزعة هي ذات المآلات التي سترتبط بأي سلطة للأخوان المسلمين في أي بلد حيث الشعارات الفضفاضة العاجزة هي غذاء الجوعى وحيث الايدولوجيا الحالمة مأوى الفقراء..
اتفق تماما مع الاستاذ جميل على ان التجربة السودانية الماثلة بإمكانها أن تتحول الى فكرة خصبة لمحاكمة ناجعة لمآلات الإسلام السياسي بجميع تمظهراته ..وهو تصور يضع النموذج برمته تحت مبضع المفكرين والاستراتيجيين والمخططين والمحللين السياسيين..
شكرا أستاذ جميل لهذا الطرح ..فلطالما تفحصنا مآلات الإسلام السياسي ووعوده ورهاناته ..وتجذرت نقاشاتنا ونحن طلاب في نهاية الثمانينات على ضرورة اختبار شعارات الإسلام السياسي وآلته الدعائية وأدبياته بما تنطوي عليه من تأثير واضح في واقع اجتماعي واقتصادي بالغ التعقيد، وكنا نعول دوما على قدرة هذا الواقع على فضح البروباغندا الحالمة لجماعة الاسلام السياسي التي ظلت تتوسل أجندات ضبابية ذات أهداف محددة في جميع طروحاتها ومواقفها ، تنظيمٌ فشل عرابه حسن الترابي على وضع تفاصيل محددة لبرنامجه السياسي والاقتصادي في ندوة جمعته مع محمد ابراهيم نقد والصادق المهدي، حيث بدا على الرجل الارتباك والمذيع يطلب منه ان يحدد مساراته الاقتصادية ضمن برنامج حزبه الانتخابي بُعيد انتفاضة مارس ابريل المجيدة فدخل في تهويمات غيبية وتلعثم لفظي مغلف بضحكات ماكرة .
إن التجربة المشوهة لقانون العقوبات الذي صاغه المستشار الترابي في كنف سلطة جعفر نميري التي اطلقت العنان لمحاكمات سبتمبر الجائرة التي استندت في جل بنودها لميراث الدولة الأمنية العقيمة التي دشنتها الحقبة المايوية بامتياز بُعيد التئامها مع جماعة الاخوان المسلمين وما نتج عنها من ممارسات مؤلمة وملاحقات عصيبة للمناوئين السياسيين وحتى الدينيين ومحاكمات متعجلة أوصلت المفكرين الى المشانق وتواضع الترابي وجماعته على تسميتها بقوانين الشريعة ستعكس دوماً حقبة من الذكريات المؤلمة في تاريخ الشعب السوداني وفي نفسية من طالتهم تلكم الأحكام المتعسفة.. لقد عجزت الشعارات البراقة للإخوان المسلمين أن تدشن واقعاً لطالما بشروا به..فكانت التشريعات المصاغة على عجل توطئة لما تم ويتم حالياً .. وتحليلي المبسط ان الإخوان المسلمين ظلت وستظل ظاهرة شعائرية وشعاراتية بامتياز .. لا جديد على مستوى البرامج والسياسات والطروحات الخاوية أصلاً فكانت البدائل ممارسات مريرة وذات نتائج كارثية وهي مجموعة العلل التي تناولها كاتب المقال..
نموذج الممارسة السياسية والاجتماعية والاخلاقية التي طرحها الأخوان المسلمون طوال ربع قرن بالسودان وما ترافق معها من تراجيديا مفزعة هي ذات المآلات التي سترتبط بأي سلطة للأخوان المسلمين في أي بلد حيث الشعارات الفضفاضة العاجزة هي غذاء الجوعى وحيث الايدولوجيا الحالمة مأوى الفقراء..
اتفق تماما مع الاستاذ جميل على ان التجربة السودانية الماثلة بإمكانها أن تتحول الى فكرة خصبة لمحاكمة ناجعة لمآلات الإسلام السياسي بجميع تمظهراته ..وهو تصور يضع النموذج برمته تحت مبضع المفكرين والاستراتيجيين والمخططين والمحللين السياسيين..