الفهم … ولو بعد .. فوات الآوان !ا

الفهم … ولو بعد .. فوات الآوان !

محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]

كنا فتية في مقتبل الشباب أو مرحلة ما بعد الصبا ، كانت تسحرنا الخطابة والكتابة ، فلا نفوّت ندوة سياسية أو ادبية الا ونرتادها ونخرج مسحورين ايما سحر باي عبارات جديدة نسمعها أو حتي حركات يد المحاضر أو ابتسامته وهو يهّوم في فضاءات الساحة ، وعيونه تبرق وسط اضوائها و لهيب التصفيق ، فنخرج من الليلة ولا يكاد النوم يغشي أعيننا الا بعد أن نخزن في الذاكرة الغضة ، مصطلحات وعبارات وحركات نبذ بها زملائها في الجمعيات الأدبية وأن كانت تلك المستجدات في مخزون معرفتنا تُلقي في غير مكانها وزمانها !

كانت السياسة بالنسبة لنا هي فن الخطابة والكتابة بغض النظر عن المضامين التي يمكن أن تجعل من تلك الشعارات الهلامية والفضفاضة ، واقعا تبذر حباته في تربة الأرض ليُسقي بماء الوطنية ويحُرس بعين اليقظة والتجرد عن مصالح الذات لينمو و يثمر !
كان الغرور يملاء نفوسنا الرعناء المنفوخة بعنفوان الشباب وغرور المرحلة ، فيتلبسنا الشعور باننا ملكنا ناصية الفكر والمعرفة والنضوج!
وتمضي السنوات وتتسع دائرة الضؤ أمام اقدامنا وهي تخطو صعودا الى مراحل أخرى ، فنكتشف اننا ، كنا نتلقف زبد المعرفة ليس الا وقشور الفكر، واننا بتنا أكثر حوجة للمزيد من معارف الفكر السياسي و معين الكتب العلمي ، لتتضافر مع مكتسبات الوعي التي حصدناها من حقل الحياة العامة .
في الماضي كانت اجاباتنا حينما نُسال، أنا أعرف الكثير ، ان لم يكن كل شيء ، والآن نجيب بالقول هل من مزيد ، فلا زلنا نجهل الكثير !

هذا التراجع نحو الواقع الذي يتمثل في مواجهة الذات ، ربما مكسبه لا يقدر بثمن وان كان عائدا لمحيط النفس الضيق وقد لا يتعداها بالمنافع للآخرين الا ، في نطاق أضيق ، فالانسان مهما بلغ درجة من التحصيل ، فسيجد نفسه مجرد جدول أمام بحور كبيرة اجتهدت وثابرت واستفادت لتفيد !
لكن اكتشاف الخطأ في العمل العام الذي تتعدى مضاره الدائرة الضيقة للفرد ايا كان موقعه ، تكون كارثية ، لاسيما عند القيادات التي تتولى الصدارة في الاوطان ، فتكون المصيبة أهون اذا ما كان ذلك القائد وفريق اركان حربه في السلطة منتخبين ومكلفين ، فذلك يعطي الصالح العام حق محاسبتهم ، طالما أنهم تصدوا لتقبل المسئؤلية بمحض ارادتهم ووفق قناعات لا بد أن يتحملوا نتائج تطبيقها نجاحا كان أم اخفاقا !

ولكن الطامة تكون أكبر حينما يفرض أولئك القادة أنفسهم ، ويمضون في سدة القيادة عقودا من الزمان ، ويصمون آذانهم عن كل هتافات الجمهور للنزول عن المسرح بعد أن زاد مقدار نشازهم وضوضائهم ورداءة صوتهم وسماجة شعرهم ،وقباحة لحنهم ، الحد التي لم تعد تحتمله طبلات مسامع الجمهور ، فلا يسمعون تلك الهتافات الداعية الى اغلاق الستارة في وجوههم ولا يستبينوا علامات الامتعاض في الوجوه التي اشاحت عنهم الى الوراء !
كنا صغارا فانغمسنا في حلاوة سطوة مقتبل العمر التي حلقت بنا على سحابات الوهم، وكبرنا فلم نجد أحلى من الجلوس على بساط التواضع والاستماع الى الاخرين ولو كان في ذلك تقريع !

ولكن متي يفهم الذين استمرأوا طعم الدماء وهم يقضمون أطراف الوطن باسنان الغباء ؟ ويستحلون انتفاخ البطون بغازات الكسب الحرام ، استغلالا لسلطة ، والله لو سألوها لصرخت فيهم بأعلي صوتها ، لقد مللتكم فاعتقوني !
ولكن الفرق بين ضميرمن يجلس على سدة ذاته ويتخاطب معها عبر سنوات تزايد العقل فيها ،ليس كضمير من يجثم على مخارج نفس الوطن بأكمله ، فلا يسمع الا همس ذاته الامارة بالسوء وهي تشغله عن سماع صرخات المُغتصب وهو يئن تحت ثقل مؤخرة من يجثم فوقه،و الذي قد يتلبسه الوهم ان ما يتردد من صراخ عبر بوابات سمعه الخلفية ، ما هو الا شكرٌ على دفء الكتمة ، والتمتع بنتانة الريح ، التي تستوجب سد الأنوف ، بما تبقي من حركة الأيادي وهي تحاول، أن تقول لمن أطال الجلوس دفعا على اردافه المكتنزة. تبا لجلستك !
فهل يفهم ولو بعد فوات الأوان وتكالب الأحزاب ، لنحفظ من بعد سقوطه ولا نقول نهوضه ، بقية أركان الأوطان !
والله المستعان ..
وهو من وراء القصد.

تعليق واحد

  1. وهم يقضمون أطراف الوطن باسنان الغباء ويستحلون انتفاخ البطون بغازات الكسب الحرام ..!!!
    لا عطر بعد عروس !!!
    لك التحية أستاذ برقاوي

  2. خشيت في الغميس المرة دي كدا ماكويس الواحد براعي برضو نسوان أو بنات يجوا يخشوا بي جاي ممكن توصل فهمك بصورة أفضل من دي على العموم الفكرة وصلت جزاك الله خير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..