المزايدة والمناقصة في حوار الحكومة وقطاع الشمال

عادل إبراهيم حمد
تتعثر جولات التفاوض بين الحركة الشعبية/ قطاع الشمال والحكومة .. وفي أجواء المزايدة بين الطرفين يصر قطاع الشمال الذي تتمركز جماهيره في جنوب كردفان والنيل الأزرق، حيث تدور حرب بين الحكومة وقوات القطاع، يصر على إدراج قضايا مركزية مثل التحول الديمقراطي وكأنه يمثل كل الجماهير السودانية التي لا تنضوي تحت لواء القطاع ، والتي وإن كانت معنية بهذه القضية الجوهرية إلا أنها لا تعتبر قطاع الشمال معبراً عن وجهة نظرها وتفضل بطبيعة الحال وبمنطق الأشياء أن تعبر عنها أحزابها وتنظيماتها . وفي سوق المزايدة التفاوضي يحرك المؤتمر الوطني الحاكم منسوبيه في المنطقتين، لا لدحض مزاعم القطاع في أحقيته بطرح القضايا القومية فحسب، بل لتجريده حتى من تمثيل المنطقتين بزعم أن للجماهير في جنوب كردفان والنيل الأزرق تنظيمات أخرى تختلف مع قطاع الشمال وترفض الحرب التي يشعلها ويتضرر منها كثيراً مواطن المنطقتين.
مزايدة المؤتمر الوطني تبدو رد فعل لطرح القطاع قضايا قومية تعقد مسار التفاوض حسب رأي الحزب الحاكم، لكنه رد فعل غير مناسب، حيث كان في إمكانه الاكتفاء برفض خطة القطاع ومحاصرته في تسوية الأوضاع في المنطقتين، لكن المزايدة جعلت الحزب الحاكم وكأنه يطرح الجلوس مع منسوبيه من أبناء المنطقتين لمناقشة قضايا متفق عليها، فبدا المؤتمر الوطني عابثاً.. أما قطاع الشمال، فقد استغل لأعلى درجة ممكنة الخطأ التاريخي الذي وقع فيه المؤتمر الوطني برفضه لاتفاق نافع ــ عقار ليسوّق نفسه منقذاً في مقابل هذا الحزب الذي يجهض اتفاقاً وقّع عليه قيادي بارز لم يعرف بتعاطف مع الحركة الشعبية.
تطالب الحركة الشعبية/ قطاع الشمال بإلغاء الحظر غير الدستوري والاعتراف بها كتنظيم سياسي قانوني، لكن في المقابل يقابل المؤتمر الوطني هذا المطلب بشرط تخلي الحركة الشعبية عن الخيار العسكري حتى تكون تنظيماً (سياسياً) يتبع الوسائل السلمية، ويتواصل الجدال فيتساءل قطاع الشمال عن حال الأحزاب السياسية التي ارتضت الوسائل السلمية فلم تجد غير احتقار المؤتمر الوطني الذي يتفضل عليها بمشاورات هزلية، وترى هذه الأحزاب أن نضالها السلمي قد أثمر وأجدى كثيراً مستشهدين بتحولات فكرية وسياسية في بعض أعمدة النظام الذين خرجوا في تنظيمات معارضة مثل (الإصلاح الآن) والحركة الوطنية للتغيير، لكن القطاع لا ينتظر خيراً من نظام يلجأ رئيسه للمكايدات الحزبية وينزل بثقله الرئاسي مسانداً مرشح حزبه في انتخابات وإلى جنوب كردفان و(التبشير) بالتصعيد بقوله (تاني اتفاقية ما في)، في عبارة تفضح ما يضمره النظام، إلا أن المراهنين على العمل السلمي ينبهون إلى أن هذا الخيار لا يعني الثقة في النظام لكنه الخيار الأقل كلفة، والذي يحمي الجماهير المظلومة من ويلات الحرب. ولا يبدو أن القطاع يلقي بالاً لهذه الحجج فيطرح قضايا تعني جماهير أخري في الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة والحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي وحزب البعث لا يجوز لقطاع الشمال أن ينفرد بها ويطرحها في منبر تفاوض ثنائي لا تؤهله طبيعته لطرح هذه القضايا. لكن القطاع يبعد عن نفسه هذه الشبهة فيقترح (عملية دستورية وطنية شاملة) ويدعو الآلية الإفريقية والممثل الخاص المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بدارفور ورئيس بعثة اليوناميد وكبير الوسطاء وممثل الإيقاد وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان وجنوب السودان ورئيس الوزراء الإثيوبي للمشاركة في اجتماع تحضيري في العاصمة الإثيوبية لوضع الخطوات الإجرائية وتحديد مكان المؤتمر والتهيئة له بخطوات لبناء الثقة اللازمة لعقد المؤتمر القومي الدستوري.
يبدو أن قطاع الشمال يستذكر ما فعلته الحركة الشعبية في نيفاشا حين لم تكتف بالإجراءات الأمنية الخاصة بوقف الحرب، بل عمدت إلى الخوض في الوضع السياسي حتى تمكنت من إجبار النظام على وضع دستور تعددي والإيغال في حياة ديمقراطية لم تكن تحلم بها أحزاب الشمال، ويحلم الآن قطاع الشمال بأن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه بإجبار النظام على عقد مؤتمر دستوري يضع حداً لموضوع كيفية حكم السودان، لكن ما ينقص هذه الرؤية أن نجاح الحركة الشعبية في نيفاشا ارتبط بإرادة دولية (دفعت) الطرفين للاتفاق التاريخي.. ويمكن أن تستمر هذه المناقصة إلى أسفل سافلين لا يوقفها غير تنازلات صعبة تضع حداً لأوضاع أصعب.
العرب
[email][email protected][/email] العرب
مقال يحوي كثير من الفكر والرأي ولكن بدون شك كل المعاضة المسلحة منها والسلمية تطالب بالحل الشامل الذي يمثل كل اهل السودان .هي فرصة حكومة المؤتمر الوطني لصياغة وضع قومي سلمي بعيدا عن المكايدات وتكون الحسنة التي تحسب له قبل ان يتشظي باقي الوطن بكثرة العناد وقصر النظر.