السودان و مفترق الطرق و المجتمع الدولي

د. مقبول التجاني

للوهلة الأولي تبدو لي مبادرة الرئيس البشير للحوار الوطني الشهيرة بالوثبة مع أحزاب المعارضة السلمية كأنها بروفة تنشيطية لقياداته الحزبية و طاقمه التنفيذي الجديد من جهة و أيضا تمثل بروفة تنشيطية لأحزاب المعارضة النائمة من جهة أخري و فتح لقنوات جديدة.
لكن حتي هذه الفرضية الجدلية لديها بعض القراءات السياسية التي تتناقض معها اذا ما وضعنا في الاعتبار ان هذه اللقاءات التفاوضية و الحوارات بين أحزاب المعارضة السلمية جميعها و حزب المؤتمر الوطني لم تتوقف يوما واحدا علي الأقل منذ انفصال الجنوب مما يجعل اللقاءات الأخيرة كأنها تشاورات أو فرقعات اعلامية.

لكن تزامن هذه الحوارات أو المبادرة العبثية مع الجولة الأخيرة من مفاوضات أديس أبابا و موت هذه المبادرة بانهيار مفاوضات قطاع الشمال يوحي بأن أحزاب المعارضة السلمية كانت تلعب دور الكومبارس أو الممثل الثانوي في مسرحية المؤتمر الوطني الكبيرة سواء كان ذلك بعلم تامري منها أو تحت مظلة الغفلة أو في سياق العجز السياسي أو كل ذلك معا و كل ذلك جاء في اطار سحب البساط من تحت أقدام قطاع الشمال حتي لا يتحدث و يحاجج المجتمع الدولي و الداخل السوداني عن المشاكل القومية.
كل ما يمكن أن تتمخض عنه مبادرة الوثبة مع المعارضة السلمية في الخرطوم في الأيام القادمة هو انفراج بسيط في مؤشر الحريات السياسية و الحريات العامة مع تشكيل عدد من اللجان المشتركة ذات الطابع الشبه قومي تقوم بادارة حوار اعلامي فيما بينها و بين مكونات الدولة و قطاعات من المجتمع بشأن اعداد الدستور و الاقتصاد و غيرها من القضايا و لن تكون هناك حكومة انتقالية أو قومية أو أي صيغة سياسية جديدة بناء علي هذه التفاهمات بين الحكومة و أحزاب المعارضة السلمية و هذا أيضا يأتي في اطار اعداد المسرح السياسي لما هو ات من الخارج سواء كان ذلك صفقة أفرو أمريكية للتسوية مع قطاع الشمال أو الجبهة الثورية أو كان ذلك حصار خليجي مصري.

اذا هناك احتمالان للتسوية في السودان و المضي في أي واحد منهما يحدد مستقبل البلاد و هل ستبقي موحدة أم لا لأنه اذا استمرت الوساطة الأفريقية في الخط الحالي بحصر المفاوضات في قطاع الشمال فقط و ترك حركات دارفور و بقية فصائل الجبهة الثورية لمنبر أو منابر أخري فحتما هذا سيؤدي باقليم دارفور الي الانفصال حتي لو لم يرد أهله ذلك.
أما اذا ارتأت الوساطة الأفريقية و من خلفها المجتمع الدولي دمج منابر التفاوض في منبر واحد يحتم علي الحكومة الاعتراف رسميا و الجلوس مع الجبهة الثورية كفصيل واحد ينادي بحل شامل لجميع مشاكل السودان فان هذا قطعا سوف يمثل الصمام الوحيد لوحدة البلاد الا ان هذا الاحتمال ضعيف جدا مقارنة بالسابق.

هذا يعني أن البلاد في طريقها حتما الي التقسيم الرأسي لجزئين غربي و نيلي لأن الوحدة بين المكونين في ظل حكم المؤتمر الوطني الحالي تبدو مستحيلة نتيجة لتبنيه لنسخة متطرفة من المشروع العروبي الاسلامي الوجود في المركز منذ فجر الاستقلال.

لكن السؤال الأهم هو هل تملك دارفور مقومات الدولة المستقلة اقتصاديا و اجتماعيا و جيوسياسيا و تنمويا أم لا لأن أهلها سيجدون أنفسهم العام القادم في وضع سياسي جديد.

كما أن هناك حقيقة صادمة أخري و هي أن دارفور لا يمكن أن تحكم من الخرطوم فدراليا أو غير فدراليا و أكبر دليل علي ذلك الفساد المالي الكبير المسكوت عنه الذي يستنذف مواردها الولائية و هذا الفساد المالي و الاداري لعمري لا يقل خطورة عن الانفلات الأمني بتأثيره مباشرة علي الخدمات التي كان من المفترض أن تقدم للمواطن البسيط في مكان وجوده.
كما أن هياكل ولايات دارفور الادارية تعاني من ضعف شديد و هناك ضعف في أجهزة الرقابة الادارية علي المال العام علي الرغم من أن القائمين علي تلك الأجهزة أغلبهم من أبناء الاقليم و ليس من المركز. لذلك كان حريا بهم أن يراعوا مصالح أهاليهم و أن يتوقفوا عن الاعتداء علي المال العام بجميع أشكاله.

خلاصة الأمر أن مستقبل السودان الان و هل يبقي دولة موحدة أو لا يبقي كدولة هو ما يحدده المجتمع الدولي في مقبل الأيام و ليس ما يحدده بنوه علي مختلف مشاربهم و توجهاتهم.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. قاتل الله عصابة الجبهة الاجرامية ولصوص المؤتمر البطني، حتى المشرتمة دي دايرين يقسموها على إتنين!

  2. المتأمل في أسماء البعض يصاب بنوع من الحيرة

    مثلاً :
    البشير .. الصحيح .. النذير
    محسن .. الصحيح.. مانع

    مقبول الصحيح .. غير مقبول

    كلام ما معروف مصدره .. هل هذه تحلايلات .. تسريبات إستخباراتية دولية ام محلية … هل هذه أمنيات سودانية وطنية أم غير وطنية ..

    ما هذا ..؟؟؟؟؟

  3. عارف الوثبة معناها شنوه.
    المركب لما تغرق مش الناس بنطو منها ؟
    أياهو دا زاتو معنى الوثبة المقصود يعنى ( النطة).

  4. السودانيين … لن يخرجوا على هؤلاء الفاسدين مصاصي الدماء…. لان هؤلاء .. يعتقدون ان هولاء اللصوص القتلة.اولادهم وما بجروا في جلدهم الشوك و (أحسن ليهم) من (بتاعين الجبهة الثورية)… وخلونا نضع النقاط فوق الحروف
    لا توجد دولة بل هي عصابة عنصرية جهوية مستعربة متاسلمة وعلى كل من لا يحمل السلاح حمله دفاعا عن نفسه وحزبه ووطنه والله افضل وأشرف لنا ان يتحول السودان. إلى صومال آخر خير من هذه الذلة والمهانة. إلى متى. ؟؟ قالوها لكم لا نكترث إلا بمن يقاتل ويحمل السلاح. إلى متى تظلون (خرافا عند الجزار) ؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..