مطلوب عطاءات لتوريد الفرح للشعب السوداني !ا

مطلوب عطاءات لتوريد الفرح للشعب السوداني !ا

د. على حمد إبراهيم
[email protected]

فى لحظة اعداد هذا المقال كانت الانباء تترى من السودان . قتال مرير فى جنوب كردفان . وموت مجانى وتجريح . وقتال مرير آخر فى جنوب النيل الازرق وموت مجانى وتجريح . وقصف عشوائى يطال حدود جارتنا الشقيقة دولة الجنوب الوليدة ويقتل مواطنيها العزل . وتصدر التوجيهات الرئاسية باحضار معارضى الرئيس من أهل الرأى الآخر وهم تحت كلباش الحديد . هذه الحالة الجنونية المنفلته تقمصت السودان منذ اقبل ذلك الصبح العاصف على شعب السودان . صبح الجمعة المشئوم على التنحديد . ليجد الشعب نفسه على حين غرة وهو يرسف فى قيود الاذلال فى بيوت الاشباح وتحت مداميك لازدراء متى قال انه لا يرتضى البضاعة المزجاة التى يعرضها عليه الانبياء الجدد. وتواترت وتعاقبت اللحظات الحزينة الداكنة فى حياة الشعب السمح الولوف ذى الوجدان المنطلق مثل نسيم الصبا . اعدامات بالجملة وزنازين وسجون تسأل عن المزيد . مجدى الصغير علق فى المشنقة لأن بضعة دولارات وجدت فى منزله . لم يسرقها من احد . انها بعض من حر ماله الخاص . فى كل شرائع الدنيا لا يوجد تشريع يشنق الانسان فى حر ماله . وهرع الشعب السودانى المسكين هاربا مولولا كل يصيح فى وجه اخيه ناصحا : إنج سعد ، فقد هلك سعيد . وامتلأت الدياسبورا العالمية عن آخرها بالمرهقين الحزانى الهاربين من جحيم بلادهم . حتى اسرائيل التى كانوا ينفرون منها كما ينفر الصحيح المعافى من الاجرب الكليم ، وجدت نفسها وهى تغرق فى بحور المهاجرين المرهقين ياتون اليها بخاطر خجول و مجروح ومكسور من عداء الأمس . هذا وحده يكفى سببا يبرر للشعب الطيب الحزين البحث عن مقاولين جدد، وعن مستوردى افراح جدد ، وعن مقدمى عطاءات جدد ، يلبون حاجة السودانيين لبرهة قصيرة من البواح النفسى تذهب عنهم هذه الاكدار الممنهجة التى غيبت الفرح عن وجدانهم منذ هلّ ذلك الصبح المشئوم . صبح الجمعة بالتحديد ، حين حملت فرقة منهم سلاحها . وهاشت فى البرية تهشم مستودع الخزف الديمقراطى بصورة لا تقدر عليها حتى الثيران الاسبانية الناشزة . لقد دكوا العرين الديمقراطى الذى كانوا جزءا منه وهم فى حالة من الفرح والشماتة تعدل فرح نيرون الامبراطور وهو يتلذذ بمنظر روما وقد تحولت الى جبال من الرماد والهشيم ولسان حاله يقول علىّ وعلى اعدائى فى حالة مرضية من الحقد النادر . واليوم يراوح الشعب السوداني الحزين فى مكانه الأسيف الذى ظل ماكثا فيه لاكثر من عقدين من الزمن و قد صار سبورة وممسحة للتجريب الفاشل . وللضرب تحت الحزام متى تجرأ الواحد منهم وقال ان البغلة فى الابريق . فى السابع من يوليو من عامهم المنصرم اكتملت خيبتهم الكبرى حين الفوا وطنهم القارة وقد انشطر شطرين بسبب تمادى حكامهم فى استفزاز الآخر و الاستهتار به . وها هى بارزة نتيجة ذلك الاستهتار . لقد كانت ازمة جنوب السودان فى مبتدأ الأمر ازمة ثقة مفقودة وتنمية غير متوازنة فى شقى الوطن الكبير تسببت فيها سياسات دولتى الحكم الثنائى بريطانيا ومصر التى نفذت منذ عام 1922 حين اصدرت الحكومة الثنائية قانون المناطق المقفولة الذى اغلقت بموجبه الجنوب عن العالم الخارجى وعن شمال السودان . واذعنت الحكومة المصرية لارادة الحكومة البريطانية ومخططها القاضى باطلاق يد النشاط الكنسى فى الجنوب لنشر المسيحية فيه على حساب تطوير الجنوب و نشر التعليم الحديث فيه او احداث اى قدر من التنمية الحديثة . فنشأ بصورة تلقائية تباين حاد بين طرفى البلد الواحد . فى الشمال تعليم حديث ونهضة اقتصادية وتنموية معقولة . وفى الجنوب تعليم كنسى محدود للغاية اقيم اساسا لاهداف سياسية بعيدة المدى . وعندما جاء الاستقلال لم تجد حكومة الاستقلال الجديدة الا اعدادا تحسب على اصابع اليد من المتعلمين الجنوبيين من الدرجات الدنيا لتولى بعض المناصب الصغيرة التى اخلاها الموظفون الانجليز والمصريون . و شعر الحنوبيون بغبن شديد ازاء ذلك الواقع . وبدلا من توجيه غضبهم تجاه الانجليز باعتبارهم صناع فكرة قفل الجنوب بقانون المناطق المقفولة لعام 1922 ، بدلا من هذا ، اوغر الانجليز صدور الجنوبيين ضد الشماليين بحجة انهم لم يعطوهم الاعتبار الكافى فى وظائف السودنة العليا التى تطلبت تعليما عاليا لم يوفره الانجليز لهم عن قصد مجرم. فى يوم مغادرة الحكومة الاستعمارية الثنائية كان التحريض ضد الشماليين الذين تقلدوا المناصب التى اخلاها المستعمرون الانجليز والمصريون قد وصل مداه فى الجنوب .ولم ينتظر الجنوبيون طويلا قبل ان يعبروا عن غضبهم بصورة عملية محزنة . فقد حملت الفرقة الاستوائية الجنوبية فى مدينة توريت سلاحها فى اغسطس 1955 وابتدرت تمردا مسلحا صاعقا قتلت فيه كل شمالى رماه حظه العاثر فى طريقها . وحذت وحدات عسكرية جنوبية فى مدن اخرى حذو فرقة توريت . وما هى الا ساعات حتى وصل عدد القتلى الشماليين الى بضعة مئات. قالت الدراسات والتحليلات التى نشرت فيما بعد ان الانجليز كانوا يرمون الى احداث انهيار دستورى فى السودان يتيح لهم النكوص عن قرار منح السودانيين استقلالهم بحجة عدم الجاهزية الادارية . لم يفلح المخطط لأن الحكومة استطاعت السيطرة على الاوضاع الامنية والسياسية . وامنت الاستقلال الوليد . .ولكن الاحتقان السياسى بين طرفى البلد الواحد ازداد . وازدادت معه هوة عدم الثقة المتبادلة بين الانسان السودانى فى الجنوب واخيه الانسان السودانى فى الشمال. ومضى وقت طويل بعد حصول السودان على استقلاله دون ان تفكر الحركة السياسية فى الشمال فى ملافاة الهوة الاجتماعية والاقتصادية والتنموية التى صنعتها الادارة الاستعمارية وتركتها خلفها يوم مغادرتها للسودان . وكان هذا الخطأ لا يقل فى جسامته عن خطأ الاستعماريين الذين صنعوا ونفذوا سياسة قفل الجنوب . لقد ظن الشماليون ان البلد المستقل حديثا قد ترك وراءه آثار محنة التمرد الأول . واستمروا فى تجاهل قضية التنمية غير المتوازنة بين طرفى البلد الواحد .وناموا طويلا على هذه الاحلام الوردية الخادعة فى غفلة شبيهة بغفلة بنى امية التى شكا منها شاعرهم نصر بن سيار حين قال فى بيت شعر صار مضرب الامثال على مر العصور فى التنبية عن الغفلة السياسية التى يقع فيها الحكام وتكون لها عواقب وخيمة على اممهم :
ارى تحت الرماد وميض نار واخشى ان يكون لها ضرام

لقد صحا السودانيون من غفلتهم الطويلة على ضرام و هدير الرصاص فى تمرد مسلح ثان قامت به (حركة الانيانيا ) بقيادة الجنرال جوزيف لا قو . تلتها حركة تمر ثالثة بقيادة العقيد جون قرنق التى افلحت اخيرا فى فصل الجنوب عن الشمال بدعم دولى ماكر اسهمت فيه ادارة الرئيس جورج بوش الابن بنصيب الاسد بايعاز وتاثير قوى من جماعات المحافظين الجدد الذين تحلقوا حول الرئيس بوش و احاطوا به وبادارته احاطة السوار بالمعصم . واخرجوا ل للسودانيين اتفاقية سلام معقدة . و لم يكن لأهل السودان دور أو رأى فيها . ولم يتبينوا الآثار البعيدة المترتبة عليها ، حتى اذا اصبح الصبح الفوا بلدهم لقارة وقد انشطر الى شطرين . وصار حديقة على الشيوع الدولى والاقليمى يهرع اليها الوسطاء الاقليميون والدوليون فى سباق ماراثونى و عيونهم على خيرات البلد الواعد بمزاياه الزراعية والبترولية والمعدنية . وبموقعه الاستراتيجى المميز كجسر يربط بين العالمين العربى والافريقى . وصدق السودانيون فى طرفى البلد انهم اصبحوا قاب قوسين او ادنى من سلام دائم يستحق المخاطرة والمغامرة بقبول اتفاقية غامضة الاهداف وحمالة اوجه كثيرة ما لبثت أن خرت من ثقوبها الكثيرة المياه التى اغرقت كل أمل . لقد غامر حكام الانقاذ بوحدة بلدهم من أجل سلام ظنوا انه سيوفر عليهم اتعاب الحرب ويمدهم باسباب البقاء السياسى سنوات وسنوات . حتى اذا اسفر الصبح لم يجدوا السلام . ولم يجدوا البلد الحدادى المدادى الذى كم تغنى به شعراؤهم فى افتتان انغرس فى الوجدان منذ زمن طويل . لقد راهنوا على شرف الدولة الاعظم وعلى امانتها واخلاقها وحكمتها . حتى اذا اصبح الصبح سلمتهم بلدا ممزقا واتفاقية مهترئة وسلاما خادعا مثل السراب البلقع . وكان محزنا للشعب السودانى ذلك الابتهاج الذى كان يتبدى فى تصرفات رئيسه وفى ردود افعاله غير المكترثة فى يوم المحنة الوطنية الكبرى . لقد كان السابع من يوليومن عام 2010 هو يوم نكبة الشعب السودانى التى لا تشابهها الا نكبة الفلسطينيين فى نوفمبر 1948 . كان ذلك الشعور هو شعور كل ابناء الشعب السودانى ماعدا حكامه الذين ظنوا ان ذهاب الجنوب يعنى ذهاب كل معضلاتهم فى الحكم . حتى انهم بشروا شعبهم بانخفاض نسبة المصابين بمرض نقص المناعة . ولكن الصورة انقلبت تماما منذ تاريخ السابع من يوليو من العام المنصرم .فقد اصبح الحصول على نبأ سار عن السودان اندر من الحصول على لبن الطير . لينحنى السودانيون على اوجاعهم ، بصبر لا ينفذ. و يلههم الأمل . ربما تيمما بقول الشاعر القديم:
ما اضيق العيش لولا فسحة الأمل
هل كان انفصال الجنوب قدرا محتوما ليس لحكام الانقاذ يد فيه كما يقول هؤلاء الحكام الذين لديهم الجرأة الآثمة على مغاطة الحق سبحانه وتعالى ناهيك عن مغالطة بنى البشر . لا. ليس الأمر كذلك . لقد فصلت الانقاذ جنوب السودان عن شماله يوم اعلنت حربها الجهادية الدينية على ابناء الجنوب بوصفهم كفارا يجب ان يخضعوا بالقوة حتى يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون . لقد كان برنامج ساحة الفداء اكبر جريمة فى حق الوحدة الوطنية التى اهدرها المهووسون بغير علم . وكان ذلك البرنامج الذى كان يبثه تلفاز الدولة الرسمى ، كان احد اسباب الخيبة الكبرى التى وصلنا مداها فى السابع من يوليو 2010 . لقد عجز شعبنا فى السابع من يوليو عن البكاء بعيون مقرحة ومجرحة عندما رأى حكامه وهم يهونون من هول المصيبة الكبرى .و يذبحون الذبائح شكرا لله أن انعم عليهم بنعمة تمزيق الوطن القارة ! لقد عزت الدموع على الشعب الذى تقرح وجدانه من المصيبة مرتين . مرة حين وقوعها . ومرة اخرى حين حاول حكامه التهوين منها . لينطبق عليهم القول الماثور “كاد المريب أن يقول حذونى” .
يا لبؤس الحاكم الذى يفرط فى وحدة اراضيه ووحدة شعبه على امل كاذب . ثم يحاول غسل الدماء بمزيد من الدماء . اضحت يبابا . وها هى الساقية مدورة لا تعرف اين ومتى . وكيف تقف . و نيرون الامبراطور يأمر بتوليع روما . حتى يصير الرماد جبالا .

تعليق واحد

  1. ليت كان للفرح موردين يا أخي كان صرفنا عليه كل غالي ونفيس .. هؤلاء كتبوا على الشعب السوداني الحزن والشفاء , والفرقة والشتات .
    لا حول ولا قوة إلا بالله .
    ألا لعنة الله على الظالمين .. ألا لعنة الله على الظالمين .. ألا لعنة الله على الظالمين.

  2. يا دكتور لأنو البلد ما فيها شفافية العطاءات ح تقع علي شركات نافع و المتعافي و عبد الله اخو الرئيس و وداد حرم الرئيس …. و بعد ده اتخيل شكل البضاعة ال ح يوردوها الناس ديل ….. فطريقك مسدودٌ مسدودٌ مسدوووووودٌ يا ولدي ….. و نحن بعد الديمقراطية لا غنينا و لا فرحنا

  3. رايع كالعاده حبيبنا الدبلوماسي المحنك استاذنا علي حمد ابراهيم ياريت لو يقرأ الحاكم الظالم هذا المقال عسي ولعل يفهم ان الطوفان قادم لا محالة وان الفرصة تضيق يوما بعد يوم يا………ريت

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..