حزب الترابى : عودة الإبن الضال (2)

على عسكورى

إن المأزق الذى يعيشه الأخوان المسلمون ناتج من الأوهام ولا نقول “الفكرة” – فهم بلا فكرة ? التى يتبعونها. فالأخوان لا يؤمنون بالدولة القومية إبتداءً ? وهذا أمر يخصهم – ويعتقدون أن رابط الدين أعلى من رابط القومية. هذا أحد من المفاهيم السخيفة التى يصدقها ويعتقد فيها الأخوان لأن المقارنه غير واردة، لأن الدولة القوميه شكل إدارى من صنع الانسان فى حيز جغرافى محدد نتج عن صراعات البشر عبر التأريخ تقوم على دستور وقوانيين محددة تنظم وجود الناس داخلها وتنظم علاقتها مع العالم الخارجى، والدين عقيدة مطلقة يعتقد فيها الناس أينما كانوا ووجدوا ولا يخضع لحدود جغرافية، كما أن الدين مبادئ وقيم وموجهات لهداية البشر لا يمكن اختصارها جزافاً فى منع الخمور وجلد النساء او أكل أموال الناس بالباطل. ومحاولة ” كبسلة” الدين بكل إطلاقه ليتوافق مع شروط الدولة القومية هو الشطط بعينه.

ونحن ما نزال نذكر النتيجة التى تبعت خلطهم بين المقدس “العقيدة” والوضعى “الدولة” وغيره من الأوهام التى يعتقدون فيها حيث جاؤوا يومئذ بشذاذ الآفاق من أركان الأرض وجعلوا منهم مواطنيين يمتازون بحقوق كاملة لا تقارن بتلك التى “يهبوها” لخدامهم من شعوب السودان. وإن لم يكن الأمر كذلك على الاخوان أن يوضحوا لنا كيف ينال أشخاص مثل راشد الغنوشى وأيمن الظواهرى وغيرهم ممن إمتلأت بهم شقق ومنازل الخرطوم حقوقاً أكثر من تية أو محمد أحمد أو أوهاج أو أبكر! بأى حق وأى قانون يصبح الأجنبى أو الوافد أو حتى اللاجئ بين عشية وضحاها مواطناً من الدرجة الأولى يتمتع بكل الحقوق بينما يزج بـ “مواطنى” البلاد فى السجون إن طالبوا بحقوهم الأساسية! ترى هل لو ذهب أوهاج او أبكر أو محمد أحمد الى تونس او غيرها سيتمتع بتلك الحقوق التى نالها الغنوشى والاخرين مثله فى بلاد السودان، أم ستتم مساءلتهم عن إقامتهم ومبرر وجودهم بالبلاد او ربما تتم إعادتهم من حيث أتوا!

لسنا فى حوجة للقول أن الدولة القومية كما يعرفها الجميع لا تناسب شروط الإسلام، وقد قتل المفكرون والباحثون السودانيون وغيرهم هذا الأمر بحثاً، وإن كان الاخوان جادين فيما يعلنوا من دولة إسلامية عليهم ? خاصة بعد عودة الترابى لبيت الطاعة ? أن يعودوا لسياستهم فى عام 1990 ويفتحوا البلاد على مصراعيها لإخوتهم فى التنظيم. أما سياستهم الحالية او “المنزلة بين المنزلتين” فالنتيجة الحتمية لها هى تمزيق البلاد.

إن واقع العالم اليوم يقوم على الدولة القومية، والدولة القومية تقوم على المواطنة المتساوية فى الحقوق والواجبات وهذا شرط صحة. هذا واقع لا فكاك منه قبل به الأخوان المسلمون ام لم يقبلوا! فى كل دول العالم هنالك قوانيين تحدد من هو المواطن ومن هو الاجنبى الخ… وتحدد ما يتبع ذلك من حقوق وشروط إقامة. خلافاً لذلك ? كما حاول الأخوان أن يفعلوا فى بلاد السودان ? يصبح الأمر برمته فوضى لا ضابط لها وتنتفى تبعاً لذلك شروط الدوله القومية ومعها بالطبع شروط المواطنة وحقوقها وهو الأمر الذى الت إليه بلاد السودان تحت حكم الأخوان.

لقدعجز الأخوان طوال تاريخهم عن إستيعاب شروط الدولة القومية لأن ما يعتقدون فيه من أوهام لا يستوعب وجود الدولة القومية ولا يعترف بها إبتداءً. ظل الأخوان لعقود طويلة يحاولون استيعاب الدولة القومية فى أوهامهم، وعندما فشلوا فى ذلك قرروا مواجهتها بالعنف، أما تلك الدول التى قيض الله لهم حكمها مثل السودان فلم يدروا ما يفعلوا بها فقرروا تحطيمها من الداخل وتدميرها بحثاً عن شئ هم لا يعرفونه!

وبينما هم غارقين فى “معضلة” الدولة القومية وتحطيمها من الداخل او الخارج، انتقل العالم الآن فى ظل العولمة من مرحلة الدولة القومية التى لا يزال الاخوان يتصارعون معها الى مرحلة ” دولة السوق” Market State واصبح على الأخوان الآن توفيق أوضاعهم وفهم العالم بشروطه الجديدة بالرغم من أنهم فشلوا فى السابق من فهم شروط أقل بكثير من شروط ” دولة السوق”!
اليوم أصبحت قوى رأس المال العالمى ممثلة فى الشركات متعددة الجنسيات أقوى بكثير من العديد من الدول، وأية دولة تحاول أن تقف فى طريق سيل العولمة المنحدر سيجرفها بقوة تياره العنيفة، ليس مهماً عنده إن كانت دولة مسيحية او إسلامية أو علمانية أو أخوانية. والعولمة ليست ملك أمريكا او الغرب أو من أختراعه – فأمريكا والغرب نفسه يعانى من العولمة ويحاول ان يتوافق معها- بل هى ناتج لتطور حياة البشر وحركة رأس المال وتداخل المنافع وتطور التجارة وتنوع أساليب العيش نتيجة للتقنيات والمهارات الجديدة عند البشر وإمكانية تسويق المنتجات عالمياً وبطرق متقدمة.

لكل ذلك فتيار العولمة لن يجرف فقط الدول الفقيرة ، بل حتى الدول الغنية ذات المؤسسات الراسخة والمجتمع المتناغم تجد نفسها مضطرة لتوفيق أوضاعها حتى لا تنجرف. أما الدول التى تحاول الوقوف فى وجه سيل العولمة فقوة التيار وتلاطم الأمواج كاف لتفكيكها واقتلاعها والتخلص منها كركام على جنبات التاريخ!

ولكى تتنجنب دولة السودان الجرف الهاوٍ، على الأخوان المسلمين بشقيهم الاعتراف بأن السودانيين بحوجة لإيجاد “الوطن” الذى يمكن ان يتعايشوا فيه أولاً، ثم بعد ذلك التحاور حول كيفية التعايش بينهم وكيفية إدارته. ولن يتحقق الوطن طالما تمسك الأخوان المسلمون فى السودان بأوهامهم المعشعشة عن ما يسمونه بالدولة الدينية.

لكل ذلك، فدعوة “الناس” ? ولا نقول المواطنين لأن الاخوان لايعترفون بالمواطنيين ? للتحاور على وطن غير موجود او متخيل او متوهم فهو أمر يثير الاستغراب والدهشة! إن الاعتراف بالسودانيين كـ ” مواطنيين” لهم حقوق فى وطنهم هى الخطوة الأولى التى تسبق اى دعوة للحوار. فى غير ذلك تصبح بلاد السودان ” إمارة” للأخوان المسلمين يثيرون فيها الكثير من الضجيج والحروب والفتن والقتل، يتبارون فى نهب مالها ويفسدون حتى فى أموال حجاجها، تحاول الوقوف فى وجه الحضارة البشرية وتوجهها وسيجرفها تيار العولمة لتصبح أثراً بعد عين شاء أخوان السودان ام لم يشاؤا .. لا فرق!

إن كان الأخوان المسلمون جادون فيما يدعون له من حوار، فعليهم أولاً الاعتراف بأن الافراد الذين يتكون منهم مجموع الشعب السودانى هم “مواطنيين” لهم حقوق وعليهم واجبات. أول هذه الحقوق هو حرية الضمير و الحق فى التقاضى وحرية التعبير والنشر والتجمع والنشاط السياسى. هذه حقوق لا يجب أن تكون جزء من “الحوار الوطنى”، لأنها مرتبطة بحقوق المواطنة، وإن كان الأخوان لا يعترفون بهذه الحقوق فهم بالضرورة لا يعترفون بأن الاخرين مواطنيين لهم ذات الحقوق التى يتمتع بها أعضاء جماعة الأخوان. فى غير استيفاء تلك الحقوق الأساسية يصبح الحوار مستحيلاً! إذ كيف سيتم الحوار .. بين من ومن! هل يتم بين أجانب أو “رعايا” وبين سلطة قائمة لها مسؤلية محدودة جدا تجاههم لا تهتم حتى بقتلهم او فى الحقيقة هى التى تقتلهم! وحسناً فعلت قوى الإجماع الوطنى برفضها الحوار مع بقاء القوانين التى تسلب الناس حقوق المواطنة، إذ بدون الإلغاء الكامل لكل تلك القوانين لا يمكن أن يقوم حوار.

إن عودة حزب الترابى لبيت الطاعة بالرغم من بقاء تلك القوانيين النافية لحقوق المواطنة، تكشف بجلاء ما يدور خلف الكواليس! وهى عودة أملتها تطورات واشتراطات خارجية لا علاقة مباشرة لها بالصراع فى السودان. فحزب الترابى هو سداة جماعة الاخوان المسلمين لا يعترف بحقوق المواطنة إبتداءً، فالمواطنين عنده هم أعضاء تنظيم الأخوان المسلمين من بلاد السودان كانوا أم من غيرها من بلاد الدنيا، لذلك كان سهلاً عليه العودة لبيت الطاعة من جديد، فأغلب تلك القوانين التى تلغى المواطنة هى من صنع الترابى نفسه، وقد نفذت فى أسوء صورها عندما كان هو الحاكم بأمر الله! وليس فى عودة الترابى لبيته القديم الذى هجره لسنوات اى مفاجأة، وهل يتفاجأ الناس إذا عاد إبن ضال لدار ابيه!

أعتقد أن من الضرورى أن لا تهتم قوى الإجماع والقوى الشبابية ومكونات المعارضة لما يقوله أو يفعله حزب الترابى ومحاولته جمع شمل تنظيم الأخوان المسلمين وتوليه مسؤلية رفع رأية التنظيم الدولى للأخوان المسلمين التى أصبحت تتهاوى فى مناطق عدة.

ربع قرن من الزمان لم تتزحزح ثقتة الكثيرين فى الشعب السودانى قيد أنملة ولا فى إن المعارضة بشقيها قادرة على إسقاط الأخوان متى ما وحدت صفوفها وصعّدت من نضالها بشقيه. وأعتقد أنه من الأفضل للمعارضة أن لا يكون بين صفوفها فرع للأخوان المسلمين حتى يكون خلاصنا نظيفاً لا تشوبة شائبه، وهو أمر ضرورى لاعادة بناء بلادنا التى دمروها.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تحية..تحليل (دقيق) وبه( مصداقية)..عند بدء الخلاف بين المسيلمة(الترابى) والسفاح (حامل رتبةالحقير) ..عليهما لعنة الله وسخط (الشعب)..حضر وفد للخرطوم ..من دهاقنة تنظيمهم العالمى..(القرضاوى) و(الزندانى) و(الأحمر) ..وأجتمعوا بالسافلان..وغادروا فى اليوم (التالى) بدون أى( بيان)….هذه إستراتجيتهم ..قدم فى (السلطة) وقدم فى المعارضة(الوهمية)..وعند (العقاب) و(الكنس) و(المحاسبة) بإنتصار (إنتفاضة) الشعب المستدامة..يستوجب تنقية (السياسة) من أدرانها (الاربعة)..(الطائفية) و(المتأسلمين) و(العسكر) و(العنصرية)..نحن رفاق الشهداء..الصابرون نحن..

  2. بالله عليك كن صادق فيما تقول هناك فرق بين الحوار كقيمة دينية وبين الارتماء فى احضان المؤتمر الوطنى , المؤتمر الشعبى وافق على حوار قابل لكل شئ فشل او نجاح وهذا ليس عيب ( فان جنحو للسلم فاجنخ لها) تاصيل فى القران الكريم النبي (ص) وافق على صلح الحدبية رغم الشروط القاسية , هذا هو الحوار بمفهومه الصحيح فالترايى معارض قوي ومصادم ومصابر ولا يعرف الجبن عانا ويلات السجون ومحاولات الاقتيال السياسى ليس من اعداءه فحسب بل حتى تلاميذه العاقين ظل فى السودان لم يهرب كما هو الحال لرصفاءه . حديثك هذا كان ينبغى ان توجهه الى الميرغنى المشارك للنظام فى كل مستويات حكمه وكذلك الصادق المشارك بالشباك ابنة الرجل الرابع فى دولة عمر البشير و 2 من ابناءه فى جهازالامن الذى مارس كل سيئ ضد المواطن ( مالكم كيف تحكمون)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..