جماعة مصراته والشطة

أتعامل مع معظم كليبات الفيديو، والأخبار التي تصلني عبر واتساب، بمبدأ ?إذا جاءكم فاسق بنبأ..?، أي أنني أقدم سوء الظن على التصديق، وكثيرا ما أرد على من يزودونني بأشياء لا يصدقها العقل، أو مجهولة ?المنشأ? بعبارة ?بلاش هبل?، ثم فاض بي الكيل، فعطلت خدمة واتساب في هاتفي نهائياً.
وقبل تعطيل واتساب شاهدت ?كليب? عن شاب تم القبض عليه في أحد أحياء الخرطوم، وهو يحاول السطو على أحد البيوت، ولم أكمل مشاهدة الكليب لقسوة المحتوى، ولأنني حسبته فبركة، ثم تواترت الصور والأحاديث عن ذلك اللص، وقرأت في صحفنا ما يفيد بأن ذلك الشاب مات لاحقا متأثرا بما تعرض له من تعذيب وحشي، فشاهدت مقطع التعذيب كاملا، وتقيأت.
الشاب الضحية اسمه رمضان المك، وكان يلتقط الرزق بأداء مهام بسيطة في السوق الشعبي، واسمحوا لي أن أقرف عيشتكم، وأنا أعرف سلفاً أن معظمكم رأى مشاهد التعذيب: رمضان يستلقي أرضا وقدماه ويداه موثقتان، ويحيط به نفر من الرجال، من بينهم فني إضاءة، وفني تصوير، ومخرج يحدد نوعية المشهد المؤلم.
رمضان يصيح معلناً التوبة وطالباً الرحمة، والمصور يمر بالكاميرا على وجهه وملابسه الممزقة الملطخة بالشطة، والمشهد ليلي، ولكن الإضاءة أثناء تصوير مشهد التعذيب، أفضل من الإضاءة في فضائياتنا عندما تخرج بكاميراتها خارج الاستوديو، مما يعني أن نحو عشرة أشخاص على الأقل كانوا يقفون حول الضحية ويسلطون مصابيح هواتفهم الذكية عليه.
والقضية في تقديري لا تتعلق بأن أشخاصاً أخذوا القانون في أيديهم، ومنحوا أنفسهم سلطات الشرطة والنيابة والقضاء والجلاد، بل بمرض نفسي ?جماعي?: كيف يتواطأ عدد كبير من الرجال في عملية تعذيب بشعة، ولا تسمع واحداً منهم يقول ?كفاية.. حرام عليكم?.
تذكرت مشهد قتل ديكتاتور ليبيا معمر القذافي، وقد ظللت أسأل الله أن يمد في أيامي حتى أشهد نهاية حكمه، ولكن وعندما شاهدت الدقائق الأخيرة من حياته، بعد أن وقع في قبضة ?ثوار? مصراته، الذين حرصوا على توثيق مشهد حشر لوح خشبي مستقيم الأطراف في مؤخرته، أيقنت بأن من قاموا بذلك ليسوا ?ثوار?، بل أشرار، والأحداث الراهنة في ليبيا، حيث يتبارى من حرروها من حكم القذافي، في تقطيع أوصالها بصورة أبشع من تلك التي بتروا بها أصابع سيف الإسلام القذافي، تؤكد ذلك.
بحق ?لا إله إلا الله?، ما هو الجرم الأكثر فداحة: السرقة، أم تعذيب آدمي بحشو جسمه بالشطة من المنفذين العلوي والسفلي، حتى لو لم يؤد ذلك الى الوفاة؟ هل نحن نفس الشعب الذي كان يتسامح مع شارب الخمر مهما أساء التصرف، ويمنع الاعتداء عليه، بل يحث على حمايته من شرور نفسه وغيره، تحت شعار ?السكران في ذمة الواعي?؟
ذاع أمر مأساة رمضان المك عبر الإنترنت، وساءني أن هناك من برر تعذيبه، بـ?غياب الشرطة?، ولكن لا وجود للشرطة في قرى وبلدات الريف في بلادنا، ولكن وعندما يقبضون على من يسرق ممتلكاتهم، يضربون أكباد الإبل والبكاسي لتسليمه للشرطة، وقد يضربونه قبل ذلك، ولكن ليس ضرباً مفضيا الى الموت، ولا يعرفون للشطة مكانا سوى ?حلة الملاح? .
وشكراً للسلطات التي تحقق الآن مع الذين أذاقوا رمضان الرمضاء.

الراي العام

تعليق واحد

  1. هولاء ليست بشر وانما بهايم والله لم استطع مشاهدة المقطع لانها عملية وحشية بمعنى الكلمة وانا الوحوش ارحم تقتل بدون تعذيب وهولاء لايعلمون ان هنالك يوم يقف فيه الجميع امام الله نأل الله العافيه

  2. اتفق معاك ان كثير من الاخبار وما يتناقله البعض عبر الواتساب وسوء استغلاله وتصديق كل ما يتم نقله ينم علي سذاجة وفراغ ، بالنسبه للحصل للمرحوم ، اكيد غلط ولكنه ليس غريب علي مجتمعنا ، وانت يا سيد جعفر حكيب بلسانك قصة الرجل الذي كان يعتدي علي الاطفال وتم الاعتداء عليه بقزازة بيبسي ، الفرق بين الحادثين عشرات السنين ، تطورت التكنلوجيا وتقنيات الفلاش والبرامج ومواصفات الاجهزة النقالة ، في بعض الدول الافريقية والعربية ، شباب قامو بتصوير افلام حصدت جوائز باجهزة نقال فقط ، تحياتي

  3. كانوا يغسلوا بيهو ملابس الحلة ويتركوه.. لان الحرامي كمان ما يخلي واحد يقيف فى طريقه, اما ضربة بساطور او بطوب او سكين , فاعتقد الطريقة المثلي هو الجلد بسوط العنج وتسليمه للشرطة

  4. وينك يا ابو الجعافر لسأ مع شدهة الغربة.. والله نتعطش شوقا لكتاباتك الموضوعية الساخرة.. ولعلك اليوم تعلق علي موضوع مأساوي بكل ما تحمل الكلمة من معني.. موضوع منتهي القسوة واللا أخلاق.. افرغ كل النخوة الانسانية التي كانت تميز الانسان السوداني.. لكن لا غرابة هذا هو جيل الانقاذ .. والشيئ من معدنه لا يستغرب..كنت دائماأسأل نفسي كيف اجمع هؤلاء الأوقاد بان يفعلوا كل هذا .. كيف أجمعوا بالله عليكم أليس فيهم رجلا رشيد.. حسبنا الله ونعم الوكيل..أتمني من الله ان يجد هؤلاء “اللاآدميين” عقابا يتناسب مع ما ارتكبوه من جرم.. والا تأخذكم بهم رأفة.. ســـــــــــــــــــــــــــــــلام..

  5. الانتقام بشع بشع ليس في ذلك شك……ولكن جعلت من اللص بطل…فكم من اللصوص خربوا بيوت وارعبوا السكان بل قتلوا من يعترض طرىقهم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..