شُلت يد الكتابة

شُلت يد الكتابة – لن ننساك – التجاني الطيب بابكر

خضر حسين خليل
[email protected]

الثالث والعشرون من نوفمبر ـ أهيئ نفسي مثل كل عام في هذا التاريخ للإحتفاء بشكل خاص بالذكري السنوية لتأسيس الجبهة الديمقراطية ـ إحتفال قوامه القراءة والكتابة وقضاء النصف الأخير من اليوم في التأمل في هذه السيرة العطرة .
في مثل هذا التاريخ قبل عشرات السنين نشط الطلاب الشيوعيين والديمقراطيين في تأسيس تحالفهم الإستراتيجي الراسخ لإنجاذ مهام الثورة الوطنية الديمقراطية ـ وهي ثورة لها ما لها من اماني الشعب وأحلامه . لا أدري كم كان عددهم في الثالث والعشرون من نوفمبر والعام ألف وتسعمائة وثلاثة وخمسون . غير أنني أعرف تمام العرفة كيف كانت أحلامهم ورؤاهم وأمانيهم وكم كان مقدار حبهم لهذا الوطن سفيح الأحلام .
تتشقق الأرض ونبت الحكايا يخرج . تنبت في الأرض آلاف البذور ـ يورق الزرع قليلاً فتتفتح الأزهاير … يتسلقون جدار الوطن وهمومه كما اللبلاب … يعطرون سماوات الوطن كأزهار الإقحوان والياسمين … ويخرج من كل سنبلة قمح ألف شيوعي أنيق ومن سكك الحديد آلاف الصناديد ومن دروب الأرض ملايين النساء السامقات .
في الثالث والعشرون من نوفمبر شلت يد الكتابة … توقف الزمن فجأةً ليعلن الناعي عن رحيل رجل كان وسيظل واحداً من أجمل الذين أتو الوطن بقلب سليم . قالت الخرطوم : مات التجاني الطيب بابكر
رحلت الرئة التي كان يتنفس من خلالها البسطاء والكادحين وأبناء السبيل ـ رحل العم التجاني الطيب بابكر والبلاد كأحوج ما تكون لفكره وثقافته ومبدئته وعفته وإبتسامته ـ رحل العم الطيب التجاني الطيب والبلاد تستعد في الدخول لمعركة جديدة بين قوي الشر كله والخير كله ـ مضي بعد أن غرس في وجدان قرائه ورفاقه أجمل غرس يمكن لإنسان أن يغرسه . مضي دون أن يري الكادحين والفقراء يرفلون في رفاهيتهم التي نشدها لما يقارب الثمانون حولاً أو تزيد .
مضي الرجل الفكرة والإبتسامة الحرة مضي صاحب اليد النظيفة مضي التجاني الطيب بابكر بعدما أضاء الطريق للكثيرين ـ مضي بجسد أنهكه الإعتقال والتشريد والمنفي بجسد ظل يهبه علي الدوام لمشروع وطني قوامه الحرية وخبزه العدالة الإجتماعية ـ
فقدت البلاد رجلاً نادراً قل أن يجود الزمان به ـ فجع الوطن في أخلص أبنائه وأبرهم به ـ فقدت البلاد واحداً من أجمل العصي التي لطالما توكأت عليها .
كان العم التجاني رجلاً فذاً تحمل ما تحمل لأجل أن يمضي بفكرته الحرة ـ ظل متسقاً للدرجة التي كان من الصعب للغاية أن تفرز فيها بين التجاني كعم والتجاني كوالد والتجاني كرفيق درب يقاسمك الأماني قبل الأحلام .
حاملاً عصاته وإبتسامته الصادقة يرحل التجاني الطيب بابكر بهدوء ودون ضجيج ـ يرحل الرجل الذي أفلت من الموت بالثبات علي مبادئه كأجمل ما يكون الرحيل ـ يرحل معلناً رفضه لرحيل البلاد ، متمسكاً بمشروعه الوطني الذي لم يكن علي الإطلاق من شروطه تمزيق الوطن .
سيظل العم التجاني واحداً من ألطف العباد الذين مروا بهذا الوطن وواحداً من أنجب النجباء الذين لم يرهنوا قناعاتهم سوي لخدمة قضايا وطنه وأهله . سيظل خالداً في كلمة الميدان وفي انتصارات رفاق الميدان ـ سيظل واحداً من أجمل الذين أحبو هذا الوطن بصدق . وداعاُ العم التجاني الطيب بابكر وداعاً يازميل ياترس وداعاً أيتها الإبتسامة الحرة وداعاً أيها القلب الكبير .

لن ننساك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..