جهاز الأمن والمخابرات الوطني

كباشي النور الصافي

ما كنت أود الخوض في موضوع جهاز الأمن والمخابرات الوطني، لا لسبب إلا لأن فهمي للأمن يختلف عن فهم العامة وربما فهم بعض الخاصة. ليس لأنني درست الأمن أو عملت في جهاز أمني يوماً ما. لم أعمل في الميري منذ تخرجي في الجامعة وبقيت زول سوق ساكت. لكن معرفتي وعلاقاتي بشخصيات أمنية لا يُشق لها غبار جعلتني أفهم الكثير المفيد والمثير عن جهاز الأمن منذ عهد النميري.

في حقبة النميري ركبت عربة تاكسي من أم درمان إلى الخرطوم. وجدت هندام السائق ليس كهندام أو أسلوب سائقي التاكسي المعروف. سألته: ماهي مهنتك الرئيسية؟ قال لي: سائق تاكسي. قلت له: لم أسألك عن وظيفتك بل مهنتك. هنالك فرق بين المهنة والوظيفة. فطريقتك وأسلوبك يدل على أنك من غير أصحاب هذه المهنة لأسباب بدهية. عندها ابتسم الرجل وقال لي: أنا ضابط من مرافيت جهاز الأمن. سألته في أيّ أمن كنت تعمل؟ سألني الرجل ما تقصد بأي أمن؟ قلت له: هل تعمل في جهاز الأمن العام؟ جهاز الأمن الإستراتيجي أم عضو في جهاز الأمن القومي؟ وكل له فروع صغيرة متخصصة كل في مجال، كالأمن الاقتصادي وغيره. ضحك الرجل وقال لي: إنت وريني شغال شنو؟ بتعرف كل أنواع الأمن.

شرحت له أنني قريب للضابط العظيم فلان الفلاني في جهاز الأمن الإستراتيجي وهو الأمن المختص بحماية السفارات وحدود البلاد وكل ما هو ذو علاقة بأمن الوطن ويُسمى أحياناً الأمن الخارجي. وهذا الضابط العظيم متخصص في الإستخبارات العسكرية والأمن الإستراتيجي- أما جهاز الأمن العام فهو المسؤول عن قبض الناس والحاجات التانية الحامياني التي يعرفها القارئ الكريم. أما جهاز الأمن القومي أو مجلس الأمن القومي فهو يضم علماء متخصصون في مجالات عدة كل يؤدي دوره بما يصب في مصلحة الوطن. لا دخل لهم بالمسؤولية الأمنية التي يعرفها العامة.

سقت هذه المقدمة لأنني أعرف أن الكثيرين يخلطون بين أنواع الأمن المختلفة. والسبب هو سطوة وشهرة قسم الأمن العام على الأقسام الأمنية الأخرى بسبب علاقته المباشرة بالمواطن. ولأن كل من يُقبض عليه يكون ذلك بواسطة الأمن العام، ولهذا ينسى الناس أنواع الأمن الأخرى وفائدتها للوطن عامة.

قد يقول قائل لا يفقه ما يقول، أنه لا فائدة من الأمن برمته. وهذا يعتبر كلام إنسان لا يفهم في العملية الأمنية. فكل دول العالم بها أجهزة أمن، على مختلف مسمياتها. ولكن إستخدام كل جهاز للسلطة الممنوحة له محكوم بالعملية الديمقراطية في تلك البلاد. وليست سائبة كما في دول العالم الثالث. وينقسم الأمن في تلك الدول لأمن خارجي بفروعه المختلفة وأمن داخلي على نفس الشاكلة.

فلو أخذنا بلاد الديمقراطية بريطانيا، يوجد بها جهازا MI5 و MI6 الأول للأمن الداخلي والثاني للأمن الخارجي، دون الدخول في تفاصيل مملة. وسيدة العالم أميركا بها جهازي الCIA المعروف للجميع بعملياته الخارجية من قلب الحكومات والتحكم في مصاير العالمين. وجهاز FBI وهو للعمليات الأمنية الداخلية بالتعاون مع الشرطة الولائية هناك. لكن أعمال هذه الأجهزة الأربعة محكوم بقوانين صارمة لا تسمح لأيّ منتسب لها بالتسيُّب أو إستغلال سلطاته خارج الإطار الذي يسمح به القانون ودستور الولايات المتحدة الأمريكية لجهازيها. وما يسمح به القانون البريطاني لعمل جهازيها حيث أن لا دستور في بريطانيا العظمى.! وبرضو البلد ماشه زي الساعة!!

كتب ضابطان من جهاز أمن النميري كتاباً عن نشاطات جهاز الأمن آنذاك أسمياه أسرار جهاز الأسرار، لكنهما لم يوردا بأمانة وتجرُّد كل أعمال الجهاز فقد أوردا الجانب الحسن والمُضي من أعماله والتي بالطبع بها أعمال قذرة مثل أي جهاز أمن في دولة من دول العالم الثالث.

أما في زمن حكومة الإنقاذ فقد سمعنا كلاماً وقصصاً أقرب إلى الخيال وأغرب من الخيال عن ممارسات الجهاز وأعضائه وذلك فترة التمكين حتى عام المفاصلة العام 1999. وهذا يقودنا للقول أن فترة المحاسبة الأولى ستبدأ من يونيو 1989 وحتى رمضان ديسمبر1999. وفترة المحاسبة الثانية تبدأ من بعد المفاصلة وحتى يوم سقوط نظام الإنقاذ. فمعارضة حزب المؤتمر الشعبي بعد طردهم من الحكومة لن تشفع لهم في ممارساتهم التي قاموا بها قبل أن يطردوا من الحكومة في العام 1999.

لماذا تختلف ممارسات أجهزة الأمن في دول العالم الثالث عنه في الدول الديمقراطية؟ ونختص هنا جهاز الأمن والمخابرات السوداني. لماذا يتدخل في بعض الأعمال التي لا نعرف له سبباً في التدخل فيها؟ فمثلاً ما هي علاقة جهاز الأمن والمخابرات بإغلاق مركز ثقافي في القضارف أو بحري؟ وما هو أثر ذلك المركز في تعطيل أداء الحكومة، إذا افترضنا أن عمل جهاز الأمن والمخابرات هو متابعة أداء ومراقبة من يعملون على تعطيل أعمال الحكومة التي كثيراً ما تعطلها الحكومة بيدها لا بيد عمرو، كإختيار الرجل المِناسِب في المكان غير المُناسٍب. (كلمة المِناسب الأولى بكسر الميم والثانية بضم الميم، والفرق واضح بين الكلمتين في المعنى).

ما دخل جهاز الأمن الوطني في إغلاق صحيفة كتبت كلاماً معارضاً لرأي الحكومة؟ وما هو القانون الذي يعطي جهاز الأمن الوطني الحق في إيقاف صحفي أو كاتب من الكتابة في صحيفته لا لسبب إلا لأن رأيه مغاير لرأي الحكومة في قضية تهم الوطن. والمعروف أن القضايا التي تهم الوطن تهم المواطن والحكومة وإلا لما كان هنالك وطن من أصله. من يعطي لمنسوبي جهاز الأمن الأحقية أو الأولوية أنهم مواطنون أكثر من غيرهم حيث يتحكمون في مصائر أشياء وأناس كثيرة لا لسبب إلا لأنهم من منسوبي جهاز الأمن.!

المحيِّر في نهاية الموضوع أن يُصرِّح مدير جهاز الأمن قائلاً ما معناه: أنهم سيقطعون دابر الحركات المتمردة ويستأصلون شافتها بنهاية هذا الصيف؟ هل محاربة المتمردين أو الحركات المسلحة من عمل جهاز الأمن الوطني أم القوات المسلّحة. فمثلما عمل إيقاف الصُّحف والكُتَّاب من صميم عمل النيابة والشرطة والقضاء في نهاية الأمر. أمّا حراسة حدود الوطن ومواطنه من الحركات المسلحة ومن الدول المعتدية على الوطن هو من إختصاص القوات المسلحة وليس من عمل جهاز الأمن والمخابرات الوطني. لماذا يتغوّل جهاز الأمن والمخابرات الوطني على مهام جهات أمنية وعدلية بل بالأحرى يُكوِّش على كل هذه الأعمال؟ نعتقد أن السبب هو خوف ولاة الأمر أن يكون القضاء المستقل والنيابات المستقلة خطر عليها. والقوات المسلحة القوية المدرّبة خطر على وجود الحكومة وربما سعى بعض ضباطها لقلب نظام الحكم أُسوة بمن يحكمون الآن، وما فيش حد أحسن من حد. (العوج راي والعديل راي).

كباشي النور الصافي
لندن – بريطانيا
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. نحنا لا ندري ما هي مهمة جهاز الامن في السودان فكل الذي نعرفه ان جهاز الامن في السودان مسؤوليته الاولى حماية المسؤولين واموالهم المنهوبه بالاضافة الي سد ثغر كل من سولت له نفسه وطلب حقوقه في الوطن ثم السياسيين .

  2. أمن البلاد فى حرية شعبها وتوفر مظلة العمل والعيش الكريم.. تعليما وصحة وأمان.. بسيادة القانون بمظلة (قضاء) مستقل تساعده الشرطة كجهاز (مدنى) تحت إشرافه..وحماية (جيشه) غير المسيس المستقل المرابط بالحدود..أجهزة الأمن المختلفة أتت بها النظم الطلامية الشمولية..لحمايتها وكسوتها بمهام منوط بها ألإستخبارات العسكرية وأجهزة الخارجية…هذا الجهاز أو الأجهزة الأمنية المتعددة أسسها.. (مقتبسة من نظم المصريين) ..مدمر البلاد سئ الذكر المقبور (نميرى) لعنة الله تغشاه..وبالرغم من حلها بأنتفاضة (أبريل) المجيدة ..أعادتها الشمولية (الثانية) للأنقاذ وتوسعت فيها..وأرتكبت (الجرائم) من قمع وقتل وأغتصاب وسلب الحريات.وسرقة. وإستثمار.ينافس فيه رب نعمته.. .و(الإنتماء) اليها (جرم) فى حق الشعب السودانى.. تزكيه سقوط منتسبيها فى براثن (الشر).. *(ومن يعمل مثقال ذرة شر يرى)..فجميع (أجهزة) الأمن المتعددة والشرطية (المحورة)..و(الملشيات)..عضو أصيل من جسم (الهؤلاء!). الجاثمين على صدر الشعب ..بل (سرطانه) المطلوب إستئصاله.وبإسترداد الشعب لنقاباته وإتحاداته..لقيادة الإنتفاضة المستدامة للإنتصار..أنتصارا تجسده تطبيق شريعة (القصاص )والكنس والمحاسبة أولا.. هنا يبدأ (الحل فى الحل)..ثم تنصب (المشانق)..وتهيأ أركان السجون والمنافى لإستقبال منسوبى هذه الأجهزة..ومن تبقى له من العمر منهم تعاد( تربيته) فى مزارع جماعية بأقصى ما تبقى من حدود البلاد (المخترقة) ..بفضلهم!..وعندئذ لن تضيع تضحية الشهداء والمناضلين سدى…نحن رفاق الشهداء..الصابرون نحن..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..