العيون في الغناء السوداني: مُدن الشعر في مآقي الحسناوات

مانشيستر: آمنة عمر
منذ أول رشفة قال بها شاعرهم الأول اكتشف العرب أن ثمّة علاقة معتقة بين خمرهم المشعشعة وعيون نسائهم الثملة بالحسن، فتباروا يشربون نخب مآقي حسناوات وما فعلته عيون القرشيات الضاربة في الجمال لم تقدر على فعله أقدم الحانات المنصوبة في وهاد البادية تقدم (السُكر) لسادة العرب المؤسرين، وكل قافية ساقها شاعر فحل في مرابط (عكاظ) تجدها، وقد اغتسلت بأهداب جنية حسناء في وادي عبقر، ثم بعث بها صاحبها بعد ذلك، غير آبه بجنون أصابه إثر نظرة لم تأبه صاحبتها بمكانته المشيدة على عروش قبيلته العتيدة.
قصائد حسان وقعنها نساء بلحاظ فاترات بعد أن أوُقعن بشاعر صب علّق على أهدابهن أجمل ما جاد به شيطانه ولا تكاد تعثر على بيت شعر قديم دون ان تتعثّر بعيون مشُهرة مفاتنها سابحة على بحر القصيدة، ولقد بلغ فتون الجاهليين بسحر العيون أن وصفوا أفضل قصائدهم (المعلقات) بعيون الشعر على أستار الكعبة.
نستطيع الجزم أن لا شاعر أخطأه سهم العيون وبتتبع خاطف لعصور الشعر المختلفة عند العرب يمكننا أن نظفر من كل زمان تاريخي بما أردنا منذ أمرؤ القيس وحتى عصر الشعر الحديث عندهم: (أبو دريد) ليس السليم سليم أفعى حرّة/ لكن سليم المقلة النجلاء سحرتني الزرقاء من مارون/ إنما السحر عند زرق العيون (لبيد بن أبي ربيعة)/ ما للمدام تديرها عيناك فيمل في سكر الصبا عطفاك (ابن زيدون(.
جالبات الهوى
أسامة تاج السر أستاذ اللغة العربية، يقول: الشعر العربي تحدث عن عيون المرأة كثيراً، فهي أول صور الجمال التي يطالعها الرجل، ويظهر جمال المرأة أول ما يظهر في عينيها كما قال عليّ بن الجهم:
“عيون المها بين الرصافة والجسر/ جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري”. ومن متعلقات العين النظر وللعيون لغة في الشعر، فهي مرآة الشوق الذي يضج في النفس ومحمول حديث صامت بين العاشقين، فكما قال عمر بن أبي ربيعة”: أشارت بطرف العين خشية أهلها/ إشارة محزون ولم تتكلم/ فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا/ وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم”. وأجمل قول في هذا قول النابغة: “نظرت إليك بحاجة لم تقضها/ نظر السقيم إلى وجوه العوّد”، وأما أجمل ما قيل في العيون، فهو قول جرير بن عطية الخطفي: “إن العيون التي في طرفها حور/ قتلننا ثم لم يحيينا قتلانا/ يصرعن ذا اللب حتى لاحراك له/ وهنّ أضعف خلق الله إنسانا”.
عيون دعجاء
وعن تقسيمات العيون عند العرب يقول أسامة تاج السر: بلغ من حب العرب للعيون وفتونهم بها أن فصلوها حتى الحدق منها، العين الدعجاء هي شديدة السواد مع اتساع في المقلة، البرجاء شديدة السواد شديدة البياض، والنجلاء هي العين الواسعة، أما العين الكحلاء فهي التي اسودت جفونها من غير كحل، الشهلاء هي رقيقة الجفن والوطفاء التي صالت أشفارها.
كما أنهم قسموها الي أجزاء فسموا اللحظ والمعرق والمحجر وامتدح العرب في العيون صفاءها ونفوا عنها القذى والرمد ونفروا من العين الحوصاء والخوصاء (وهي الضيقة في غوار). وللنظرة عند العرب أنواع كما ورد في شعرهم مابين رمق، لحظ، لمح، حدج، رشق، ورنو، التشبيه التقليدي المعروف عند العرب تشبيه عيون نسائهم بعيون المها والبقر الوحشي (قال قيس بن الملّوح في تهيامه بين القفار ممسكاً بغزال يخاطبها: “وعيناك عيناها وجيدك جيدها/ لكن عظم الساق منك رقيق”. وقال آخر: “ترنو بعينيها إليّ كما رنا إلى عينيه وسط الخميلة جؤزر، وهذه نظرة شوق وحنين” .
أذاي ودواي
أكبر المدن المشيدة في ذاكرة الوجدان الغنائي السوداني هي مدن العيون المسافرة في أعماق عاشق طال مهجره فأرسل الحرف يشيّد من عينيّ محبوبته سكناً جميلاً يقيه هاجرة الغربة ونيرانها، رب عيون ساكنات وأخر فاترات ولحاظ كالسهام ضارية في نظرتها وعيون مثل السحائب تهطل مدرارا على فؤاد عاشقها هذا جميعه في المفردة الغنائية السودانية، نظرة وصلف ودلال وتمنع جميعه بترجمان العيون (العاجبة سيدا): لو عارف عيونك توهت العيون/ ورقصت المشاعر وغنى معاها كون “العيون البيض لو صفن يجرحنّك ويتلاصفن/ مرة نظرن لي وقفن شالوا نومي وما أنصفن/ العيون الفيهن نعاس هن أساس معنى الجناس/ هن يثيرن في الناس حماس هن يقودوا الزول للجنون”، “حلوة عينيك زي صحابي/ وزي ضيوفاً دقوا بابي/ في عيونك ضجة الشوق والهواجس/ ريحة الموج البنحلم فيه بجيت النوارس”، أنا ما معيون أزاي ودواي خدود وعيون” “لحاظك يخيف قائد المليون/ وترهب عنتر ونابليون/ حليف الآمي عيوني عيون / زي ملكة جنودا شلوخ وعيون
اليوم التالي