الناس والصيف: الهجرة إلى النيل هل تخفف القيظ والهجير؟

الخرطوم: مُصعب الهادي
لم تشفع المُبردات والمراوح والمكيفات في تلطيف الحرارة الجهنمية التي تحكم قبضتها على مناخ الخرطوم هذه الأيام، ولم تزود تلك الغمامة التي مرت على العاصمة الأسبوع المنصرم الأجساد المنهكة بنسائم تبعث بعض الحيوية والنشاط، قد يكون ذلك نتيجة عملية تكثف الأبخرة سحباً في السماء إيذاناً باقتراب الخريف، وهذا ما اضطر كثيرين إلى طلب الاستجمام في شاطئي النيل علهم يحظون فيه بملاذ آمن، سواء أكانوا في مجموعات أو فرادى، وهناك يرنون إلى حماية يقدمها لهم النهر العظيم من شمس الصيف الحارقة.
اللمة فرائحية
ما إن وطات قدماي الشاطئ المجاور لغابة (السنط) حتى تبدلت ملامح التكشيرة والعبوس اللذين يُلازمانني حين تشتد الحرارة، المراكب وحركة الصيادين أزاحت ربكة وجمود المناخ الرديء، وما عضد ذلك منظر الحسان اللاتي اصطففن على الشاطئ وكأنهن يغازلن الأمواج ويهمسن لأصداف النهر.
جمع من الأسر تحلقوا حول أوعية الطعام الملأى (بالفسيخ)، فالكل مستمتع، وهكذا كانت لنا وقفة معهم من خلالها نستطلعهم حول (لمتهم).
هربوا من الجامعات
ومن ناحية أخرى، تصطف مجموعة من الشباب مجموعات و(ثنائيات) حول النهر، هربوا من الجامعات في رحلة تشبه رحلة مصطفى سعيد بطل موسم الهجرة إلى الشمال، تركوا مقاعد الدراسة بعد دوام مزدحم بالطلاسم على حد وصف أحدهم؛ هرباً من تكدس الجامعة، بحثا عن جو رطب يبدل (تنشنة) الدراسة. وفي سياق الحديث، أقر مالك إدريس (طالب) بأنهم يخرجون عقب الدوام وأحياناً كثيرة أثناءه مع الشلة لقضاء بعض الوقت على الضفاف لأنها – كما وصفها ? باردة، وأكد يونس أن “الطبيعة مكيف ما في زيو”.
ومن جانبها، شددت الطالبة أنفال إدريس على الكل الحضور إلى شاطئ النيل خاصة هذه الأيام نظراً لعدة أسباب منها التلوث في الهواء، بالإضافة إلى تقليل زحمة المواصلات في فترة الذروة، معضدة أن (كل شيء ملحوق) والترويح عن النفس مسألة حتمية حتى يستطيع الشخص خوض حمى الأيام القادمة بثبات، وإن كان ليس استعداداً لمعركة فهو كسر للروتين اليومي.
طلبة وكشافة
وأكد عبدالرحمن جكسا (طالب ثانوي) أن في الصيف لا تقوى على الجلوس في المنزل أمام التلفاز لذلك أنا وشباب الحي نأتي للسباحة والونسة، وحقيقة الجو في الحلة عذاب لا يُطاق وسط غابات الأسمنت التي كدرت علينا شم نسيم ولو صدفة يغشانا.
وأشار علي حامد (منظم مخيم كشافة) إلى أن حرارة الصيف تستدعي تنظيم برامج ترفيهية لطلاب المدارس في هذه الإجازة الصيفية، لذلك تدأب مجموعة من المدارس على تنظيم رحلات بغرض تعليم الصيد والسباحة للفائدة كما تخفيف لتوتر حد الصيف. وأضاف: لابد من سرقة قليل من الوقت لقضاء جلسة بجوار النيل حتى وإن كانت خلسة يروح فيها الواحد عن ظروف الحياة والعمل الضاغطة، خاصة في هذا الصيف وشمسه المرتفعة، ولا أجد حرجا أن يمارس (الناس الكبار) طقوس السباحة والعودة لأيام زمان التي انقضت.
قصة أحمد
ومن ضمن فصول هذه الرحلة الترويحة أن وجدنا بائع (الدندرمة) الذي تحدثنا إليه، وقال: أنا أحمد أسكن أمبدة الحارة (14) وأدرس بالصف السادس ماشي سابع، فالإجازة كانت بالنسبة إلي شرك وقبض، فمن بعد الانتهاء من السنة الدراسية طوالي دخل علينا الصيف وأنا كالعادة لا أحبذ الجلوس في المنزل (زيادة عدد)، بل قمت بجمع ما في حصالتي أيام الدراسة وتفاكرت مع أمي التي ساعدتني في تجهيز (الدردمة)، وأنا آتي إلى هنا منتصف النهار وأبيع (الدردمة)، بالإضافة إلى (التفريق شوية) على حد قوله. وقال: صراحة والحمدلله السوق اليومين فرصة لأن أصبح (جلابي) ورأسمالي كبير
اليوم التالي