لماذا تحتاج ليبيا إلى الوصاية الدولية؟

لا دولة في ليبيا. غير أن الاسوأ يكمن في أن القائمين اليوم على مشروع انشاء تلك الدولة لا يرغبون في قيامها.
بقلم: فاروق يوسف
ما يحدث في ليبيا اليوم هو اشد خطورة من أن يتم اختزاله في وجود ميليشيات مسلحة مطلقة السراح هي من بقايا الثورة أو من مخلفات الحرب التي شنها حلف الناتو على ليبيا وأدت إلى سقوط نظام العقيد القذافي.
هناك اطراف عديدة، ليس من بينها ثوار الامس القريب تقف اليوم وراء الجماعات المسلحة التي تمتد سلطتها من الشارع إلى مؤسسات الحكم والعكس صحيح أيضا. لذلك لن يكون مستغربا أن تتمكن تلك الجماعات من تعطيل عمل الحكومة الناشئة أو المؤسسات التشريعية التي هي الأخرى لا يمكن النظر إليها إلا بطريقة مجازية.
لقد تمكنت تلك الجماعات من افشال كل محاولة لترسيخ نفوذ الحكومة، خارج المباني التي تحتلها رمزياً، بل أنها استطاعت أن تدفع بالكثير من المسؤولين الحكوميين الى الهرب لتفادي الاصطدام بها.
ألم تتمكن احدى تلك الجماعات من اختطاف رئيس وزراء ودفعه الى الثناء عليها حين تم اطلاق سراحه بعد ساعات من احتجازه؟
رئيس الوزراء نفسه كان قد هرب من البلاد حين أدرك ان الجماعة المسلحة التي يعتمد عليها في طريقها الى أن توقع به وتستعمله فدية لمصالحها.
لغز الجماعات المسلحة في ليبيا انما يسلط الضوء على طبيعة استثمار العنف من قبل جهات سياسية، قدر لها بسبب الفوضى التي شهدتها ليبيا بعد حرب الناتو أن تستولي على حصاد الثورة كله.
لقد ضاعت تضحيات الشعب الليبي، ولم تعد تطلعاته في بناء دولة مدنية تكون بديلاً إنسانياً لجماهيرية القذافي إلا سرايا.
ما يفعله المسلحون وجهلم ممن ولدوا أثناء حقبة القذافي انما هو اعادة انتاج تلك الحقبة، بعريها الكامل الذي سببه غياب الرأس، المستبد الذي كان يضبط الامور داخليا لكي يتفرغ لنزواته الشخصية واستعراضاته الامبراطورية.
للقد غاب الدكتاتور فيما ظلت ثقافته التي تجمع بين الاستبداد والفوضى هي الثقافة السائدة، بل انها صارت تشكل بالنسبة للشباب الليبي المغرر به من قبل جهات عديدة المرجعية الفكرية والسلوكية الوحيدة.
ليبيا الآن بلد معلق في الهواء في انتظار ان تلقي فيه اي ريح إلى هاوية سحيقة، يكون بعدها مجرد ذكرى بلد.
وهكذا فبدلا من أن ينقذوا بلدهم صار الشباب الليبي يشكلون خطرا على مستقبل ذلك البلد، بعد أن تم تجنيدهم من قبل السياسيين الطارئين لتنفيذ مشاريع خاصة.
صراع الجماعات المسلحة الذي صار الشعب الليبي ضحيته هو في حقيقته انعكاس لصراع تعيشه دوائر الحكم الوهمية. هناك حيث تتصارع اطراف سياسية عديدة في ما بينها، في محاولة كل واحد منها أن تكون اللاعب الوحيد في مرحلة ما بعد القذافي، وهي المرحلة التي لن يميزها شيء سوى غياب القذافي نفسه.
غير ان خصوم القذافي السياسيين ممن كانت لديهم تطلعات للخروج بليبيا من نفق الحقبة القذافية قد جرى استبعادهم، واحدا تلو الآخر. وهي ظاهرة تلقي بظلال من الشك على ما يجري التخطيط له من قبل قوى دولية كانت قد وجدت في اسقاط نظام العقيد ضرورة للحفاظ على مصالحها.
لذلك سيكون من السذاجة التفكير وسيكون نوعا من التسطيح التفكير في أن سياسيي ليبيا اليوم انما يتصارعون سعياً وراء مصالحهم الذاتية فقط.
هناك صراع عالمي بين اطراف عديدة وجد في فوضى ليبيا استثمارا ناجحا، يفقد الليبيون من خلاله الامل في استرداد ثرواتهم النفطية واستعمالها في تنمية مجتمعهم الذي تعرض للتفكيك والتهميش والعزل طوال أكثر من اربعين سنة من الحكم الفردي.
لا دولة في ليبيا. هذا حقيقي. غير أن الاسوا من ذلك يكمن في أن القائمين اليوم على مشروع انشاء تلك الدولة لا يرغبون في قيامها.
فهل تكون الوصاية الدولية حلا لأزمة بلد يستقوي سياسيوه على الشعب بالجماعات المسلحة؟
ميدل ايست أونلاين