سبع صنايع.. فهل البخت ضائع؟ا

سبع صنايع.. فهل البخت ضائع؟

محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]

أديبنا الراحل العلامة البروفيسور عبد الله الطيب وقد ذكرتُ حكمته الطريفة غير مرة، ولا بأس من الاعادة للافادة والشيء بالشيء كما يقال يذكر ، فقد سئل عن سبب عدم انتشار ا نتاج المبدع السوداني في شتي الضروب العلمية والفنية والأدبية والرياضية ، في الفضاء الخارجي رغم كثافة ما تقطره سماوات السودان من ابداع متفرد ؟
فأجاب ، قائلا ، غيرنا يفعل كما تفعل الدجاجة ، أما نحن فنقلد البطة !
لم يفهم الناس قصده في القاعة المكتظة حيث كانت المحاضرة خارج السودان ، فران صمت ، كسره الرجل العبقري بابتسامته التي تسبق مفرداته الجزلة ، واستطرد موضحا وهو يجول ببصره الذكي حول الحضور المتحفز ..قائلا !
ان الدجاجة تضع بيضة بحجم صغير ولكنها تحدث جلبة وضوضاء تنبيء أهل الدار بمكان بيضها !
على عكس البطة التي ترمي بيضا كبيرا في صمت وتخبئه في مكان قصي لا يكتشفه الا من يسعي اليه قاصدا نفعا منه أو فضولا!
وهي طرفة حكيمة كناية عن قصد استاذنا العظيم الراحل على تواضع مبدعينا وفلاسفتنا وعدم تهافتهم في عرض بضاعتهم للغير ، فينتظرون الأضواء والمنابر لتسعي اليهم !
ذلك جانب ، وربما الجانب الأخر هو عدم مهنية اعلامنا الذي يحاول المنافسة بصوت خفيض وصورة باهتة في تسويق منتوجنا الثر ، بالقدر الذي يجعل قدرته على ارتياد صفوف الاصوات الأخري العالية والصور الجذابة شبه معدومة ، وهو أمر لطالما ناقشناه في مناسبات عدة وبمرارة زائدة ، تظل عالقة كغصة في الحلوق!
وذلك يقودنا بالضرورة الى ما يعانيه المبدع في بلادنا من اهمال في لحظات ضعفه وكبره وحتي في شبابه وهو في قمة عطائه وغالبا ما يتكفف ابجديات العيش بحده الأدنى بل و دون مستوي مايحفظ كرامته كانسان !
قبل أن يموت في ركن العتمة بعيدا عن الأضواء !

ففي الوقت الذي نجد أن مهنة الأستاذ / عبد الرحمن الأبنودي في جواز سفره هي ( شاعر )
ويتقاضي عنها معاشا تقاعديا من الدولة ، التي أقامت الدنيا تكريسا لامكاناتها وابتعاثه للعلاج في الخارج !
نجد أن صديقنا الشاعر العملاق اسحق الحلنقي على سبيل المثال بالمقابل عندنا، والذي كانت حصيلته من الشعر الغنائي المتفرد في مكتبات الأجهزة الاعلامية وقد خلدت في نسيج وجداننا السوداني ، هي حصيلة كبيرة بذ بها عمالقة هذا الفن منذ بواكير شبابه حيث اقتحم الحقل الزاهر شاعرا كبيرا ، اعترف له اساطين الشعر واصطحبوه في ركبهم زميلا ناضجا وليس تلميذا متدربا !
ورغما عن ذلك وجد نفسه يركب البحر شرقا ، يحمل حقيبة احزانه واحباطه هربا من ذل المبدع في وطنه، بحثا عن لبانة الحياة الكريمة في أثداء الغربة التي وفرت له دفئا مع صغار عشه ، وقضي ربع قرن من الزمان تزاملنا خلاله نتقاسم الجراح التي تنزف حبا للوطن الذي وان جار علينا فهو عزيز ولو ضّن أهله فلا شك يظلون كراما ننشدهم في كلماتنا ونطرب لهم في انغامنا ، ونبكي بعيونهم ان هموا تألموا ونضحك بثغورهم لو انهم غشتهم لحظة فرح عابرة !
بالأمس أشعرتني الزميلة الابنة الأستاذة شريفة شرف الدين ونفرٌ من كرام المعلقين الأحباب ، بانني موجود في قلوب أهلي حقا وأنا أجتر مع بقية الرهط ، التاج مكي وابوالعائلة والأخرين، مرارة الفراق ، بعد أن غادرنا الحلنقي الذ ي كادت مجاديف ابداعه أن تتحطم في موج البعاد العالى لولا انه عاد الى الوطن وقد سخر الله له الفرصة عبر معجب مفنٌ ، أبت نفسه الا اكرام الشعر والشعراء في شخصه ومن داخل السودان الذي جمله شاعرنا رئيس جمهورية الحب بهلال العرس الباسم على جبينه وحريرة الفرح التي يبشربها يمينه!
شريفة ونبلاء الموقع ، أشعروني فعلا ،انني حي أرزق بحب لايشتري ، بعد ظني أن روح الرغبة في متاع الحياة الدنيا قد غادرتني مع غياب توأم روحي الراحل الخالد الأمين عبد الغفار!
قرأت كلماتهم التي دغدغت في دواخلى احساسا بالفرح الطفولي ، فتبدى خجل التواضع الممزوج بكبر المسئؤلية حيال ذلك كله ، على قسمات وجهي التي كانت ترتسم خلالها خارطة بؤس مقيم وهي ترحل فيها وتتمدد كل يوم من الأعطاف الغارقة في حزن الغربة وخوائها !
فما أ تعس اللحظة التي يتملك فيها الانسان أيا كانت درجة عطائه في الحياة، الشعور بانه كائن وحيد ،يمضي تائها كالمنبت ، لاسيما اذا ما عاش معاقرا للحرف ، وتضيع كلماته صرخة في واد !
ولكن ما أسعده حينما يسمع الاخرين يرددون أصداء كلماته ويتمايلون لنداءت نغماته ، فيكفيه فخرا أنه قد لامس عصب نسيجهم الداخلي !
فينسي في غمرة انتشائهم تراكمات همومه التي تنزل غيثا وهويخطو وسط هيامه وضياعه في غابة النسيان ويقفز فوق حاجز الكهولة يقطع سكة الحياة التي لامحالة أن أنفاسها أقصر من خطوات الاحلام مهما طالت سنواتها !
ويبقى عزاؤه وهو يحس بلمسات الأيادى الحنونة وهي تقترب من شغاف قلبه ، رغم بعدها ، في تجدد الرغبة لتحقيق المزيد من الاحلام بعيدا عن محيط الذات الضيق ، أندياحا لصالح الوطن كله وشعبه الفريد ومن أي موقع كان في جوقة قبيلة الحرف والنغم ، ويتمني ان تزيد مواهبه ليقدم الكثير والكثير !
ولئن انطبق عليه صدر المثل القائل
( صاحب سبع صنايع ) فحيال تمدد عشقه للعطاء عند محراب الوطن المقدس ، ينتفي حقيقة الشق الثاني للمثل فيصبح ( البخت ليس ضائع )
فشكرا لآهل الوفاء في زمن الجحود !
وجزاهم الله خيرا ..
انه المستعان ..
وهو من وراء القصد.

تعليق واحد

  1. استاذنا القدير محمد عبدالله برقاوي ، هو هرم لا لا سور الصين لا لا حدائق بابل لالا والف لا كل عجائب الدنيا لا تجدي نفعا لوصف رجل مثله …

    الاستاذ برقاوي يحظى بحب واعجاب وتقدير واهتمام كل السودانيين المقيمين بدولة الامارات العربية وما جاورها وللمفارقة هم نفس السودانيين الذين كانوا سينسونه ولا يهتمون به وبابداعه لو كانوا هم مقيمين بالسودان

    تبقى المشكلة وين والسبب شنو؟

    الاجابة متروكة لكم اخوتي المعلقيين ،

    اخوكم مجنون ليلى والهلال

  2. سلمت يا برقاوى
    ودمت عزا وفخرا للوطن ولكل السودانيين..وأعلم أننا جميعا نقرأ مايخط يراعك ونأخذ الفكرة والمبادئ والقيم النبيلة التى لا ينادى بها الا انشان ذو اصل كريم وقلب ابيض وضمير يقظ ناصر للمستضعفين والمظلومين والغلابه والمساكين وزاخرا بحب الوطن ومفعم بالايمان واليقين. فنحن نعتبر أنفسنا تلاميذ عندك تعلمنا كل يوم وتبصرنا بما يخفى علينا، ونسأل الله لنا ولك العافية وان يمد فى اعمارنا حتى نرى رؤيانا تتحقق فى سقوط هذا النظام وزوال كل الفساد والدمار الذى احدثوه هؤلاء الاوباش وننعم بوطن سودانى شامخ وطن عزيز وغالى واهل حنان زى ما كنا زمان..وسيتحقق هذا ولو بعد حين باذن الواحد الأحد وهو المستعان وهو من وراء القصد…
    ومن كان الله وراء قصده لم يخب رجاءه.. فنحن معك يا برقاوى الى الامام…

  3. قابلت بالصدفة الراحل إسماعيل خورشيد بسوق الشهداء بأمدرمان و لا أدري ما الذي

    منعني من مد الصدقة له فقد كان في حالة مزرية .. ثم قابلت الممثل نبيل متوكل و

    تمنيت أنه كان يؤدي دورا من أدوار المعاناة التي يجيدها ببراعة لكن ظني خاب

    أستاذي برقاوي

    يكاد الاديب في السودان يفترش الثرى و للعسكري موائد و كراسي

    سلواك استاذنا و سلوى أدباء بلادي أنكم في قلوبنا و نبادل أدبكم بحب يسكننا

    دون أن يبرح .. إن تكريما من الكيزان لأدبائنا أعده سبة و منقصة

  4. الاخ مجنون ليلى
    الاجابة ببساطة هي قول الشاعر ( والتبر كالترب ملقا في اماكنه *** والعود في ارضه نوع من الحطب)

  5. استاذنا الجليل ، عندما انتهيت من قراءة كلماتك الجزله بكيت ، ايوه بكيت ياأستاذ ( تموت الاسود بالغابات جوعي ولحم الضأن تاكلها الكلاب ) ;(

  6. أستاذنا المبدع برقاوى نحن فى بلد الاعلام فيه مسيس يكرم ويرفع أقوام بإنتماءات وموالات ملاءؤ سماء فضائيات السودانية ضجيجا وأطرابا بعضهم كان يجد أحتراما لكنهم باعو أبداعاتهم المزجاة بثمن بخص دراهم معدودة . وبقى الكنوز يأبى نفسه الهمام الحساس بالمسؤلية الملقاة على عاتقه بالهمة والجادة فى شرفه وشرف أمته مجاهدا فى كلمة الحق رافعا قلمه حتى ينجلى غمة الوطن ويشرق صباح الشمس الساطع وسط نهاره أنتم يا كتاب الراكوبة صفوة مبدعى الكلمة سيرو نحن من خلفكم حتى النصر ..ولا نامت أعين الجبناء . وعين الله ترعاكم أمين .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..