حكايات البداية للممثل الذي قيل له «ابحث لك عن مهنة أخرى»

من بين العروض الخاصّة التي يوفّرها مهرجان «كان» السينمائي في دورته الحالية التي تنتهي يوم الأحد المقبل، ثلاثية المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني (1929 – 1989) مع الممثل كلينت إيستوود (83 سنة).

إنها ثلاثة أفلام دخلت تاريخهما المشترك، وإيستوود طالما أكّد أن ليوني من بين من يكن لهم التقدير لدوره في اكتشافه. هذه الأفلام الثلاثة هي «حفنة دولارات» (1964) و«لأجل حفنة دولارات أكثر» (1965) و«الطيّب والسيئ والبشع» (1966) وفيها لعب ذلك الشاب الطويل أدوار المقاتل الذي لا يحمل اسما والذي حط، في الفيلمين الأولين، وسط حرب العصابات، وفي الثالث وسط الحرب الأهلية الأميركية بأسرها.

قبل ذلك، لم يكن الجمهور الواسع عرف ذلك الاسم الذي سيصبح نجما كبيرا قبل نهاية العقد الستيناتي. فهو أم التمثيل سنة 1955 عندما كان لا يزال في السادسة والعشرين من العمر. المخرج جاك أرنولد الذي عرف بأفلام الرعب والتشويق أسند إليه دورا صغيرا في «انتقام المخلوق» (Revenge of the Creature)، وكان ذلك أول ظهور له على الشاشة. الهوليوودي العتيق آرثر لوبين منحه دورين صغيرين قبل نهاية العام ذاته هما «فرنسيس في البحرية» و«لادي غوديفا المنبوذة» (Lady Godiva of Coventry). هذا من قبل أن يعود جاك رينولدز ويمنحه دور الطيّار الذي يقصف العنكبوت الضخم في Tarantula: حكاية عالم مهووس باستخدام مادة إشعاعية تكبر حجم عنكبوت أسود مما يحوّله إلى وحش لا يمكن الحد من فتكه. دور إيستوود لا يزال صغيرا وهو يقود سرب الطائرات الحربية التي ستقصف هذا العدو بالنابالم! هذا المنوال من الأدوار الصغيرة استمر في العام التالي: «لا تقل وداعا أبدا» لجيري هوبر (لعب إيستوود فيه دور موظف في مختبر طبي). هذا الفيلم من بطولة «النجم» روك هدسون الذي انزعج من كون إيستوود يرتدي نظارة طبية وهو لا فاحتج. بعد تجربة عدّة نظارات لم يجدها هدسون مناسبة تم خلع النظارة من على إيستوود وأعطاها لهدسون كي يسكت.

ثم هو في الوسترن الأول له «نجمة في الغبار» (A Star in the Dust) لتشارلز هاس، وإيستوود فيه أحد المزارعين في مشاهد قليلة، ثم هو في «إبحار القوارب» (Away All Boats) لجوزيف بفني حيث يظهر إيستوود ويختفي في لقطات قليلة ترد في نصف الساعة الأول من الفيلم. المخرج آرثر لوبين عاد فطلبه لفيلم ثالث بينهما هو «أول امرأة أعمال رحّالة» (The First Traveling Saleslady) حيث دوره هنا أكبر قليلا من أدواره السابقة، ثم كان آرثر لوبين مرّة رابعة وأخيرة مخرجا لـ«هروب من اليابان» (1957) حيث ظهر إيستوود في دور صغير كبحّار.

إنها الفترة التي كان مستقبل إيستوود السينمائي فيها في مهب الريح رغم حداثة عهده، فأخذ يعمل في مهن يدوية صغيرة. خلالها طلبه ويليام أ. ولمان لدور كبير في فيلمه الأخير «هذه هي الحرب» (ولمان صاحب أول فيلم حاز الأوسكار وهو «أجنحة» Wings سنة 1927). مرة أخرى غار بطل الفيلم، تاب هنتر، من إيستوود فتنازل ولمان عن رغبته ومنح إيستوود دورا صغيرا. في العام التالي قامت مخرجة غير معروفة اسمها جودي كوبلان بتحقيق فيلم وسترن صغير عنوانه (Ambush at Cimarron Pass) وكان ذلك أول دور فعلي لإيستوود رغم أنه ليس دور بطولة: إنه جندي عنصري ومثير للمتاعب يمتثل، غصبا، لقيادة سكوت برادي الذي عليه النفاذ برجاله من كمين للهنود الحمر.

* وسترن مطبوخ عند هذا الحد، توقف إيستوود عن التمثيل للشاشة الكبيرة بعدما انتقي للظهور في دور مساند أوّل في المسلسل التلفزيوني الوسترن «روهايد» (Rawhide). هذا المسلسل (1959 – 1965) من إنتاج شركة كولومبيا التي ذكر إيستوود في بعض تصريحاته لاحقا أن مديرها قال له بصراحة «لن تصبح نجما في المستقبل بسبب حنجرتك البارزة. نصيحتي أن تبحث عن عمل آخر». لكن إيستوود لم يبحث عن عمل آخر، وعمله في ذلك المسلسل رفع من شعبيته (كان أكثر شبابا من باقي الممثلين)، ولفت نظر المخرج الإيطالي ليوني الذي طلب منه، سنة 1964، ترك كل شيء ولعب بطولة «حفنة من الدولارات».

لم يكن ليوني نفسه يعرف ما الذي سينجزه هذا الفيلم من ردود فعل. ورد في الحقبة التي انتشرت فيها أفلام «سباغيتي وسترن». سمّيت كذلك لأنها كانت «تطبخ» في الاستوديوهات الإيطالية. لكنها كانت عديدة، ولاحقا ما أقدمت عليها شركات ألمانية وإسبانية من بين أخرى.

إلى أن أخرج ليوني هذا الفيلم كان مضى عليه نحو 25 سنة من العمل ككاتب ومساعد مخرج ثم مخرج وحدات الأكشن في أفلام تاريخية مثل «هيلين الطروادية» (1956) و«آخر أيام بومباي» (1959). هو الآخر وجد أن طريقه لا يؤدي إلى أي ازدهار إلا إذا بدأ إخراج الأفلام، وهو ما فعله بدءا من أول الستينات. حين أخرج «حفنة من الدولارات» كان بات جاهزا ليفاجئ العالم بما سمّاه «الشاعرية الصامتة».

لكن هذا الفيلم الذي لعب فيه إيستوود دور مقاتل يؤلّب عصابتين تحتلان بلدة منسية من بلدات الغرب الأميركي، لكي تتقاتلا، مأخوذ عن فيلم أكيرا كوروساوا «يوجيمبو» (1961)، وليوني وجد نفسه مطالبا بتوضيح نفسه أمام المحكمة. القضية منعت الفيلم من العرض لفترة داخل الولايات المتحدة، مما يمكن معه القول إن إيستوود شهد رواجه سينمائيا خارج أميركا وليس فيها أولا.

بناء على هذا النجاح قام إيستوود وليوني بالتعاون معا في فيلم «من أجل دولارات أكثر»، وهذه المرّة جلب ليوني من هوليوود ممثل أدوار الشر لي فان كليف. وكما جعل ليوني من إيستوود اسما معروفا، جعل من لي فإن كليف اسما معروفا أيضا. ففي السابق كان فان كليف عبارة عن شخصية متوترة في أفلام الوسترن الأميركي. صالح للقاتل في كل الحالات والذي يموت قبل أو مع نهاية كل فيلم. هنا هو في دور البطولة الثانية وشخصيته أكثر هدوءا من ذي قبل. هذا الفيلم كان بداية سلسلة لاحقة من أفلام السباغيتي وسترن التي استغلته ومنها سلسلة «ساباتا». أيضا تحت إدارة ليوني في هذا الفيلم الممثل الألماني كلاوس كينسكي الذي لاحقا وجه المخرج فرنر هرتزوغ المفضّل لحين وفاة الممثل سنة 1991.

حين تم تقديم العرض لإيستوود تم تخييره بين 20 ألف دولار وسيارة «فيراري» أو 25 ألف دولار من دون سيارة. اختار إيستوود السيارة على أساس أن عميله لا يستطيع أن يتقاضى عمولته عن السيارة.

الفيلم الثالث والأخير في ثلاثية ليوني مع إيستوود كان «الجيد والسيئ والبشع» (The Good, The Bad and the Ugly) سنة 1966. تختلف القصة عن سابقتيها لكن إيستوود يبقى بلا اسم. إيلاي والاك (الذي أعجب به ليوني عندما شاهده في دور الشرير الأول في «الرائعون السبعة» (لجون ستيرجز – 1960 والمأخوذ عن فيلم آخر لكوروساوا هو «الساموراي السبعة» (1954) يشارك إيستوود في دور الرجل السيئ ولي فان كليف في دور البشع. والحكاية عن ثروة من المال مدفونة في مقبرة ولا أحد يعرف داخل أي قبر بالتحديد تم دفنها. كل من السيئ والشرير يحاول إجبار الطيّب (إيستوود) على إخبارهما بالمكان. هذا كله على خلفية الحرب الأهلية وعلى نحو ملحمي كان بداية لفيلمين ملحميين كبيرين لليوني هما «حدث ذات مرة في الغرب» (1968) و«حدث ذات مرة في أميركا» (1984).

.. وبعد ذلك المخرج الآخر الذي صنع شهرة إيستوود بيديه هو دون سيغال الذي تلقفه حال عودة إيستوود إلى أميركا سنة 1968 وأسند له بطولة «خديعة كوغان» (Coogan?s Bluff) الذي ظهر في الأسواق مع فيلم أميركي آخر من بطولة إيستوود هو «أشنقهم عاليا» (Hang ?em High). عدد الأفلام التي مثّـلها إيستوود تحت إدارة سيغال أربعة. في عام 1971 أخرج إيستوود أول فيلم له هو «أعزف لي ميستي» (Play Misty For Me) الذي لم يكن وسترن أو بوليسيا كما معظم أعماله الأخرى.

الشرق الاوسط

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..