صعود الجنجويد : نظام البشير يفقد السيطرة على نفسه

عثمان نواي

فى الوقت الذى يفكر فيه المعارضون فى كيفية اسقاط نظام البشير, يبدو ان النظام قد سقط فعليا من الداخل. فمليشيات الجنجويد التى بتنا نسمع عن اخبارها يوميا فى الاسابيع الماضية, يبدو انها هى القوة الحقيقية والفعلية الوحيدة القادرة على التحرك فى ما تبقى من نظام الكيزان. فكما اصبح مفهوما للجميع الان هو ان الحزب الحاكم قد انهار تماما من الداخل. فمراكز القوى التى تتحكم فيه, لم تعد قادرة على التحكم فى الحيتان والغيلان الصغيرة الجائعة التى لم تعد تجد ما يشبع جشعها للمال والسلطة والدماء. وبالتالى فقد اصبحت الفرصة سانحة لحالة من الفوضى الداخلية فى اروقة الحزب الحاكم والمافيا الاقتصادية التابعة له , والتى بدات تلعب بكل اوراقها المخفية وتخرجها الى العلن, فى حرب قذرة لنشر كافة الاسرار المتعلقة بفساد اكبر رؤوس النظام وعرابيه.

وما يبدوجليا ان انهيار نظام البشير الان هو فعليا انهيار الدولة السودانية او ما تبقى منها. فبعد العجز الكامل للحكومة فى سعيها لايجاد اى وسائل للخروج من الازمة الاقتصادية الخانقة, والفشل التام فى ادارة اى حوار مع الدول الكبرى او الخليج او حتى الصين وروسيا لانقاذ الخزينة من افلاسها, فقد اصبح الحزب الحاكم فى حالة من الهلع الذى يشبه الرعب الذى يصيب ركاب السفينة الغارقة. فكل الركاب الان مستعدون لاغراق الاخرين ليتمكنوا من الوصول الى اى قارب نجاة , فى مشهد درامى اشبه ما يكون بفيلم التايتانيك ولكن دون القصة الرومانسية المصاحبة. ففى غرق التايتانيك السودانية , لا مكان سوى للاغنياء فى قوارب النجاة وحتى الاغنياء وهم بطبيعة الحال الكيزان وحلفائهم من الراسمالية الطفيلية, وتجار الحرب, يعانون من قلة فرصهم للوصول الى شواطىء الامان فى ظل الوضع الراهن.

وفى هذه الحالة الجنونية, تتسع الساحة للجنجويد, والذين هم فى الحقيقة مجرد مرتزقة, وقطاع طرق. ونتيجة للانهيار الفعلى للدولة واجهزتها الامنية والعسكرية, اضافة الى انفلات الامر تماما داخل الحزب الحاكم, تصبح البلطجة والنهب من نصيب المتخصصين و” اسياد الاسم”. فمن يعتقدون انهم الاذكياء من اهل الانقاذ سواء نافع ومجموعاته فى جهاز الامن ومن معه من المدمنين على السلطة بعد سيطرة على البلاد دامت ربع قرن, يعتقدون انهم لن يفلتوا زمام الحكم فى السودان بهذه السهولة. ولانهم مجرد مجرمين لا يهمهم لا البلد ولا البشر, فانهم يستعملون كل ما يمكن استعماله من اجل هزيمة اعدائهم الذين يحاولون الفرار من السفينة ولكن ربما دون اغراقها. فجماعة نافع والصقور من امثاله لا يريدون شريكا فى نهب السودان او حكمه. وما يحاول ان يقوم به البشير بعد تدهور حالته الصحية هو الخروج الامن من المشهد. الا ان مافيا الكيزان الاقتصادية و مجرمو الحرب الذين استخدمهم فى الماضى لن يسمحوا له بالهرب وحده ويتركهم يواجهوا مصيرهم. وبالتالى فان نذر الفوضى العارمة تلوح منذ ايام عبر الصعود المتزايد لقادة الجنجويد وقواتهم فى المشهد السياسى داخل مركز السلطة فى الخرطوم وانتقالهم السريع من الصحراء الى العمارات.

ان حقيقة ان الجيش السودانى قد تفتت وتهاوت قواه هو امر تحدث عنه علنا وزير الدفاع بلا خجل فى اكثر من مناسبة. وبالتالى فان قوات الجنجويد هى المسيطر على ساحات المعارك الان. وفى ما يدعونه بالمعركة ضد التمرد , لا يبدو ان للحكومة اى قدرة على القتال دون هؤلاء المرتزقة, والذين تم استيراد بعضهم من الخارج. اذن, فان المؤتمر الوطنى قد فقد القدرة الان حتى على المراوغة واللعب بالوقت, لانه يعمل بلا سلطة تنظيمية داخلية فعلية. فخروج العتبانى ورهطه لم يكن فقط مجرد اختلاف الاخوة او انشقاق, كلا, فالرجل يعد احد مفكرى الحركة الاسلامية, ولذا كان من الذكاء بمكان ليقفز مبكرا من المركب الغارقة , كما يأمل. فما عاد لحزب البشير من قائد فعلى , واصبح الحزب الاقوى والاكثر قدرة مادية والاكثر تسليحا, متشرذما ويتاكل فى داخله. الامر الذى ادى على ارض الواقع الى استعراض العضلات الذى يجرى الان.

فهاهم الجنجويد يحيطون بالخرطوم منذ عدة ايام. ويتسائل الناس هل هم يحرسونها من الجبهة الثورية ام من هجوم دولى ام من ماذا؟ ولكن ما يبدو ان الصراع الان هو داخلى بامتياز, وان ما سبق انتشار الجنجويد من نشر ” الغسيل الوسخ” لملفات فساد بعض الانقاذيين, يتم الان الرد عليه بحراسة الخرطوم بالجنجويد. فيبدو ان المدنيين من الكيزان والعقلانيين منهم الذين يريدون الوصول لتسوية تخرجهم من مأزق حكمهم للسودان, وربما وتسليمه للمعارضة او حتى للشيطان والهرب الى ماليزيا والعيش بقية عمرهم من ارصدتهم فى الخارج, يبدو ان هؤلاء يتم ردعهم وتخويفهم بالجنجويد من قبل امثال نافع وغيره من مليشيات النظام التى تعتبر السودان نهيبة خالصة لها, والتى لا تريد التخلى عن السلطة لاى كان.

وفى ظل هذا السيناريو, فان نظام البشير الان يفقد السيطرة على نفسه وليس فقط على السودان. وبالتالى فان الخطر الداهم الان هو ان الذين كانوا يسيرون امور هذه البلد على الارض, من الحدود فى دارفور وحتى شرق السودان , وحتى داخل اسواق العملة فى ازقة السوق العربى و تجار التهريب الذى يبدا بالمخدرات والبشر ولا ينتهى عند السلاح وغسيل الاموال, وحلفائهم من الجنجويد و مليشيات الامن, والمافيا الاقتصادية للكيزان, قررت ان تخرج الى العلن وتدخل فى مواجهة مباشرة مع القادة السياسيين للنظام بما فيهم البشير نفسه. ولهذا فان انقلاب القصر الذى قام به البشير يبدو انه يدفع ثمنه الان شيئا فشيئا. فرجل مثل نافع معروف بتحكمه بالاجهزة الامنية, لن يرضى بالبقاء فى الكواليس. كما ان خطة الانسحاب وعدم المواجهة التى كان يعدها البشير, وربما مشاركة الحكم مع الترابى والمعارضة لم ترضى الصقور فقرروا وأدها باعتقال المهدى, واثبات وجودهم وسيطرتهم.

اذن فان المرحلة القادمة , هى البتاكيد الاسوأ التى سيشهدها السودان فى كل تاريخه. فالمواجهة الان اكثر خطورة من اى وقت سبق, فقد قرر المجرمون السيطرة على البلاد بانفسهم وان لا يعملوا من الخلف لصالح السياسيين الذين يستخدمونهم لاداء المهام القذرة ليدعوا ان ايديهم نظيفة من الدماء والنهب والسلب الذى يقوم به الجنجويد والمهربين وتجار العملة ومهربى المخدرات والبشر بالنيابة عنهم وباوامراهم.

ومن خلال ثورة الجنجويد هذه وحلفائهم من صقور الانقاذ, من اجل السيطرة على النظام , فان الحرب فى الاطراف, فى كل من دارفور وجبال النوبة تتحول يوما بعد يوم الى حرب عنصرية, عبر ارتكاب الجنجويد لابشع الجرائم فى حق المدنيين من اغتصاب وحرق ونهب. وفى مقابل هذه الجرائم هم الان يوطدون تحالفم مع العناصر المتشددة فى النظام, فى محاولة لاثبات قوتهم. كما انهم اصبحوا يقتربون من خزائن الاموال فى الخرطوم حتى تمركزوا فيها ليضمنوا تمويلهم, ويوفروا الحماية لاصحاب هذه الخزائن. وبالتالى فان تجار ومجرمى ومافيا الحرب تتفق الان مع المرتزقة, وهذا ينذر بنهاية السودان كدولة, والدخول فعليا فى حالة اللادولة , وحالة حرب المليشيات والمرتزقة, وهو سيناريو يقارب السيناريو فى الصومال وافغانستان والعراق. حيث يسيطر امراء الحرب على البلاد فى شكل مقاطعات صغيرة وتنتهى الدولة رويدا رويدا. والسؤال المهم هو : هل ستتوحد المعارضة الداخلية مع الجبهة الثورية للعمل بصورة جادة وفعالة لانقاذ البلاد؟ وهل سيستغلون ما تبقى من وقت قصير للغاية قبل ان يضيع السودان للابد؟ هذا ما ستجيب عنه الايام المقبلة.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كل كلمة قلتها صادقة مائة بالمائة , لقد لخصت الواقع..
    نحن فعلا فى الوحل ووطننا هو الاخر فى الوحل ولا حل الا بثورة شعبية كاملة ….

    قد اسمعت لو ناديت حيا ولاكن لاحياه لمن تنادى ولو نارا نفخت بها اضاءت ولاكن انت تنفخ فى رمادى..

  2. الجنجويد انتشروا بامر البشير لانه يواجه حالة غياب بسبب المرض , ولانه تخوف من فتنة
    من مراكز القوى فى مؤتمرة الوطنى , والتى بدأت بفضح ملفات الفساد وربما فى مرحلة لاحقة
    تصفيات جسدية او تحرك عسكرى فى اتجاه مطبخ القرارات .
    لذلك الجنجويد موجهة لعضوية المؤتمر الوطنى المتنافرة , وليس ضد المهدى او الشعب او الحركات
    المسلحة او الجيش السودانى .
    وقصة اعتقال المهدى هى مجرد لزوم الاخراج وشرعنة قوات الجنجويد للعالم الخارجى .

  3. شكرا علي هذا التحليل الرائع والقراءة الجادة لتوالي الاحداث
    بعض العارفين يقولون ان قوات الجنجويد لم يتم استدعائها للخرطوم بل اتت من نفسها وباوامر قادتها وعندما اكتشفت الحكومة انها مكتوفة الايدي وليس لها حيلة تجاه ذلك …..تظاهرت بانها امرت باحضارها…لحفظ ماء وجهها….الدليل علي ذلك القوة والعنترية التي تحدث بها حميدتي بعد دخول القوات وقوله …..الحكومة لو عندها جيش تجي تتكلم معانا….وهبوط وتيرة العنف في التصريحات بعد ترضيته وتنصيبه حارسا للخرطوم …وبعد زغاريد اشراقة
    ومهمت يكن فان وجود هذه القوات كما زكرت اكبر دلالة علي انهيار النظام ….وعدم قدرة الحكومة علي اتخاذ قرار ونخشي ان تذهب السلطة مجرجرة ازيالها الي الجنجويد والكل مشغول بالتحلل من (دم عثمان)…كمه ذهبت الخلافة الي معاويه بن سفيان
    ودم عثمان هنا خير وصف له علي حد تعبيرك النجاة من السفينة الغارغة بما خف او ثقل من اموال الشعب المنهوبة
    كانت هنا دولة تسمي السودان

  4. اتمنى لو اسعفتني فكرة او راي لمعارضة ماورد بالمقال ولكني لم اجد
    ولم اجد ما ادافع به عن النظام الحاكم توخيا للوسطية والاعتدال
    حاولت ان اجد مدخلا من الاقتصاد ولكن وجدت ان لاجدوى من مغالطة الانهيار الاقتصادي
    حاولت كذلك من الناحية الامنية ولكني وجدت ان النظام يدير ثلاثة حروب اهلية بدارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان
    حاولت من ناحية الصحة والتعليم ولكني خفت اغضاب الجيش الجرار من الاطباء والمعلمين الذين هاجروا اخيرا
    حاولت من ناحية اسلامية ولكني استدركت موضوع الفساد والتحكيم والتحليل والقروض الربوية فخفت من غضب الله
    حاولت حتى حوار الوثبة ولكني تذكرت با الامام الصادق معتقل وان العميد يهدد باجتياح سجن كوبر

  5. تحليلك سليم وللاسف هو السيناريو المنتظر بالسودان
    هذا ليس وقت سب ولعن الكيزان علينا بتدارك الامر والالتفاف ضد من يجتمع عليه اهل السودان وهم بالتاكيد ليس الكيزان ولا جموع الاسلاميين ولا الصادق الكوميديان المصلحجي ولا العوير ربع مكنه ونص سوداني الميرغني
    في الاول حتي يجتمع كل السودان يجب تسميه مجرمي السودان ابتدا من البشير وكل ارتال اللصوص اتباعه واصدار احكام مصادره اموالهم لصالح السودان وتقديمهم لمحاكمات الخيانه العظمي وتبديد المال العام لاصغر كوز في كل بقاع السودان وهذا نضمن اتحاد كل السودان وهذا الشي الوحيد السودان متفق عليه

  6. تحليل عميق وممتاز في المسألة السودانية والجنجويد وازيد انهم قدموا بهم من دارفور بدواعي لوجستية وهربوا من دك الطائرات الفرنسية التى تحوم حول اجواء تشاد وهناك محاولة جادة لدعم كيزان ليبيا الذين خربوها وعاثوا فيها الفساد واطلاق النار واعتقد ان الاخوان تجوسوا من القائد العسكري في ليبيا الذي يحاول ان ينقذها من فك الحتيان وهنا بقى كيزان السودان في ورطة والفساد يطالهم في كل واد وفسحة سودانية وبالتاي يحالوا ان يجدوا مخرج لليبيا ومخرج لهم من باب بوابة عبد القيوم بامدرمان ، واعتقد ان السودان يواجهه اصعب الظروف والاحوال في تاريخه الحديث وقد هزمت طلائع الجنجويد في تخوم كادقلي وحسب ما علمت من مصادر ان قوات الجبهة الثورية والجبال النوبة ترابط على قرب من مدينة كادقلي ولا زالوا بعض من ابناء البقارة يموتوا وهم في غفلة من الزمان
    العجيب وأهله و لا يدروا بحكايات هامان وهيلمن وقارون وماجوج بالخرطوم

  7. بسم الله والحمد لله
    اتفق معك يا استاذ في جل ما ذهبت اليه، فالحقيقه ان النظام القاشم اضح وهنا الان، هذا لا يخفي علي انسان إلا اذا لم تكن له بصيره، فحقيقة ضعف حكومه الكيزان هذه بدات منذ انفصال الجنوب، لانهم كانوا يوهمون الشعب بان الانفصال لا يؤثر علي السودان الشمالي، بل بعضهم ذهب الي ان الجنوبيبن كانوا حملا ثقيلا علي السوان، ، وهاؤلائي فرحوا عندما بدئت الحرب بين الجنوبيبن،
    ولكن ما اريد ان ااكده بان النظام الان اصبح في اضعف حالاته لدرجه انه يمكن ان يخاف من ظله، لان الاقتصاد انهار، فبتالي كل الذين كانوا ينتمون الي النظام من اجل التغزي من ثدي النظام، انقطع منهم الحليب، فاصبحوا يبحثون عن مرضعات اخري، وبذا بداء المرضع الاول يستشعر مدي نفاق كل من كان يرضع بشراه وبدون انقطاع، وان ها ؤلائي جميعا كان يتلززون بالغذاء وليس هم مايدين للساقي او مخلصين لتعليماته..
    والسبب الاخر ه معرفت النظام بان الذين اشتراهم بالمال لكي يضمهم اليه لم تتغير جيناتهم، وانهم ما زالوا يحملون العداوه للنظام في باطنهم، فبدئت تلوح في الافق حقيقتم بعد ان نفذت خزينه النظام.
    وكل هذه الاسباب وغيرها جعلت القاده الكبار الذين كان مغرقين في العسل ان يقول كل واحد منهم نفسي نفسي، واراد ان ينفذ بجلده، حتي لا يعيش باقي عمره بالسحن، لانهو يعلم ان حكم عليه الشعب بالسجن الؤبد يكن قد خصروا الدنيا والاخر، لانه يعلم بانه لا عملوا للدنيا لكي يتمتعوا من لعاعها، او عملوا عملا لاخرتهن ينجهم من عذاب الحكم العدل.

  8. هذا النظام اقوى نظام جاء للسلطة فى السودان ولن يسقط …الا عن طريق الانتخابات….نسمع منذ اكثر من 15 سنة بان النظام على وشك السقوط…..

  9. اتمنى ادخل الراكوبة او اتابع القنوات الاخبارية فاسمع ان سماء السودان زمجرت وارعدت وابرقت وامطرت ثورة اجتاحت سيولها القرى والمدن والبدو والحضر والخيران جرفت معاها الكرور

  10. شكراً يا نواي…

    لم تترك لأحد ما يقول…

    وبالمناسبة – كما ذكرت – البشير كان داير يملصها في الصادق والترابي ويتخارج…. على أن يعين عبد

    الرحمن الصادق قائداً لما تبقى للقوات المسلحة…. والترابي يستلم البرلمان ويلم عليهو بقية المتأسلمين!

    ناس الأمن…. هم من أفشل هذا يجلب الجنجويد للعاصمة…. لهرش وتهديد الكروش الكبيرة…

    لأنو الصادق لو استلم…. سيبدأ بهم…. ويجردهم من قوتهم وسلاحهم لصالح القوات المسلحة…

    ويكونو ناس جمع وتحليل معلومات ساي…. وناس الجنجويد…. يقعدوا يشربوا شاي…زي البرامكة

    البشير انزنق زنقة شديدة….

    تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..