آثار تتهاوى: وادي سيدنا.. مدرسة بين فك أطماع الاستثمار

أم درمان – محمد عبد الباقي
تصوير- حسام أحمد
بذات النظرة الموغلة في المستقبل وضع الإنجليز حجر أساس مدرسة (وادي سيدنا) بأم درمان القديمة، وفي ذلك الوقت الذي كانت فيه البلاد بأجمعها تحت نير الاستعمار، قيل – والعُهدة على الراوي – أن أمر تخطيط المؤسسات وتشييد البنايات العامة حينها لم يكن يُسمح بأن يتولاه أصحاب أنصاف العقول أو السماسرة المرتشون أو الذين بلا ضمائر!!
وأضاف الراوي: إن المستعمر كان يمتلك قليلاً من الحياء وشيء من الضمير، ولهذا صمم مبنى (وادي سيدنا) على مقاس حاجة الطلاب والمعلمين في ذلك الوقت الباكر، حيث ضم المبنى الذي شيد على طراز مباني جامعة الخرطوم داخليات الطلاب وميادين المناشط المختلفة وسكن المعلمين وألحقت بها كل المرافق المطلوبة لراحة الطلاب والمعلمين على حدٍّ سواء كحال بقية مدارس ذلك الزمان.
**{تفرد وتميز!!
ضمن مدارس قليلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة على مستوى السودان بمساحته القديمة (مليون ميل مربع) كانت مدرسة وادي سيدنا بأم درمان تضم طلاباً من أصقاع نائية ومدن بعيدة لا لتميزها الأكاديمي، لأن كل شىء كان متميزاً حينها، ولكن لأنها من أوائل المدارس التي أنشأت ولهذا كان من ضمن طلابها نجوم في الحياة العامة فيما بعد، حيث درس بها الدكتور (منصور خالد) والشاعر العظيم (حسين بازرعة) والبروفيسور (السر دوليب) وآخرون كثر صعدوا سلالم الحياة حتى أصبحت رؤيتهم من كل الأصقاع لا تجلب عنتاً ومشقة.
برزت (وادي سيدنا) بموقعها المميز في قلب العاصمة الوطنية وبجوار أعرق أسواقها وبالقرب من سينما (برمبيل) الشهيرة في حي البوستة بقية المدارس، مما جعل الطلاب يفضلونها على غيرها من المدارس التي كانت موزعة بين الأقاليم المختلفة، فعرفت بجمال بيئتها وبتميزها الأكاديمي وبتفرد معلميها الذين كانوا يمتلكون ناصية شتى المعارف.
**{التربع على ناصية التفرد
لم يخب نجم مدرسة (وادي سيدنا) التي كانت ضمن مدارس قليلة كما أشرنا منها حنتوب وبخت الرضا وخورطقت بشمال كردفان حتى بعد الاستقلال، وظلت متربعة على ناصية التميز والنجاعة الأكاديمية، بحسب أحد المعلمين -فضل حجب أسمه- الذي قال: بفضل الجهد والاهتمام الذي كانت توليه الحكومات التي أعقبت الاستقلال للتعليم ظلت (وادي سيدنا) في قائمة المدارس المتميزة بلا منازع، ولكن هذا التميز الذي استمر طويلاً بدأ في التراجع للوراء بذات السرعة التي كان يسير بها للأمام بسبب الأحجام الرسمي عن دعم التعليم مادياً خاصة في العقدين الأخريين عندما توقف الإنفاق على المدارس وتُرك لها أمر تسيير نفسها من مواردها الذاتية وهذا ما جعلها – وادي سيدنا- تتراجع ليست للمراكز المتوسطة ضمن بقية المدارس، ولكنها ظلت تتراجع باستمرار حتى بلغت مؤخرت المدارس على كثرتها مما جعل الطلاب يحجمون في الإقبال عليها وهذا ما ضاعف من تدهورها.
لكن الأستاذ(محمد إبراهيم علي) مدير المدرسة الحالي، ينفي تراجع المستوى الأكاديمي لوادي سيدنا، ويرى أن التدهور المريع في البنايات وتصدع الفصول والمكاتب و(ميز) المعلمين هو السبب الذي جعل أولياء الأمور يدفعون بأبنائهم إلى المدارس الخاصة، ويؤكد (محمد إبراهيم) أن المستوى الأكاديمي للمدرسة لا يزال متميزاً وأن اصطاف معلميها مكتملاً وأنهم جميعاً متميزون وأصحاب كفاءه.
**{أوصال تتداعى وحوائط تتهاوى!!
البوابة الرئيسة للمدرسة تطل على الناحية الغربية، تشمخ عليها لافتة صغيرة صدئة مدون عليها اسم المدرسة وتاريخ إنشائها(1946)، غير هذه اللافتة الفقيرة لا شيء يدل على أن تلك البناية الصدئة مدرسة يلجها الطلاب ليتلقوا فيها دروسهم، كل ركن يتداعى تصدعاً، وبعض الأجزاء تكاد تنطق ألماً من الشيخوخة التي أحلت بها، لا أثر للترميم، ولا أثر للحياة كذلك، تبدو البناية من الخارج خربة ومن الداخل تبين بوضوح التصدعات القاتلة التي صارت أكثر تهديداً لحياة الطلاب رغم الاحتياطات التي تتبعها إدارة المدرسة لتجنب انهيار المبني.
**{إهمال يرقى لمستوى التعمُّد والقصد
الوضوع الراهن لمدرسة وادي سيدنا رغم عراقتها لا يمكن تعليقه على شماعة القدرات المالية والإمكانيات بأي حال من الأحوال، ولكن يبدو قريباً جداً من التعمد والقصد لغرض إزالتها من مكانها الذي يعد أكثر المناطق تميزاً بأم درمان، وهو يصلح دون سك للمجمعات التجارية التي تدر الأموال على خزينة الجهات الرسمية بحسب إفادات عديدة رفض أصحابها الكشف عن هوياتهم، ولكنهم أكدوا أن إهمال المدرسة المقصود منه تجاهلها حتى تسقط على رؤوس الطلاب، ومن ثم تشييدها على نسق يضم مبان تجارية واستثمارية لا توجد لها مساحة في خارطة المبني القديم للمدرسة الذي شيد على طراز أكاديمي بحت وليس تجارياً

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. احي كل دفعتي في وادي سيدنا 1986-1990 ومعلمينا في ذاك الزمن الاصيل اخص بالتحية استاذ رشاش-استاذمحمود دفع السيد واسال الله الرحمة لمدير المدرسة آنذاك الاستاذ مهدي محمد سعيد ووكيل المدرسة عباس

  2. أحي زملاء دفعتي من طلاب وادي سيدنا الأبرار (1976-1979) وعلي رأسهم المرحوم المحامي عز الدين الصببابي (أبو الريش) والمرحوم الفنان نادر خضر وأساتذتناالعظام بقيادة المربي القدير محمد الترابي.

  3. تصحيح للمعلومة. هذا المبني هو لمدرسة أم درمان الأميرية الوسطى. ولمتكن من الأساس مدرسة وادي سيدنا، ولكن تم انتقال وادي سيدنا لهذا الموقع بعد ما عملو حكاية تعليم الأساس فحولو الثانويات لجامعات والمدارس المتوسطة صارت ثانويات وهكذا. وفعلاً كما ذكرت فيبدو أن جهة ما تتمنى انهيار مباني المدرسة الأميرية للاستفادة من هذا الموقع المتميز. سحقاً لهؤلاء الكيزان الذين لا يملأ عيونهم حتى التراب

  4. احي كل دفعتي 1996-1995 وكل مجموعة المعلمين منهموكيل المدرسة الاستاذ حمد وحسن بري ورشاش ومدير المدرسةمهدي محمد سعيد له الرحمة وعاطف صبري ولطفي ورشاش

  5. كان لي شرف الانتماء لمدرسة وادي سيدنا الثانوية وتخرجت فيها عام 1986م والحمد لله ومنها الي جامعة الخرطوم أحي كل الاخوة الزملاء بكل الدفعات والاجيال وارجو الالتفات لهذا الصرح التاريخي واستمرارية عطاءه واقترح انشاء رابطة خريجي المدرسة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..