الادب السودانى ومعوقات انتشارة

لم يجد الأدب السوداني حظه من النقد و الانتشار و التداول الاقليمى و العالمي بالصورة المثلى برغم أن السودانيين لهم باع طويل فى أَطنابُ الآدب مثل ( الرواية و الشعر ) ، و آذا تم استثناء الاديب الطيب صالح أو الشاعر محمد مفتاح الفيتورى من هذا الاهتمام العالمي فإننا نجد أن رصيد السودان يكاد لا يذكر فى أى محفل أدبى عالمى او عربى .
و برغم تلك المحاولات الخجولة التي بدأت تظهر فى الآونة الأخيرة فى شكل احتفاء بفوز بعض الروايات بجوائز عربيه ألا أن الأدب السوداني يظل محصور التدأول وكثير من الأُدباء السودانيون ظلوا مغمورين ومتقوقعين داخل حيز ضيق محدود الانتشار داخل جغرافيا الوطن وقد يرتفع حاجب الدهشة لدى الكثيرين عندما يعلموا بان كُتاباً مثل على المك أو شاعر مثل عمر الطيب الدوش وغيرهم من ألقامات الأخرى فى الأدب السودانى مجهولون تماماً على المستوى العالمى وحتى على النطاق العربى.
ويظل السؤال عن ماهية أنتشار الأدب السوداني وماهى الأسباب الموضوعية التى أدت الى دفن ذلك الرصيد الانسانى …؟
هل يرجع ذلك لطبيعة الأديب السودانى نفسه أم أن المحتوى الأدبى به من النقص ما يعيقه من ألأهتمام او ألأنتشار والتداول ….؟
ومن المرجح أن للتغيرات والتحولات السياسية على مر التاريخ السودانى دوراً هاماً فى خصي كثير من الإبداعات الأدبية وبالتالي أدى ذلك الى تلك القوقعة الأدبية والتي يتميز بها السودان ، فالإبداع بشتى أنواعه الادبية ظل محارباً من قبل بعض الانظمه التى سيطرت على مقاليد الحكم فى السودان خلال حقب متفاوته ، وأى قالب ادبى يخرج عن سياق الفكرة والايدلوجية للنظام الحاكم يقابل بنوع من العزل وفى احيان كثيرة بالعنف ، الأدباء الذين تفيض قريحتهم بما يكون على ارض الواقع يتعرضون لأبشع أنواع التنكيل والتضييق وتحجيم إبداعهم ومنعهم من النشر والكتابة بل قد يصل الأمر الى التضييق فى مصدر الرزق لذلك فضل كثير منهم الهجرة خارج أسوار الوطن ، ويمكننا القول بصورة عامة ان الأديب السودانى لاينال حظه بالصورة المثلى داخل وطنه حتى فى تقوقع طرحه وعدم انتشارة هذا الا اذا كان مُهادناً فى طرحة ممجداُ لحاكمية الحاكم .
والأدب بصورة أشمل لايتحقق معناه بصورة حقيقية الأ اذا لامس القيمة الاجتماعية والسياسية ..الخ لكل الوطن لذلك كان لابد من تطويرة والمساعدة على نشرة وانتشارة فبين طياتة تاريخ الشعوب وتوثيق لاهم المجريات والمنعطفات التى مرت على البلاد ،و تطوير الادب لايكون الا بتوفير شروط موضوعية تعمل على نمو الحراك الادبى ومن ضمن هذه الشروط الحريه والعدالة الاجتماعية واحترام قيمة الانسان ، وهذا ما فقده السودان خلال حقب عديدة من تاريخة الحديث .
وتنبع خصوصية الأدب السوداني فى تعبيره عن الوجدان الجمعي السوداني والثقافة والإرث والعادات والتي تمثل عناصر هذا الوجدان المشار أليه وبهجرة المبدع فان أحدى هذه العناصر المكونة لذلك الوجدان تكون قد انقطعت وبالتالي فان حلقه التواصل مابين فكرة المبدع وبين أسلوب وحياة وسلوك المجتمع تكون قد فقدت .
كما تقلص الحراك الادبى داخل السودان بهجرة كثير من الأدباء ، غاب النقد الفعًال الذى يساهم فى التطوير ويساعد على التداول ولفت الانتباه الاقليمى والعالمي لمكونات ومضمون ذلك الارث الانسانى من الأدب السوداني .
الأدب بصور عامه يحكى تاريخ الشعوب بأسلوب سردي أن كان على مستوى الشعر آو الرواية او أى ضرب من ضروبه الأخرى وبرغم عدم عالميته اوانتشارة فإننا نجد ان اغلب الأدب السوداني ( رواية او شعر) تحديدا يربط مابين الإرث الثقافي السوداني ومابين البعد الانسانى بصورة عامه و كثير من النصوص الأدبية فى السودان إذ وجدت حقها من النقد الهادف الذي يسعى الى تطويرها من شأنها ان تضاهى أقوى النصوص العالمية من حيث اهتمامها بالإنسان كقيمة حقيقية .
كما عملت دور النشر السودانية أيضا على تقليص دور الإبداع السوداني وحصره وتحجيم انتشاره فمصطلح ( دار نشر ) يكتنفه كثير من الغموض من حيث الدور الذي من المفترض أن تلعبه فى نشر الأدب السوداني والمشاركة الدولية والاقليميه بأسماء كتاب سودانيين وقد نكون مخطئ الرأي عندما نرى أن دور النشر السودانية لم تجذب أليها كثير من الأدباء
السودانيين لنشر أعملهم وفى هذا عوامل شتى منها غياب المهنية والاحترافية وانشغال أكثر تلك الدور بالعائد الربحي كعامل أول ، نعم هنالك محاولات لدور نشر أسهمت في نشر عدد مقدر من الأعمال مثل دار عزة للنشر ، الا ان قله دور النشر فى السودان مقارنة مع دول أخرى أيضا يعتبر احد العوامل التي أدت لضعف التداول للأدب السودانى .
والملاحظ أنه حتى الروايتان ( شوق الدرويش ) و( شاورما ) الأولى نجحت فى تحقيق الفوز بجائزة نجيب محفوظ وترشحت للفوز بجائز البوكر وتم ترجمتها الى لغات أخرى والثانية مرشحة للدخول للقائمة القصيرة للبوكر حتى تلكم الروايتان لم تسهم دور نشر سودانية فى طباعتها مما يعطى انطباع بان هنالك قصور واضح من قبل دور النشر السودانية فى الإسهام أو التعريف بالأدب السودانى كرسالة من المفترض أن تتحملها .
قد يرى البعض بان خصوصية الأدب السودانى وتحديدا ( الرواية ) كمثال واضح يحمل تعريفا أكثر دقة للتداول الاقليمى والعالمي تعبر عن سودانيوية واضحة فى تناولها للواقع السودانى البحت والغوص فيه هى أحدى المعضلات الاساسيه والتى وقفت كحائط صد فى انتشاره وبالتالى عدم تداولة ألا ان تلك الخصوصية فى التناول نجدها لم تقف حجر عثرة امام عالميه الطيب صالح مثلا بل بالعكس هى التى ساهمت فى انتشار اكثر رواياتة شهرة على الاطلاق موسم الهجرة الى الشمال وحتى رواية عرس الزين نجدها اكثر غوصا فى الواقع السودانى ، الطيب صالح من خلال رسالتة الادبية عبر عن خصوصيه المجتمع السودانى فى تناوله الروائى ، فالشاهد ان جل كتابات الاديب الطيب صالح عمدت بصورة لاغبار فيها على طرح واقع السودان بكل تلك التفاصيل الغارقة فى السودانوية وبالرغم من ذلك وجدت طريقها الى العالمية .
التنوع الكبير للثقافة السودانية يمثل ارضيه خصبة لانتاج ادبى يحمل بذور العالمية لا يقل باى حال من الاحوال عن المحصول الادبى لامريكا اللاتينية ، اذ ما تم تطويع ذلك التنوع فى قالب ادبى بحيث يعبر عن الارث الثقافى لكل السودان على ان يصاحب ذالك حراك نقدى هادف .
اكرم ابراهيم البكرى
[email][email protected][/email]